الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

برنامج (النفط مقابل الغذاء): أخطاء ودروس

كتبت ماريانا بيلينكايا، المعلقة السياسية في وكالة نوفوستي:

أعلن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان أنه قرر تخصيص 30 مليون دولار للتحقيق في الاتهامات المتعلقة بسوء إدارة برنامج "النفط مقابل الغذاء". ويفترض ان يقتطع مبلغ الثلاثين مليون دولار الذي سيتيح للجنة التحقيق المستقلة القيام بمهمتها، من الحساب المجمد الذي فتح لتمويل هذا البرنامج.

والسؤال المطروح هو هل يعقل ان ينفق هذا المبلغ على التحقيق في وقت يكون فيه العراق بأمس الحاجة إلى المال؟.

في غالب الظن انه كان مفيدا التحقيق في سوء إدارة برنامج "النفط مقابل الغذاء" لو أجاب التحقيق عن هذا السؤال: هل ان نظام العقوبات مجدٍ عموما وهل يفي بالغرض؟ مع العلم ان نظام العقوبات أو الحصار كما سماه العراقيون هو الذي مهد للفساد سواء في العراق أو في كل الدوائر المتعلقة ببرنامج "النفط مقابل الغذاء". وكان نظام العقوبات قد جرب قبل ذلك على جمهورية جنوب إفريقيا ويوغسلافيا. ومن يدري فقد لا يكون العراق آخر بلد تفرض عليه عقوبات دولية.

وهناك سؤال آخر يتعلق بما يقام حول العراق من صناديق مانحة. فما هو الضمان في ان لا تتعرض إدارة هذه الصناديق أيضا لسوء؟ ولم يكن مصادفة ان يؤكد سيرغي كيربيتشينكو، سفير المهام الخاصة في وزارة الخارجية الروسية، الذي حضر مؤتمر المانحين الذين ينبغي ان يمولوا إعادة إعمار العراق، أهمية تقديم الدعم للاقتصاد العراقي عبر قنوات ثنائية إذ ان فعالية صندوق دولي أمر يحتاج إلى الإثباتات.

ومن هنا فلا يسعنا إلا ان نرحب بالدعوة إلى تكليف لجنة مستقلة بالتحقيق بشأن إدارة برنامج "النفط مقابل الغذاء" علها تكشف عما تستخلص العبر منه. ومما يجعل روسيا صاحبة مصلحة حقيقية في التحقيق ان بعض الاتهامات وجهت إلى رجال سياسة ورجال أعمال روس. ولهذا يحتاج الأمر إلى أدلة على بطلان هذه الاتهامات.

وفي الحقيقة فإنه كان هناك مجال فسيح للتلاعب ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" خاصة في ما يخص إجازة عقود تنفيذ البرنامج. فقد تحدث رجال أعمال ودبلوماسيون روس لـ"نوفوستي" عن مشقات الحصول على موافقة الجهة المختصة في مجلس الأمن الدولي على هذا العقد أو ذاك. وظلت عقود كثيرة تهتم بها روسيا "معلقة" على مدى شهور طويلة بينما كانت عقود البلدان الغربية تمر بسهولة رغم ان كلفتها أكبر من كلفة العقود الروسية. فلماذا حدث هذا؟ سؤال طرحه ويطرحه الدبلوماسيون الروس. ولا يجد هذا السؤال الجواب الشافي الآن ولكن يجب ان يرد التحقيق عليه.

وكانت هناك ضغوط تتعلق ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" داخل العراق أيضا. ولكن ألا يتصرف على هذا النحو كل من يريد ان يعمل في العراق الآن بعد رفع العقوبات وإنهاء برنامج "النفط مقابل الغذاء" مع الفارق ان النفط يعطى اليوم مقابل المشاركة في التحالف والمساهمة في الصناديق المانحة؟

وكان كل بلد لديه اهتمام ببرنامج "النفط مقابل الغذاء" يستخدم كل الوسائل السياسية والمالية المتوافرة لديه في نيويورك وفي بغداد لأن موافقة الأمم المتحدة لم تكن كافية لتوافق السلطات العراقية على التعامل مع هذه أو تلك من الشركات، فالسلطات العراقية كانت تتصرف، وبحق، من منطلق مصلحتها. وبطبيعة الحال فإن بغداد كانت تفضل التعامل مع من يمثل البلد الذي أدان العقوبات وأيضا من يستطيع تنفيذ هذا المشروع أو ذلك بأقل تكلفة وبأكبر عائد. وكانت روسيا تفي بمتطلبات العراقيين في هذا المجال.

وبلغت حصة الشركات الروسية من الصادرات العراقية من النفط 30 أو 40 المائة. كما كانت روسيا من الدول التي استورد العراق منها حصة الأسد من احتياجاته من السلع. ولكن هل يعطي هذا ذريعة لاتهام موسكو بدعم نظام صدام حسين؟ فهل من المعقول ان يتعامل العراقيون مع الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين ترسلان طائراتهما لضرب بلادهم؟

وللعلم فإن بعض الشركات الأمريكية والبريطانية كانت تتعامل هي الأخرى مع العراق عن طريق الوسطاء متقيدة بأصول اللعبة نفسها. وأكدت مصادر مطلعة لـ"نوفوستي" ان العراق تعامل مع الجميع على نحو متكافئ ولم يمكن أحدا مزايا تفضيلية "من أجل الصداقة".

والجدير بالذكر ان روسيا طالما احتلت المرتبة الثالثة فقط (بعد فرنسا والصين) بين دول العالم في حجم التعامل مع العراق. وازدادت روسيا نشاطا في العراق بقدر ما نهضت باقتصادها وبقدر ما تقوى موقفها على الساحة الدولية. ومن ثم فإن العراقيين أقبلوا على التعاقد مع الشركات الروسية لا لسبب سوى انهم رأوا صالحهم في ذلك، ولا دخل لدعم نظام الحكم أو عدمه في هذا الموضوع، ولا يزالون يرون صالحهم في التعامل مع الشركات الروسية.

 


سايكولوجيا الارهاب ما يهم الارهابيين: الاثارة وليس الهدف!

بيتر غرير وفاي بووير

تبقى مشاعر اسامة بن لادن سراً غامضاً، تماماً مثل اماكن وجوده، لكنه لو ظهر الى السطح غداً فجأة ليلقي خطاب دولة الجهاد، فربما سيكون هذا الخطاب شيئاً كالآتي: (زملائي اعضاء القاعدة - ان الاسلام في خطر مهلك من الغرب. فالامريكيون هم المغول الجدد، ورثة الحشود الكافرة التي نهبت بغداد والعواصم الاسلامية الاخرى في القرن الثالث عشر. انهم يمثلون تهديداً مادياً وروحياً معاً، حيث يمكن لايديولوجياهم المادية، وتأكيدهم الفردي والعلماني، ان تغوي المؤمنين للابتعاد عن المسلك الحقيقي للاسلام. والجهاد هو الترياق لهذا السم، ولأنها حرب حقيقية، فإنها توفر فرصة لضرب الكفرة، ولأنها حالة كينونة، فإنها توفر للمشاركين طريقاً للبرهنة على جدارتهم امام الله.

ان الولايات المتحدة، وبعد ثلاث سنوات من هجمات (ايلول، لا تزال تكافح للتعريف بأعدائها الرئيسين في الحرب على الارهاب. وهي تعرف هويتهم، بالطبع انهم اعضاء القاعدة وجماعاتها الجهادية المرتبطة بها على امتداد العالم. غير ان معرفة من هم، بمعنى فهم الطريقة التي ينظرون بها الى العالم، فلسفاتهم، آمالهم، وخططهم، فقصة اخرى. فعندما يتطلع اسامة بن لادن من معقله الجبلي الباكستاني المحتمل، هل تعجبه يا ترى موجة الاحداث في العالم؟ هل هو سعيد بما يحصل للعراق ام محبط؟ وهل هو تواق لتعطيل الانتخابات الامريكية ومهاجمة المزيد من المعالم الرأسمالية؟ ام ان لديه، كما يشير بعض الخبراء، اجندة مختلفة، اجندة تعكس نظام قيم خاصة به؟

ان المشرعين، حين يتحرك مجلسا الكونغرس نحو التصويت على مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح الاستخبارات في الولايات المتحدة، ربما يضعون في اذهانهم ان احدى توصيات لجنة (11 / 9) الاساسية لا تعالج التركيبة البيروقراطية بقدر ما تعالج الحاجة الى ضمان قدرة وكالات الاستخبارات على رؤية العالم من خلال عيون الخصوم. فأحداث (11 ايلول)، بعد كل شيء، يمكن ان تكون قد نجمت عن فشل في التخيل، اضافة لأمور اخرى، ولم يكن هناك ما يكفي من الناس الذين بوسعهم التنبؤ بأن مثل تلك الاحداث كان من الممكن او من المحتمل ان يقع.

وقد انتهت لجنة (11 / 9) في تقريرها النهائي الى (ان من الحاسم بالتالي ايجاد طريقة لروتنة، وحتى بقرطة، ممارسة التخيل).

لقد حاولت مؤسسة الامن القومي الامريكي، خلال الحرب الباردة، ان تفهم العالم كما قد يراه الاتحاد السوفيتي. وكانت طريقة (الفريق الاحمر) هذه تهدف الى التنبؤ بالكيفية التي سيكون بها رد فعل القادة السوفييت على تطور الاسلحة الامريكية، اقتراحات التفاوض، وغيرها من التحركات الجيوستراتيجية. اما الآن، فإن الولايات المتحدة مركزة على نحو متزايد على التعامل هكذا مع القاعدة. واحد المساعي البارزة هو ذلك الذي يقوم به بناءً على طلب البنتاغون محلل الشؤون الارهابية بريان جينكينز.

لقد استمد مختصر (دولة الجهاد) المذكور آنفاً من شغل السيد جينكينز. ومن بين النقاط الواردة فيه: ان اهداف القاعدة عريضة - وهي بالنسبة للعيون الغربية، عريضة جداً الى درجة تبدو معها خيالية: فالجماعة تريد ان تطرد الكفرة من الشرق الاوسط، ان تسقط ما تعتبره انظمة مرتدة في العربية السعودية، وغيرها من البلدان الاسلامية، وتعزيز الاحياء الديني الاسلامي. والهدف هو بناء مجموعة انصار، وليس الاستيلاء على ارض. والجماعة غامضة من ناحية الوقت الذي يمكن ان يتم الوصول الى اهدافها فيه. فهي لا تمتلك خريطة طريق الى النصر.

(ونحن  نعتبر الحرب عملية محدودة، ذات بداية، ووسط ونهاية. اما بالنسبة لخصومنا الجهاديين، فهي ظرف دائم) كما قال جينكينز في مؤتمر راند للارهاب في واشنطن.

ان دستور الجهادية يؤكد العملية، وليس التقدم، فهد فهم هو الفعل action  كلما كان اكثر مشهدية واثارة كان افضل. وحملة الارهاب المستمرة تدعم تصورهم الذاتي كحد قاطع للجهاد، كما يذكر جينكينز والفعل ينقي الجهاديين، بتركيزهم على غرضٍ روحي ووقايتهم من اغراءات المادية. والارهاب الفردي، بالنسبة للقاعدة، يمكن ان يكون اهم من حصيلة عملية من العمليات.

لقد تحدت السنوات الثلاث الاخيرة القاعدة بالتأكيد. فقد تم تفكيك معسكرات التدريب الافغانية، وقتل الكثير من القادة الكبار او اعتقالهم. ويتضاءل الآن تدفق المال وتنضغط البيئة العملياتية. وما هو اسوأ، بالنسبة للقاعدة، قد يكون ما يراه القادة رد فعل فاتراً من قبل

الاسلام. ويذكر جينكينز ان رسالة مطولة تنسب لإبن لادن صورت المسلمين بشكل متعمد على انهم (مذنبون بالتعصب القياسي)، وعليه فهم يحتاجون الى حثهم على الفعل. ومع هذا، فإن القاعدة يمكن ان ترى انها اجتاحت اسوأ ما يمكن للولايات المتحدة ان تفعل، وهكذا تستمر العمليات الناجحة، مثل تفجيرات قطارات مدريد. ويعتقد اغلب الخبراء أن القاعدة مسؤولة عن التفجيرات في منتجعات البحر الاحمر المصرية الاخيرة التي قتلت في الاقل 33 شخصاً وجرحت 149 آخرين. وقد استثار الغزو الامريكي للعراق مسلمين، بل وشق امماً غير مؤمنة بالاسلام - فاتحاً بذلك جبهة جديدة محتملة للجهاد. فما الذي سيحدث على المدى الطويل، في ظل لاهوت القاعدة؟

ان الهدف هو (حرب حتى يوم الحساب) وفقاً لقول جينكينز. ومصدر هذا وغيره من الفروض هم على نطاقٍ واسع الارهابيون انفسهم. ويتوفر بعضه من التحقيق مع اعضاء القاعدة المعتقلين، غير ان الكثير من وجهة النظر الاسلاموية واضح الرؤية، في بلاغات صادرة على مدى سنوات عن بن لادن وازلامه الكبار. ومتى ما تم اطلاق شريط سمعي او بصري على الرغم من  انه صادر عن القاعدة، تسابقت الاثارة عبر الوسط الاستخباري الامريكي، كما جاء في كتاب (Imperial Hubris) الصادر حديثاً والذي كتبه مسؤول يعمل في CIA غفل من الاسم، ويتأمل المحللون في معنى مصطلحات غامضة، مثل الاشنة على الصخور او شكل الاشجار الفردية، من اجل تصور اين يمكن قد تم عمل الشريط. وهم يصنغون لنبرة الصوت للتحقق من حال صحة بن لادن.

ووسط هذا الجري (فإن كلمات بن لادن هي الجزء الاكثر تعرضاً للفحص من الشريط، كما يقول المؤلف، الذي سمي في تقارير الاخبار بميتشل سشورر، والذي يكتب قائلاً ان خطاب بن لادن بعد 11 / 9 بالتالي يبين انه يعرفنا، وكيف يكون رد فعلنا، افضل كثيراً مما نعرف عنه. وغالباً ما يركز هذا الخطاب على المظالم الملاحظة الواقعة على العالم الاسلامي. ويصور المسلمين في البوسنة، وكشمير، والشيشان، وافغانستان، وجمهوريات آسيا الوسطى السوفيتية السابقة ضحايا لحرب صليبية تقودها الولايات المتحدة الامريكية.

ويبدو انه يشعر بأن مصداقيته اللاهوتية ترتكز على اقناع المسلمين بأنهم تحت الهجوم اينما

كانوا. ويقول للامريكيين انه يعرف ان الكثيرين منهم (طيبون وشهمون) لكنه في حرب مع حكومتهم. بل يحث المواطنين الامريكيين على التحول الى الاسلام ليخلصوا انفسهم من ( وجودهم المادي البائس الجاف).

ونتيجة للضغط الشديد الذي مارسته وتمارسه القوات الامريكية، فإن بن لادن، طالب الادارة السابق، يمكن ان يكون قد تكيف من خلال لا مركزة عملياته، كما يقول د. جيرولد بوست، مدير برنامج السايكولوجيا السياسية في جامعة جورج واشنطن. فالقادة الذين يعملون مديرين اقليميين يمكن ان يكلفوا الآن بتنمية اموالهم النقدية والتخطيط لعملياتهم الخاصة.

فقد اصبحت القاعدة ايديولوجيا ايحائية، اكثر من امكانية ان تكون شبكة منظمة كما يقول د. بوست، الذي يدير ايضاً وحدة التشخيص السايكولوجي في CIA.

لقد ظهر بن لادن في احدث شريط فيديو، نشر في الشتاء الماضي، وقد بدا نحيلاً، وقال انه لا يهتم لكونه يعيش او يموت - بل الذي يهمه ان ما بدأه يجب ان يستمر.

(ربما كان يرى الى نفسه انه في نهاية حياته ويريد ان يستقر في التاريخ الراديكالي الاسلامي بإعتباره الفاعل الرئيس في هذا العصيان المسلح ضد الغرب)، كما يقول بوست.

ترجمة/ عادل العامل

عن/ كريستيان ساينس مونيتر

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة