وارن هوج
الامم المتحدة / نيويورك
ترجمة: عمران السعيدي
عن: هيرالد تربيون
يستقر الرجل قصير القامة وصاحب الوجه الدائري الوصمة على
جبهته في كرسيه داخل غرفته في فندق مانهاتن ماداً ذراعه
بترحاب نابع من القلب ويقول: "نادين ميخائيل" وبدون إضافة،
يذكر ميخائيل غورباتشوف كيف تعلم الترحاب الودي من غريمه
الايديولوجي (رونالد ريغان) في لحظة إذابة الشد المألوف قبل
عقدين من الزمان.. تلك اللحظة التي ساعدت تماماً في تغيير
العالم.
يقول غورباتشوف عن تلك اللحظة: "اتذكر ذلك الحدث في حين كنا
جالسين معاً انا والرئيس ريغان حين قال لي: اعتقد ان الوقت
قد حان لنتحدث باسمائنا الاولى. نادني رون".
تعيد تلك النقطة إلى الذاكرة ذلك الوقت الذي أمر فيه
غورباتشوف السكرتير العام للحزب الشيوعي ورئيس الاتحاد
السوفيتي باقامة حركة البيروسترويكا في الاتحاد السوفيتي
التي جلبت أنتباه العالم لها بشكل عام. المورخين يصفون ريغان
بالرجل الذي قام بهزيمة الاتحاد السوفيتي اللا دموية وإنهاء
الحرب البارده ويلاحظون المشاركة الاساسية التي جاءت في
المرحلة الحرجة من قبل الاصلاحي غورباتشوف.
إن حضور غورباتشوف هو من النوع الذي يحث على الذكريات
الحميمة في الغرب، وحين يتجول في شوارع نيويورك وممرات فندق
(بلازا اثينا) هذه الايام فهو يثير مفاتن النموذج الهوليودي.
فالرجال المغرورون يمشطون الممر امامه في الوقت الذي تشاهد
فيه المتفرجين يتصرفون بابتهاج ودهشة ويتدافعون بالمناكب
لمشاهدته بوضوح.
مع الابتسامة الدائمة على شفتيه نجد غورباتشوف يطلق النكات
وبشكل سريع جداً يعلق على هذه الحالة قائلاً: "تلك هي الضربة
الوقائية" يقولها بروح مرحة حين حاول احد الاميركان ازعاجه.
وبالرغم من حصول غورباتشوف على جائزة نوبل للسلام فانه لا
يزال غير مرغوب فيه شعبياً.. ويلام بصورة واسعة لإرشاده نحو
الاصلاحات التي ادت إلى عقود من عدم الاستقرار السياسي
والاقتصادي. وفي إدارته المشؤومة لرئاسة عام 1996 لم يجلب
انتباه سوى 1% من الاصوات في الاتحاد السوفيتي.
من جهة أخرى فان مساعديه في اللغة الانكليزية وحراسه يشيرون
اليه للسهولة وعدم ذكر الاسم بالقول: "السيد الاخضر" بسبب أن
غورباتشوف كان قد كرس عمله لما سماه سنوات ما بعد الرئاسة
لحماية البيئة وإقامة الحملات لذلك.
وبعد حضوره دفن (ريغان) في حزيران الماضي عاد غورباتشوف إلى
الولايات المتحدة مؤخراً لتطوير منظمة الصليب الاخضر الدولية
المقيمة في جنيف التي انشأها بعد عام 1992 الذي عقد فيه
مؤتمر قمة الارض في (ريود جانيرو) وإنضمام منظمة امريكا
الخضراء الدولية (Global
Green USA)
لها.
لقد ركزت هذه المجاميع على الازالة السليمة لاسلحة الدمار
الشامل والتغيرات الجوية والإقلال من استخدام المصادر غير
المتجددة ومنع الازمات حول المياه النقية.
وحين سئل غورباتشوف عن سبب اختياره للبيئة كمهمة اخيرة في
حياته اشار إلى خلفية مزرعته وتجربته مع استخدام الارض من
قبل صناعة المناجم خلال سنوات مسؤوليته كمحافظ اقليمي في
مدينة (ستافر بول) ويقول في هذا: "وحين اصبحت احد اعضاء
القياد السوفيتية فقد العديد من انجازاتنا بريقه بالنسبة لي
لأني تعلمت الثمن البيئي الذي قدمناه لتلك الانجازات. وقد
بنينا محطات قوة هيدروليكية وكانت تنتج الكثير من الطاقة
ولكنها كانت ضربة قوية لأراضينا وخلقت المستودعات التي غطت
الاراضي الواسعة والصالحة للزراعة وأثرت على العديد من القرى
المجاورة. وشاهدنا ابراج الكنائس القديمة وهي ممتدة فوق
المياه وبدت وكأنها صلبان مقابر."
والآن وقد تحركت روسيا للتوقيع على معاهدة (كيوتو) حول تغيير
الطقس يخطيء غورباتشوف إدارة بوش بعدم القيام بنفس الخطوة
حيث يقول: "لمن السيء والمحزن جداً أن لا تتخذ الولايات
المتحدة الموقف الحيوي نفسه".
وانتقد بنفس الوقت الرئيس بوش حول العراق قائلاً:
"لقد اصبحت الازمة العراقية درساً وانا اعتقد بان هذا الدرس
قد تم فهمه من قبل الطرفين الامريكي والروسي.
وحين يكون هذا الدرس أحادي الجانب فانه يأخذ الجانب الخطأ
وهو ليس بالحدث المطلوب للسير إلى الامام".
يقف غورباتشوف إلى جانب الرئيس الروسي الحالي (فلاديمير
بوتين) قائلاً ان العالم سوف يدعم حملته ضد الارهاب ولكنه
يقترح حلاً وسطاً في مسألة الشيشان ويقول في هذا: "إن
استمرار عدم الاستقرار في القوقاز سيؤثر على الجميع".
إن غورباشتوف الذي كان قائداً للسوفييت وانهى حرباً دامت عشر
سنوات في افغانستان بسحب القوات السوفيتية لديه رؤية في حل
المسألة الشيشانية إذ يقول: "إن صيغة الحل لهذه المسألة هي:
ان الشيشان جزء من روسيا وعلى روسيا أن تساعد في إعادة بنا،
هذا البلد ويكون للشيشان حالة شرعية خاصة داخل روسيا."
لا يزال غورباتشوف وهو في عامة الثالث والسبعين يتحدث
بابتهاج فظ اكسبه ثقة القادة الغربيين سابقاً مثل الرئيس
رونالد ريغان ومارغريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا التي قالت
عنه بعد لقائها به في لندن للرئيس الامريكية بان القائد
السوفيتي هو: "رجل بامكاننا العمل معه."
وفي حديثه عن بوريس يلتسين يقول غورباتشوف: "لقد امضى بوريس
يلتسن عشر سنوات محاولاً إنهاء ما انجزه غورباتشوف. وما
يقوله أو يكتبه البعض حول غورباتشوف فاعتقد باني ادفع ثمن
أخطاء الآخرين. وإن ما يقوم به هؤلاء إعتداء وهجوم ضد كل
شيء. يشير بذلك إلى يلتسن ويضيف ايضاً: "لقد تم تدمير كل شيء
وكل الذي حصلوا عليه في النهاية هو أثاث محطم والعديد من
الناس الذين يضعون اللوم على (البروسترويكا)."
|