الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

لا نقابة تمثلهم... ويتهربون من تفتيش الضمان الاجتماعي! .. حمالو الشورجة يتناولون البصل مع فطورهم و(يوميتهم) قد تصل إلى 25 ألف دينار

- صاحب أعلى صوت في تاريخ الحمالين: إذا أصيب الحمال أو شاخ قد يتحول إلى شحاذ خلال أيام!

حمالو المحافظات يعلنون الحرب على حمالي بغداد!

علي حمود الحسن

الشورجة رئة العراق الاقتصادية، وسوق أسواق بغداد، ومعين المحافظات من السلع والحاجيات، ابتداء من الغذاء وانتهاءً بالسلع الخدمية، بضائع حديثة جداً، وأخرى ضاربة في تلافيف التاريخ البغدادي بالأخص والعراقي عموماً، فأنت تجد الكثير من معطيات التكنولوجيا، جنباً إلى جنب مع "الليف" و"الطين خاوة" و"السكنجبيل"... أزقة ضيقة متداخلة، وخانات عجيبة لا يمكن دخولها إلا للمشاة، أطنان لا تحصى من البضائع تبتلعها مخازن الشورجة العتيقة، لتتقيأها كتلاً مرزومة، مسافرة إلى محافظات الجنوب والوسط. والشمال، عبر قوافل شاحنات شركات النقل المنتشرة في شارع الجمهورية، لكن من يوصل هذه البضائع إلى هذه الشركات وبالعكس، ومن الذي يتكفل بانسيابية البضائع المشتراة، من داخل هذه الأزقة والدرابين المغلقة.. إنهم الحمالون الشريحة المنسية، المكدودة نسغ الشورجة وديمومة حركتها بعرباتهم الربل، والعربة الصغيرة الخشبية التي تدفع باليد، أو ظهورهم التي حملت الأثقال، وما حملت همومهم، ذهبنا إليهم مستطلعين في أماكن تواجدهم، متسائلين عن همومهم، وأسرار مهنتهم وآمالهم..

لولا الحمالون لا توجد شورجة

كان لقاؤنا الأول مع مجموعة من الأخوة الحمالين في باب الأغا، الذين اقتعدوا عربة الربل، سألناهم عن همومهم ومشكلات عملهم ومكانة "الاحمالة" في الشورجة؟

أجاب أحدهم بحماسة وبدا زملاؤه مؤيدون لكلامه:

الله كفيلك، لولا الحمالون لما وجدت شورجة، فمن يتخيل أن تنقل البضاعة من مكان إلى آخر في هذه الزحمة، التي لا تطاق وفي هذه الأزقة والدرابين، التي لا يتجاوز عرضها نصف متر. من دون الحمالين..!

أحدهم كان يتمنطق بنطاق عسكري، وسروال رمادي، عرفت أن زملاءه يلقبونه بمجيد كردية قال:

-عمي الحمالون نوعان: نوع ينتشر في كل أنحاء الشورجة ينقل "المال" - البضائع - من مخازن التجار إلى البائع، ومن البائع إلى المستهلك وبوسائل مختلفة، فمنهم من يحمل البضاعة على ظهره، باستخدام "الشليف"، ومنهم من يستخدم "الربل" - وهي عربة طويلة ترتكز من وسطها على عجلتين، وتعتمد في سيرها على الحمال، الذي يتمنطق "بسير" عريض يجرها به - وهذه العربة لا يقودها، إلا الحمال الذي يمتلك خبرة كافية، فهي تعتمد على موازنة دقيقة، ربما يفسر هذا كثرة الحوادث في هذه العربات، ذلك لأن الحمالين القادمين من المحافظات لا يجيدون استخدامها..

*حمالو المحافظات ينافسوننا في رزقنا..!

سألنا السيد أبو أحمد (حسين المندلاوي) وهو حمال يعمل في هذه المهنة منذ أوائل التسعينيات عن حمالي المحافظات فأجابنا:

- القادمون من المحافظات، عندما يأتون إلى بغداد، ولا يجدون أي عمل خصوصاً إذا كانوا لا يتمتعون بأي مؤهلات، يلجأون إلى العمل حمالين في الشورجة معتمدين على قوة عضلاتهم، وهؤلاء لعدم معرفتهم اسرار المهنة يقعون في مشكلات كثيرة، ويسببون لنا مشكلات كثيرة، نحن حمالي بغداد، فهم يقبلوا بأي سعر يعرض عليهم، ويذهبون إلى أي مكان، وهذا يفسر الكساد الذي نعيشه هذه الأيام.

تحت التكية

تركنا شارع باب الأغا، وانتقلنا إلى سوق الملابس العتيق "تحت التكية" حيث التقينا السيد (ابو حسن) "جيار اكَعيد" وسألناه عن أهم المشكلات التي تواجه الحمال في الشورجة..؟

- والله يا أخي الازدحام أولاً.. والمصلحة هي وسواقها "الحواسم" ثانياً.. والناس حينما نطلب منهم أن يوسعوا لنا الطريق، ونحن نصيح "بالك عمي" "بالك.. بالك.. أهدومك النفط" مما يزعج الناس - السابلة خصوصاً - فيوجهون لنا الشتائم والألفاظ النابية، ذلك لأنهم يفسرون علو أصواتنا، وحدتها على إنها انتقاص من كرامتهم، أو قلة أدب من قبل الحمال، لكن الحقيقة هي إننا تعودنا الصوت العالي، والنبرات الحادة، لأننا دائماً أمامنا طرق مزدحمة بالمارة، ولا أعرف كيف يسمعنا الناس، أو يفسحوا لنا المجال إذا تكلمنا همساً..

حينما يشيخ الحمال

ذهبنا إلى السوق العربي، حيث التقينا أنشط حمال عرفته الشورجة "سلمان الكردي" صاحب أعلى صوت في التاريخ المهني لحمالي بغداد "بالك عمي.. بالك أخويا".

هذه الكلمات تمتلك قدرة عجيبة على فسح المجال، أمام عربته من قبل المارة، وهي أمضى من مارد مصباح علاء الدين، الذي يمثله "سلمان الكردي" بفعاليته في الشورجة سألناه:

*إذا مرض الحمال، أو كسر عضو من أعضائه، أو هرم، إلا توجد نقابة، أو تجمع، أو ضمان معين..؟

أجابنا مشكورا:

- لا طبعاً، الذي يحصل له كل هذا ينسى خلال أيام، وهنالك العديد من الحمالين، الذين تحولوا إلى شحاذين، بعد أن نضبت قوتهم أو كسرت أرجلهم أو أيديهم جراء العمل..!

تركنا سلمان الكردي وصوته الجهوري، وتوجهنا إلى مربط الفرس "الشورجة" حيث التقينا السيد "أبو مؤمل" فاضل عباس، "وعلي فارة" و"مجيد المشهداني"

*إذا ما توفرت فرص عمل أفضل، غير الحمالة، هل تتركون هذه المهنة؟

أجابوا بصوت واحد:

- طبعاً من يرضى بكل هذا التعب، والشقاء والإهانة، نحن ننتظر الفرج من الحكومة، والحكومة "مدوخها" الزرقاوي!!

ماذا يأكل الحمال

*ترى ما الذي يأكله الحمال من أجل الحفاظ على طاقته، وما المردود المادي الذي يتناسب مع كل هذا التعب؟

واجهنا السيد "أياد الفضلي" - وهو حمال مسترخ يعمل في مجمع "صحبت التجاري" فأجابنا قائلاً:

- والله الفطور في البيت، وحسب المقسوم على أن يكون البصل موجوداً..! أما الغداء فيجب أن يكون دسماً "وحسب جيبك" دجاج، تمن وقيمة، تشريب حجي عمران - مطعم صغير في عكد النصارى - أما عن الرزق فهو بيد الله، لكن معدل ما يحصل عليه الحمال من 10 إلى 25 الف دينار.

السلطة الخامسة

في محاولة لفهم وجهة نظر الآخر، الذي تهمه قضية الحمالين، قصدنا سائقو المركبات ومصلحات نقل الركاب في شارع الجمهورية، سألنا السيد (ابو مشتاق) طالب عباس الدليمي - سائق تكسي يعمل في شارع الجمهورية..

*هل يسبب الحمالون وعرباتهم مشاكل في الشارع؟

أجاب منفعلاً:

- كل المشكلات أولاً يسير بالاتجاه المعاكس، ثانياً يوقف عربته في منتصف الشارع، لا يبالي بتوسلات السائقين، ثالثاً يفتعل التصادم كي يحصل على تعويض، خصوصاً في هذه الأيام، رابعاً لا يحترم أحد. شتام، لعان، باختصار  شديد، إذا كانت الصحافة تسمى السلطة الرابعة، فإن الحمالين في شارع الجمهورية هم السلطة الخامسة..!

*أما وجهة نظر المرور في هذه المشكلة فقد لخصها لنا أحد ضباط المرور في شارع الجمهورية قائلاً:

- والله يا أخي هؤلاء هم سبب المشكلة، لا يلتزم الحمال بالضوابط فهو يسير باتجاه معاكس، وبطريقة بهلوانية ويعبرون من الأماكن التي لا يسمح بالمرور منها، مستفيدين من الأوضاع الراهنة، والحل ليس جزيئاً، الحل كلي فحينما يعم الاستقرار والأمن في البلد ستتلاشى هذه الظواهر آلياً.

لماذا يتهربون؟

بعد أن استطلعنا حال الحمالين في الشورجة، وهم شريحة لا يستهان بها ذهبنا إلى إحدى المتخصصات في مجال البحث الاجتماعي، وهي السيدة زهرة المنشداوي وسألتها:

*أين تصنف دائرة العمل والضمان الاجتماعي، هذه الشريحة الكادحة، وهل هنالك في الوزارة محاولات لضمان مستقبلهم أو الاهتمام بشؤونهم..؟

أجابت: الحقيقة، وحسب معرفتي لا يوجد في وزارة العمل والضمان الاجتماعي، أي محاولة لرعاية هؤلاء، وذلك لعدم السيطرة على أماكن تواجدهم، قد تستغربون من أن عمال المعامل، والورش والشركات الصغيرة المنتجة، يتهربون من تفتيش الضمان الاجتماعي.. وطبعاً هذا يعزى لقصور في وعي العامل، وصاحب العمل بماهية الضمان الاجتماعي.

مناشدة

ختاماً نناشد وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ونقابات العمل، والجمعيات الإنشائية العمل على احتواء هذه الشريحة المكدودة وتبني قضاياها وتأمين الدعم المادي والمعنوي لأفرادها لكي يضمنوا بعضاً من حقوقهم.


سائقوها (مدهنون) دائماً.. ويأملون من الحكومة مقايضتها بسيارات جديدة ..  سيارات (المسكوفج)... علامة الحلة الفارقة ،  آخر موديل منها دخل العراق قبل 25 سنة!

بابل / مكتب المدى

سعد الحداد

تصوير: قاسم عبد الرضا

لكل مدينة عراقية نكهة خاصة، ولكل منها تميز وشهرة في مجال ما. فمنها ما اشتهرت بالصناعة أو التجارة أو الزراعة أو بأثر سياحي أو ديني. ومنها ما اشتهر بأكلة شهيرة فمدينة أربيل مشهورة بلبنها والكاظمية بكبابها والنجف بطرشيها والحلة بقيمرها وباقلائها.. وقد امتدت الشهرة لتشمل السيارات.. فمدينة النجف اشتهرت بكثرة اقتناء أهلها للسيارات من نوع فالفو، والمدن الشمالية كانت قد اشتهرت بتوفر نوع البيجو في مناطقها ومدينة الديوانية كثرت فيها الفولكا وهكذا في مدن العراق الأخرى.

لماذا (المسكوفج)

أما مدينة الحلة فمنذ بداية العقد السابع من القرن الماضي بدأ غزو السيارات روسية الصنع لها.. وأشهر الأنواع (المسكوفج) و(الفولكا).. وما زال هذان النوعان من السيارات يعملان بكفاءة، لكن المتسيد للشارع الحلي على الرغم من التطور الحاصل في الأنواع والموديلات خاصة تلك التي دخلت العراق بعد سقوط النظام هي سيارات (المسكوفج).. فإن أردت إحصاء ذلك النوع في المحافظة لابد من القيام بجولة تفتيشية في الأزقة والأحياء والبساتين والقرى والأرياف... ورب سائل يسأل عن سبب وجيه يدعو لاحتفاظ أصحاب تلك السيارات بها، وقد اصابها الوهن والشيخوخة، وأصبحت تشكل مصدراً للتلوث البيئي فضلاً عما تسببه من زحام وعراقيل وسط موجة السيارات الحديثة والسريعة والمتطورة بأشكالها وألوأنها فضلاً عن كثرة عطلاتها وتوقفاتها المتواصلة في الطرق والشوارع العامة مما يؤثر في حركة المرور وانسيابتها في شوارع المدينة المتعبة هي الأخرى والضيقة جداً.. طالما تساءلنا عن سبب عدم التفريط بهذا (الكائن) الذي أصبح تراثياً اليوم في مدينة الحلة وصيغت حوله العديد من الطرائف

رأيان متناقضان

وعن سر علاقة (المسكوفج) بهذه المدينة وسر الارتباط (الروحي) بين الحليين (والمسكوفج) تحدث إلينا السائق محمد هاني كريم (61 سنة) قائلاً: يعتقد أن الميل لاقتناء السيارات الروسية كان له ما يبرره فالحلة كانت مركزاً كبيراً لنشاط الشيوعيين حتى لقب بعض محلاتها (الجامعين) بـ(موسكو الصغرى) فربما قد أثر الانتماء في الميل إلى اقتناء مثل تلك الأنواع واستخدامها..

أما السيد جاسم علي (55 سنة) فيقول ربما كانت مصادفة أن تكون الحلة محطة لتلك السيارات ولا أعرف أن السياسة لها أثر في ذلك.

جولة في المدينة

خلال جولة في شوارع المدينة التقينا الكثير من أصحاب (سيارات) (المسكوفج) وبين فترة وأخرى نجد بعضاً منها متوقفة وأصحابها يسكبون الماء لتبريدها أو هناك من افترش الأرض وراح يبحث عن عطل أصاب مركبته الأثيرة...

فالتصليح كما يقول السيد سلام محمد (47 سنة) يعتمد بالأساس على صاحب السيارة (السائق) فهو أعرف بالسيارة وتفاصيلها وكثرة العطلات ساعدت على التمكن من معرفة أي عطل يصيب السيارة، فلا حاجة للذهاب إلى مصلحي السيارات إلا في الحالات الكبيرة أو المستعصية، لذلك أنت لو فتشت عن (هندام) سواق (المسكوفج) لوجدتهم كلهم قد (تدهنوا) من الرأس إلى القدمين وملابسهم رثة تدل على ذلك..

العامل الاقتصادي

وتساءلنا أيضاً عن العامل الاقتصادي وما أثره في الاحتفاظ بهذا النوع من المركبات، بل ازدياد الرغبة في الحفاظ على نوع من السيارات يكاد ينقرض يقول السيد سلمان الموسوي (52 سنة) أن المستوى المعايير في الحلة ضعيف مما يؤدي إلى اندفاع الناس لشراء سيارات رخيصة يمكن إصلاحها في حالة حدوث عطل باقل الأثمان. وتؤيد هذا الرأي مجموعة من سائقي (المسكوفج) المتواجدين في منطقة (الجبل) وهي منطقة تواجد سيارات التاكسي.. يقول السيد جبار عبد الحسين (56 سنة): السيارات الحديثة أثرت في عملنا ورزقنا فالراكب يفضل السيارات المبردة والسريعة لكننا والحمد لله نحصل على (ستة آلاف أو سبعة آلاف دينار) في الأقل يومياً وأجرتنا لا تتجاوز (750 ديناراً).

أما السيد أياد الخفاجي (42 سنة) فقال: إن العامل الاقتصادي المتدهور لعموم الناس في زمن صدام جعل الكثير من أصحاب هذه السيارات يحتفظون بسياراتهم وعدم بيعها أو تفصيخها لأنها مصدر رزقهم. ولكن اليوم نأمل من الحكومة الجديدة أن تقوم باستبدال ذلك النوع مقابل مبالغ معقولة، ونتمنى لو كانت على شكل أقساط ليتمكن المشترون من تسديدها بيسر وسهولة.

300 ألف دينار تكفي لشرائها

وهمس في أذني أحد الموجودين في المكان أن أسألهم عن حركة البيع القوية هذه الأيام (للمسكوفج).. لكن شخصاً آخر سمعه فقال فجأة وبصوت مرتفع: (عمي أوداعتك.. صارلي أسبوع بالمعارض ما وصلت السيارة غير (300 ألف دينار))..

بينما قال لنا السيد محسن عبد الصاحب (64 سنة) بعضهم بدأ يشتري السيارة لا من أجل السيارة بل من أجل الأرقام، لأن هناك إشاعة تقول أن المرور سيقوم بتبديل السيارات القديمة بأخرى جديدة (تاكسي).. ولهذا ارتفع سعر (المسكوفج) إلى قيمة أعلى مما كان عليه قبل أشهر وأنظف سيارة في المعارض لا تتجاوز 700 الف دينار حالياً وأن آخر موديل دخل العراق قبل (25 سنة) في عام (1979).

وسألت أحدهم وأنت ماذا تقول؟

(والله عمي كله حجي.. لتكول سمسم الا تلهم.. وربك هو المعوض.. الحكومة ملتهية بالإرهاب والزرقاوي يا مسكوفج يا فولكا.

وفرولنا بانزيناً، نفطاً.. كهرباء! العيشة طالعة والحمد لله).

حمدت الله كثيراً أن في بلادنا خيرات لا تحصى وشيوخنا يمتطون سيارات لا تصلح حتى كسكراب بل لا ينطبق المثل القائل (مثل سكراب الشعيبة) لكنها في الوقت نفسه المقاوم الوحيد والعنيد لشوارعنا التي أكلتها المياه الآسنة وحفرت الأخاديد في كل زاوية منها.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة