مسرح

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

رأيان في عرض مسرحي

أثار عرض (نساء في الحرب) لجواد الاسدي العديد من التساؤلات وردود الافعال، خصوصاً لمخرج مسرحي عراقي اغترب طويلاً عن الوطن، لم نشهد له سوى عرض مسرحية (العالم على راحة يد) في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ثم عرض مسرحية (المجزرة ماكبث) من خلال فرقة فلسطينية مشاركة في عروض (مهرجان المسرح العربي الرابع) في مطلع التسعينيات من ذلك القرن.

ولاننا نحترم ونعتز بالتجربة المسرحية الشاملة للاسدي الصديق، فقد سعت (المدى) لاستكتاب المعنيين في مسرحنا العراقي، من دون ان توصد الباب على الاراء المسرحية الاخرى بخصوص (نساء في الحرب).. املين الاستجابة لهذه الدعوة اكراماً لفنان عراقي مجتهد، استطاع ان يؤسس لتجربته الفنية في بلاد الغربة، خلال اكثر من ربع قرن!


مخيم ام مازق وطن ؟

أ.د.عقيل مهدي يوسف

يقدم عرض (نساء في الحرب) شخصيات نسوية متباينة الطباع، يجمعهن مكان عشوائي في الشتات.

(العرض) من اخراج جواد الاسدي، و (والنص) من تاليفه ايضا.

في مدخل (ارتجالي) هستيري، يتصاعد ايقاع القرع على الابواب والشبابيك، وترتطم كل ممثلة بالاخرى، وسط ظلام حالك بسبب انقطاع التيار الكهربائي.

وتشرع الاضاءة باظهار هيأة في اعلى المسرح منيرة مثل قمر، هي (مريم) التي ادت دورها بعذوبة الفنانة (سهى سالم) (مريم) هذه تقية، متعثرة، مقوسة الحركة مطاح بها الى هوامل الفضاء او هوامشه، وكانها لطخة لونية اخيرة في المشهد الاستهلالي) تتالق ببهائها، وشجنها، واحدة بين كينونات نسائية ثلاث، اللواتي يشتعلن بحرائق الغربة.

يوخز مريم لاجئ (بوسني) في مكمن عفتها، فيتركها متورمة الثدي، مذبوحة من الداخل، ومسبية.

اما الشخصية الثانية فانها (ريحانه) مثلتها الفنانة القديرة (اسيا كمال) بجرأة وانفتاح، اتخذت (ميزانسينا) اخر، ولوناً مغايراً لـ(مريم)، فبدت في حركتها، وايقاعها النفسي، والجسدي، متذبذبة، قافزة، متوفزة فائدة، تستكمل السيقان مايعجز اللسان نحن التفوه به، ان مستورها هو المعلن، وهذا انقلاب صريح في المعادلة مابينها ومريم..

انها ترسم تمرداً كاسحاً للمعايير الاخلاقية التقليدية بمفرداتها الجسدية، (باهتزاز الراس، واختلاج الايدي والارجل، والرقص).

توغل في مقطاعة (التابو) وعقلية التحريم بكيدية شيطانية، ونزوع هدمي (نهلستي).

فتعيش تحولات (بورغونية) لذوية، شبقية، اولاً بأول!! حتى بتفوهات الاغنية الانكليزية التي تتغنى بها: طاولة واحدة، لواحد فقط..!)ولكن على الرغم من هذه اللغة الصادمة (للعفة) فيمكن تاويل تصرفاتها الهستيرية) على انها ضرب من الدفاع اللاشعوري، او القناع الذي يخفي رعباً داخليا، وموتا صقيعياً، تريد مداواته بالانقلاب الحاد والصندي، فتكرر لازمتها بانها، كما توصف نفسها (امراة-سوبر) أي امراة فائقة الانوثة.

وفي الصميم ترتكز الممثلة (امينة) التي لعبت دورها بحرفية فنية مسرحية واضحة الفنانة (شذى سالم) في محور مركزي يشد اليه الاتجاهات الحركية، والمشهدية، ويقرب (الدلالة) الى المتلقي، بالايحاء تارة وبالبوح المباشر تارة اخرى.

امينة المتحكمة بخيوط السرد الدرامي، سيدة المسرح كما تنعتها ريحانة ماكانت تتمرد على قدسية النص، وتضفي عليه قراءتها الخاصة، وتوقعه بنبرات نداء الانثى، فتثير غرائز المتلقي، وتلهب احتشاءه، حتى ان الممثل الشريك معها في الدور تورطه وتوقعه في فخاخ العشق، وعذرها في ذلك بوهيمية زوجها حين ترقبه وهو يعتصر الاخريات ويزرع في ارحامهن زهرة الدنس، فيبتلعهن ثم يلفظهن بانانية وحشية عاتية ، لاتعرف جداً لذوق ، اوحرمة لعرض ، سوى رغبته العارمة في المشاركة بارتجاف الكائن المنشطر، ظلما، الى انثى ورجل! وكأنه يستن شريعة بدائية تدفعه للعودة الى الاصول الاولى، الى الانسان ماقبل الانشطار الذي سماه (يونج) بـ(الانيما والانيموس) الى مرحلة ماقبل التسميات لذكر وانثى.

هذا الافتراض يمكن ان يسوقه المتلقي ويبنيه عن صورة زوج امنية، الذي تستحضر وهي تمثل وتسرد حكايته للجمهور، بوصفه زير نساء مبتذلاً، بمثل تهدل نهود فرائسه في حوض الحمام.

كان يتعين على (مريم) ان تلازمها قنينة الماء، تتطهر به وتتوضاً بايمانها، وضراعتها وورعها، لرب رحيم.

في حين ترش (ريحانة) الماء رشاً، وهي تكوي الملابس، من فمها المتعطش للدفع والاخذ مع من تهوي من الرجال، فتطيح بهم بعيداً عن المقدسات الاسرية وتنتزعهم، لتمرغهم في لحم فاحشتها.

اما (امينة) فانها تساعد بـ(الماء) الاخريات، فتغسل وجوهن، وتقدم لهن اقراص الدواء حتى تحفظهن من الهلاك.

كل واحدة منهن مبتلاة بازمة وطنية خاصة تدفعها للهجرة القسرية خارج اعشاشهن.

اجادت (امينة) سرد قصتها، وكان المدخل حكايتها مع المحقق الشهواني، الذي يشبه خنزيراً ويضحك بطريقة شهوانية منفردة.

لكنهن يعزفن على وتر واحد، وهو (المسكنة)!! عند حضور محقق يتسبيح انسانيتهن، ويعلمهن وكانهن مجرد نفاية، او موضوع شبق عابر!

استطاعت امينة ان توجز قصتها الدامية بنصف ساعة، هذا ماتغبطها عليه الطبيبة النفسانية (ريحانة)، وتبرر قدرتها على حسن الحبك لانها (ممثلة) والممثلة تحسب نفسها مخلدة لاتموت، تحيا في مخيلات المتفرجين لزمن طويل.

واي عزاء لهذا الوهم الجميل!!

وتبقى (مريم) في ربقة هذه الوهدة، والعزلة والحجر في المخيمات، كائنة مستوحدة، استدرجها باسم الدين، وعظاته الصافية لاجيء بوسني فانتزع بقبلاته شفاهها من منبتها، لكنه حين اراد ان يلامس جرحها المتورم على شكل ثدي صرخت به، وصدته، فجفل، فتوارى وذاب عبثا تحاول استرداده وهي على مثل هذا الخلق العذري، وكانها راهبة او قدية، تورطت بالاثم، وباغتتها الفاحشة، ريحانه ، تناكدها، وتسمعها كلمات توخزها في الصميم، مؤكدة لها ان البوسني قد هجرها الى الابد، وانها تعرفه تماماً، وسبق لها ان صدته حين طلب وصالها!! وتسخر منها بقولها ان البوسني يدربها هكذا..! فتقوم بحركات ماجنة تردفها بضحكة مشبوهة.

وهي تضع المساحيق على وجهها وتنفث بدخان سجائرها التي تمضغها او تمتصها او حين تطوح بجسدها وتهزة هذا.

اشتغل المخرج (جواد الاسدي) على معمارية حقيقية، عبارة عن فضاء من البناء الجاهز، يشبه كوخاً خشبياً، تحيط به نوافذ متراصة، وبابان، احدهما لدخول الجمهور، والاخر للممثلين.

وضع تصميما مبدئيا، للدخول والخروج، والظهور والاختفاء، على وفق معطيات المخطط الحقيقي نفسه. بتقنياته المتواضعه.

لكنه من ناحيته الاخراجية، افترض معماراً فضائياً اخر يتعلق ببنية العرض التخيلية، فقام بتاويل مفردات المكان، وكانها تشكل (مخيماً) للاجئين، موحشاً، طارداً للارواح الشقية التي حلت وسط تعاسته واحكام محققية التي لاراد لها!

فصل-المخرج، بين المستويات المشهدية، ومواضعها، ووضعياتها، فوضع تدرجاً لها ينحدر من اعلى الخشبة حتى مقدمة الصالة التي يحتلها المتفرجون.. ثم قام بتوزيع محاوره الحركية، فوضع على الجهة اليمنى طاولة للاواني الخاصة بالطبخ، وفي الجهة اليسرى طاولة للكتب، تنهض فوقها مراة تسهم في تقوية الاثر الجمالي لدى المتفرج، عن انشطار الشخصيات على ذواتها، حين تضيع الهوية في المنافي، ولكي يحافظ على الايقاع البصري للعرض، ثم اجتراح مسافات تخيلية جمالية جديدة، فاضاف ستاراً ابيض شفافا يحدد اطار الخشبة، ويخلق خطوطاً منظورية من وجهة نظر الصالة، ثم يضاعف من ابعاد ومساحات هذه السينوغرافيا، بوضع حبل غسيل، يعلق عليه شراشف بيضاء كانها ستارة رديفة، تلعب دوراً فضائياً جديداً، وتكرس انطباعاً سايكولوجيا حميما لقربها من المتلقي الذي بات جزءاً من معمارية المكان، وعضواً في جسد المخيم وكيانه الهندسي.

ساهمت الممثلات بابراز الخاصية التاطيرية للفجوة التي تنبثق بين ستارتين، للتركيز على تعبيرات الوجه، وحركات الايدي والاصابع، وتقسيمات الجسد، بمثل هذه المشهدية، المدروسة، تبادلت المكونات المواقع والوظائف، وجرى من خلالها تطوير خاصية التحولات الشكلية، وابراز وحدات المعنى بواسطة الضوء، ومادة الممثل، وحركته، والتراتيل الكنسية والموسيقى والحوار.

هذه الوحدات الدرامية والسردية، اتصفت (بالموضوعية) حين شملت الفضاء المسرحي بما يشبه عدسة شاملة للمنظور، واستعراض مكوناته.

وكانت (ذاتية) -ايضا- تخص عالم كل امراة على انفراد، أي انها تحركت لتقدم وجهة نظر، الممثلات، من دون ان تسقط هذه الشخصيات في فخ (المونودراما) او التراكم المنفرط لان ذكاء التصميم الاخراجي، جعل (الميزانسين) يدور في بؤرة واحدة (جشتالية) متعالية ترسم بتكوينها الشامل حركة الاجزاء، وتربطها، وتتحكم بها، فلا تعود امينة وريحانه ومريم مجرد شخصيات منفرطة، كل منها تغني في مسارب خاصة بها، بل باتت (جوقة) تصدح، وتترنم، وتعلق، وتصدر الاحكام، بروح جماعية مشتركة.

اسبغ العرض على نفسه طابعاً انسانيا شاملاً محين تقراً مريم القران نسمع تراتيل باللغة اللاتينية وكانها تاتينا من كل فج عميق من فضاءات المسرح ومن اعماقه البعيدة تتصادى التراتيل مشوبة بنكهة (سلافية) رومانتيكية نازفة.

وبقدر شهقات الروح العراقية الهلعة والمرتبكة خارج فضاءها، بهذا القدر رسمت الابعاد الحركية للممثلات، لتؤكد المعاناة والانسحاق والغربة والم الشتات، وموازاة مع هذا القدر تتعالي انغام الموسيقى، وتهدر اصوات الكورس الرجالية، بطابع الاوراتاريو الكنسية، وانين الاورغن الماتمي الفجائعي،  هذا الدمج بين الاسلامي، والخلفية المسيحية يعلي من شأن المنظومة الدينية، ويبرز قسماتها درامياً، بوصفها منظومة شمولية للرحمة لكنها تمتثل لاسلوب واحد، مهما تعددت اوجه التجربة الدينية بين الملل والنحل والطوائف المتوزعة بين (الوضعي) و (الالهي).

نشطت حركة الممثلات ذات المسارات الافقية والرأسية والمحيطية والمركزية، ووسعت من فضاء العرض، فنقلته الى (شكل فني) متكامل العناصر، قابل للقراءة الجمالية المفتوحة، حيث اصبح حتى المعمار الحقيقي للبناء مثيراً بصرياً، يشدنا الى (المتخيل) اكثر مما يحيلنا الى ارضيته الطبيعية.

فباتت (النوافذ) عيوناً ترمق الجمهور وبالوقت نفسه، تقوم بالكشف الرؤيوي لجمهور ينصت عن قرب.

وفر هذه الحميمية فضاء العرض التجريبي/ حين قلص الهوة بين الخشبة والصالة وجعلها بؤرة واحدة تتوازن فيها كتلة المتفرجين المحددة، مع الذراع الخاص بالممثلات الثلاث عن طريق ابتكار مسافات وهمية، تتعادل فيها كفة (العرض) مع الوجود المادي (للجمهور).

ساهمت المفردات مثل: قطع الاواني، وطست ومسحوق الغسيل، والقماش الابيض، والسجائر وعود الثقاب، وقناديل الضوء، والكتب، والطاولات، والكراسي، والقناني، والكتاب المقدس، وورقة الكشف الطبي، والمراة وصبغ الوجه باللون الابيض (في واحد من ادوار امينة) والوشاح الاحمر، والابيض والزي..

كل هذه المفردات نسجت المادة الفنية والتفصيلية فنقلتها من خطتها الذهنية الى ممارسة اخراجية، خاصة بسكان المخيم من المنفيين، وثلاث نسوة عراقيات. اخذت قطعة القماش تحيا حياتها الخاصة- منذ ان ظهرت لنا فوق المنصة، في المشهد الذي كانت فيه مريم ترتل القران.

وبالتتابع تحركت قطعة القماش البيضاء هذه بوصفها ستارة-حينا- او استعادة جمالية حينا اخر، تتلفع بها الممثلات، وهن يسحبنها بعنف ودينامية باتجاه الصالة، ثم يجرجرن اذيال خيباتهن الى الخلف، ويتلفتن مذعورات الى جهات الكون الاربع، التي تتربص بهن، في بلدان متفوقة حضارياً، تمتص اللاجئين اليها من بلدان المنخفض الحضاري!!،

فتتم المقايضة بين (مندهش) بالحظور المباح، او حظر المباح، الجنس مقابل العذرية، والتجديف مقابل التدين، وحقوق الانسان، مقابل هضمها وانتهاكها، برجفات القلوب وهيجان الايادي، وطغيان الموسيقى تسحب الممثلات قطعة القماش العملاقة، فيتوارين خلفها، وكانهن يلوذن بكفن الغياب والتلاشي، ويبقى الاثر شاهداً على الماساة.

وهذا مايشعل بقعة التنوير عند الجمهور ليعيد النظر بغريزة القطيع، واهتياج نطفة العشيرة، واجتياح السكاكين والفؤوس والرشاشات والمدافع، والحصيلة اطفال تزهق ارواحهم، فيا للمفارقة!!

أي خزي للضمير واي لعنة تصيب الوعي الشقي، لجمهور يصفق لاميرة بلا اثداء، كما تقول امينة!

وربما - ايضا- لامراء زائفين، مخصيين، يبثون الياس في الفرائص، والخزي لايستشري الا في عالم متشبث بالخرافة في عصر النور والعلم والفضاء.


نساء في الحرب..!! شاهدات على عصر عذب المستبدون أهله

د.شاكر اللامي

بعد عودته الى الوطن اقتحم جواد ميدانه وعالمه الاصل.. وقدم عمله الاول (نساء في الحرب) والذي اشتركت في ادائه الفنانات شذى سالم (امينة) اسيا كمال (ريحانة) سهى سالم (مريم).. جمعهن ملجأ واحد..

العراقية امينة مجللة بالسواد والحزن سيمياء طلعتها وحياتها.. انها ممثلة عراقية تركت المسرح هرباً من النظام الدموي المقبور.. كانت مرة هي وزملاءها يقدمون مسرحية (لغارسيا لوركا) بيت بيرناردا البا والتي اغاضت النظام واجهزته فما كان من رجال الامن الا اختطاف احدى الممثلات.. وكذلك (امينة) تعرضت للملاحقة والتحقيق ومازالت مرعوبة وخئفة من ذلك المحقق الشهواني القاتل!!

تعود بالمتفرج الى عام 1979 حيث بدأ النظام الدموي المقبور بتصعيد حملته ضد كل ماهو خير في البلد وحول بالتالي العراق الى سجن كبير.. (مع الموسيقى الهادئة تحسر امينه غطاء راسها الاسود) وخلفها امراة تنوح من شدة الالم- تواصل امينه سرد حكايتها وتندفع في ثورة عارمة وهيجان غير متوقع:

يدوي صدري

يجلجل جسدي

.......الخ

بعد تلك الحملة والملاحقات هربت امينة الى ايران كمحطة اولى، ثم جالت في بلدان كثيرة طلباً للامن، وكانت المانيا الملجأ الاخير حيث تعيش.. تعرضت لكثير من المخاطر- خاصة وقت حملتها الباخرة ومجموعة من طالبي اللجوء من اندونيسا باتجاه اوستراليا.. والتي غرقت في عرض البحر.. وكانت الوحيدة التي نجت من الغرق.

هذه الفنانة حالمة بفنها.. وهاهي تحلق في اجواء شكسبيرية.. مغرمة بحب روميو (تقدم مشهد من روميو وجوليت).. وكاني بها تقلب صفحات حبها الضائع.. المدفون في جوانحها ووجدانها.

هي الممثلة العراقية والفنانة الملتزمة، وهي احدى الفنانات اللواتي عملن في المسرح العراقي ذي التاريخ والمسار والهدف التنويري.. وهي من خلال فنها ارتبطت بالعراق وحلمت به، وهذا الحب كله كما يتراءى للمتفرج.. هو حب العراق.

الثانية ريحانه /اسيا كمال: شقراء من شمال افريقيا، عابثة، تتفجر جنساً وشهوة!  Only table for me ..الجنس والطيش حياتها وديدنها.. الجنس الدال على الحرية والانطلاق.. هي امراة - كأي امراة، تتكلم بصراحة دون خوف مادامت تعيش في بحبوحة من الحرية والامان.. تقول مافي داخلها دون رياء وبلاخوف.. بل بصدق.. الصدق مع نفسها بشكل اساسي:

اكثر الشهوات ناراً تاتي من المحرمات!  هذه المواطنة الافريقية تعرضت في بلادها الى المضايقات والعسف، والتحقيق، والاضطهاد لذلك كفرت بالوطن وكرهت العرب وغير العرب وهي على استعداد للزواج من اجنبي.. تفجر دواخلها بحركات جنسية.. ولايهمها حتى وان قالوا عنها عاهرة.

كرد فعل طبيعي كونها جاءت من بلاد الجوع والتعذيب وحفلات الموت.. وهي لاتترد ان وجدت

فرصه في معاشرة البوسني مواطن زميلتها مريم (سهى سالم).. هكذا فرضت عليها حياة الملاجيء:

نحن اسيرات الملاجيء..

ومع هذا فهي امراة قوية تختار من تشاء وترفض من تشاء وتتحكم في رغباتها.. لانها غير مقيدة.. لانها بعيده عن سيف الارهاب والملاحقة والاعتقال والاختفاء والتغييب.

الثالثة مريم (سهى سالم)، من اصل بوسني مؤمنة تعاني الغربة ونتائج علاقتها مع بوسني اقام معها علاقة عابرة (الارتباط بالموطن) كما اقام مع غيرها (التخبط بالحياة).. وهذه الضحية رغم كل المصائب والمعاناة يهيج كوامن الروح فيها ذكر اسم البوسني.. والتي تتوق الى الرجوع اليه.

تمسي معاناتها دون حل.. فهي فقدت الوطن، فقدت الرابط بينها وبين انتمائها، لذا كان الرحيل والموت والانتحار السبيل الوحيد لحل مشكلتها. هي في توتر دائم.. انكسار واحباط.. وحين اكتشفت خيانة مواطنها وعلاقته مع زميلتها المواطنة الافريقية حاولت قتلها!!

بمرارة اقول ان الفنان المهاجر يفقد صلته الاساس مع جمهوره، ويفقد لمساته ومعالجات واقعه وميدانه الاقرب الى فنه وروحه..

وهذه هي ضريبة اللجوء والغربة.. هذا مالمسناه في عملين او اكثر قدما هنا في هذه الفترة بعد اندحار الحكم الدموي المقبور) ومع التقدير للفنان الصديق الاسدي والذي عاد الى عشه الاصل، نرى ان عنوان المسرحية هو احد اشكالات العمل.. لان العراقية كانت هاجرت عام 1979- أي قبل الحرب (قل قبل الحربين).. وكانت حملة التهجير قائمة في تلك الفترة وماسبقها..

ثانيا ماعلاقة الحرب بالافريقية واين الحرب منها.. نعم/ان البوسنية عانت حرباً اهلية-اقتتال داخلي بعد تفكك بلدها.

ولماذا اقتحم البوسني جسد البوسنيه والافريقية ولم يطل العراقية!!؟

لقد طغت مفردات الجنس وكأنما المسالة الاساس هي الجنس لا الغربة.. فضلا عن عبارات رددتها العراقية (امينه) كانت تحتاج الى حذر وتدقيق لانها مست اموراً كان على الاخراج والمؤلف تجنبها..

لم يكن النص موفقا في تقديري في اقتحام غرق القارب الكبير والذي حمل اكثر من ثلاثمائة مواطن عراقي غرقوا في عرض البحر.. واذا حاول الفنان الاسدي اضفاء حرارة ودفق لمشكلة العراقيين في هذه التجربة، فقد جاءت النتائج غير ذلك، حيث اضعف السرد وامات حرارة النص الدرامي.. وهذه واحدة من اشكالات المخرج المؤلف.

لا النص ولا الاخراج كانا قادرين على اقناع المتفرج بوجود ثلاث نساء يعشن في مهجر لوحدهن وقد اضعف صراخ الممثلات وبعض الحركات هنا وهناك من جدية العمل.. اذ كان الصراخ طاغياً.. والصراخ لايعني باية حال من الاحوال تعبيراً درامياً عن معاناة.. اذ ان الحوار الهادئ والاسلوب الايحائي suggesstive هو لب العمل الدرامي الذي يصل الى اعماق المتفرج.

كانت مريم الوحيدة والاكثر تعلقا بوطنيتها من خلال علاقتها (الروحية) بالبوسني وهي المغتصبة والتي تحمل في احشائها رمز تواصلها مع ماضيها وحاضرها.

لم يعطنا مشهد الغسيل تواصلا مع الحدث الدرامي سوى ملئ فراغ.. ولم يتحول الحاح النساء لمعرفة نتائج الفحوصات عن عمق درامي سوى الصراخ وحل القضية بالتفكير بالموت.. والسؤال مرة اخرى لماذا جمع الاخراج النساء الثلاث في سرير واحد!!.. لقد حاول الاخراج ابراز معاناة مريم وما تركته العلاقة مع خليلها ان يرتفع بالحدث الدرامي على حساب التكوين العام..متناسياً ان مريم مسلمة اوروبية تعيش مع صاحبتها العاهرة.

ثم اين تجد امراتين تتزاحمان في رجل واحد...؟

واخيراً لاندري كيف جاء (المشهد الاخير) قرار الطرد الالماني للعراقية، ونسال هل حدث ذات مرة في بلدان اللجوء ان طردت امراة لاجئة.. لماذا؟ خاصة انها فنانة، ممثلة،....

كان الفنان الصديق الاسدي متكورا بتقديم عمله هذا والمتفرج العراقي عطش لعمل مسرحي بعد تلك السنين العجاف التي حول فيها نظام المقابر المسرح الى هزأة، وطارد المثقفين ورجال المسرح الملتزمين بقضايا شعبهم وحجم دور مسرحنا العراقي التنويري الهادف.

لكننا نقولها مره اخرى ان العمل لم يرتق الى ما هو متوقع من الاسدي جواد.. حيث أعد العمل بعجاله.. وكانما كتبه للاستهلاك ولم يكن في مستوى سمعة جواد المسرحية.. و (العمل) في بعض اجزائه اعادة لخادمات جان جينيه، كما قدمها الاسدي في وقت سابق.

سرني تقديم العمل في قاعة بسيطة لم تستوف ابسط شروط تقديم عمل درامي. .وسرني ايضا ان بعض المتفرجين افترشوا الارض لمشاهدة المسرحية.. ومن نافل القول ان سطوة وحضور الممثلات شذى سالم، واسيا كمال وسهى سالم كان طاغيا وتعدى النص وتفوق عليه.. ما يعاب عليهن هو غياب موسيقى الحوار وتلفظ كثير مفردات رفضتها اذاننا..

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة