الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

السعدية مدينة تروج للفستق

أديب أبو نور

السعدية.. موجة تاعمة في بحر من سفر، لها شط من فيروز ونخل اشقر، تهوى المواهب والهواية وتصدر الفستق، تذهب للبساتين والحقول ولا تتجاسر على اللعب في مضمار التجارة، مدينة لا تتسع تتوالد في ذاتها منذ قرون وقرون، لها رحلات منتظمة، وردروب مقفلة ووفرة في الحكاية واللغات، فهي مدينة تعمل بالعربية وتتفاهم بالتركمانية وتجيد الكردية باطمئنان.

تشعر بالغصة من كون جلولاء اتسعت للوجود منزلقة من احضانها، فالسعدية ترى انها ارسلت جلولاء لتعمر محطة القطار وتلبي احتياج المعسكرات ولكنها كبرت وصارت ولاية باذخة الاسواق.

في عام 17 هـ، مر عام على واقعة جلولاء التي شهدت انتصار المسلمين في معارك الفتح الاول. وفي ذلك العام انبثق للوجود موقع السعدية على بقايا معسكر القائد العربي سعد بن أبي وقاص وجنده، ونمت المدينة التي ظلت تقاوم الغزو في رحلة إثر رحلات. فقد مرها صفويون وعثمانيون وإنكليز ودهما فيضان. فهي فرجة على مد الدهر وطوال الزمان لنهر لاحابس لموجه ولا رداع لخبثه اذا ما صعد بلونه المحمر من فجاج الارض إلى مدن تعتاش على خيره في صيف وربيع غب شتاء. نهر اسمه (ديالى) له حكايات وعنده اساطير. قل نمت المدينة بمعنى كبرت واتسعت لتصل الينا وقد قارب عدد سكانها الثلاثين الف نسمة يستغلون مساحة (22) الف دونم، فأبناء السعدية كجيرانهم ابناء جلولاء مزارعون بارعون يميلون إلى التفرد في الانتاج والتصدير.

يزرعون الفستق  ويمولون بغداد بالطماطة واصناف الخضار. لابنائهم (24) مدرسة مختلفة الاغراض ومركز صحي واحد.

مرة اخبرني عنها ابنها السيد (عبد الله نجم الجادر) وهو تولد (1901) بالقول: سميت في بعض العهود (قرز الرباط) أي الرباط الاحمر او الرباط المقدس، تهوى الحكاية في صياغة المأساة فهي تروي لك قصة البنات السبع، وكيف اختطفهن نهر ديالى في احدى مرات فيضانه او قل غضبه او قل استهتاره.

وهن  يجمعن الحطب الذي كان يأتي به السيل، فتم  دفنهن في مقبرة واحدة ظلت على مد التاريخ مكان تجمع الناس في مناسبات الدين وظلت تسمى منطقة (سبع بنات) ويسميها اخواننا التركمان (يدخز).

والسعدية ابتنت مسجدها الاول في عهد سعد، وهو  ذاته سعد بن أبي وقاص. ثم صار لها مسجد عنده متسع من المكان واسمه (جامع محمود باشا الكبير) ويعود تاريخ انشائه إلى سنة (1896م).

منها صعد إلى النجومية صحفيون وفنانون وادباء مثلما حاول ابناؤها في سبعينيات القرن الماضي صناعة طائرة. صنعوها وحلقت عند سماء بعقوبة بعض الوقت.

هذه المدينة نزح عنها طريق السفر بعد ان قطعته بحيرة حمرين وارسلته إلى (أمام ويس) لتجد نفسها منزوية عند ثرائها الخصب وهي تشاطئ (ديالى) نهر الخيرات واللذيذ من السمك. صيفها طيب برائحة الزراعة وثغاء الدواب، وشتاؤها طمأنينة اوجبها ابناؤها المتجانسون المتعاونون. ليس لي ان احدثك عن شوارعها فهي شوارع مرتبة.. ولكن ما شأني والحديث عن اتصالاتها ومائها. ما شأني؟.

اني اقول اصبحت تعوزها سدة وجسر لتمرها القوافل وتلغى الزوائد من طريق ذاهب او رابط بين مدن الشمال ومدن الجنوب فالبحيرة بابتلاعها الشارع العام اوجبت زيادة في طول الطريق لا تقل عن اربعين كيلومتراً.


اضاءة.. يد اينما ذهبت

سوسن الزبيدي

تشكل ظاهرة التسول، حالة سلبية في حياة المجتمع، ولا سيما ان اعداداً كبيرة من الاطفال، والمخمورين بدأوا ينخرطون في هذه "المهنة" التي يدعونها، سهلة، ولا تحتاج إلى شيء، سوى ان يمد احدهم يده، متذمراً وشاكياً حاله للآخر، الذي سرعان ما ينقده مبلغاً محدداً، ثم يتحول إلى غيره،  حتى يكون مبلغاً كبيراً قبل حلول العصر.

وينتشر هؤلاء قرب الاضوية المرورية في الاغلب متخذين من وقوف السيارات ذريعة لتمرير لعبتهم هذه، وكذلك في الاسواق المزدحمة والشوارع التي تكثر فيها المحال التجارية، والسابلة.

ان وضع مجتمعنا لا يبيح له استمرار هذه الظاهرة الشاذة، لانه مجتمع  يعتمد على نفسه في كل شيء، وجرب الظروف الصعبة والسهلة، ولم يطأطيء لها، ناذراً نفسه للعمل والسير في الاتجاه الصحيح، الذي يحفظ كرامته وماء  وجهه.

هؤلاء العاطلون عن ممارسة الحياة بشكلها الصحيح يرومون حياة سهلة بلا عناء، تحت حجج وذرائع غير مقبولة وعلى حساب غيرهم من الناس الذين يمنحونهم بحجة "العطف" "والاحسان" في الوقت الذي بامكانهم ان يعملوا ويديموا حياتهم، ويساهموا بشكل او بآخر في بناء المجتمع، دون ان يكونوا عالة على الآخرين.

ان ظاهرة التسول هي واحدة من الظواهر الشاذة التي بدأت  تستشري في جسد مجتمعنا، بشكل قوي ومؤثر، وعلينا جميعاً تقع مسؤولية الحد منها اولاً، ومن ثم الغائها نهائياً لنحافظ على العمق الاخلاقي لمجتمعنا المعروف بنظافته وبالتالي كي لا تنخرط مجاميع اخرى في هذا الطابور الطويل الذي لا يعي حقيقة الموضوع وخطورته.


ين قوسين : استذكار الحلم

كان السفر زمن النظام السابق حلماً صعباً وكثيراً ما انشغلنا به ورسمنا له صوراً في الذاكرة، ولعل اهمها هو الخروج من الدائرة السوداء التي ضاقت علينا يوماً بعد آخر، وكلما ازدادت سوداوية تلك الدائرة انفتحت الذاكرة واسعة على احلام ملونة بالخلاص والواصول إلى فضاء جديد ومختلف تماماً، فضاء لا تشعر به بالظلم الذي قال عنه الشاعر نزيه ابو عفش الظلم منفى، لانه يجعلك غريباً عن الآخر القريب اليك والمتجاور معك. الظلم والعسف هو الذي جعل الحلم عصياً وكيف بك انت تريد الخروج من الدائرة، والدخول إلى فضاءات الغربة والجوع والتسكع مكتفياً بفرصته ربما تتحقق لك وانت تنسج الاحلام هادئاً مترقباً لحظة ما، ستأتي وتمسك بيدك رفرفة الحلم وبصير أمراً واقعاً، وممكناً، لكنك تصديت الفرصة الاسطورة وقررت المغادرة إلى اين؟ إلى عمّان اولاً وأخيراً، لانك غير قادر على ابتعاد عن الوطن الذي يعني لك البيت والذاكرة، الاصدقاء، موروثاتك العزيزة التي تسلمتها من الناس والعائلة. لذا كان حلم السفر اولا واخيراً محطة اختبار لعلاقتك مع من تريد ان تغادرهم، لكنك لا تقوى على عزلة طويلة ترحم دائرتها السوداء ايضاً بالاغاني والاحلام الجديدة والمدونات التي لا تدري كيف سيكون لونها، وعلى اية حالة الحلم اغتراب ومن يدري ربما يتحول إلى منفى ويرتحل هذا المنفى إلى منفى اخر وكل منها ينتج احلاماً لك ويستدعي طيوفاً لمن احببت وعشقت خلال عمر طويل، وشمته السياسة بعلاماتها وبقايا صراعات ادمنت عليها وتركت لك بقاياها في اوراق مازالت مكدسة بين اصابع الرفوف،  السفر يستولد  المنفى ويسحب وراءه غربة غير معروفة من قبل. ويأتي قرارك مجازفاً بالمتبقي من موجودات البيت كي ترزم  اوراقك وارثك المتروك فوق الاوراق وتدخل إلى طريبيل معتقداً بشكل كامل بما قاله ادوارد سعيد المنفى، هو الحياة خارج النظام المألوف. وفعلاً تولد لديّ شعور مزدوج، الفرصة بمغادرة الدائرة السوداء والسعي إلى لحظة الحلم واكتشاف زمن الوانه البراقة والجديدة، والحزن الصاعد في فضاء بغداد عندما تحركت بك السيارة وتقدمت تاركة وراءها تلويحات اصدقاء، مختلفة بملامح وجهك المكتئبة، ووجوههم التي كبرت عليها ابتسامات امل يحتويك ويخفف عنك، واتذكر بأني تركت بغداد ورائي والحلة تسبقني وتومئ لي نحو ذاكرتها وعلاقتها بي وانا اردد كلاماً للشاعر محمود درويش: المنفى  أمكنة وازمنة تغير أهلها.


أطفال اليوم أناشيد لزمن آخر

فؤاد العبودي

 ثمة من يقول ان للطفولة عالماً خاصاً.. وهي كذلك فعلاً.. فالوطن وبناؤه يبدأ من الطفولة واستشراق المستقبل حتماً يبدأ من هذه البراعم الطرية.. وحين ادرك رئيس النظام السابق (صدام) بنرجسيته المعهودة اهمية الاطفال، فأن حصتهم بالتأكيد لم تكن اعتيادية بمعايير علم النفس والاجتماع.. لهذا خصمهم بتوجيهاته التي من بينها ترديد اسمه في صباحات الايام عند الدوام الرسمي وان يشاع هذا التقليد الاستبدادي على جميع مدارس العراق..

ففي القيام (عاش صدام) وفي الجلوس (يحيا البعث) وليس هناك أي ذكر لتمجيد العراق وطناً..

لقد غيب العراق والتهريج الذي كان قائماً على مدى اربع وعشرين ساعة جعل الاطفال يعيشون حالة من الازدواجية القاتلة.. الا انه وبعد سقوط التمثال وزوال الدكتاتورية كان لا بد ان تتغير مفردات الحياة بما ينسجم وعظمة الوطن... وهكذا تحولت تلك الشعارات الصباحية من تمجيد (الطاغية) إلى حالة جديدة.. هي الوقوف مجداً للعراق.. والجلوس بذكر الله في النفوس..

هل كان من السهل تغيير المفردات.. هو السؤال المطروح سأترك الاطفال اولا يتحدثون دون تدخل او عملية مونتاج.

الطفل (أحمد أمين تركي) نجح إلى الصف الثاني يقول:

-علمتنا المعلمة عندما تقول قيام نرد: نحن طلاب الايمان وعندما نجلس نقول: (الله في النفوس).

اما الطفل كرار احمد خالد وهو طالب في الصف الرابع الابتدائي في مدرسة شهيد المحراب الابتدائية: كنا نردد عندما يدخل المعلم او المعلمة (عاش القائد صدام) ولا نعرف معناها.. واليوم نردد في القيام (عاش العراق او عاش الاسلام وهذا ما جعلنا نحس بانتمائنا لعراقنا.

هذا على مستوى التلاميذ وتلقيهم المفردات الجديدة.. ترى كيف استقبلت المعلمات او المعلمون اناشيد مرحلة الحرية وهل شعروا بنوع من رد الفعل.. تجيب المعلمة غنية حسين العاني بالقول:

-هي ليست برهبة بقدر ما هي نوع من الصعوبة خاصة في الاسبوع الاول من بدء العام الدراسي.

*الصعوبة في أي شيء مثلاً؟

كانت الصعوبة تتمثل في هذا التغيير المفاجئ لقراءة الاناشيد بعد ان اعتاد التلاميذ على مفردات خاصة منذ عشرات السنين حيث مع تبليغنا لهم بصورة مستمرة بأن النظام السابق قد انتهى يا أولاد وانه لا يجوز قراءة هذه الاناشيد مرة اخرى وبعيداً عن الهتاف بأسم (صدام).. مع كل هذا كانوا ينسون ذلك ويرددون تلك الشعارات مرة واخرى.

الا انه (تقول المعلمة غنية العاني) وبمرور الوقت بدأ التلاميذ الصغار يعتادون على الاناشيد الجديدة وهذا لم يكن بالشيء السهل اطلاقاً.

من جانبة قال السيد احمد خالد حسون (مدير مدرسة) الحمد لله الذي انعم علينا بإزالة نظام الطاغية ويجب على الجميع ان يتذكروا قول امير المؤمنين علي (ع) بالشكر تدوم النعم. فقد كانت السياسة المتبعة من قبل نظام البعث المقبور بأن يجعلوا كل شيء لصالح تمجيد صدام فقط. وقد غرست هذه السياسة في نفوذ فلذات ا كبادنا، لذلك عندما كانوا يدخلون الصف ويأتي المعلم ويقول المراقب: قيام يردد الاطفال: (عاش القائد صدام) والغريب في الامر ان مبتكر هذا الشعار هو صدام نفسه واراد من ذلك غسل ادمغة الاطفال وجعلهم لا يعرفون سواه.

ويقول السيد (حميد عمران) معلم مدرسة القدوة سابقاً.. والشهيد الصدر حالياً: كل شيء يمكن انجازه وتنفيذه بالعمل مع الكبار، اما التلاميذ الصغار فقد كان صعباً.. لانهم كانوا يعيشون ازدواجية بين رفض الاهل (بصورة غير مباشرة) للنظام وبين تلقيهم لتلك الشعارات.. مع هذا فقد استطعنا تجاوز عملية غسل ادمغة الصغار من قبل.. والمهم الان هو بناء العراق الجديد وعلى الاسرة والمدرسة معاً استنباط الاساليب التربوية الجديدة من خلال تعليم الاطفال مفردات حب الوطن.. والايمان بالله.. والصداقة على مستوى تمتين العلاقات الاجتماعية..

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة