الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الزورخانات في بغداد

سحر الخالدي

كانت بغداد ميالة إلى الالعاب الرياضية باعتبارها من متممات الحياة اليومية، ولكن لم تنظم بالشكل الذي نراه اليوم، بل كانت بصورة مختصرة ترمز إلى تغذية الجسم، وكان ابناؤها يمارسون رياضة كمال الاجسام والمصارعة في الزروخانات. والزرخانة هي حفرة عميقة مدورة في الأرض يجري فيها اللاعبون مختلف الحركات برفع اشكال متنوعة من قطع الحديد وتجري حركات اللاعبين فيها إيقاعات خاصة بالضرب على (الدنبك) الكبير وهذا (الدنبك) يسمى (زرف) باصطلاح اللاعبين وكذلك تتم على البعض قراءة المقامات العراقية التي منها الحماسية مثل مقام (الحمليلاوي) الكبير وهذا (الدنبك) يسمى (زرف) باصطلاح اللاعبين وكذلك تم على البعض قراءة المقامات العراقية التي منها الحماسية مثل مقام الحمليلاوي والناري والجهاركاه والمحمودي والشرفي دوكاه، مع مراعاة الوحدة الايقاعية من مؤدي الضرب على الدنبك حيث يكون من الذين لهم خبرة نظرية وعملية في المصارعة وفي جميع تجاربها واشغالها، وكذلك له خبرة باوزان الايقاعات المختلفة التي تتناسب وتتناغم مع تلك المقامات وهذا المؤدي يسمى (المرشد) أو (الماندير).

والزورخانة كلمة فارسية مركبة من كلمتين هما (زور) تعني قوة، و(خانة) تعني المكان أي مكان القوة. وهناك مصادر تاريخية كثيرة تحدثنا عن قادة الاسلام العظام بانهم كانوا يزاولون المصارعة ولهم مواقف معروفة بها.

وقد كان للمصارع البغدادي في اماكن الزورخانة يومئذ منزلة خاصة في نفوس أهالي بغداد إذ كانوا ينظرون إليه نظرة اكبار وتقدير، كما ان هؤلاء المصارعين كانوا يبتعدون عن ملذات الدنيا وموبقاتها وكانوا خيرين ومؤمنين، ولا ينزلون الحفرة إلا وهم على وضوء كامل من كل الجوانب، وقبل البدء بالمصارعة أو الالعاب الخاصة بالزورخانة كانوا يؤدون بعض المدائح النبوية والادعية والتمجيد وبعدها يذكرون اسم سيدنا علي (رض) ويستمدون القوة منه. ولهم طقوس خاصة ومراسيم عند النزول إلى الحفرة. وقد انتعشت الزورخانة وازدهرت ازدهاراً واسعاً اثناء قيام الحكم الوطني في العراق وتنصيب الملك فيصل الأول (رحمه الله) ملكاً على العراق في شهر آب/ 1921م، الذي دأب على رعاية المصارعين وبصورة خاصة عند تشكيل الجيش العراقي واقامة مهرجان دائمي سنوي في مطلع كل فصل ربيع من كل عام ومن ضمن المهرجان كانت رياضة المصارعة في الزورخانة في مقدمة الالعاب الرياضية حيث كانت تشارك فيها بعض وحدات الجيش والشرطة وبعض الاهالي وبعض من الجنود الهنود والانكليز آنذاك. وكان المهرجان يتم برعاية الملك فيصل الأول (رحمه الله) وكان يحضره بملابسه العربية (العقال والكوفية) وكذلك كبار رجال الدولة. وكان اصحاب الجلالة الملك فيصل (رحمه الله) يقدم لهم الهدايا الثمينة تقديراً لمكانتهم ولرفع شأن بلدهم بين ابطال المصارعة إذ كانوا دائماً يتغلبون على منافسيهم من المصارعين الأجانب مثل الايرانيين والانكليز والاتراك إلى الهنود والألمان والأرمن.

واما ابرز ابطال المصارعة آنذاك فهو الحاج عباس الديك، ومهدي زنو، والحاج حسن نصيف، وصبري الخطاط، ونايل الصباغ، وصادق الصندوق، وغيرهم. وأشهر من ضرب ايقاع الزورخانة هو المرحوم مهدي قجو، وأما اشهر حكام الزورخانات، فكان كل من الحاج محمد بني اسطة بريسم، والحاج حسن كرد والحاج غني محمود القره غولي. والزورخانات المشهورة في بغداد هي زورخانة صبابيغ الآل لصاحبها عيسى الصباغ، وزورخانة القشل صاحبها الحاج عباس الصندقجي، وزورخانة الدهان لصاحبها الحاج عباس الديك، وزورخانة بني سعيد صاحبها علوان السامرائي، والعوينة صاحبها الحاج حسن كرد، والفضل الحاج محمد اسطة بريسم، وزورخانة المهدية صاحبها اسطة اسماعيل خليل الخالدي، وزورخانة الاعظمية في منطقة السفينة صاحبها الحاج غلوم، وفي الكاظمية زروخانة القطانة صاحبها السيد إبراهيم أبو يوسف، وزورخانة بن جرموكة صاحبها مهدي إبراهيم جرموكة، وفي جانب الكرخ زورخانة الصالحية صاحبها الحاج محمد غلوم. وللامانة التاريخية نود ان نذكر بان المصارعين الذين كانوا يقومون بتأسيس هذه الاماكن، انما كانوا يقومون بذلك لرغبتهم الشخصية وحبهم لهذه الرياضة وعلى حسابهم الخاص من غير دعم أو مساعدة من أي جهة من الجهات الحكومية آنذاك. بل كانت هواية لهم. وقد كانوا يتبرعون بما يحصلون عليه  يومها من ريع نزالاتهم إلى الجمعيات والجهات الخيرية لانه لم يسبق لهم ان اعتاشوا منها. ونتيجة للسمعة الطيبة التي وصلت إليها الزروخانة، باعتبارها جزءاً لا ينفصم من حياة أبناء بغداد اليومية لما كانت تتضمنه من جوانب دينية واخلاقية عالية فقد كان جوها يسوده دائماً الورع والتقوى والخشوع وكانت بحق مدرسة كبيرة لتعليم تلامذتها الخصال الحميدة والشجاعة والتحلي باعمال الخير والفضيلة ومساعدة الآخرين مهما كان شأنهم ومنزلتهم.


بين الطارئ والراسخ

محمد درويش علي

من حقنا أن نفخر بمجتمعنا، وبأولادنا واخوتنا واصدقائنا، في كل الظروف الصعبة منها والسلهة. ومن حقنا ان نديم كل ما يقوم به مجتمعنا من فعل خيرٍ، دون الافعال السيئة، لأشخاص لا يمتون بصلة بهذا الجمع الخير. فمجتمعنا العراقي، مجتمع التآلف والتكاتف والشعور بالبعض، من منطلق الايمان بأن الكل هو واحد، تحت خيمة هذا البلد.

هو جزءٌ لا ينفصم من والده، هو نفسه، وقلبه الذي يحيا به.

انطلاقاً من هذا المفهوم، فمن الصعب التخلي عن هذا الابن أو قتله تحت أي ذريعة، ولكن ما بالك بأبٍ وصله نبأ مؤكد من ان ابنه مشترك في عصابة لخطف الأطفال، واطلاق سراحهم مقابل فدية، قتل ابنه بعد التحري الدقيق عن النبأ، وعندما سئل: كيف تقتل ابنك؟ اجاب: انه يلوث شرفي بعمله، ويسيء الى المجتمع. انهن مثال حي وواقعي يعبر عن روحية المواطنة الحقيقية، في وقت يطلع علينا الكثير ممن يبرر كل فعل شائن، تبريرات مخجلة. هذا تصرف وسلوك من رجل يعي حقيقة دوره في المجتمع. وهنالك تصرفات مسؤولة أخرى يقوم به أناس في بعض من مناطقنا الشعبية، وهي القيام بعمل صندوق ووضعه عند من يجدون فيه الصدق والنخوة، يشترك فيه عدد من سكان المنطقة، دون أي اعتبار لعشيرته، أو قوميته، أو مذهبه وذلك لتدارك حالات الوفاة، والعوز، والحاجة المفاجئة نتيجة التغيرات الطارئة التي تحصل في المجتمع.

لقد استطاع مجتمعنا ان يعبر عن عمقه الإنساني، ويخلق لنفسه وضعاً جديداً، قادراً على استيعاب الحالات الطارئة والمباغتة التي تحصل ويبقى بالتالي محافظاً على بهائه ورونقه ولم تعد المراهنة على الحالات الطارئة، أو الناس المنحرفين والذين تسربوا إلى مستنقع الرذيلة والدناءة والخسة، هي الحقيقة بعينها، لأنها زائلة حتماً ولا تعتمد إلا على الاصطياد في الماء العكر الذي هو الآخر لا يقاس بالماء النقي الصالح في كل الظروف.

أسوق هذه الحالات لأبرهن على نقاء ما يدور حولي، من اناس يشكلون الحقيقة الناصعة لمجتمعنا الذي كبرنا في احضانه ودافعنا عنه، وشكلنا لبناته الأساسية، التي لا تقبل التهشيم و التفتيت. هذه هي حقيقتنا، نصاعة زائداً البياض الذي يشبه حليب امهاتنا، أما ما عداها فهي زائلة حتماً لأنها لا تمثلنا، ولا تستطيع الاستمرار فيما بيننا.

 


براغ تخلد الجواهري

* الياس توما

من براغ : بدأ مركز "الجواهري " في العاصمة التشيكية براغ يستقطب الاهتمامات بشكل متزايد من خلال العديد من الفعاليات والندوات والإصدارات التي ينظمها ويصدرها باللغتين التشيكية والعربية وأيضا من خلال موقع خاص بشاعر العرب الكبير يشرف عليه المركز ويحمل عنوان www.jawahiri. Com:

ويقول مدير المركز الأستاذ رواء الجصاني في حديث "لايلاف": إن الاهتمام قد تزايد بالجواهري بعد تأسيس هذا المركز وان الآلاف قد دخلوا إلى مركز الجواهري على شبكة الانترنيت للاطلاع على إبداعاته كما أقام المركز علاقات مع العديد من المؤسسات الثقافية التشيكية والكتاب التشيك مثل ايرازيم كوهاك وايفان بينار وتانيا فيشيروفا وكفيتا فيالوفا ...

وبالنظر لكون القائمين على المركز قد أكدوا منذ اللحظات الأولى لتأسيسه أن هذا المركز لن يقتصر على العمل على حفظ تراث الجواهري ونشره مخطوطا ومطبوعا ومسموعا ومرئيا بل أيضا مد جسور التواصل والحوار بين الأدب العربي والحضارات الإنسانية الأخرى فان المركز قد اصدر بالتشيكية كتابا عن شعر الشاعر العربي الكبير نزار قباني وعن الشاعر اليمني محمد الشريف إضافة - بالطبع - إلى إصدارات مختلفة عن الجواهري منها : الجواهري عربي القرن العشرين، والجواهري إيقاعات ورؤى.

وعن سبب اختيار براغ مقرا لمركز "الجواهري " يقول الجصاني : إن شاعر العرب الكبير أمضى شوطا غير قليل من عمره في العاصمة التشيكية امتد عمليا منذ عام 1961 إلى عام 1991 بشكل متقطع أو متصل وخلال تلك الفترة كتب عشرات القصائد منها ياغادة التشيك، وذكرى عبد الناصر، وهلم اصلح، و أقول مللتها، وسائلي عما يؤرقني، وأهات، وأزح عن صدرك الزبدا، وبعد العرس …

ويقول المستشرق التشيكي الشهير لوبوش كروباتشيك ومحررة مجلة زابيسنيك الادبية زدينا توريتشوفا انهما اجريا عام 1986 حوارا مع الشاعر الجواهري في شقته التي كان يقيم بها في حي "بيترجيني " في دائرة براغ السادسة الجميلة وخلال هذا الحوار حكى لهما الجواهري عن وصوله إلى تشيكيا حيث قال " أثناء الأزمة السياسية التي بلغت ذروتها في بداية الستينيات في العراق زارني سكرتير سفارة جمهورية ألمانيا الديموقراطية في بغداد وسلمني دعوة من الحكومة الألمانية للإقامة فيها كما اخبرني أن حياتي في العراق باتت مهددة ولكن مسيرة حياتي تغيرت بفضل هبوط الطائرة التي كان تقلني من العراق إلى ألمانيا في مطار براغ حيث كان باستقبالي وفد من الأدباء التشيك للترحيب بي".

ويعترف كروباتشيك بان براغ قبل تأسيس مركز الجواهري لم تكن تعرف الكثير عن الجواهري وإبداعاته على الرغم من انه أمضى فيها نحو ثلاثين عاما أما المستعرب والمترجم يارومير هايسكي الذي كان من اشد المتحمسين والناشطين في تأسيس وعمل مركز الجواهري قبل أن يفارق الحياة هذا العام فيرى أن السبب في ذلك يعود إلى أن بابلو نيرودا قد كتب في براغ بالإسبانية فيما كتب ابولينير في براغ بالفرنسية أما الجواهري فلم يكتب سوى بالعربية أي بلغة يصعب نقلها إلى التشيكية ولذلك كان هذا الأمر السبب الرئيس في عدم ترجمة أعمال الجواهري أثناء الحقبة التي أمضاها هنا واعتبر تأسيس مركز للجواهري في براغ أنه تصحيح من قبل التشيك للتقصير التاريخي من قبلهم بحق هذا الشاعر الكبير .

ويوافق الاستاذ الجامعي المستشرق كروباتشيك على ما قاله هايسكي في هذا الأمر مؤكدا أن الجواهري قد خلد براغ بقصائد رائعة ولذلك يحق لها أن تفتخر الآن بأنها المدينة التي استقبلت وآوت يوما ما مبدعين من شتى الثقافات مثل كافكا وموزارت والجواهري.

وفي دليل على مدى رهافة حس الشاعر العربي الكبير وواقعية الكثير من قصائده يقول كروباتشيك إن وراء قصة بائعة السمك التي كتبها الجواهري في براغ قصة حقيقية ففي فترة ما قبل أعياد الميلاد زار الشاعر ساحة الجمهورية بمركز براغ حيث أكشاك بيع سمك الشبوط (وجبة الغذاء التقليدية في تشيكوسلوفاكيا ليلة عيد الميلاد) وهناك جذبت انتباهه بائعة جميلة وهي تقتل إحدى الأسماك بناء على طلب أحد الزبائن فما كان من الجواهري إلا أن اقترب منها مبهورا بما رأته عيناه و سألها كيف يمكن أن تتعامل فتاة بمثل هذا الجمال الساحر مع كائن حي بمثل هذه القسوة وجاءه الرد سريعا : لقد تعلمت القسوة من الرجال.

تأسيس مركز للجواهري في براغ من قبل مثقفين عرباً وتشيكاً خلد علاقة إنسانية راقية تمت بين "نهر العراق الثالث " الجواهري وبين مدينة أوربية وادعه احتضنته طويلا وقت الشدة وفي الوقت نفسه أكد صحة القول "ان الشـاعــر العظيم هو ملك للعـــالم اجمع ".

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة