الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

الفن.. الابتذال والمسؤولية ما العمل مع النصب التذكارية التي تمجد العنف؟

رشيد الخيُّون

أعادت دار أي. بي. تورس الإنكليزية نشر كتاب"النصب التذكارية" للكاتب العراقي كنعان مكية(2004). يستعرض الكاتب تاريخ النصب التذكارية خلال العقود الماضية ويطرح السؤال عن التعامل معها اليوم.قدم مكية لكتابه بنبذة مختصرة عن تاريخ بغداد، وهو إذ يوشح صفحتي الكتاب الأولى والأخيرة بتخطيط مصور لمدينة المنصور المدورة يشير إلى عودة بغداد، رغم اتساعها، إلى معسكر مدور محاط بالقصور والجيوش. المركز هو قصر الخليفة والدوائر التي تحيطه بشكل دائري تشغلها حسب الترتيب قصور أولاد الخليفة ودواوين الحكومة، ثم مساكن الحاشية، فالفضاء الداخلي والفضاء الخارجي، مخترقة بأربعة أبواب كل منها يفضي إلى أمصار الخلافة المترامية الأطراف، وهي: باب البصرة وما بعدها الخليج والهند، وباب الكوفة وما بعدها الحجاز، وباب الشام وما بعدها الأنبار والبلاد الشامية وباب خراسان وما بعدها إيران وما وراء النهر. وهو حلم راود صدام حسين أن يتخذ من هذا القصر مركزاً لمد الجيوش إلى حيث تصل، فكانت البداية بالعراق نفسه ثم إيران ثم الكويت.
 أطلق كنعان مكية على هذا التكوين البغدادي الدائري المتقن بحلقة من نار "وذلك بالمعنى الحرفي تماماً". فأبو جعفر المنصور، حسب الكتاب، "كلف عماله بحفر خندق قليل العمق في التراب يقتفي أثر محيط الدائرة المنشودة، وصب في الخندق خليطاً من الزيت وبذور القطن ثم أُضرمت فيه النيران". وبغداد أُحيطت في كل سنوات الثمانينيات والتسعينيات بجيوش جرارة مثل حلقة خندق النار، مخافة انقلاب عسكري أو تمرد شعبي. تناول الكتاب قصة نصب النصر ذي السيفين العملاقين، الذي أوكل عمله إلى الفنان خالد الرحال، لكنه توفي فأكمل العمل الفنان محمد غني، وهو نصب غير متوازن لا في فنه ولا في حجمه، ومصممه الأول هو صدام حسين، طبع رسمه البدائي على بطاقة دعوة افتتاح النصب.
يتكون النصب من أرض متفجرة من مادة الكونكريت المسلح، نثرت عليها بشكل غير منتظم مئات من خوذ الجنود الإيرانيين الأعداء. تبدو أوزان مكونات النصب هائلة، فالساعدان والقبضتان الحاملتان السيفين صبتا من مادة البرونز بوزن عشرين طناً لكل منها، وثبتا على هيكل من الحديد بوزن عشرين طناً أيضاً، والسيفان صنعا من مادة الحديد غير القابلة للصدأ، صهرت من سلاح القتلى العراقيين، بوزن أربعة وعشرين طناً لكل منهما، أما قبضتا السيفين فصبتا من مادة البرونز بوزن أربعة أطنان لكل منهما.  وشبكة الخوذ صبت من ألفين وخمسمائة خوذة إيرانية.

إن نصباً بهذه المواصفات والأحجام العملاقة يشير إلى ضآلة الإنسان مقابل عظمة القائد. فالساعدان الحاملان السيفين هما ساعدا صدام حسين المنتصر دائماً، وضآلة الإنسان العراقي مقابل النظام البعثي، وهو إشارة تحذيرية لكل معارض ومختلف مع النظام.
يُذكر هذا النصب العراقيين يومياً، وهم يمرون تحت عظمته، بالخضوع للقدر والقوة البعثية، فهم ما أن يمروا تحت السيفين العملاقين إلا وتواجههم صورة القائد وتماثيله وهو يركب الحصان الأبيض ويحمل سيف سعد بن أبي وقاص، وسيواجهون القائد في الدائرة والمنزل عبر الملصقات المفروضة وشاشة التلفزيون، ويسمعونه ويسمعون تمجيده عبر الإذاعة صباح مساء. يطرق المؤلف تاريخ الحركة الفنية العراقية، التي بدأت بعيدة عن السياسة، وتمتلك قرارها، فرغم الرغبة في إضافة صورة الزعيم عبد الكريم قاسم إلى نصب الحرية لكن الفنان جواد سليم استطاع الرفض، ليكون نصب الحرية خالياً من الإشارات الشخصية، التي لو تحققت ما سلم من التدمير، وعكس النصب مسيرة حضارة وعطاء أرض.
وأن طوال الفترة الملكية لم تحل ببغداد غير ثلاثة نصب تذكارية هي: نصب الملك فيصل بعد وفاته يمتطي حصاناً عربياً، وتمثال مود عند بوابة السفارة البريطانية، وتمثال عبد المحسن السعدون، والأخير لم يظهر راكباً الحصان مثل فيصل ومود، وربما كان هذا سبباً في عدم تحطيمه، لأنه لم يظهر فارساً مواجهاً إرادة الثائرين!

ما العمل مع النصب؟

يرى كنعان مكية أن يحتفظ بنصب السيفين بعد سقوط النظام، فهو وإن كانت غايته تمجيد العنف والقوة إلا أنه سيتولد عند العراقيين انطباع أنهم سيواجهون أنفسهم ويراجعون بجدية ما حل بهم من كوارث رمزها هذا النصب. قال المؤلف: "هذا النصب لا بد من مواجهته يوماً وليس إزالته، فنير الاستعمار قد زال، وكذلك عرش الملك المفرط في التسامح مع أبناء الأقليات، فالعراقيون الآن لا يواجهون غير أنفسهم. والمسؤولية عنه سواء كانت فردية أم جماعية، هي قضية تثير كل إشكالات ما حدث في العراق تحت حكم البعث". لكن السؤال يطرح نفسه: كيف يمكن لهذا النصب أن يصبح رمزاً لبغداد وهو مكرس لفكرة العنف؟ وهل يتحمل العراقيون المسؤولية الجماعية عن تفاهة وسوقية مثل هذا العمل الفني، ثم يعقبها الشعور بالكآبة عند مواجهة هذه الحقيقة، أم أن صدام حسين يتحمل وحده المسؤولية؟ لكن في كل الأحوال لا بد من التذكر عبر هذا النصب أنها فترة مؤلمة من تاريخ العراق لا يتحمل العراقيون تكرارها، وأن على الفنان تقع مسؤولية التورط بمثل هذا العمل.
فصدام حسين ورط الفنان والمواطن على السواء في لعبة العظمة وأكاذيبها، فالهيمنة وصلت ذروتها بقول صدام حسين الموجه إلى موظفي التربية والتعليم": عليكم بتطويق الكبار عن طريق أبنائهم، بالإضافة إلى الروافد والوسائل الأخرى. علموا الطالب والتلميذ أن يعترض على والديه، إذا يسمعهما يتحدثان في أسرار الدولة. عليكم أن تضعوا في كل زاوية ابناً للثورة، وعيناً أمينة وعقلاً سديداً يستمد تعليماته من مراكز الثورة المسؤولة. إن الطفل في جانب من علاقته مع المعلم، كقطعة المرمر البكر في يد النحات، حيث يملك القدرة على إعطائها الشكل الجميل المطلوب، دون أن يتركها للزمن، وتقلبات عوامل الطبيعة". بدأ العمل بنصب النصر قبل تحقيق أي نصر، وهي مفارقة أخرى أن يجسد العمل الفني قضية، مجرد تدور في رأس القائد لم تتحقق، أو كذبة مفادها النصر دائماً. وما ينطبق على نصب النصر ينطبق على نصب الشهيد ذي القبتين المفتوحتين لأرواح الشهداء إلى السماء، الذي صممه الفنان إسماعيل فتاح الترك، ونصب الجندي المجهول الهائل بجبروته العسكري، وصممه الفنان خالد الرحال.
أثار الكتاب عبر تفاصيل دقيقة قصة خمس وثلاثين سنةً لا نجد أفضل شهادة عليها من النصب التذكارية، التي تحمل في أحجارها ومعادنها أوجاع ضحاياها. صدرت الطبعة الإنكليزية الأولى للكتاب عام 1991، وصدرت الترجمة العربية 1992.

 


حرية الرأي والتعبير: المثقف قامعاً مقموعاً المعرفة تحررية والسلطة قمعية؟! 2-2

ربما يكون الوضع عند هذه النقطة من التحليل قد اصبح ملائماً لاستخلاص مجموعة النتائج الصالحة بشكل افضل لتفسير هذا الرواج الخطابي حول حرية التعبير.

1- ان الفرضية البدائية والبديهية لتفسير هذا التكاثر الخطابي حول حرية التعبير والتي ترجعه هذه الفرضية إلى المفارقة الصارخة بين الواقع المعياري وبين الواقع الفعلي لحرية التعبير، لا تقدم تفسيراً مقنعاً ولا كافياً، فالمفارقة بين الواقعين كانت دائماً موجودة وكانت دائماً صارخة طوال عقود

اذا كانت نقطة البدء الاعلان العالمي لحقوق الانسان، او طوال قرون في حالة العودة المرجعية لاعلان الثورة الفرنسية لميثاق حقوق المواطن.

2- ان تعدد الفاعلين وتنوع مصالحهم في التكاثر الخطابي حول حرية التعبير، من السلطة الامريكية إلى المجتمع المدني المحلى مروراً بالمؤسسات العالمية والدولية والدول القومية وبعض قوى المجتمعات السياسية المحلية، لن ينتج عنه تعدد ولا تنوع في فهم طبيعة حرية التعبير ولا في تحديد مجالها ولا في كيفية تحققها، فقد ظلت الرؤية السائدة ان حرية التعبير شعار سياسي مقبول من الجميع وقاعدة قانونية معترف بها وحق انساني غير مشكوك فيه الا من حيث عدد الحقوق الفرعية الناتجة عنه، وليس هناك إلا طريقة واحدة لتحقيق حرية التعبير وهي تفعيل الدولة للقوانين المتعلقة بهذا الحق والموجودة سلفاً في نظامها القانوني المحلي الذي يضم المعاهدات الدولية التي صدقت عليها، وتنقية تشريعاتها من كل ما يتعارض مع هذا الحق واحترام السلطة التنفيذية لهذه القوانين والتشريعات واللوائح.

3- ان هذه الرؤية السائدة والمجمع عليها من كل هذه الاطراف المتعددة والمتنوعة المصالح لا تعطي للدولة -رغم مشاركتها الايجابية في هذا التكاثر الحالي حول حرية التعبير سوى دور قمعي: فهي التي تصادر، وهي التي تمنع من التداول، وهي التي تعاقب بالسجن والتكفير والتخوين اذا اقتضى الامر.

4- ان هذه الرؤية السائدة والمجمع عليها من كل هذه الاطراف المتعددة والمتنوعة المصالح تعطي المثقف، منتج المعرفة، دوماً دور المدافع عن حرية التعبير والرافض لكافة القيود المفروضة عليها من قبل الدولة القمعية والمحرض على الغاء كافة القيود وعلى بعض اجهزة الدولة الراعية لها.

ان هذه النتائج الاربع تبدو تحصيل حاصل لطريقة في التفكير- للاسف هي الاكثر سيادة بين طرق التفكير المتاحة- تضع المعرفة في مواجهة السلطة وترى ان كل توسع لمساحة احد الطرفين يكون بالضرورة على حساب الاخرى، والمشكلة مع هذه الطريقة في التفكير لا تقتصر على انها تتعامل مع كل من المعرفة والسلطة باعتبارهما موضوعين معطيين ومبنيين سلفاً وبالتالي غير تاريخيين، ولكنها تمتد بمفعول تسييدها لاستبعاد طرق اخرى في التفكير ربما تكون اكثر نجاعة في فهم كيفية عمل كل من المعرفة والسلطة وكيفية حدوث التدعيم المتبادل بينهما وربما التكوين المتبادل لكل منهما للأخرى، فمثلاً يمكن رؤية- في إطار نمط التفكير السائد- ان السلطة هي اكبر منتج للمعرفة في مصر وان المثقف  هو اكبر مستهلك لمعرفة السلطة، بما يعكس كل الادوار المعطاة سلفاً.

ويبدو ان سيادة هذا النمط من التفكير يستجيب لمصالح مباشرة لكلا الطرفين، المعرفة والسلطة:

*فرؤية السلطة التي هي دائماً سلطة جهاز الدولة باعتبارها قمعية وقادرة على المنع والمنح تعني ضمناً الاعتراف بأنها السلطة الوحيدة والموحدة في المجتمع ويستبعد رؤية توزيع السلطة وانتشارها في مجمل النسيج الاجتماعي سواء داخل اجهزة الدولة ام خارجها وبالتالي ينفي عن سلطة جهاز الدولة وحدانيته وتوحده، كما ان  سيطرة الطابع الحقوقي على التكاثر الخطابي حول حرية التعبير يستجيب لرغبة الدولة في بقرطة وتقنين مجمل العلاقات الاجتماعية وبالتالي مزيد من وحدانيتها وتوحدها واستبعاد لأي فاعلين سلطويين خارج جهازها الوحداني والموحد.

*اما رؤية المعرفة باعتبارها مرادفة للتحرر ومناقضة على طول الخط لقمع الدولة المفترض تعني ضمناً الاعتراف بالمثقف لمجرد كونه عارفاً ويسعى للتعبير عن معرفته بحكم المهنة  بحيازة شرف الدفاع عن قضية سياسية، وبأن كل ما ينتجه من معرفة بحكم المهنة ايضاً هو قول للحق في وجه السلطة، مع استبعاد ظواهر النفاق باعتبارها تنتمي للاخلاق الاجتماعية البسيطة وليس للمعرفة بالضرورة، ولكن هذه الرؤية او هذا النمط من التفكير يستبعد الدور القمعي الذي يمكن ان يقوم به المثقف مع تحويله لخبير في خدمة جهاز الدولة او الذي يمكن ان يمارسه داخل المجال المعرفي نفسه ضد اتجاهات معرفية اخرى او ضد اجيال جديدة. وربما يجب عدم نسيان ان قضية نصر ابو زيد بتداعياتها الكارثية قد بدأت داخل اللجنة العلمية لترقية اعضاء هيئة التدريس داخل مؤسسة علمية هي جامعة القاهرة، وان الغاء جبهة علماء الازهر قد بدأت الدعوة له داخل اكبر هيئة علمية دينية هي الازهر الشريف، وان مجلس البحوث الاسلامية هو الهيئة العليا للبحو ث الاسلامية التي تقوم بدراسة وتجديد الثقافة الاسلامية حسب النص القانوني!!

وفي هذا الافق لنمط التفكير السائد ليس من المتوقع ظهور تناقضات كاشفة لكيفية عمل كل من المعرفة والسلطة ولكن حضوراً كثيفاً لتناقضات ثانوية تدعم هذا النمط من التفكير بدلاً من تجاوزه:

*التناقض بين عالمية وخصوصية حرية التعبير: فماذا يعني مثلاً تصديق الدولة المصرية على الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر في عام 1949 وتصديقها ايضاً على اعلان القاهرة حول حقوق الانسان في الاسلام الصادر في عام 1994 وتوقيع تصديقها على ميثاق حقوق الانسان العربي الذي اعتمدته القمة العربية الاخيرة هذا العام؟ وبالتالي انقسام المثقفين المصريين إلى تأييد او معارضة هذا التصديق او ذاك في مواجهة التصديقين الآخرين؟

*التناقض بين الحدود الدنيوية والدينية لحقوق التعبير: فماذا يعني كل هذا الصراع بين الازهر الشريف وبين وزارة الثقافة التي لم تنص فتوى مجلس الدولة على كونها شريفة ام لا على حق الرقابة على المصنفات السمعية والبصرية، منعاً وترخيصاً، "حماية للنظام العام والآداب ومصالح الدولة العليا"- حسب نص الفتوى والقوانين التي استندت اليها؟ ماذا يعني انقسام المثقفين المصريين إلى مؤيد او معارض لاحد الطرفين مع استبعاد وضع حق الرقابة ذاته موضع تساؤل؟ ماذا يعني التسليم سلفاً ومجاناً بدنيوية وزارة الثقافة ودينية الازهر الشريف؟ كيف يتم سحب صفة الشرف الممنوحه للكلام الالهي وللحديث النبوي على مؤسسة بشرية وحكومية مثل الازهر الشريف؟

ربما يؤدي التفكير في تكثيف حضور مثل هذه التناقضات الثانوية فقط إلى تحديد وظيفتها الاستبعادية لتناقضات اكثر عمقاً فيما يخص حرية التعبير، وانما ايضاً إلى تحديد وظيفتها في ادامة العمر الافتراضي لمثل هذا النمط السائد من التفكير والى وظيفته في وقاية السلطة من تناقضات اكثر خطورة على استقرارها، وبالتالي إلى تكريس دور المثقف كخبير في ادارة التناقضات المطروحة سلفاً بفعل الطريقة السائدة في التفكير والمصادرة سلفاً ايضاً على دوره "كمثقف" في طرح تناقضات أساسية قد تعكر الصفو العام كما كان يقول ادوارد سعيد.

 

حرية التعبير بين الانتاج والتداول:

ربما يكون الوضع عند هذه النقطة من التحليل ملائماً لتقديم الفروض التالية للمناقشة:

1- ان حرية التعبير لا تقتصر فقط على مجال تداول الافكار ولا يمكن اختزال عملية التداول على سلعة فكرية مكونة سلفاً ومحتسب يمنع وصول هذه السلعة للمستهلكين المفترضين وهو ما ينتهي اليه نمط التفكير السائد حول حرية التعبير، وهو نمط تفكير حقوقي وسياسي بالاساس، يلائم نوع رأس المال الثقافي للفاعلين الجدد في مجال حرية التعبير، ومجال الحركة الممكنة التي تفرضها موازين قوة سائدة محلياً وعالمياً بما فيها موازين القوى بين المحلي والعالمي بالنسبة للفاعلين الجدد.

2- ان حرية التعبير تعني اولاً وقبل كل شيء حرية تكوين الرأي المراد التعبير عنه والا كانت حرية للتعبير عن الآراء السائدة التي تسمح بها ايديولوجية او حتى نظرية علمية سائدة، وبالتالي تصبح حرية التعبير في هذه الحالة تدعيماً وتكريساً للوضع الاجتماعي القائم، وبهذا المعنى فان حرية التعبير، وخلافاً لنمط التفكير السائد، تبدأ داخل عملية الانتاج المعرفي وتضع مؤسسات التكوين المعرفي للذات العارفة موضع تساؤل، وفي هذا الاطار ربما كانت اسهامات التوسير حول الدولة  واجهزة الدولة الايديولوجية وحول مفهوم القراءة البريئة، واسهامات بورديو حول العنف الرمزي، واسهامات فوكو حول نظام الخطاب ثلاثة مداخل معرفية ملائمة لمعالجة حرية تكوين الرأي.

3- ان حرية التعبير لاتعمل فقط في مجال التداول من خلال المنع والمصادرة والمعاقبة وانما وبالأساس وحسب الاوزان النسبية تعمل من خلال الترويج والتكرار والالحاح والاغواء، ومن ثم ربما كانت  مناقشة ميشيل فوكو للفرضية القمعية مدخلاً معرفياً ملائماً لمعرفة كيفية عمل شرطة مرور الكلام في مجال التداول.

4- ان حرية التعبير في مجال التداول ايضاً تستدعي التواصل والتفاعل المزدوج الاتجاه بين منتج المعرفة ومتلقيها، وبالتالي ربما كانت مساهمة روجيه دوبريه حول وسائط التعبير او ما يسميه بالميدولوجيا مدخلاً معرفياً ملائماً لتوضيح الجوانب التقنية لحدود حرية التعبير.

وفي هذا السياق يمكن لحرية التعبير ان تتحول من مجرد لفظ إلى مفهوم، أخذاً في الاعتبار كل المقاومات المتوقعة من نمط التفكير السائد المؤسس، على عكس كل تاريخ العلم، على تحويل المفاهيم إلى الفاظ.

 


جين كامبيون في (عند القطع).. التحام الحدّ الفاصل بين الجريمة والحب

* ليلاس حتاحت

سفاح يقتل نساء يبحثن عن الحب يعرض عليهن خاتم الزواج ثم يقوم بقتلهن وتقطيع أجسادهن ويحتفظ أحيانا بالرأس تذكاراً.. يطارده رجال الشرطة، يتم كشف أمره قبل أن يقضي على بطلة الفيلم.

للوهلة الأولى يندرج فيلم (عند القطع) للمخرجة جين كامبيون ضمن (سينما الجريمة) لوجود كل المقومات والكليشيهات المستخدمة لمثل هذا النوع السينمائي ابتداءً من التركيز على المدينة (نيويورك) بأبنيتها الرمادية الباردة، وقذارة شوارعها، إلى البارات الليلية، إلى تكرار الجريمة، وتعدد المشتبه بهم، بمن فيهم المحقق، والوشم الذي اعتبر دليل اتهام.. كل ذلك تم توليفه ضمن لعبة فنية يفترض أن تخلق فيلم تشويق، إلا أن هذا العنصر غاب لدرجة نسياننا في كثير من الأحيان وجود مجرم وضحايا.

لذا لابد من النظر إليه من زاوية أخرى وهي زاوية رؤية المخرجة نفسها، وإن قارناه بسينماها (سويتي- البيانو- ملاك على مائدتي- صورة امرأة- دخان مقدس)  نجد شخصية فراني (ميغ رايان) استمراراً للشخصيات النسائية التي تختار كامبيون إظهارها وكشف عمقها الإنساني وأهميتها رغم هامشيتها في المجتمع النيويوركي وهذا ما أكدته المخرجة في إحد الحوارات الصحفية (إن الشخصيات التي أقدمها تبدأ حياتها على الشاشة باردة بعيدة عن المتفرج، ثم سرعان ما تقترب منه، تغزو وتهيمن عليه، وهي في هذا شخصيات تنبني إيجابياتها انطلاقا من ذاتها، لا من خلال اعتراف مجتمع القيم بها).

إن ما تركز عليه كامبيون هو الشخصية أولا وعمقها الإنساني، ومن ثم المجتمع "مجتمع القيم" كما سمته!.. لكن كيف وصفته وأظهرته في فيلمها؟..

أرواح غير مدركة

وصفت فراني أختها بولين (غير الشقيقة) بالجنون لأنها تحب الأرواح غير المدركة في الأشجار والأزهار، تضع مفتاح منزلها تحت تمثال بوذا، وكأنه مفتاح لشخصيتها الروحانية في مجتمع مادي بارد، لا لون له، تملأ شوارعه القمامة.. أما الأسوار المعدنية والقضبان التي تملأ المكان تجعله شبيها بالسجن، معتماً وغامضاً، وفي الخفاء يتم شيء ما.

فوق كل هذا يرفرف علم أمريكي، أكدت كامبيون إظهاره، وكأنها تظهر المجتمع الأمريكي وطبيعة حياة معظم شعبه. فالإحساس بالقذارة (والحثالة) جاء من المكان، سواء الشوارع القذرة، الغرف الصغيرة المفعمة بالفوضى، أماكن العمل.. حتى الطبيعة شوهت بأكياس القمامة وكأنها جثث مرمية. لكن الشخصيات ترتفع فوق ذلك المستوى (محققان، طبيب، طالب، أما فراني فهي معلمة لغة..) وإن كان فيها أي تشويه فهو نتيجة طبيعية لما يفرضه هذا المجتمع، الطبيب مثلا ربطته بفراني علاقة جسدية سابقة، مضطرب دائما ولديه مشكلة بالتواصل مع الآخرين، تحديدا النساء، أما الطالب كورتيليوس فيظن أن مدرسته فراني تستغله لإنجاز كتاب عن اللهجات المحلية، المحقق مالوي تتضح شخصيته من خلال علاقته بفراني والتي تقتصر على الجسد، يعلمها الجنس كما تعلمَه دون حب مذ كان صغيرا عن طريق امرأة كبيرة في السن.. أما زميله في القضية رودريغز فقد قتل عشيق زوجته وكاد يقتلها، لذا جردوه من شارته وسلاحه.

الجميع عرضة للاتهام من قبل المتلقي، لكن سرعان ما يكتشف القاتل، وهو رودريغز، أما فراني فتشك في مالوي بسبب وشم في يده لمحته سابقا على يد رجل لم تر ملامحه، يمارس الجنس في المرحاض مع الضحية الأولى في بار (السلحفاة الحمراء). ازداد شكها مع إنكار مالوي وجوده في البار.

تم التعارف بين مالوي وفراني حين جاء ليسألها عن الضحية اذ وجدوا جزءاً من الجثة قرب منزلها، وبما أن مشهد المرحاض أثر فيها، لذا كانت تستحضره في مخيلتها وتمارس الجنس ذاتيا. توقها للجنس وللشخصية التي تحمل هذا الوشم كان سببا في علاقة جسدية بحتة نشأت بينهما، وكلما زاد اعتقادها بأنه المجرم زاد انجذابها ورغبتها الجنسية التي تزداد شراسة.

وهنا تكمن نقطة الالتقاء بين الخط البوليسي في الفيلم والخط الشخصي، وهي ارتباط اللذة بالجريمة والعنف، أكدت كامبيون ذلك من خلال جملة يمكن اعتبارها مفتاحا للشخصية وأفعالها "كلما زاد الخوف ازدادت الرغبة".

بحثاً عن شريك..

على الرغم من اقتصار لقاءات فراني ومالوي على ممارسة الجنس والحديث عنه ، إلا أن فراني كانت تحاول إيجاد شريك لما تعانيه من وحدة، فاللوحة في غرفتها تعكس حالها، امرأة عارية تتلوى وحيدة في ظلمة الليل. حتى الحذاء الأحمر- الذي استعارته من أختها- لم يكن دليلا على الجنس فقط، أو رغبة فراني في إظهار أنوثتها، بل أخذ دلالة مختلفة عند تعرضها لحادثة السرقة، في تلك اللحظة تضيع فردة الحذاء (الذي يبدو مقاسه أكبر من اللازم) تعرج فراني ولا تجد من تستند اليه.

زوج الأحذية، نصف يكمل الآخر، لا يمكن استبدال فردة منه بأخرى، يشبه هذا محاولة فراني الدائمة للحصول على الشريك (المكمل) المناسب. فهي غالبا ما تكون وحيدة في أزماتها لذا ترتدي فردة واحدة من الحذاء. يتكرر هذا بعد وفاة أختها وتأزمها ، إذ تفتح الباب لطالبها كورتيليوس وهي تعرج مرتدية فردة واحدة، خصوصا أنها طردت المحقق متهمة إياه بقتل أختها.

تعود الدلالة الجنسية عند عودة مالوي إليها، لترتدي له فستانا وحذاءً أحمر، وإن لم تحسن المشي فيه، تقيده وتمارس معه بعنف. ترى في جيبه دليل إدانته القاطع بالنسبة لها، وهو قطعة من سوار الأحلام الذي أهدته لها بولين، وهي عربة فيها طفل صغير، متمنية لها إنجاب طفل.

تتركه مقيدا وتهرب لتجد زميله رودريغز، يحتويها ويأخذها معه إلى المنارة بدل الشرطة. داخل المنارة ترى الوشم على يده أيضا لتعرف أنه القاتل، خاصة بعد أن قدم لها خاتم الزواج الذي وجد في يد كل ضحية كتوقيع المجرم على جرائمه، نتيجة مشكلته النفسية الناتجة عن خيانة زوجته.

استطاعت فراني قتله بفضل مسدس أعطاه لها مالوي ودربها على استخدامه، تعود إليه حافية ملطخة بالدماء، تستلقي أمامه بعد أن تمت عملية الكشف لكل الخيوط.

علم العلامات..

أرادت كامبيون قراءة واقع ذلك المجتمع، وليس وصفه فقط، لذا كان لابد من قراءة تفاصيله من خلال علامات تملأ الحياة اليومية، تخبرنا حالنا، أو تنبئنا بالمستقبل أحيانا، إن أحسنا تفسيرها وربطها ببعضها. هذا ما يمكن تسميته بعلم الدلالات، والذي يطرح بدوره أسئلة عديدة. فما الفرق بين من يحسن قراءة العلامات ومن يجهلها؟.. هل يغير ذلك من الأمر شيئاً؟..

تعددت الرموز والعلامات في الفيلم ( تمثال بوذا، الأحلام، الحذاء الأحمر..) منها ما يخص فراني ويوجهها، ومنها ما يمكن اعتباره مفتاحاً للمتلقي مثل مشهد المنارة الذي أنبأتنا المخرجة به منذ بداية الفيلم، حين كانت فراني تدرس طلابها رواية (عند المنارة) لفرجينيا وولف، يعبر أحد طلابها عن ملله (إنها رواية مملة ليس فيها سوى سيدة واحدة تموت) فتسأله فراني (ترى كم امرأة يجب أن تموت حتى يثار اهتمامك؟) فتكون الإجابة (ثلاث نساء!..). وفي الفيلم يصل عدد القتلى إلى ثلاث نساء، أما فراني فيأخذها المجرم إلى المنارة.

أهم الإشارات في الفيلم تلك التي كتبت على جدار المترو، ولفتت انتباه فراني لتسجلها بسبب اهتمامها وولعها بالكتابة. تلك الجمل بتتاليها تحكي الفيلم أو بالأحرى مراحله. (المياه الساكنة تحت صفحة من النجوم) عبرت عن الرتابة والسكون الذي يلف حياة الشخصية في بداية الفيلم، لكن مع تعرفها على المحقق ورغبتها في الإذعان لرغبته في ممارسة الجنس معها، مما يحرك سكونها (المياه الساكنة لفمك تحت غطاء كثيف من القبل) فيما بعد ومع ارتباط اللذة بالشك والجريمة كُتب (في منتصف الطريق في رحلة حياتي، سرت بنفسي في الغابة المظلمة، لقد انحرفت عن الطريق القويم)، أصبح مالوي جزءاً من حياتها (وان كانت الجسدية).. تخافه وتشك فيه لكنه لديها يعلمها ما كانت تجهله في الجنس ويمتعها (إنه منطلق نحو البعيد، لقد جاء إلى الغرفة، إنه هنا في الدائرة).

على رغم من خوفها كانت مستلبة منساقة وراء رغبتها، لم تحسن قراءة علامات اعترضتها (الآن عندما أفكر للوراء بنتائج عواطفي ، كنت مثل أعمى لا يخاف الظلمة).

داخل المترو شاهدت عروسين ، في المرة الأولى كانا يشبهان حلمها في الزواج والعثور على شريك. تجسدت هذه الرغبة في حلمها المستمر بكيفية زواج والديها، اذ التقيا في ساحة للتزلج على الجليد، ومع تساقط الثلج وبعد نصف ساعة طلب يدها فوافقت. لكن هذا الحلم الرومانسي يصطدم بقسوة الواقع ليتحول إلى كابوس مزعج، فبعد مقتل أختها بولين تحلم بالأب يقطع قدمي الأم ومن ثم رأسها بشفرة حذاء التزلج، أما بياض الثلج فتلطخه الدماء.. لذا يتكرر مشهد العروسين لكن الحزن مخيم عليهما هذه المرة، وفراني في المترو تبتعد عنهما وكأنها تبتعد عن حلمها.

شغف يقود..

عندما سأل مالوي فراني إن كانت الكتابة بالنسبة لها مهنة أم هواية؟.. أجابته: (بل شغف)!..

والشغف كان سبباً جعل مالوي محقق جرائم في سن صغيرة. لقد كان صفة مشتركة بين الشخصيتين وسبباً في الانسياق وراء الرغبة في اكتشاف الجنس، الخوف، العمق الإنساني.. وجملة من المشاعر المختلطة.

الشغف نفسه جعل المخرجة جين كامبيون تحرك كاميراتها وكأنها تحملها على كتفها وتتجول بها في الأحياء لتنقل من خلال عينها مجتمعا تنتقد العديد من جوانبه وتبين ما موجود تحت علم أمريكي يرفرف.


ستوديو بابلسبرغ ينافس ستوديوهات هوليود الكبرى

متابعة/ بهاء محمود علوان

تعتبر ستوديوهات بابلسبرغ Bablessberg في مدينة بوتسدام الالمانية من اكبر استوديوهات صناعة الافلام السينمائية في اوربا حيث ينتج فيها الكثير من الافلام العالمية والتي حصلت على جوائز الاوسكار وجوائز كبيرة اخرى. ومن هذه الافلام التي تم تصويرها في ستوديوهات بابلسبرغ الفيلم العالمي (اعداء على الابواب) والذي كانت كلفة الانجاز تقدر بنحو 90 مليون يورو حيث اعتبر اغلى انتاج اوربي كان ذلك في بداية عام 2001.

كما صور المخرج المشهور رومان بولانسكي فيلمه الحائز على ثلاث جوائز اوسكار والذي كان بعنوان (عازف البيانو) في ستوديوهات بابلسبرغ ايضاً.

تعتبر الجوائز التي تحصل عليها الافلام من العوامل الاساسية في نجاح ستوديوهات التصوير حيث تعتبر هذه الاستوديوهات نجاح الافلام من نجاح الاستوديو وبالتالي فإن جائزة الاوسكار هي بالنتيجة مقدمة الى الاستوديو ايضاً. فعليه تتنافس هوليود وكذلك بوتسدام وبقية الاستوديوهات الكبيرة في هذا المجال.

كما تم تصوير فيلم (80 يوماً حول العالم) وكذلك الفيلم الكبير ( خلف البحر) في بابلسبرغ ايضاً وكدليل على نجاح ستوديوهات بابلسبرغ فإن كلف الانتاج قد ارتفعت فيها حيث كانت 20 مليون يورو في عام 2002 واصبحت 24 مليون يورو في عام 2003.

ومن اهم مزايا ستوديوهات بابلسبرغ والتي تدخلها في عالم المنافسة هي ان الفنادق في مدينة بوتسدام وكذلك في مدينة برلين ارخص بكثير من الفنادق في مدينة باريس او لندن اوبراغ كما ان وسائل الترفيه هي ايضاً اهدأ وارخص بكثير.

اما تاريخ صناعة الافلام في بابلسبرغ فيعود الى اكثر من 90 سنة متواصلة منذ اول الافلام الصامتة والتي تحمل عنوان (اوفا) وحتى يومنا هذا حيث ينتج اضخم الافلام العالمية.

وقد انتجت هذه الاستوديوهات اكثرمن (3000) فيلم من بينها افلام نجحت في تاريخ السينما مثل فيلم (جوزيف فون شترن برغ) وكذلك فيلم (الملاك الازرق) والذي كان من بطولة مارلين ديتريش والذي انتج في ثلاثينيات القرن الماضي.

كانت ستوديوهات بابلسبرغ حتى عام 1990 مركزاً لإنتاج كل الافلام التلفزيونية والسينمائية في المانيا الديمقراطية بادارة (ديفا) وبعد سقوط سور برلين كانت البداية الجديدة لهذه الاستوديوهات في عام 1992 حيث اشترت شركة فيفيندي العملاقة الاستوديوهات بمبلغ 67 مليون دولار من مركز الوصاية واستثمرت حتى الآن ما يزيد عن 500 مليون يورو لتحديث هذه الاستوديوهات.

واليوم يوجد في بابلسبرغ (16) استوديواً جاهزاً للتصوير. منها استوديو خاص بالعمل التلفزيوني بمساحة 450 م مربع وكذلك ستوديو مارلين ديتريش البالغ مساحته اكثر من 4000 متر مربع والذي يعد اكبر الاستوديوهات في اوربا.

ويعمل في ستوديوهات بابلسبرغ اكثر من (100) فني ومصمم ورسام وملاحظ يحولون افكار المخرج الى وقائع مصورة كما يضم الاستوديو اكثر من مليون قطعة من لوازم المسرح و (250.000) مئتين وخمسين الف زي فني يسهلون عملية الاخراج وتلبية احتياجات المخرج. كما توجد في منطقة الاستوديو اكثر من مائة شركة مختلفة الاختصاصات.

ويقول المخرج (كيفين سبيس) مخرج فيلم خلق البحر: ان العمل في ستوديوهات بابلسبرغ اعجبني كثيراً حيث يوجد هنا الكثير من الفنانين الموهوبين كما انني لا امل التصوير في المانيا على الاطلاق.

ان الظروف المثالية في المانيا استطاعت بمرور الزمن فرض نفسها في هوليود.

ومنذ بداية العام الحالي ازداد عدد المتطلعين من المنتجين والمخرجين من كل انحاء العالم وبالاخص من الهند في العمل والانتاج السينمائي في ستوديوهات بابلسبرغ، لأنه بالامكان الاستفادة من المناطق الطبيعية في ولاية هيسن حيث يوجد الكثير من المناطق الرومانسية الطبيعية حول نهر الراين المليئة بحدائق العنب والقرى الصغيرة المخصصة ومناطق الزيارات والاعمال التجارية في منطقة فرانكفورت القريبة من مناطق العمل.

وفي هذا الصيف سيتم تصوير اول الافلام الهندية التي ستنجز في المانيا.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة