مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الفزع من ارتفاع اسعار النفط

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست

اسبوع آخر، رقم قياسي آخر: اجتازت اسعار النفط عتبة 55$ للبرميل يوم الاثنين. امريكا تواجه شتاء قارسا ومكلفا. وعبرت المصارف المركزية- وحتى مصدري النفط- عن قلقهم؟

ان للكلمة "Petroleum" جذورا لاتينية في الكلمات "oleum" ، التي تعني زيت، و "petra" التي تعني صخر. ان للكلمة "petrified متحجر" الجذر نفسه. فعندما ارتفعت اسعار الـ"oleum" ، اصبح الربط بين الخوف و "Petroleum" واضحا بالنسبة للاقتصاديين اضافة الى اللغويين. ساعدت مخاوف حدوث نقص في وقود التدفئة هذا الشتاء على رفع عتبة اسعار النفط الخام (غرب تكساس الوسط تسليم الشهر القادم) الى ما يزيد عن 55$ للبرميل، وهو رقم قياسي جديد، يوم الاثنين 18 اكتوبر.

ان الارتفاع في اسعار النفط، اكثر من 60% منذ بداية العام، في المقابل، يثير القلق حول تحسن الوضع الدولي.

و يساور القلق حتى مصدري النفط انفسهم. ان اسعار النفط المرتفعة التي ينعمون بها الان سوف تبطئ من النمو الاقتصادي السنة القادمة، كما حذرت منه منظمة البلدان المصدرة للنفط يوم الاثنين. لو بقي النفط مكلفا، كما تقول المنظمة، فان الناس ستشتري القليل منه. ان هذه التذكرة التي جاءت بوقتها حول قوانين العرض والطلب قد خففت من حمى الاسعار في السوق النفطي. ولكن سعر البرميل بقي اكثر من 50$.

لا يتركز القلق على ضخ النفط فقط. فما يقارب 7.7 مليون بيت امريكي، غالبيتها في الشمال الغربي، تعتمد على النفط في تدفئة بيوتهم. في موجات البرد، يقومون باستخدام مجمعات خزين نفط التدفئة، المنتشرة على عدة نقاط حول البلد. ولكن هذه المخازن قد لاتكون معبأة جيدا هذا العام. فطبقا للارقام التي اصدرتها الحكومة الاسبوع الماضي، تمتلك امريكا ما يقرب من 50 مليون برميل عالي الكبريت المستخدم في التدفئة في مخازنها. وفي مثل هذا الوقت من العام الماضي، كانت تمتلك 54 مليوناً. و في ميناء نيويورك وحواليه، حيث يتم تسلم واردات النفط وتوزيعها على نيويورك، نيوجيرسي ونيو انكلاند، يبلغ الخزين اكثر قليلا من 75% من مستوياته للسنة الماضية( 18.1 مليون برميل مقارنة بكمية 23.9 مليون). ولغرض تدفئة بيوتهم، سيتوجب على سكان نيو انكلاند دفع زيادة قدرها 28% هذا الشتاء مما كانت عليه في العام الماضي، كما تتوقع معلومات ادارة الطاقة الحكومية.

لشتائهم المكلف، يلقي سكان نيو انكلاند باللوم، من جانبهم، على الخريف العاصف.فقد دمر إعصار ايفان الشهر الماضي ارصفة وانابيب النفط في خليج المكسيك، والتي لا يمكن لبعضها ان تستأنف عملها قبل نهاية السنة. ينتج الخليج الآن 73% من 1.7 مليون برميل من النفط الذي يضخه عادة كل يوم. وبوجود النقص في النفط الخام المعد لغرض التصفية، فشلت مصافي امريكا في المحافظة على مستويات خزين نفط التدفئة للعام الماضي.

ليس سكان نيوانكلاند وحدهم سوف يعانون من ارتفاع اسعار الطاقة. ففي كلمه له الجمعة الماضية، قال كرينسبان مدير الخزانة الاتحادي الامريكي، بان قائمة الاستيرادات النفطية العالية للبلاد قد كلفت 0.75 % من الميزانية العامة. " مزيد من التبعات السلبية الخطيرة" قد تتوالى لو تصاعدت اسعار النفط، كما يقول السيد كرينسبان.

عندما بدأت اسعار النفط تثير اهتمام الجميع في الربيع، حاول الاقتصاديون وضع الاشياء في منظورها. سيتوجب على اسعار النفط ان تتجاوز 80$ للبرميل في عملة اليوم لكي تلائم الاسعار القياسية للنفط التي بلغتها عام 1981 في المصطلحات الحقيقية (التضخم-معدل)، كما اشاروا. اضافة الى ذلك، فان البلدان المستهلكة للنفط تستخدم الآن ما يقارب نصف كمية النفط لكل دولار من الانتاج عما كانت تفعل في السبعينات من القرن الماضي. يستخدم الاقتصاديون الحساب التجريبي الشائع: ان زيادة 10$ في اسعار النفط قد ينقص 0.4 من الناتج القومي للبلدان الغنية، المستهلكة للنفط حسب منظمة التعاون والتطور الاقتصادي. وهذا قد يكلف امريكا 0.3% فقط من الناتج القومي، ولكن هذا لا يشكل صدمة.

ولكن بما ان اسعار النفط مستمرة في الارتفاع، فان هذه المقارنات التاريخية قد بدت اقل مبعثة للراحة. اضافة الى هذا، فان الاقتصاديين الان قلقون من ان مقاربتهم هذه قد لاتكون مستقيمة: هذا يعني، ان ارتفاع اسعار النفط من 45$ الى 55$ قد يكون اكثر تدميرا من الارتفاع من 25$ الى 35$. و بتزايد ، يهجر الاقتصاديون طريقتهم التجريبية وبدلا من هذا فهم متفائلون.

لو بقيت اسعار النفط عالية العام القادم، هل تبقى معدلات الفائدة منخفضة؟ تتجه معظم البنوك المركزية في العالم، باستثناء بارز للبنك المركزي الاوربي، نحو سياسة نقدية تقشفية. ولكنهم قد يتوقفون، او يتريثون او يؤجلون لغرض امتصاص تأثير ارتفاع اسعار النفط. لم يلمح السيد كرينسبان الى مثل هذا التريث يوم الجمعة. ان المشكلة هي ان صدمات ارتفاع الاسعار ترفع من التضخم حتى في حالة تقليل الطلب. لو اصر العمال على زيادة الاجور لغرض تعويض الارتفاع الحاصل في قوائم الطاقة، فان تضخما لولبيا قد يحدث. لذلك فان البنوك المركزية مترددة في اتباع الانفراج في سياساتها النقدية كرد على صدمة ارتفاع اسعار النفط، حتى لو ادى الى تباطؤ الاقتصاد.

ان حالة الانكماش مع التضخم التي كانت شائعة في السبعينات تثير القلق الان مرة أخرى. ولكن التضخم يبقى لا مفر منه، في الوقت الراهن على اقل تقدير. لذلك فانه ليس صحيحا القول بان المستهلكين والبنوك المركزية قد تحجرت بواسطة الـ"Petroleum". ولكن طالما سجلت اسعار النفط رقما قياسيا جديدا، فان ثقتهم الشبيهة بالصخر قد بدأت بالتفتت.


لقد رأينا الأعداء ولكننا لم نعرف من هم بالضبط؟

أدوارد يونغ

أن سماع رواية القادة الأمريكيين في العراق لما يحدث يجعلك تقتنع حتى ولو بفكرة أن  ويليام بتلر ييتس هو الشاعر المفوه لتمرد العراق، وإذا سألتهم فيما لو أنتصر رجال العصابات في هذه الحرب بسياراتهم الملغومة الانتحارية ومشاهد قطع الرؤوس المتلفزة عما سيحدث بعدها فإنهم سيجيبون.. لاشيء، بسيطة، مجرد أتساع لدائرة العنف، وتدمير لكل شيء، وأخيرا، مجرد فوضى (فالتة) في سرير الحضارة الهزاز .

قال وكيل مدير عمليات القوات متعددة الجنسية العميد أروين ليسيل في مقابلة داخل مقر القيادة الأمريكية المحصن قريبا من المكان الذي سقطت فيه قنبلتان شديدتا الانفجار فقتلتا خمسة أشخاص وجعلتا الأمريكيين يوطنون النفس على المزيد من الأذى في بداية شهر رمضان المبارك (بخلاف التمرد التقليدي، هذه المجموعات لا تطالب بأي شيء) وتابع قائلا (لديهم أهداف متباينة وأيديولوجيات متنافسة، ولا يقدمون أي عرض ايجابي الى الحكومة).

أن تأكيد الجنرال أثار نقطة جديرة بالنظر تخص رجال العصابات وخصوصا من كان منهم في مجاميع المسلمين المتشددين، فلابد للتمرد بعد سنة ونصف من الحرب من أن يكون قد طور جناحا سياسيا واضحا أو برنامجا سياسيا متكاملا. غالبا ما تملك حركات التمرد  مجموعة تنسق العمل بين الذراعين العسكري والسياسي محددة بالأخير أهداف الصراع وتصر عليها عبر سياستها المعارضة، فقد كان للفيتكونغ والجيش الجمهوري الأيرلندي مثلا قادة تكتيكيون يقاتلون في ميدان المعركة فيما يضغط رفاقهم السياسيون في مكان آخر على الأعداء بالمفاوضات.

 لكن التفكير في أن هدف المقاومة النهائي هو نشر الفوضى أو افتراض أن افتقارها الى آلية سياسية واضحة ضعف يمكن استغلاله هو تقليل من خطورة المقاتلين كما يقول خبراء بحركات التمرد  درسوا الوضع في العراق.

قال بروس. د. هوفمان وهو محلل لحركات التمرد يعمل في مؤسسة راند (نعم توجد عشرات المجاميع التي تخوض الحرب بدءاً من خلايا المحاربين الأجانب الإسلامية الى العصابات الأكثر علمانية والمكونة من ضباط الجيش العراقي السابق، ولكنهم موحدون في إرادتهم على أخراج أمريكا من العراق، وهذا أكثر من كاف لبرنامج كي يجذب المزيد).

القاعدة السياسية الشاملة تفيد بأنه كلما كانت الرسالة أبسط جذبت اليها جماهير أوسع كما لاحظ المتمردون في نشاطهم الإعلامي دون شك، فطرح خطط سياسية متطورة كالخطط التي قد تقترح أنظمة حكم بديلة يمكن أن يؤدي الى انفضاض الأنصار أو يكشف عدم الاتفاق بين المجاميع . في داخل التمرد، حتى الآن على الأقل، عزز رجال الدين المتشددون والبعثيون السابقون العلمانيون قرانهم الانتهازي بالتركيز على الهدف التكتيكي الذي يوحدهم وليس على خلافهم الأيديولوجي حتى ولو تعرض المتعاونون الى التهديد أو التصفية.

قال السيد هوفمان (أنهم حقا لا يحتاجون الى برنامج سياسي شامل ماداموا يملكون رسالة جذابة الرنين، فهم ليسوا مستعدين لتضييع الوقت في التفكير)

أعترف أحد المسؤولين الكبار في هيئة علماء المسلمين وهي جماعة لرجال الدين السنة لها علاقات وثيقة بقادة المتمردين بأن أهداف هذه الخلايا (تكون أحيانا حتى مناقضة بعضهما للبعض) 

قال المسؤول محمد بشار الفيضي (ولكنهم جميعا لهم هدف واحد وهو طرد الأمريكيين من العراق ولا أظنهم يتوانون في تحقيق هذا الهدف)

أن حقيقة كون المجاميع لا تعمل تحت قيادة موحدة بجناح سياسي متطور يمكن أن تكون ذات نفع لها. ان الطبيعة المتباينة للتمرد قد أجبرت الأمريكيين والحكومة العراقية المؤقتة التي يرأسها رئيس الوزراء أياد علاوي على محاولة تحييد المجاميع كل على حدة ، وهي طريقة تجعل أي أتفاق مع مجموعة عرضة للتقويض من قبل الأخرى. برزت هذه المشكلة في المفاوضات الأخيرة حول الفلوجة فلم تلق عروض السلام الى شيوخ عشائر المدينة من قبل الدكتور علاوي قبولا عند (جهاديين) مثل أبي مصعب الزرقاوي وهو مقاتل أردني من بين تكتيكاته قطع رؤوس الرهائن الأجانب.

قال أنطوني كوردسمان محلل شؤون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (لا يستطيع أحد أن يفرز الدافع والأيديولوجية بشكل دقيق، وهذا يجعل مهاجمة المتمردين في غاية الصعوبة إلا أن تجري مهاجمة مجموعة واحدة أو مركز نشاط واحد كل مرة)

إن تأريخ حركات التمرد يبين طبعا أنه حتى التمرد المتباين يمكنه أخيرا أن يوحد نفسه ويحدد أهدافه مع أن إبقاء التحالف متماسكا هو مسألة أخرى تماما، فعلى سبيل المثال تطلب الأمر في الحرب الأهلية الأخيرة بالكونغو سنوات من مجموعتي التمرد الرئيستين لكي تشكلا جناحين سياسيين تفاوضا عندها مع الحكومة القائمة للدخول في حكومة مشتركة. الآن، على كل حال، تهدد صراعات السلطة بين الزمر المختلفة هذه الشراكة بالانحلال نهائيا.

يقول السيد هوفمان (المسعى الأمريكي الحالي في العراق لإجراء الانتخابات في كانون الثاني يمكن أن يوجه ضغطا على الجماعات الاسلامية في غرب العراق لتطرح برامج سياسية. ومن المرجح أن تزيد النشاطات السياسية بإنشاء أحزاب ستكون طلائع للتمرد، ستكون المخاطرة شديدة بالنسبة لأي حزب يفوت فرصة الانتخابات، والتخريب السياسي مصحوبا بالعمل المسلح هو من الأبعاد الدائمة للتمرد).

يقول الأمريكيون وحكومة علاوي بأنهم يأملون في سحب مجاميع التمرد الى العملية السياسية لتحييدها، ولكن كما يلمح السيد هوفمان يمكن أن يكون لهذا التكتيك مخاطره ففي الجزائر عام 1991 مثلا سمح لمتمردي جبهة الإنقاذ الإسلامية أن يتنافسوا في الانتخابات وقد كسبوا الجولة الأولى بشكل غير متوقع كان رد فعل الحكومة المدعومة من فرنسا هو إلغاء نتائج الانتخابات مغرقة بذلك البلاد في جولة جديدة من الحرب الأهلية.

خلال الأسابيع القادمة ستراقب مجاميع التمرد دون شك عن كثب الرقصة الحذرة التي تتكشف تدريجيا مابين الجيش الأمريكي وحكومة علاوي من جانب ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر من جانب آخر. السيد الصدر هو أيضا قاد تمردا ولكنه أوضح على مدى أشهر أنه يرغب في المشاركة بالعملية السياسية، وقد أعلن علي سميسم وهو من أقرب مساعديه مفتخرا في مقابلة معه (لدينا قنوات عديدة.. لدينا المقاومة المسلحة ولدينا الوسيلة السياسية)

ذلك سيوفر مع خطورته بعض إمكانيات الاستدراج المعذبة للاستراتيجيين الأمريكيين الذين يسعون الى استبدال العنف هنا بسياسة الانتخابات. إذا ما عقدوا صفقة مع السيد الصدر ورأى السنة أنه استفاد منها فربما تحمس المتمردون السنة لمحاولة نبذ خلافاتهم جانبا وتشكيل جبهة سياسية، ولقد استفاد رجل الدين الشاب لحد الآن فقد طوى النسيان مذكرة اعتقال صدرت بحقه ووافق العراقيون والأمريكيون على عدم محاكمة أتباعه في حالة نزع سلاح ميليشياه المقدرة بآلاف المسلحين، وبجعل نزعته العدوانية تصب في مجرى العملية السياسية، ولكن المسؤولين أنفسهم لهم شكوك حول مدى جديته في نزع السلاح الآن، ولكن العملية تسير على كل حال.

بكلمات أخرى فإن السيد الصدر بإجباره السلطات على التسوية معه قد برهن بأن متمردا بجيش أهلي وماكنة سياسية شعبية يمكنه في هذا الوقت الحرج أن يكسب بعض المكاسب، وهذه على الأرجح هي الرسالة التي تسلمها المتمردون الاسلاميون الآن بالذات، رغم أنها ليست بالضبط الدرس الذي أرادهم الأمريكيون أن يتعلموه حول ما يمكن أن يكسبوه من دخولهم العمل السياسي.

ترجمة جودت جالي

عن: نيويورك تايمز

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة