وقفة..
دفاتر المجانين
احمد عبد
القادر
هنالك عبارة كنا
نسميها ونحن صغار الا وهي (الحيطان دفاتر المجانين) وكان
المعلمون يشدون آذاننا، حين يروننا نكتب بالطبشور، أو قلم
الرصاص على حائط المدرسة بعد ان يشبعونا لوماً وتقريعاً.
وحين كبرنا، التزم
بعضنا بهذه الوصية، اما بعضنا الآخر، فقد ازداد غلواً
ومشاكسة في ممارسة هذه العادة الرديئة حتى يتخيل لمن يعبر
أية مدينة من مدن العراق ان هنالك نسبة كبيرة من اهلها قد
اصبحوا مجانين، فآلاف الشعارات تلوث جدران المدن، والنسبة
الكبيرة من هذه الشعارات مكتوبة بركاكة ظاهرة، وسماجة تدل
على الاسفاف الذي وصلت اليه الحالة العقلية لهؤلاء المهرجين.
أما البذاءة التي تعبر عنها اغلب هذه الشعارات، فهي مما يجعل
الانسان العاقل الرصين يرتعش ألماً وأسفاً لما انزلقت اليه
مدارك هؤلاء الخائبين.
وتصل الصفاقة
ببعضهم ان يخط شعارات تطالب بقتل الناس وذويهم، وكأنها تدعو
إلى عودة البربرية الهمجية ناسين اننا نعيش في القرن الواحد
والعشرين، عصر الكومبيوتر والانترنيت متلفعين بشعارات
اسلامية حيناً وديمقراطية حيناً آخر.
ومما يجعل الامور
اكثر غرابة هو الاصرار الذي يركب ظهور هؤلاء الغلاة، فكثيراً
ما تلجأ الجهات الرسمية إلى اعادة طلاء الجدران من اجل ازالة
التفاهات والخزعبلات المكتوبة على الجدران آملين بمنظر اجمل
للمدينة، لكن ما ان يستيقظ الناس في اليوم الثاني حتى يرو
الشعارات نفسها تصبغ بسمومها الحمر والخضر والسود نصاعة
وبياض هذه الجدران، وكأن كاتبيها يأبون إلا ان يزيدوا بؤس
هذه المدن بؤساً، ورداءة شوارعها وأزقتها رداءة.
ومما يبعث على
الاسى والحزن ان بعض هذه الشعارات تعود لاحزاب معروفة تمتلك
صحفاً تطبع بالآلاف، فلا تكتفي بهذه الصحف، بل تستولي على
الجدران التي تملكها المدارس والدوائر الحكومية، فتلطخها
بشعارات مكرورة، أكل الدهر عليها وشرب، تزيد قارئها نفوراً
واشمئزازاً وتجعله يتساءل في تهكم، اما كان اصحاب هذه
الشعارات في ظل النظام السابق يكيلون اللوم والتقريع لذلك
النظام لانه أفسد الاذواق وانتهك الحق العام للناس بكتابة
شعاراته على جدران المدارس والمستشفيات ودوائر الدولة؟
فلماذا يحلل اليوم ما كان بالامس محرماً؟ ايحتاج حزب يدعي
التطور والتقدمية إلى ان يكتب شعاراً بائساً يدعو الجماهير
للالتفاف حوله على جدار محاط بالقمامة قرب احد (كراجات)
النقل الكبرى وسط بغداد؟
هناك امران في
تفسير هذه الحالة، فإما ان يكون هؤلاء فاسدي الذوق، فاقدي
الاحترام للناس ولانفسهم، واما ان يكونوا مجانين يتخذون في
غياب العقل، الحيطان دفاتر يعبّرون فيها عن افكارهم
وهلوساتهم، ناسين انهم يعيشون في مجتمع يفرض عليهم احترام
ذوق الآخرين والحفاظ على جمالية المدن لكي لا تزداد بؤساً
فوق بؤسها.
|