اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مشاركة المرأة في العملية السياسية في العراق

نسرين مصطفى برواري

وزيرة البلديات والأشغال

إشراك المرأة في العملية السياسية هو جزء تكاملي لعملية بناء الديمقراطية. دور المرأة في السياسة مهم جداً ليس لأنها مدافع أساسي عن الطفولة والتعليم والرعاية الصحية وحسب لكن أيضاً لإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية والخارجية أيضاً.

لعل الأهم من هذا كله دور المرأة ومشاركتها في تقاسم القوى وأعني بهذا أنه في الديمقراطيات الجديدة عادة ما تتركز السياسة بالدرجة الأولى في أيدي عدد محدود من القادة الرجال.

فمن خلال مشاركتهن بفعالية في العملية السياسية في بلدانهن، تسهم النساء في تقاسم القوى وبالنتيجة تتقوى الأسس الديمقراطية للحكم، وتكمن أهمية وجود المزيد من النساء في المشاركة السياسية كأحد مظاهر تقاسم القوى والتي هي إحدى مبادئ بناء الديمقراطية.

إن النساء يسهمن اليوم في المؤسسات الديمقراطية حول العالم ويتبوأن قيادات حركات المعارضة وعضوات في التحالفات والأحزاب الحاكمة وموظفات منتخبات ومديرات لتجمعات مدنية ومنظمات حملات دفاعية وناخبات ومواطنات. وهذا صحيح أيضاً في الشرق الأوسط وأنا أحيي جهود كل واحدة منكن للدور الذي تلعبنه في هذه المسيرة نحو مساواة المشاركة بين الرجل والمرأة.

التقرير الأخير الذي تم نشره من قبل القمة العالمية في سيئول هذا العام يبين أن مشاركة المرأة في العملية السياسية قد ازدادت من 6.8% عام 1996 إلى 11.3% في عام 2003، علماً أني ترأست الوفد النسوي العراقي المكون من تسع سيدات لهذا التجمع هذا العام.

وفيما يأتي أقدم مجموعة من المعلومات والبيانات التي توفرت في تقرير عن القمة العالمية للنساء 2004، والمتعلق بالمناصب القيادية لهن:

*إن (1.008) من نساء العالم يشغلن مناصب تنفيذية ووزارية ومناصب وزارية مساندة في حكومات العالم.

*توجد (11) امرأة يشغلن منصب رئاسة الدولة في العالم، فاللائي حملن عنوان الرئيس (7) ورئيس الوزراء (4).

*إن إقليم آسيا - الباسفيك يقود جميع أقاليم العالم الأخرى في عدد الرئيسات ورئيسات الوزراء حيث توجد خمس نساء يشغلن منصب رئيس الدولة في كل من بنغلادش وأندونيسيا والفلبين وسيريلانكا ونيوزلندا.

*لقد ارتفع عدد الوزيرات من 3.45 في 1987 إلى 6.8% في 1996 ثم 11.3% في عام 2004.

*حققت أوروبا أعلى نسبة للوزيرات وهي 18% ثم تلتها الأمريكتان بنسبة 14.7% واحتلت افريقيا المرتبة الثالثة بنسبة 10.8% أما آسيا الباسفيك فقد جاءت في المرتبة الأخيرة بنسبة 6.9%.

*إن أربعة من الأقطار الخمسة الأولى عالمياً في أعلى نسبة للوزيرات تقع في الأقليم الأوروبي.

*ان اسبانيا والسويد هما البلدان الوحيدان اللذان يتألف نصف مجلس وزرائها من النساء.

*إن المقدار الحاسم البالغ 30% من النساء على المستوى الوزاري حقق في 14 بلداً أي بزيادة (9) دول منذ 1996.

*نسبة النساء في مجلس الوزراء العراقي الحالي هي 19%، أي أنها تقع في المرتبة الرابعة بعد الفلبين ونيوزيلاندا واستراليا على مستوى إقليم آسيا والباسفيك (المرتبة الثانية على مستوى قارة آسيا).

*هناك 12 بلداً يخلو من الوزيرات على الإطلاق.

*هناك (9) بلدان تخلو من الوزيرات تقع في إقليم آسيا الباسفيك ولبنان وليبيا والسعودية هي بعض من هذه الدول.

*تبقى نسبة الوزيرات متركزة في المجالات الاجتماعية (55.2%) مقارنة بالمجالات الاقتصادية (17.9%) والتنفيذية (9.9%) والشؤون السياسية (9.5%).

على مدى العام الماضي شهد العراق تحولاً جذرياً في دور المرأة. الصامتات سابقاً يتكلمن الآن، الوحيدات سابقاً يتواصلن الآن والضعيفات سابقاً وجدن مكاناً للوقوف عليه الآن في العراق، الاهتمام بتطور الحركة النسوية يعتمد على مبدأ بسيط أساسي وهو أن كل فرد له مكانته وأن حقوق المرأة هي من حقوق الإنسان. هذه الفكرة لتقييم كل فرد بمساواة هي الحلقة الرابطة التي تجمعنا مع بعض بغض النظر عن أصولنا العرقية وخلفياتنا الثقافية والعلمية.

هذا المبدأ يعزز إيماننا بأنه سوف يأتي اليوم الذي تنظر كل فتاة في كل مدينة وقرية إلى المستقبل بثقة عالية لإن حياتها تكرم وتعزز وتحترم ذاتها وتصان حقوقها وسوف يكون لها الحق والإمكانية للمشاركة في التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمجتمعها ووطنها، فضلاً عن حرية الاختيار.

فما الذي يجب أن نفعله لتوسيع المشاركة السياسية للمرأة؟

*توسيع المهارات السياسية للمرأة من ضمنها تحسين فرص التعليم والدورات القيادية وتبادل البرامج.

*إزالة الحواجز والعوائق المؤسساتية والقانونية التي تحد من المشاركة السياسية للمرأة.

*توسيع دخول النساء وتمكينهم من الدخول إلى ردهات الحكومة، وتنظيم الأحزاب السياسية، وإدارة الخدمات العامة، والخدمة كعضوة منتخبة ومعينة، وتأسيس المنظمات غير الحكومية.

*التشجيع على تطوير التواصل العالمي للقيادات النسائية البارزة.

*التركيز على مساعدات المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المتعددة الأطراف لزيادة مشاركة المرأة في العملية السياسية.

في هذه المرحلة الانتقالية في العراق، الكثير من النساء سوف يحصلن على دور كبير ومهم كالتصويت مثلاً، والدفاع عن المشاركة السياسية والوقوف كمرشحات. نحن شركاؤكن، انا والكثير من زملائي الرجال وزميلاتي النسوة والذين نثمن فيكن قوتكن وصونكن انفسكن، نحن نقف إلى جانبكن في سعيكن إلى الحصول على مساواة أكبر.

 


الفساد والإفساد في العراق: من يدفع الثمن؟! (2-2)

المهندس الاستشاري: سلام إبراهيم عطوف كبة

تحولت الدولة العراقية الى وكيل تجاري وحارس لمصالح التوسع الرأسمالي في عهد صدام حسين . وتحولت بيروقراطيتها الى قوة تجارية تتفنن بالسوق السوداء والتهريب ، والحصول على العمولات والرشاوى عبر التعاقدات التجارية وفق برنامج النفط مقابل الغذاء . وأدى هذا الفساد الى ارتفاع التكاليف الاستثمارية نتيجة اضافة نسب التكاليف الفعلية لمواجهة الرشاوى والعمولات مما ادى بدوره الى هروب المستثمرين وانحسار أية مديات للنمو الاقتصادي. اما استثمارات غسل الاموال فهي نمو اقتصادي مزيف لأنها جاءت بأساليب غير مشروعة وبطرق ملتوية . وذلل كل ذلك تسلم الولايات المتحدة الدولة العراقية على طبق من الذهب الاسود.

ان ما يميز الموظفين الفاسدين ، العجرفة وضيق التفكير ، والحقد على ابناء الشعب ، والتفسخ في حمأة الرشوة ، والتزلف للمتنفذين . وهم ينفذون سياسة انقاذ اعداء الشعب وحماية مصالحهم ! والاخذ بقاعدة ( عفا الله عما سلف ) سيئة الصيت لدفع التاريخ اعادة انتاج نفسه بقميص جديد ! واللهاث وراء الدوغمائية ... دوغمائية الاحزاب السياسية لأن مصالحهم تنسجم مع تغيير سلوكيات الملاك الحزبي عند تسلم السلطة باتجاه الفساد والافساد ... المتنفذون السياسيون هم أكثر فساداً من كبار الموظفين، وموظفو الدواوين الأعلى مركز وظيفي أكثر فساداً من الآخرين. كما أن رئيس الجمهورية أو القائد الأعلى، يفوق الجميع فساداً، وهذا النمط من الفساد لا يكون بالضرورة متعارضاً مع الاستقرار السياسي طالما سُبل التحريك نحو الأعلى والآلية السياسية والبيروقراطية متاحة. لكن إذا حصل تنافس على المكاسب المالية بين الزعماء السياسيين والجنرالات على اختلاف  رتبهم العسكرية ، يتعرض النظام  لخطر الزوال...  ويتوقف الاستقرار السياسي على حجم الفساد وحركته باتجاهين من الأعلى نحو الأسفل ومن الأسفل إلى الأعلى.

يتندر الجميع بفوضى حياتنا اليومية ، ولعلها متناغمة مع  فوضى وعماء السوق (CHAOS)! وتمتلك الإجراءات التعسفية والتجاوزات الديمقراطية قوة وضع الفوضى بكامله أو ديمقراطية القوة ! وتغيب العدالة ويخبو القضاء في فساد المحاكم والعشائر والطائفية ...ولا يستطيع الحاكم ان يتعرض لمراكز القوى التقليدية من قبلية وجهوية وحزبية ودينية مهما استعان بالشريعة والتسامح والقوانين الوضعية . وسيكون المرء موضوع سخرية إذا ما طالب بتحديد سياسة تسعيرية ، وتحديد الإيجارات ، والمهر في الزواج ، ومكافحة الفساد ، ومطالبة قوى الأمن بان تتم الاعتقالات عن طريق الادعاء العام أو القاضي الشرعي،  ومراقبة السوق.

التعشير والعشائرياتية والعشائرقراطية

تقع العشائرياتية على الضد من الحداثة _ حداثة المجتمع المدني والدولة الحديثة المعاصرة، وهي تلتقي مع الإرهاب في اكثر من نقطة... ليس مع الإرهاب فحسب بل مع الرجعية . وهي عائق في طريق التحرر الوطني والتنمية ومصدر للاضطراب السياسي المزمن واللااستقرارية . وتلعب القبائل والعشائر دورا سلبيا على صعيد التنمية السياسية والإدارية والحضارية وتشيع النظام الأبوي الذي يشدد على الطاعة والخنوع والاستسلام وتقبل الشيء دون نقاش . فهي نظام اوامرياتي مركزي يجمع السلطات بيد شخص واحد هو شيخ العشيرة وبطانته  . وهنا تصبح التنمية والاعمار إدارة عشائرقراطية _ بدوقراطية او حكم العشائر تحل المعضلات القائمة من زوايا تقليدية وحتى سلفية نفعية انتقائية توفيقية وغير بعيدة عن الحكم الثيوقراطي  … وتسود هنا المحسوبية والوساطة والرشوة والمزاجية أي الفساد ... وهو الوجه الثاني للعشائرياتية . وتنتهز الدكتاتوريات المبادئ النبيلة السامية للعشيرة مثل الشجاعة والإقدام والتكافل لاستنهاض همم المشيخات العربية والكردية والاثنية الأخرى لاحياء العشائرياتية وبرقعتها بلبوس حضاري عصبوي لتكون سندها وظهيرها في الريف والقصبات وحتى المدن . وهنا تظهر العشائر عصابات حماية وانتقام ويقودها العرابون .. على طريقة المافيا … فيتجسد الإرهاب وتسود العقلية التآمرية الانتقامية بأسطع الصور . فالعشائرياتية والتعشير والعشرنة  أي أحياء العشائرية والتعويل عليها سيف يمتلك اكثر من حد محصلته الإرهاب والرجعية ! ويطغي الولاء العشائري في العقلية العشائرية على الولاء للأهداف الاستراتيجية للسلطات الوطنية . اما إصلاحية العشائرياتية او الدور الهامشي الإصلاحي لها ، فيندرج فقط في إطار سيناريوهات التوقع والتحدي وخاصة في البلدان الخليجية .

هذا لا يعفينا من تثبيت ان القيم العشائرية النبيلة ارتبطت عميقا بالحركة السياسية والوطنية العراقية والكردستانية في معارضة ومقاومة الدكتاتورية ونهجها الشوفيني وقمعها السياسي. ولا يمكن إغفال دور العشائر مستقبلا في المنعطفات الثورية.

الكابتن الاميركي ينفرد بمقدرات اللعبة

تحول العالم الى قرية كونية صغيرة لكنها قبلية واقطاعية جديدة تتحكم بها النخب الاقطاعية التي تتمتع بأسباب القوة والحيلة والمكر والخديعة والفساد لتنعم بخيراتها وبسياساتها العامة اقطاعيات لا تقوم على ملكية الارض هذه المرة! بل على احتكار القوة الحديثة - المال والتقنية والعسكريتارية ...الخ. وعندما تتحطم الاحلام وتتمزق عظمة وهيبة الحركات السياسية يرتد الجميع الى ولاءآتهم وهوياتهم الصغيرة بنوع من الدفاع العفوي السلبي والاحتماء الذي لا يجدي... والذهنية الشمولية القومانية والدينية الطائفية  تجعل الفرد ينكفئ الى عشائره  وهوياته تحت الوطنية . ثقافة الاقدام تسبق ثقافة الاقلام مدعمة بوسائل المعلوماتية الحديثة وهي ثقافة جذابة واستهلاكية الطابع وقانونها واحد حيث الكلمة الاخيرة لصافرة الحكم مع انفراد الكابتن الاميركي بكل مقدرات اللعبة دون سواه .   ان اللعب بقيم الثقافة هو لعب على شفير السيف ولعب بالجوهر البشري الذاتي . من الذي تراقبه العين الالكترونية ؟! المراقبة السيبرية قاعدة انطلاق ثقافة الاقدام لأنها تتحكم بوعي الناس عبر الرصد والمتابعة والبنوك المعلوماتية . وتفتح العولمة امام الرأسمالية إمكانية الإفراط باستعمال السلطة والقوة والقمع والتحول الى الإقطاع العصري.وتستخدم الدوائر الفيدرالية الاميركية الملفات المؤتمتة ومليارات الاضبارات الشخصية والمعلومات عن مواطنيها ومواطني البلدان الأخرى ومنها العراق بالطبع . ولم يأت استخلاص المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن في تقريره السنوي لعام 2002  عن الامن العالمي هباء أذ جاء فيه " ان دوائر صنع السياسة الاميركية توصلت الى حقيقة مفادها ان الاستقرار على المدى البعيد بمأمن من تهديدات صدام حسين يفوق السلبيات على المدى القصير ". والسؤال المطروح اليوم عن اية حقائق جديدة أخرى قد توصلت اليها هذه الدوائر.

تسعى الولايات المتحدة بالأساس لفرض سياسة نشر الرشوة والفساد الإداري على مؤسسات دول العالم الثالث بغية خلق نظم جديدة تساعد في استقرار الشمولية - التوتاليتارية لمواجهة المجتمعات النامية. بمعنى آخر توريط قطاعات واسعة من المجتمع (يعتمد دخلها المعاشي على الدولة الريعية) بالمساهمة في النظم الجديدة. وحينئذ تصبح المقولة الشائعة في الوسط الاجتماعي ( أن الشعب فاسد، فما ذنب السلطة؟) أكثر شرعية لتبرئة النظم التابعة .  في العراق نسبة عالية من البطالة  تعمل السلطة على استقطابها في الجيش وأجهزة الداخلية ومؤسسات الدولة الأخرى لتنشأ حينها البطالة المقنعة المستنفذة لموارد الدولة.

تغمض  الحكومة المؤقتة عيونها عن الهاربين وتعيد الاعتبار لبعض البعثيين حسب اتفاقيات سرية لا أحد يعرف محتواها ، وتقوم بمنح بعضهم مسؤوليات كبيرة في ما يسمى بالعراق المُحرر. عشرات الأسئلة هي مثارة حول عودة المافيا البعثية الى السلطة ومن المستفيد من ذلك.... كيف استطاع بعض البعثيين الهروب مع الملايين من الدولارات؟ وكيف استطاعوا الحصول على الاقامات في بعض البلدان العربية والاوربية وحتى في امريكا نفسها؟ ان العراقيين في اوربا وأمريكا يعرفون جيدا صعوبة الحصول على الاقامة في هذه الدول ويعرفون أيضا كيف حصل هؤلاء البعثيون على التسهيلات وما هو الثمن. ان عدم قيام الحكومة المؤقتة بوظيفتها في المبادرة بمكافحة الفساد  في الوقت الذي تتطلب فيه آلية التحرر من الاحتلال اولا واخيرا التخلص من الفاشيين البعثيين والاصوليين، هو تنفيذ لسياسة قوى الاحتلال التي تعرف أن بقاءها والحفاظ على مصالحها مرتبط بطبيعة النظام القائم وانتماءات قادته الطبقية وقوته جماهيريا.

ان تسلم البعث الفاشي للسلطة مرتين تم بمساعدة الأدارة الأمريكية ، وما يجري الآن من إعادة تأهيل للبعث الفاشي ، والسعي لتأسيس جمهوريتهم الثالثة ، يتم هو الآخر بمساعدة الأدارة الأمريكية. عودة البعث. سياسة مخطط لها منذ سقوط الطاغية وهي الآن جزء من تحضيرات بعض اعضاء الحكومة المؤقته الذين يعرفون ان نصيبهم بالفوز بالانتخابات القريبة ضعيف جدا لذلك فهم يبحثون عن انصار لهم ويحاولون ان يلعبوا لعبة الديمقراطية ليظهروا انفسهم للعراقيين وللعالم كديمقراطيين ...

يستمر  نشاط  الزمر التدميرية في العراق وسط  "الحاضنة الكبرى" التي خلفها النظام السابق ، حاضنة الفساد بخطوطها العريضة . إن تقليعة كسب المال بيسر وبضمنه المال الحرام قد نشرها النظام السابق سعياً منه لتدمير الاسس الاخلاقية للمجتمع العراقي ومقومات المواطنة . ولا غرابة ان  نرى في العهد المقبور ان يعمد اولياء الامور الى الوشاية بفلذات اكبادهم من اجل الحصول على سيارة او قطعة ارض، ويقوم اخرون بكل أيات الذل امام مسؤولي النظام وبطانتهم من اجل الحصول على مكرمتهم ومباركتهم. وشاعت في البلاد  حالات تدني القضاة والمحامين الى حد اطلاق سراح القتلة لقاء مبالغ خيالية . ولم ينج من ذلك حتى بعض من حصل على اعلى الدرجات العلمية ليلهث وراء مكرمات "القائد" في الحصول على بعض الامتيازات بحجة الكفاءة.  ان مبلغ 25 الف دينار عراقي، وهو ما يساوي 20 دولاراً، كافية اليوم لعبور الحدود العراقية من قبل اي فرد دون اية تأشيرة سواء كان عراقياً ام اجنبياً  ام صداميا وبمباركة ادارة اصدار الجوازات العراقية الجديدة . الى ذلك تضاعفت رواتب جميع الموظفين  الى حد كبير منذ انهيار النظام السابق، لكن يبدو ان  "بزنس الارتشاء والتهريب والفساد" اصبح ثقافة راسخة لدى البعض ونهم لا ينقطع للحصول على المال الحرام والذي يؤدي ليس الى التدمير الروحي للمجتمع وحسب، بل والى الفتك بالأرواح وتدمير البلاد. لقد اضحت الرشوة والفساد الاداري ظاهرة تطال العديد من المؤسسات المدنية وابتلى بها حتى  خصوم النظام ومعارضوه مما يتطلب من المسؤولين وقفة جدية ازاءها، كما يتطلب من مؤسسات المجتمع المدني القيام بحملة وطنية شاملة لإجتثاث  الفساد الذي يعد حاضنة الارهاب والعنف وتدمير الحياة السياسية في البلاد. هكذا  بات اجتثاث الفساد رديفا لأجتثاث البعث في عملية اعادة تأهيل البنى الاجتمااقتصادية العراقية اليوم .

الأنظمة الشمولية في البلدان المتخلفة غالباً ما تلجأ لإجراء الانتخابات الصورية لتضليل الرأي العام، ولإضفاء (الشرعية) على سلطتها غير الشرعية اصلا. كما أنها تلجأ للتلاعب بنتائج فرز الأصوات فتأتي النتائج لصالح فوز مرشحيها الوحيدين بنسبة 99.9 في المائة وهي لا تخجل  من المبالغات الكبيرة هذه . وتدرك الأنظمة الشمولية في حال إجرائها انتخابات حقيقية، فأنها لن تحصل في أفضل الحالات سوى على نسبة 0.09 في المائة من أصوات الناخبين لأنها أنظمة مستبدة وغير شرعية تستمد (شرعيتها) من أجهزة القمع والاستبداد لإخضاع شعوبها. ولجأت هذه الانظمة الى البدع الأخرى كالحكم بالوراثة بالرغم من أن أنظمتها أنظمة جمهورية وليست ملكية!. يقينا ان كل المنظومات الوراثية هي بطبيعتها منظومات استبدادية وفاسدة.

يعتبر جيل التاسع من نيسان الوضع الانتقالي القائم رغم إيجابياته الواسعة مخالفا لأبسط الحقوق الإنسانية لعموم الشعب العراقي ولا بد من تغييره ، ولا تتحقق الفيدرالية ألا عن طريق إقامة الديمقراطية في العراق! بينما يعتبره المنتفعون واحة للديمقراطية بحكم رساميلهم التي اكتسبوها بالزكاة والعصامية  !. ويبقى المجتمع المدني البديل الحضاري لمخاطر العشائرية والطائفية والفساد لانه رفض للمخلفات الرجعية والدكتاتورية وخاصة دكتاتورية البعث والاصولية الاسلامية . وهذا يتطلب أسس تحالف راسخة متينة لتوحيد العراق وصيانة الاستقلال الوطني والسيادة الوطنية.

إن سياسة الغطرسة والهيمنة والاستهتار بالقيم والاستخفاف بالآخرين، لا تحمل لممارسيها أكاليل الغار، وهي ليست عامل قوة. وإنما هي مؤشر انهيار أخلاقي وارتقاء في سلم الفساد ولابد أن يقود إمبراطورية الشر  إلى انهيار سياسي طال الزمن أم قصر. وتؤكد الإدارة  الاميركية انها ما تزال تصر على التعامل مع العالم أجمع بتعال وفوقية وغطرسة، منطلقة من أنها الدولة الأقوى وكلمتها هي القانون، والحقيقة تقف حيث تقف هي، وأنها إذا قالت للشيء كن فلابد أن يكون!


علينا ان لا ننسى الوجه الاخر للديمقراطية!

كاظم البياتي

يقول احد المتصوفة "لا يفسد العامة الا السلطان الفاسد" ونحن نعرف ان الصدامية نزعة عدوانية دخلت قاموس المصطلحات السياسية في العراق بعد ان سيطرت قوى ارهابية فاشية على مقدرات شعبنا الابي لفترة تربو على الاربعين عاماً، حيث استهدفت هذه القوى اول ما استهدفته هو تخريب النسيج الاجتماعي لشعبنا الطيب، حتى انها جعلت هذا الهدف من اهدافها الاستراتيجية. ان من يستقرئ تاريخ شعبنا السياسي وطبيعة العلاقة الاجتماعية القائمة قبل هذا التاريخ لا شك انه سيقف امام الصورة الحقيقية للطبيعة المسالمة التي تشد الاوامر المتينة لكافة مكونات مجتمعنا، التي تختلف جذريا عن الفترة التي عاشها شعبنا تحت سطوة الاستبداد والدكتاتورية، تلك الحقبة السوداء التي عاشها شعبنا الصابر إذن ما الذي فعله هؤلاء البرابرة؟ وما ادواتهم التي اعتمدوا لخلق هذا السلوك العدواني لدى البعض من ابناء شعبنا، هذا الشعب الذي لم يعرف في حياته السلب والنهب وسفك الدماء البريئة والموت انتحاراً بسيارات مفخخة.

من الطبيعي ان من يتصدى لمثل هذه الظواهر، التي لم تكن يوماً ما من سلوكيات ابنائها بالدراسة والتحليل لا بد له، ان يقف على مجموعة عوامل قد تساعده على استنتاج اهم المسببات التي ادت إلى مثل هذا الانحراف الغريب عن طبيعة شعبنا الاصيل. اننا لو نرجع قليلاً إلى بدايات تكوين الدولة العراقية وما بعد هذا التاريخ ونتعرف على مجريات الاحداث التي رافقت هذه الحقبة وما تخللها من احداث وصراعات سياسية في العهدين الملكي والجمهوري قبل ان يخيم ظلام البعث والدكتاتورية في سماء بلادنا العزيزة نجد ان ابناء شعبنا على اختلاف نهجهم واتجاهاتهم الدينية والسياسية تشدهم اواصر المواطنة الحقة ويجمعهم جامع واحد هو "مصلحة الوطن العليا" هذا الهدف الذي لا يمكن تجاوزه بأي حال من الاحوال، الكل يريد الوصول إلى اهدافه ولكن ليس على حساب مصلحة الاخر، وحين تختلف الشعارات تلتقي في نقطة اخرى هي الاخوة ورابطة الدم ونكران الذات، تلك النزعات التي كانت تتجلى في اروع اشكالها عندما  يحتدم الصراع بين قوى شعبنا وقوى الاستعمار والعملاء من جهة اخرى.

يقول الكاتب والسياسي المعروف بهاء الدين نوري في معرض مذكراته التي نشرها في اواسط التسعينيات من القرن الماضي (في انتفاضة تشرين الثاني 1952 وبعد انسحاب الشرطة إلى مراكزها، كانت المظاهرات منتظمة تنظيماً جيداً ويكفي للاستدلال على ذلك ان يعرف المرء ان جميع ما حدث من التظاهرات الكبرى خلال تلك الايام لم يقترن أي عمل تخريبي او مسيء إلى قدسية النضال الوطني الديمقراطي، فلم تحرق سيارة او مبنى ولم يكسر زجاج سيارة او عمارة ولم ينهب من الاسواق الواسعة غير المحروسة حتى ولا ابرة او غرام من البضائع) ماذا يعني هذا؟ ومن كانت لديه القدرة في تلك الايام على ادارة هذا الصراع السياسي مع سلطة عملية وبأي اسلوب امكن تعبئة الجماهير وتحويلها إلى قوة سلمية منظمة استطاعت ان تسقط حكومة دون اراقة دماء.

حري بنا ان نرجع إلى تلك الفصول من تاريخ شعبنا القريب ونتعرف على ما هية الاساليب المتبعة وتلك الحالة التي عاشتها قوى شعبنا لادارة دفة الصراع. ان الشواهد كثيرة لمن يريد ان يستدل على ما يتحلى به شعبنا من سمو كبير في علاقاته الاجتماعية ومتانة البناء الاسري لدى القاعدة الواسعة من ابناء شعبنا الابي. واذا كانت الحقائق تؤكد ذلك، فما الذي غيَّر المعادلة بهذا الشكل المأساوي؟ وما العوامل التي ادت إلى تسارع الاحداث باتجاه هذه الفوضى والانفلات الامني الذي يعيشه شعبنا اليوم؟

لا اريد في معرض حديثي هذا ان اعدد النقاط التي يلتقي عندها بعضهم ويختلف من خلالها بعضهم الاخر. الجميع يعرف ان شعبنا الطيب الذي رزح تحت سطوة اعتى نظام عرفته العصور الحديثة استطاع بالحد الادنى ان يتماسك من ناحية ومن الناحية الاخرى استطاعت يد النظام ان تمتد لتعبث بشرائح لا يستهان بها من ابناء شعبنا وبشتى الاساليب الشيطانية وحملها على الارتباط مصيرياً مع الفاشية والى مديات ابعد مما نتصور خلال حقبة زمنية ليست بالقصيرة، هذا العامل الزمني وما رافقه من ارهاب قلّ نظيره، يذكرني بمقولة الكاتب احمد عباس صالح وهو يستعرض الحالة التي مر بها بعض الشعوب إبان السيطرة العثمانية حيث يقول: (لجأ شعبنا مع هزيمته إلى نوع من السبات الشتوي الطويل قوامه حفظ الذات املاً في غد افضل وهو ما تلجأ اليه الشعوب الحضارية العظيمة حتى لا تندثر وحتى لا تذوب في غزارتها). على ضوء هذه الحقيقة نستطيع قراءة هذه الحالة التي عاشها شعبنا ابان العهد الدكتاتوري المتخلف حيث استطاعت القوى السياسية الفاشية استهداف الحلقات الضعيفة من مكونات النسيج الاجتماعي في بلدنا فضلاً عن بث الرعب والقتل وتغييب المئات بل الالوف من ابنائنا في السجون والمعتقلات حيث انتهوا اخيراً في مقابر جماعية يندى لها  جبين الانسانية.

مع هذا الواقع المأساوي الذي عاشه شعبنا وهذا الضغط النفسي الثقيل جاء الانهيار المفاجئ الدراماتيكي السريع للنظام. ان قوى شعبنا المنهكة لم تتهيأ بعد لمثل هذا الحدث الذي فاجأ الجميع. وبما ان هذا التغيير حصل بفعل تدخل خارجي اربك الاطراف السياسية على اختلاف اتجاهاتها والتي لم يكن لديها قاسم مشترك يشكل عاملاً قوياً لتماسكها وتمتين وحدتها كيما تبادر لملء الفراغ الذي حصل وبالتالي تفوت الفرصة على اعداء شعبنا اؤلئك الذين ما زالوا يمتلكون القدرات الكافية للتحرك وبناء جسور التواصل لاستعادة المواقع التي خسروها بأسرع مما نتصور. ان تسارع الاحداث وبهذا الشكل الدرامي لا بد وان يحمل معه شيئاً من التعقيدات والمتاعب غير المتوقعة مما ادى بالتالي الى ان ترضى الاطراف الفاعلة في الساحة السياسية بانصاف الحلول نتيجة للضغوط القوية او ربما لرغبتها في تفويت الفرصة على اعداء شعبنا ومنعهم من التحرك لملء الفراغ الذي حصل اثر انهيار الدكتاتورية ومقومات وجودها.

ان المتغيرات التي حصلت بعد كل هذا كانت على ما يبدو ذات وجهين، وجه ايجابي تمثل في ازاحة الدكتاتورية البغيضة عن كاهل شعبنا الصابر، والوجه السلبي الذي هو سيادة الفوضى في كل شيء وانعدام الامن وعدم المعالجة الانية والسريعة لما تعانيه اغلب القطاعات الشعبية من صعوبات في وضعها المعيشي المتردي وانعدام فرص العمل لقطاعات واسعة من الشباب العاطل فضلاً عن فساد الجهاز الاداري الذي يشعرنا نحن المواطنين انه ازداد سوأ.

ان سلة المعاناة هذه التي اصبحنا نحملها على اكتافنا صاروا  يحاولون تخفيف عبئها الثقيل هذا بترديد العبارات التي كثرت هذه الايام عن الديمقراطية واجوائها الجديدة التي كنا نحلم بها منذ عقود طويلة.

حسناً فلتهب رياح الديمقراطية وليمارس شعبنا حقه كبقية  الشعوب المتحضرة شرط ان لا ننسى ان للديمقراطية وجهاً آخر ينبغي ان لا يغيب عن بالنا ذلك هو الضبط والنظام على حد ذكره المفكر "بروفيكوف" حيث جاء في احد تحليلاته انه من الخطأ اعلان الديمقراطية ونسيان وجهها الاخر الذي هو الضبط والانضباط في البلاد. ان الديمقراطية بدون انضباط تتحول حتماً إلى فوضى سياسية واجتماعية- من هنا تتضح الرؤية بكل ابعادها لفهم حقيقة ما يجري في الساحة السياسية، ذلك ان غياب الضوابط اللازمة والاليات العملية لادارة دفة الامور بمتظى الضرورات التي يمليها الواقع علينا لا بد ان يفضي بالتالي إلى فوضى سياسية وعندها تضيع على الجميع فرصة لا تعوض.

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة