الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

بريجنسكي: الحاجة إلى استراتيجية مشتركة أوربية - أمريكية للعراق على أمريكا أن تتخلى عن تصرفاتها الأحادية... وعلى أوروبا أن تتخلى عن (تصرفوا بدوني)

يعد زبيغنيو بريجنسكي واحداً من أشهر الخبراء الستراتيجيين الأمريكيين، وذاعت شهرته بعد أن عمل مستشاراً للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس كارتر، واسهم إسهاماً فعلياً في النتائج الخطيرة التي انتهت إليها الحرب الباردة، حين وضع أسس الخطة التي جذبت السوفييت إلى المستنقع الأفغاني نهاية السبعينيات. في هذا الحوار الذي نشرته صحيفة دي فيلت الألمانية يتحدث بريجنسكي عن رؤيته الأوضاع في الشرق الأوسط بعامة والوضع المتأزم في العراق بخاصة.

(المدى)

دي فيلت: هل أحال غزو العراق العالم إلى مكان أكثر أمنا؟

زبيغنيو بريجنسكي: كان الغزو في ذلك الوقت غير ضروري. وسيكون من الحكمة، لو تم التحلي بالصبر و إزالة مخلفات الحرب في أفغانستان، حيث توجد مشكلات مستمرة- مع القاعدة وطالبان.

دي فيلت: قبل نصف عام كنتم قد قلتم، يمكن أن تتحول الولايات المتحدة إلى العدو الرئيس للعالم العربي وبعدها حتى للعالم الإسلامي. وقلتم، ان الشرق الأدنى على وشك أن تشتعل فيه النيران. كيف تقيمون الوضع الآن؟

بريجنسكي: أخشى أن الأمور تتحرك بهذا الاتجاه. فقد تحدث قبل فترة قصيرة الرئيس الباكستاني مشرف في واشنطن بصراحة عن تبعات فشل أمريكا، في إقامة السلام بين إسرائيل والفلسطينيين وفي إبداء مزيد من الاعتبار لمكانة العرب السياسية.وهذا ما خلق عداء كبيراً ضد الولايات المتحدة في الشرق الأدنى وحفز عداء في العالم الإسلامي.

دي فيلت: إذاً هل كان موقف الحكومة الألمانية قبل شن الهجوم على العراق عقلانيا؟

بريجنسكي: إن النقد الموجه ضد تصرف بوش تجاه المسألة العراقية كان منصفا. وما لم يكن منصفا، هو غياب تام لخطة بديلة والاستعداد للمساهمة في استراتيجية عامة محددة.

دي فيلت: ما الذي ينبغي على الولايات المتحدة عمله الآن في العراق؟

بريجنسكي:عليها بذل جهود مضنية، لكي نجد جوابا جمعيا حقيقيا للمشكلات، التي نواجهها الآن في العراق. جوابا، ليس في التحمل الجمعي للأعباء فحسب، بل يشمل أيضا عملية التوصل إلى قرار مشترك. ولكن مما يؤسف له إن بصيرة الإدارة الأمريكية الحالية ترى، ان على الأوربيين أن يفعلوا، ما تريده هذه الإدارة. وفي المقابل فان فهم الأوربيين هذا العمل المشترك اكثر تنوعا، بان الأوربيين سوف يساهمون في اتخاذ القرارات ، إلا إن الأمريكان يتحملون جميع أعباء تنفيذها. نحن بحاجة إلى استراتيجية مشتركة أمريكية-أوربية للعراق، للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني و لإيران. ويجب على الجميع تحمل الأعباء.

دي فيلت: عندما تتحدثون عن ستراتيجية مشتركة، هل تفكرون أيضا بتواجد عسكري مشترك في ذلك المكان؟

بريجنسكي: بالتأكيد! فمن غير الممكن، التفكير باستراتيجية بديلة في الشرق الأدنى، تستثني الجانب العسكري. عندما ينبغي أن تكون هنالك ستراتيجية مشتركة، يجب أن تشمل أيضا مشاركة عسكرية عامة. فأنا أقول دوما في أمريكا: إن المشكلة في تصرفات الأمريكان كانت في قول بوش" من لم يكن معنا، فهو ضدنا" . ويقول لنا أصدقاؤنا الألمان:" عليكم أن تفعلوا شيئا آخر، ولكن نرجو أن تفعلوه بمفردكم. لن نشارك". إن المشكلات التي سوف تجابه الأمريكان في المستقبل القريب، ستكون أيضا مشكلات الأوربيين، شئنا أم أبينا. لذلك يجب على أمريكا أن تتخلى عن تصرفاتها أحادية الجانب، وعلى أوربا أن تتخلى عن تصرف "بدوني".

دي فيلت: ما الذي يمكن أن يقنع فرنسا و ألمانيا في المشاركة بقوات في المنطقة؟

بريجنسكي: فقط التعزير المشترك لسياسة في الشرق الأدنى، التي يفترض أن تشمل: مبادرة فعالة تهدف إلى حل المشكلة الإسرائيلية-الفلسطينية، كي لا تساهم هذه المشكلة الملتهبة في خلق مزيد من العداء في الشرق الأدنى؛ تصرف مشترك تجاه العراق، يهدف إلى تغيير الاحتلال الأمريكي إلى نوع من الوجود العسكري الدولي، الذي يشمل الأوربيين وبعض الدول الإسلامية، كالباكستان والمغرب. أشار الرئيس مشرف، إلى انه يمكن النظر في مسألة إرسال القوات، عندما تكون هنالك خطة موسعة، تشمل إضافة إلى العراق النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. و أخيرا وليس آخرا يجب أن تتضمن الاستراتيجية الشاملة موقفا موحدا من المشكلة الإيرانية. لا ينبغي السماح مرة اخرى لنشوء وضع، تحاول فيه الولايات المتحدة التصرف بمفردها ومن طرف واحد.

دي فيلت: هل ترى أي تطور بهذا الاتجاه؟ هل يميل بوش، إلى التعامل هكذا؟

بريجنسكي: هذا ممكن، بشكل خاص عندما يفوز بوش في الانتخابات وعندما يتوجب عليه ان يفهم نصره تفويضاً لدعم هذه السياسة.

دي فيلت: هل تستطيعون مقارنة حرب العراق بحرب فيتنام؟

بريجنسكي: إن العراق مشكلة اكثر صعوبة من عدة وجوه، لانه يساهم دوما في، أيقاد الغضب في أجزاء كبيرة من العالم الإسلامي. لقد كانت المشكلة الفيتنامية مؤلمة حقا، ولكن لم تكن لها مثل هذه التعقيدات.

دي فيلت: مرة أخرى عن إيران. ما مدى واقعية تهديدها، بالخروج من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وما مدى قدرتها الذاتية على تطوير الأسلحة النووية؟

بريجنسكي: تمتلك هذه البلاد الإمكانية، يوما ما على امتلاك السلاح النووي، ولكن أجهزة المخابرات متفقة تماما، على إنها بحاجة إلى بضع سنوات. إن إيران بلد ذات أهمية متعاظمة، بلد من دون روح عدوانية ضد الدول الأخرى وبصورة عامة قوة استقرار في منطقة مضطربة تماما. و أخيرا تمتلك إيران الإمكانية لتطوير ديمقراطية حقيقية. لا يريد الجيل الجديد أن يعيش في ظل ديكتاتورية ثيوقراطية. لذلك فان من مصلحتنا، تشجيع التغيرات في إيران ولا ندع أن تقوم وحدة وطنية مصطنعة بين معارضة ديمقراطية متنامية والملالي الحاكمين.

ترجمة: فاروق السعد

عن: دي فيلت الألمانية

 


تقرير لجنة التحري عن أسلحة الدمار الشامل صدام وقع ضحية خداعه الشخصي

سيشعر معارضو الحرب على العراق بان التقرير الجديد يشكل دعما لهم، باستنتاجهم عدم امتلاك صدام حسين اسلحة محظورة. ولكن مؤيدي الحرب يشعرون بذات الدعم لاشارة التقرير الى انه كان يهيئ للشروع في برامجه في اول فرصة.

نعم، فترسانات الاسلحة التي كانت امريكا، وبريطانيا وفي الواقع اغلب الحكومات تتوقع العثور عليها في العراق بعد غزو السنة الماضية ما زالت غير موجودة. ولكن كلا، هذا ليس برهانا، كما يزعم المعارضون، من ان الحصار الذي تفرضه الامم المتحدة كان فعالا. على العكس، فقد كان صدام حسين يحاول خداع الامم المتحدة والجميع؛ ولو ترك لشانه، لعاد الى الاعيبه الكيماوية، البيولوجية، والنووية والصاروخية. لو ان اجهزة المخابرات الامريكية والاجهزة الاخرى كانت ضحايا للثقة العالية بوجود الاسلحة العراقية، فان صدام قد وقع ضحية خداعه الشخصي.

هذا هو فحوى التقرير الاخير الذي يتكون من 1200 صفحة الصادر من لجنة للكشف عن اسلحة العراق بقيادة امريكا (ISG)، نشر يوم الاربعاء 6 اكتوبر. ومنذ ان كتب جارلس دلفر، رئيس المفتشين، تقريره الاخير في آذار، قام فريقه بنبش ملايين من صفحات الوثائق وشاهدوا آلاف الافلام. قابلوا شرائح من العراقيين، بضمنهم الشخص نفسه والعديد من المقربين له. حاول السيد دلفر، في واحد من اوسع تقارير (ISG) لحد الآن ان يثبت ليس ماذا كان يدور في العراق فحسب، بل ولماذا؟ ومع ذلك فان تلك ال "ماذا" ما زالت تسيطر على العناوين الرئيسة. وذلك لانه لو لم يكن هنالك من اسلحة ذات قيمة عسكرية، الم يكن يوجد هنالك من تهديد؟ كانت برامج العراق السرية، خصوصا البرامج النووية، في حالة فوضى. ومع هذا لم يغض صدام النظر عن النية في انتاج مثل هذه الاسلحة. ان اخفاء الخطط، والتقارير المحظورة، رغم ان العديد منها قد تكون لاستخدامات مدنية، قد وضعته في حالة انتهاكات متعددة لقرارات الامم المتحدة.

ظهر بعض من الخروقات التي كان يمارسها في التقارير الاخيرة. يعدد السيد دلفر: تحسين بعض طرق الانتاج في الصناعات الكيماوية،شبكة سرية من المختبرات تدار من قبل اجهزة المخابرات لاختبار المواد الكيماوية والسموم، وادلة اخرى لاختبارات على البشر؛ خطط الصواريخ (البالستيقية) للمديات 400-1000 كم، وهو اكثر من المدى الذي تسمح به الامم المتحدة، 150كم، محاولات شراء تقنية الصواريخ من كوريا الشمالية ومن شركات روسية. ومع هذا، لم يتم انتاج أي من هذه الصواريخ. ان بناء منظومات الصواريخ هي ما وجدها العراق الاكثر صعوبة. فحالما يتم تطويرها، كانت لديه الخبرة في انتاج، خلال اشهر او اسابيع، رؤوس حربية كيماوية او بيولوجية لوضعها فيها. كما تبين المقابلات بان علماء صدام للتسلح اكدوا انهم سيعودون الى العمل حال زوال التهديد. اقر ذلك، مهدي العبيدي، الذي كان يدير برنامج تخصيب اليورانيوم السري والذي امر باخفاء الخطط تحت شجرة في حديقته. كان يمكن ان يعاد الشروع ببرامج التسلح النووي العراقية" باشارة من اصبع صدام حسين" ، كما كتب اخيرا في النيويورك تايمز.ولكن ما هي الطريقة للشروع؟ عن طريق استخدام 11 مليار دولار من الدخل المحظور الذي يتم الحصول عليه من خطط كسر الحصار لشراء الساسة والشركات من مختلف الاقطار ، بضمنها روسيا، - فرنسا والصين-وكل منهم لديه حق النقض في مجلس الامن (وكلهم اوقفوا اعتراضاتهم على الغزو الذي قادته امريكا). يقول التقرير، إن مجموع مبالغ صدام 2 ملياران قد جاءت من الفساد في برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي سمح بموجبه للعراق بتصدير كمية محدودة من النفط مقابل استخدام الاموال لاطعام الشعب المفقر. ولتمويل صادراته غير الشرعية اضافة الى شراء الذمم، اصدر صدام (فواتير) النفط، التي يمكن اعادة بيعها بفائدة طبقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء، لاولائك الذين كانوا على استعداد، كما يبدو، لاخذ كمية من النقود التي كان من المفروض ان تذهب الى العراقيين الذين يعانون من سوء التغذية.

يعطي تقرير السيد دلفر قائمة طويلة من اولائك الذين يعتقد بأنهم حصلوا على فواتير، بضمنهم مكتب الرئيس الروسي ووزارة الخارجية، رئيسة اندونيسيا السابقة، ميكاواتي سوكارنوبوتري، وجارلس باسكا وزير الداخلية الفرنسي السابق. على اية حال، فان بعض من الذين ذكروا قد يكونون تسلموا (الفواتير) بطريقة قانونية والبعض لم يتسلم ثمن فواتيره. يشدد التقرير على أن لا يحاول مقاضاة الذين ذكرت اسماؤهم. ان مزاعم الخداع في برنامج النفط مقابل الغذاء يتم التحري عنها من قبل لجنة مستقلة برئاسة باول فولكر، رئيس سابق للخزانة الفدرالية الامريكية.

يعزز استنتاج تقرير (ISG) ،بان صدام لم يعد يمتلك اسلحة محرمة، من قناعات الذين يعتقدون أن الرئيس جورج بوش وحلفاءه شنوا الحرب استنادا الى افتراضات خاطئة. ومع ذلك، فان مساندي الحرب سوف يشعرون بانهم حصلوا على دعم عن طريق كشف التقرير لنوايا صدام استخدام الرشوة لرفع الحصار والعودة الى برامج التسلح (اضافة الى محاولات مستمرة للحصول على تكنولوجيا الصواريخ بعيدة المدى) . يقول مايك مكاري مستشار جون كيري في حملته ضد السيد بوش إن التقرير" يمثل توضيحا قيما لقضية حرب خاطئة شنت من قبل هذه الادارة" . وفي المقابل، اصر السيد بوش يوم الاربعاء الماضي على انه هنالك "خطر حقيقي" من ان صدام قد سرب اسلحة، مواد او معلومات حول صنع الاسلحة الى شبكات ارهابية، وان ذلك " كان مجازفة ما كان يجب السماح بها". كان صدام عام 2000 مقتنعا بان الحصار سوف ينهار. ولكن ان كان لم يعد يمتلك اسلحة عسكرية ذات قيمة (لم يتم البرهنة على تسريب بعضها الى سوريا) ، لماذا لم يفعل المزيد لكي يثبت ذلك؟ يبدو ان الجواب هو ان رغبته في التخلص من المفتشين، عن طريق التوقف عن انتاج الاسلحة المحرمة، تعارضت مع اتهامه بامتلاكه مثل هذه الاسلحة التي حافظت على نظامه-في حربه الكارثية مع ايران خلال الثمانينات، وفي منع الامريكان من اسقاطه بعد طرد العراقيين من الكويت، وفي ارهاب الاعداء الداخليين، خصوصا الشيعة والاكراد. لذلك فان كان العالم على خطأ، فان صدام كان الخاطئ الاكبر: فقد قاد خداعه حول ما تبين انه عدم وجود للاسلحة الى ازاحته من السلطة ودخوله السجن.

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست


 

أنا وصدام والقنبلة!

مهدي العبيدي

كنت رئيساً لبرنامج صدام النووي وأعيش الآن في الولايات المتحدة وأتمنى أن أجيب على اهم الأسئلة المتبقية بشأن هذا البرنامج.

ما الذي كان يجري حقيقة في العراق قبل اجتياحه في العام الماضي؟ فبرنامج العراق النووي كان على وشك النجاح قبل عام 1991 حين اجتاح العراق دولة الكويت، ولم يكن لدي أدنى شك في أننا سوف ننتج عشرات القنابل النووية خلال عدة سنوات قادمة، ولكن المشروع توقف بواسطة مفتشي الأمم المتحدة بعد حرب الخليج الأولى، ولم يبدأ ثانية أبداً. لقد اكتشف المفتشون خلال التسعينيات جميع المختبرات والمكائن والمعدات التي كنا نستخدمها في البرنامج النووي ودمرت بالكامل أو أضعفت فعالياتها.

وفي عام 1998 طرد صدام مفتشي الأسلحة من العراق، لكن ما تبقى هو المعلومات الخطرة بشأن المئات من العلماء وبرامج العمل والأقسام الأصلية للنماذج الأساسية للنوابذ الخاصة بخطط البرنامج المذكور، وكنت قد دفنتها تحت شجرة في حديقة منزلي. من جهة أخرى فإن عمليات التفتيش والمقاطعة التي نفذتها الأمم المتحدة عقب حرب الخليج جعلت من المستحيل إعادة إنشاء البرنامج ثانية. وقد اعتمدنا خلال الثمانينيات بقوة على السوق السوداء الدولية في شراء المعدات والتكنولوجية الخاصة بالأسلحة، ولكن الحصار الاقتصادي، أغلق علينا الطريق.

هنالك عامل آخر في عملية اختفاء هذا البرنامج، وهو المنفعة المباشرة والملائمة من برنامج النفط مقابل الغذاء، إذ راح صدام يبني القصور الفارهة له ولعائلته من الأموال التي يخطفها من هذا البرنامج. وأنا اعتقد بأنه لم يكن مستعداً للمخاطرة بهذا الربح الكبير ليحاول إعادة بناء برنامج أسلحة سري جديد.

وحسب طبيعة سنوات التسعينيات وأحداثها فإن أكثر العلماء التابعين للبرنامج النووي انتقلوا للعمل ضمن مشاريع مدنية في إنتاج الأسلحة التقليدية وإن فكرة إنتاج قنبلة نووية أصبحت حلماً ضبابياً لتاريخ آخر.

إذن، كيف أمكن الغرب بشأن تقديم تخمينات خاطئة حول البرنامج النووي قبل عملية الغزو في العام الماضي؟ فحتى بالنسبة لأولئك الذين بيننا من يدرك أفضل من غيره فإنه لمن العدل والسهولة أن ترى كيفية حصول المراقبين على الانطباع الخاطئ، ففي البداية كان هناك تاريخ صدام الخاص، إذ أبدى رغبته في الحصول على السلاح النووي منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي حين بدأ العلماء العراقيون بالتقدم في إنشاء المفاعل النووي. وقد استخدم الأسلحة الكيمياوية ضد ابناء شعبه وضد إيران خلال الثمانينيات.

وبعد حرب 1991 حاول إخفاء برنامجه الخاص بأسلحة الدمار الشامل لفترة أطول (وقد أخفى هويتي الخاصة عن مفتشي الأسلحة حتى عام 1995)، وأصبح من الأكيد أنه حياول تطوير أسلحة كهذه مرة ثانية.

وقد لاحظت خدمات الاستخبارات الغربية فضلاً عن صانعي السياسة بعض مفاتيح الحل لتلك المحاولة في إعادة بناء برامجه. وأحد هذه المفاتيح كان ارتداد حسين كامل الذي كان مسؤولاً عن برامج الأسلحة غير التقليدية خلال الثمانينيات ضد رئيسه.

كان (حسين كامل) مسؤولي المباشر، وكان آمراً وحشياً، فراح يجبر الجميع على العمل تحت ضغط تواريخ مستحيلة، وكان يمثل القوة الباعثة لجهودنا النووية. والحال إن التحول نحو الأسلحة النووية بدأ على نحو جاد عام 1987، أي حين برز (حسين كامل) في مواقع السلطة الرئيسة. وقد وضع بنفسه عشرين رجل أمن مرعباً فوق مباني المختبر الخاص بالطرد المركزي النووية ومختبراتها. وعملت مع فريق عملي على نحو محير، لكي نكون بعيدين عن زنزاناته. ولكن بعد هروبه إلى الأردن عام 1995 وعودته بعد عدة أشهر ليقتل من قبل عمه وآخرين فقدت برامج الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية الموجه الرئيس لها.

ومن جهة أخرى لم يفهم الغرب الطبيعة المضللة لعقل صدام، ففي عام 2002 حين كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تهددان بالحرب فقد صدام قدرته على معرفة حقيقة ضعف القوة العسكرية العراقية.

وفي ذلك الوقت انتقلت لأكون رئيساً لمشاريع مجمع التصنيع العسكري الداخلية، وكنت الشاهد الأول على عالم صدام الفنتازي والذي كان يعيش فيه بشكل وهمي، إذ راح يدعم مشاريع أسطورية وبلا أمل، مثل صاروخ بعيد المدى الذي كان بعيداً عن الواقع تماماً بسبب الحصار والقيود الدولية. وهناك مسؤول آخر لمشروع صاروخ جديد طلب منه تقديم تقرير عن تقدم مشروعه فإذا به يقدم قصيدة إطراء للديكتاتور بدلاً من التقرير، ولم يرسل هذا الرجل إلى السجن، ولكنه كوفئ من قبل صدام على قصيدته.

عام 2003 لاح الغزو الأمريكي للعيان وكان المستبد يعمل في كتابة روايته الأخرى التافهة ويعطي الأوامر الطائشة مثل إحراق النفط حول بغداد (لإخفاء) المدينة من هجمات القنابل. وعلى نحو لا يصدق، كانت آخر مهامي هي تقديم خطة السنوات العشر لأعمال التصنيع العسكري بينما كانت عشرات الآلاف من القطعات العسكرية تعد العدة لغزو البلاد. وظل صدام حتى النهاية محافظاً على هيئة الطاقة النووية العراقية بقيادة فريق من العلماء الأذكياء والمتورطين في بحث ليست له أية علاقة بالأسلحة النووية، وهكذا راح يواصل أوهام عقله الطائش بأنه يمتلك برنامجاً نووياً. وأصبح صدام بهذا الطيش يشبه الأمبراطور العاري وهو يخادع نفسه بالتصديق على أنه يمتلك سلاحاً خطراً، ولكنه لم يكن يشبه قصة الإمبراطور الذي خدع نفسه بل خدع صدام باقي العالم معه.

هل كان العراق يشكل تهديداً خطراً لأمريكا والعالم معاً؟ إن التهديد كان على الدوام بمثابة قضية إدراك الموقف، ولكن برنامجنا النووي لا يمكن إعادة تشكيله بواسطة أصابع صدام المنزوعة.وإن المقاطعة وبرنامج النفط مقابل الغذاء أدتا خدماتهما مواانع قوية، إلا إن أحداث العالم - مثل جهود إيران الحالية للتقدم نحو طموحاتها النووية - قد غيرت الموقف تماماً.

إن العلماء العراقيين لديهم المعرفة والتصاميم الضرورية للبدء في البرنامج إذا كان ضرورياً. وليس هناك من مشكلة أمام إمكانية أن يعمل بسرعة فائقة. ففي أواخر ثمانينيات القرن الماضي كنا قد وضعنا برنامجاً سرياً لم يستطع العالم ملاحظته. وفي غضون ثلاث سنوات حصلنا على إمكانية تخصيب اليورانيوم واصبحنا نشكل تهديداً نووياً، وقد أمر صدام ببناء مراكز الطرد التكنولوجي ذات التأثير القوي وراح العالم ينظر إلى جهة أخرى، وقد اقتربت المسافة الزمنية من أجل إنتاج السلاح النووي.

إذن ما الموضوع الآن؟ لقد رحل الدكتاتور ولكن ذلك لا يعني أن المشكلة النووية لا تزال خلفنا، وحتى تحت عيون المراقبة لخدمات صدام الأمنية توجد مخاوف من أن علماءنا ربما يهربون إلى دول أخرى أو يبيعون ما لديهم من معلومات نووية لآخرين، فمثل هذه الخبرات أصبحت ذات قيمة عالية في هذه الأيام مع توفر المعلومة النووية في السوق السوداء، وتكاثر برامج الطاقة السلمية بشأن العالم والتي يمكن استخدامها بعد التحول إلى الأغراض العسكرية.

توجد المئات من أعضاء طاقم عملي السابق والعلماء لديهم المعلومات التي يمكن أن تكون مفيدة لأمة شريرة وعدوانية تطمح إلى الحصول على برنامج أسلحة نووية سري. والأكثرية الواسعة من الفنيين مثلنا لديهم الاهتمام بالدرجة الأولى بعوائلهم وسبل عيشهم. وتؤكد الولايات المتحدة أن هؤلاء اكتسبوا الأعمال الجيدة والبناءة في عراق ما بعد الحرب. وإن أكثر زملائي السابقين يمكن جلبهم وبصورة مرحلية إلى الغرب وإدخالهم إلى الجامعات ومختبرات البحوث والشركات الخاصة.

لقد غزت الولايات المتحدة العراق بهدف إنهاء ما كانت تراه خطراً نووياً وبات الآن تقليل الفرصة التابعة من تسلل المعرفة العراقية الخطرة خارج الحدود أكثر حيوية. فالأخطار النووية التي تواجه العالم هي في حالة نمو وليست نقصان، وأملي أن يكون المثال العراقي دافعاً لأفضل السبل للتعامل مع هذا التهديد.

ملاحظة: (مهدي العبيدي مؤلف كتاب "القنبلة في حديقتي" - أسرار العقل الموجه لسلاح صدام النووي - كان رئيساًلبرنامج صدام النووي، وهو يعيش اليوم في الولايات المتحدة)

ترجمة: عمران السعيدي

عن: هيرالد تريبون

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة