الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 

 

اذاعة العراق الجديد

كتابة وتصوير

آمنة عبد العزيز

مع سقوط الدكتاتورية في العراق انبثقت العديد من وسائل الاعلام المعروفة منها المسموعة والمرئية وبتلك المساحة من الحرية التي كان يترقبها العراقيون والتي حرموا منها لعقود عديدة من الزمان بتنا نسمع ونقرأ ونشاهد الكثير من هذه المؤسسات الاعلامية ولدت بموت الدكتاتورية.

في اقليم كردستان العراق كان هذا اللقاء بالسيد كوردا حسن جلال مدير إذاعة العراق الجديد.

*متى تأسست اذاعة العراق الجديد؟

-بعد سقوط النظام مباشرة وكانت خطوة بخطوة مع عملية السقوط، ومن مدينة كركوك كنا نبث ولمدة 20 ساعة يومياً وباربع لغات: العربية، والكردية، والتركمانية، والآشورية، وفي بداية انطلاق هذه الاذاعة كان عدد العاملين لا يتجاوز عدد اصابع اليد وكان البث يقدم برامجه، متناوباً، ما بين ثلاث ساعات بالعربية وساعتين بالكردية، وساعة واحدة بالتركمانية والآشورية وبين كل ساعة نشرة اخبارية مفصلة وباللغات ذاتها.

*ما هي البرامج الثابتة التي تبثها اذاعتكم؟

-برامج سياسية وبرامج ثقافية واجتماعية وهناك برامج فنية مختلفة. فلدينا برنامج عن حقوق الانسان والقانون بشكل عام، وبرنامج عن الاسرة والمجتمع، ويمكن الاستماع لأذاعتنا على الموجات القصيرة، وهناك خطة ستنفذ عن قريب بفتح مكتب دائم في بغداد بعد أن يستقر الوضع الامني اكثر.

*وكم عدد المراسلين في اذاعتكم؟

-يزيد على اثنين وعشرين مراسلاً وفي اغلب محافظات العراق، وهنا في السليمانية يوجد عدد آخر من المراسلين وباللغة الكردية، لتغطية النشاطات المختلفة، ونحن بصدد البث لقناة فضائية تحمل اسم (نوى) وعلى تردد 13 درجة شرقاً وعلى الهودبيرد)، وستكون التغطية لجميع انحاء العراق وبشكل متواصل.

واختتم اللقاء بقوله: إن حالة الاعلام الحر التي يعيشها العراق الجديد سوف تعطي فرصاً اكبر لولادة وسائل اعلامية متميزة وقادرة على تلبية المتطلبات الثقافية التي ستكون، حتماً، عاملاً للابداع والنهوض بشكل خالٍ من التبعية والتمجيد الفردي.


الفلو الاشقر

عمران السعيدي

مللت من ركوب الحمير يا ابي.. لقد مزقت ساقي سروجها الخشنة والمليئة بالليف الحاد وخاصة حين تعبر السواقي المتناثرة في حقول البطيخ والجت على شاطئ دجلة الغربي قبالة جزيرة (أم الخنازير).

لقد تعبت من هذا الركوب وأرجو أن تسمح لي بامتطاء (الفلو) الاشقر عله يتعود عليّ. فما أن يقترب منه احد ويلامس ظهره الناعم حتى يقفز ويرفس بكل ضجر مع صهيل تحد قوي.

رد والدي بانه يخشى علي من السقوط من على ظهره واصابتي بأذى لا اقدر على علاجه.. ازددت الحاحاً على ركوب هذا (الفلو) العنيد.. سرح والدي قليلاً وسحب كيس التبغ من حزامه الرطب حيث كان يقطع اعواد الصفصاف ببلطته الصغيرة والتي لا تفارق حزامه مع كيس التبغ.. قطع تلك الاعواد المعوجة والمستقيمة منها كي.. يخزنها لبناء سقائف للمحصول من الخضرة وحظائر للحيوانات حماية لها من الحر والبرد... وبعد أن لف له سيكارة من ورق (البافرا) نظر الي باعجاب وقال ضاحكاً وهو قليل الضحك عادة: أظن أن منيتك قد دنت يا ابو طه.. كان الاهل والاصدقاء ينادونني بابي طه ولا اعرف كيف جاءت هذه الكنية.. وقال لي إذن خذ (الفلو) الاشقر وكن حذراً من السقوط.. قم و(جلوح) على ظهر حصانك واذهب إلى البيت واجلب لي (خاجيتي) كي انزل إلى بغداد لأن (تتني خلص) (وارد اتنفه شويه).. أخذني الزهو بهذا الرأي سفر إلى بغداد وركوب الحصان السريع.. كنت صغيراً وذهاب الوالد إلى بغداد يعني الكثير بين هداياه البسيطة وغيابه عنا حيث يزداد اللعب وعبور حيطان البساتين لسرقة ما بها من فواكه أو قطع فسائل (الجمار) في حال عدم وجود موسم الفواكه..

(جلوحت) على ظهر حصاني النزق بسرعة ومسكت الرسن بيد و(المعارف) بيدي الأخرى.. (المعارف) تعني شعر الرقبة للحصان. لكزته في خاصرته بقدمي.. وراح يقفز ويرفس ولكني سيطرت على قيادته وانطلق يسابق الريح صوب البيت.. لا تنس (الخاجيه) يا ولدي يقصد العباءة.. عبر بي حصاني سواقي ومروزاً ومزارع ولامستني أغصان التوت والصفصاف والغرب في الطريق إلى الدار.. كان سريعاً جداً ولم اخش شيئاً من سرعته لأنني كنت صلفاً مثله وصبياً عنيداً لم يسلم مني سياج بستان التفاح (الكوفي) أو المشمش (القيسي) إلا وعبرته دون خوف من ناطور أو شوك عوسج وسعف نخيل يابس فوق السياج كي أملأ (عبي) بتلك الفاكهة الشهية حتى وإن كانت (جقيل) أو (حدج) أي لم تنضج بعد واجلبها لاصدقائي واخوتي الذين ينتظرونني خلف السياج وفي الليالي المظلمة.. لم يكن الخوف يمنعني عن فعل ذلك.

وصلت الدار اخيراً مزهواً بهذا الحصان الاصيل وبنفسي القوية حيث استطعت ترويضه خلال الدروب الصعبة وحيطان البساتين المخيفة.. نزلت من على ظهره ولويت (الرشمه) على غصن شجرة التوت الوارفة والمعمرة عند باب الدار.. ودلفت إلى الداخل منادياً بلغة الكبار على شقيقتي الصغرى والتي كانت تسجر التنور بخبز الصباح أن تجلب سطل الماء لحصاني الغالي وطلبت من امي أن تهيئ الـ (كلاصيه) وهي تسمية للحذاء الجيد في لغة فلاحي قريتنا.. قلت لها ابي يروم الذهاب إلى بغداد هذا اليوم لجلب تبغ (الجيلاوي) حيث لا يدخن غيره.. ضحكت وقالت "هذا ابوك شعنده هاليام أشو كثرت روحاته؟"

لم اجبها على السؤال لأن هذا لا يهمني.. همي هو (الفلو) الأشقر وحيطان البساتين ليلاً والتفاح الكوفي وعناقيده الجميلة والسابحة أطرافها في سواقي البساتين المغمورة بمياه دجلة الصافية.

المهم في الامر أخذت الحذاء الاحمر (الكلاصي) وامتطيت صهوة فلوي الجميل دون تردد وأنطلق بي يسابق الريح وبنفس الطريق... وصلت ابي الذي رأيته قد تهيأ بعد أن سبح في ساقية الصفصاف الباردة.. وما إن نزلت من حصاني الذي صار وديعاً خلال هذه المسافة واخرجت لوالدي الحذاء الاحمر من (صرة) ربطتها به الوالدة حتى صباح غاضباً: ماذا جلبت ايها الاغبر؟ الم اقل لك "الخاجية" ايها الاثول..؟ اخذني الخوف والخجل معاً وذهب زهوي كله وقلت له بعد تردد قليل.. لماذا لم تقل لي هات الصاءة يا والدي؟

زاد غضبه وشتم خالي الذي استحوذ على ميراث امي.

ولم يذهب إلى بغداد ذلك اليوم.. وعاد ولبس ثوبه القديم ووضع كيس (تتنه) في حزامه وحمل بلطته الحادة واندفع نحو خيط الصفصاف البارد ثم بدأ يقطع الأعواد المستقيمة وهو يدمدم بكلمات ابعدتها اصوات ضربات البلطة.. أما انا فقد جلست على شاطئ دجلة بعد أن وضعت حزمة جت زاهية بالورد البنفسجي أمام حصاني العزيز.

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة