استراحة المدى

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

الرقم

احمد محمد احمد

هل كان الانسان العراقي طيلة قرن من الزمن اكثر من رقم؟ رقم يشار اليه عند حساب الانفس، فيقال عشرة ملايين او عشرون مليون عراقي؟ هل حاولت القوى التي تصارعت على حكم العراق والاستحواذ على ثرواته فعل شيء نافع لصالح هذا الانسان؟ هل قدمت كل تلك القوى التي حكمت او عارضت الحكومات خدمة - ولو بسيطة- لصالح هذا الانسان؟ ام ان كل تلك القوى استخدمت الانسان كورقة رابحة او كمادة اولية للاستمرار في الصراع؟

لو قلبنا صفحات القرن الماضي كله لوجدنا ان الانسان العراقي كان نسياً منسياً، مع ان كل الاحزاب والمنظمات والحكومات المختلفة كانت تعلن ليل نهار انها مع الانسان، وانها تسعى لخدمة الانسان، وتعمل من اجل سعاته وتأمين حاجاته الانسانية الاساسية، لكنها لم تفعل شيئاً اكثر من رفع الشعارات البراقة اللماعة التي تجذب الانسان اليها كي يصبح وقوداً لصراعاتها، ابتداءاً من الدولة العثمانية  التي كانت تحكم العراق، وانتهاءً بالامبراطورية الامريكية التي تتحكم في العراق بداية القرن الحالي!

وهكذا ظل الانسان العراقي الذي علم الانسانية الحرف والكلمة والقانون والنظام، بعيداً عن ركب الحضارة الانسانية، يعاني من الفقر والجهل والمرض، مع انه من اثرى اثرياء الارض! وكانت فقرة حكم الرئيس السابق خير دليل على ما نقول، فبعد سقوط ذلك النظام راحت تتكشف الحقائق المخزية عما فعل بالانسان، وقد اسهمت الصحافة ووسائل الاعلام الاخرى بالبحث والتنقيب في ممارسات ذلك النظام الدموية، فكشفت المقابر الجماعية واساليب التعذيب الوحشية.. وفظائع لا تحصى ولا تعد..

وبدأت صفحة جديدة في حياة العراقي الذي كان ينتظر الخلاص، كي يستعيد حقوقه الانسانية، ويشعر بإنسانيته مع قدوم (المحررين)! ولكن كل تلك الاحلام تبخرت في اول عام .. فإذا بقوات الاحتلال تفعل بهذا الانسان ما فعلته اجهزة النظام السابق، وما لم تتجرأ على فعله.. راحت تنشر الصور المخزية المشينة.. وراح المسؤولون الامريكان يعتذرون وكأن الامر مجرد مخالفة بسيطةارتكبها احد الجنود الانسان العراقي الذي عانى من الظلم والظلمات يبحث اليوم عن من ينصفه! يبحث اليوم عن من يوقد له شمعة تنير له طريق المستقبل! فهل تكون الامم المتحدة الشمعة المطلوبة؟ وهل ستلتفت تلك المنظمة الدولية الى الحاجات الانسانية الاساسية لهذا الانسان؟ ام ان جهودها ستظل ضائعة بين قوى الاحتلال والطامعين في المنصب والمال؟ هل ستترك قضية الانسان على مائدة الصراع بين الاحزاب والسلطات؟ كما كانت سابقاً؟ ويظل العراقيون مجرد رقم يذكر في المناسبات؟


 

كاد الزعيم ان يتزوج

باسم عبد العباس الجنابي

شابة بيضاء البشرة، رشيقة، في ربيعها العشرين، خجولة، متواضعة سافرة، تحمل حقيبة كبيرة ثقيلة واخرى معلقة بكتفها، وطأت قدمها لأول مرة مدينة الديوانية، استأجرت (ربلا) ومضت الى مدرستها الابتدائية، معلمة كردية صدر امر تعيينها في لواء الديوانية في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي، ولما لم تكن هناك دور سكن للمعلمات، احتارت اين تسكن، في النهاية تدبر المدير امر سكنها عند احد شيوخ العشائر للسهر على حياتها وللامان، وفي الحقيقة كان المستوى المعاشي متدنيا، وغالبية السكان يسكنون (الصرايف). كانت النسوة الشاحبات الوجوه الملتفات بالسواح والمستعبدات يتحيَّن الفرص للنظر اليها عند ذهابها وايابها من مدرستها، بعد حين الفوا مشاهدتها. كانت تقرع الابواب لتعلم الاطفال والنسوة، احبها الناس لحسن سجاياها وعفتها وطيبة قلبها. ذاع صيتها لادبها وجمالها وتفانيها في خدمة الناس وبهذا كسبت احترام عامة الناس. وفي يوم صيفي استأذن الشيخ الذي تسكن عنده لمحادثتها، وافقت، وتمت المقابلة.. اخبرها بأن شخصاً كلفه بخطبتها، وهو شخصية مرموقة ورجل بكل معنى الكلمة وضابط في الجيش العراقي وله مستقبل واعد.. كانت مفاجأة لها، لم تجد جواباً، لم تكن فكرة الزواج تخطر على بالها، وبرغم ترغيب الشيخ بقبولها العرض، لم تكن تعرف ولا رأت الخطيب المزعوم، واهلها بعيدون عنها، اعتذرت ورجت الشيخ الاب الحنون حسب تعبيرها، ان يقدر موقفها، وشكرت حرصه على مستقبلها.. وبعد حين نجحت ثورة 14 تموز  1958 المجيدة، لكن الخطيب لم ينس الاستاذة الفاضلة صبرية عبد الحكيم وكيف له نسيانها وقد اصبح الزعيم عبد الكريم قاسم، ابن الشعب البار، زار مدرستها في منطقة العيواضية ببغداد، ازدانت المدرسة وعم الفرح واستبشرت المديرة والمعلمات والتلاميذ كل خير. كان الزعيم محبوباً، انجز للبلد بمعية افضل صحبة (صحبة الديمقراطيين والشيوعيين) افضل ما عرفه العراق بتأريخه كله. الجميع يتطلع لرؤية الزعيم، صافح مستقبليه، هذا هو خطيب الاستاذة، وحدها من يعلم. وقف شاخصاً امامها، الابتسامة لا تفارق شفتيه، عيناه مملوءتان بالبشر والسعادة. انه قاب قوسين او ادنى لتحقيق ما كان يروم اكماله في الديوانية. تصافحا، قال لها بلهجة بغدادية: (شلونج صبرية)، ارتجت ولم تنبس بكلمة احتراماً واعجاباً وحبا. كانت لحظات امل وقلق وترقب، لكن انى للحظات السعادة ان تدوم. لاحظ خاتم الزواج بيدها اليسرى، فسألها، ماذا يعمل زوجك؟ محقق عدلي، بصراوي، شمري. وهل كان يعمل في الديوانية؟ اجابت: نعم سيادة الزعيم. مبروك، اجابت: (يوم الي الك)، وهل رزقت باطفال؟ استدعت هلال وهالة وكانا من طلبة المدرسة فقبلا الزعيم، وضمهما، وحين عادت السيدة الفاضلة الى بيتها، سألها زوجها عن سبب الربطة على كفها وهل جرحت صبرية؟ اجابت نافية وقالت والسرور باد عليها: لقد صافحت الزعيم عبد الكريم قاسم، فقد زار مدرستنا اليوم وسأبقى ثلاثة ايام عاقدة الربطة على كفي اكراماً له..

 


مصلح الدراجات يتحدى الظلام

علي المهدي

تصوير نهاد العزاوي

يقيناً عجلة الزمن تدور... لا تنتظر من ينتظر ولا تقف لمن يحتضر.. في عالم كله يدور..

فصباح عبد الرضا رجل فقد بصره.. لكنه لم يفقد بصيرته.. فظل قابضاً على مقود (الحياة) ليقود سفينته في خضم بحر لا قرار له.. متسلحاً باليقين والارادة.. انه الربّان الاكثر براعة.. الذي لا يزال يتهجى درس الحياة فيجيد قراءة واقعه بوضوح..!

التقيناه .. فحدثنا قائلاً:

لقد مارست المهنة عام 1970 في مدينة الوشاش وكنت حينها اتمتع بـ (نظري) - قالها وقد اطلق حسرة طويلة تستشف من خلالها مدى المه المدفون بين حناياه.

وكانت استفادتي كبيرة وقتذاك. . والاجور قليلة.. لكنها كافية بالنسبة للمعيشة ولقد حفظت المهنة عن ظهر قلب ولم اكن اعلم يوماً بأن الاقدار تخبئ لي بين ايامها ما لم يكن بالحسبان..

ففي اواخر عام 2001 انطفأ ضياء عينيّ لأعيش عالماً لم آلفه من قبل..!

لكني والحمد لله تعايشت مع وضعي الجديد. ولقد عوّضت بزيادة قوة حاسة اللمس بشكل عجيب. فقد رجعت الى مهنتي والخوف يتملكني مما قد اصادفه من مشاكل.. لكني ايقنت بأن الزمن  يمضي ولا يرحم  من يتوسد اليأس.

فإمتطيت الجد مرتدياً لباس الاجتهاد.. لأبرهن لمن يحيط بي وخاصة (بناتي) بأني ما زلت موجوداً ومعطاءً كما كنت..

وذكر الاسطى صباح ذلك الشعور الذي كان يحيط به حين وطأت قدماه (محله) الذي فارقه لفترة ليست بالقصيرة..!

ويقول: عند مراجعة اول زبون لي وكان يطلب تعديل (الويل) وكان هذا امراً صعباً بداية لأنه يتطلب مني دقة ولا بد من عينين سليمتين..!

فقمت بعملي على احسن ما يرام - ساعدتني في ذلك قوة اللمس التي وهبني الله تعالى.

واثناء اللقاء جاءه احد (الصبية) لإصلاح (البنجر) وقد قام بعمله وليس هناك ادنى شك بأنه -لا يرى-!

فقد قام بإستخراج (الجوب) ونفخه ثم تحسسه بأصابعه بكل دقة حتى وجد الثقب ثم اصلحه.. وهو يبتسم ويقول (شلونّي!) وذكر لنا بأنه يقوم كذلك بتبديل (الصجم) وتركيب (البيم) وتصليح (الزنجيل) في حالة قطعه..!

وانه يتمتع بما يقوم به، وقد وجدنا بأن لديه زبائن عدة يقصدونه حباً به وكذلك لأجوره المنخفضة..!

علماً بأن محله المتواضع (جداً) مقطوع من داره المستأجرة..

انه مثل رائع للانسان الذي لا يرضى ان يكون عالة على غيره - رغم ما يعاني..!

وعن مشاكل وهموم مهنته.. قال: لا مشاكل في مهنتي سوى، اني اعاني في تعديل (الويل) و (حياكته) صعبة جداً عليّ!

واني قد عوّدت زبائني على الاجر القليل مما اثر عليّ معيشياً..!

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة