شاغلو البنايات الحكومية.. مشكلة كبيرة
ترجمة/ عبد علي سلمان
عن :نيويورك تايمز
خفية تنسل السيدة (س-ع) وعيناها الى الارض كل صباح من غرفتها التي يشاركها فيها زوجها وطفلاها، محاولةً ان لا تلفت الانتباه الى عملها كمعلمة في مدرسة ابتدائية، ولا تريد ان يراها طلابها وهي تغادر البناية الحكومية سابقاً والملأى بالقمامة والتي شغلتها بصورة غير قانونية وتقول السيدة البالغة من العمر 35 عاماً انها انتقلت الى هذه البناية الواقعة في حي البلديات شرق بغداد بعد ان اجبرتها صاحبة البيت الذي استأجرته لمدة 14 عاماً على مغادرته لانها لم تستطع دفع الايجار
وتضيف انه حين كان صدام حسين في السلطة لم يكن ملاك الدور يستطيعون اجبار المستأجرين على اخلاء الدور، ولكن وحين جاء الامريكان الى العراق فان صاحبة الدار اقنعت القوات الامريكية بالقيام بطردها من منزلها بعد ان اخبرتهم باننا متمردون وبعثيون.
والسيدة (س-ع) هي واحدة من آلاف العراقيين الذين شغلوا البنايات الحكومية الفارغة بصورة غير قانونية لعدم وجود مكان آخر يذهبون اليه، ويمثل هؤلاء الناس مشكلة للحكومة التي بالكاد نبت ريشها من ضمن مشاكل اخرى مثل نقص امدادات الكهرباء وماء الشرب والوقود.
ويعلق السيد محمد الحريري الناطق باسم وزارة الاسكان والتعمير ان اعداد المواطنين ممن لامأوى لهم يمثل مشكلة ضخمة وضخمة جداً حيث كان العراق بحاجة الى 3.38 مليون وحدة سكنية والتي سيكلف انشاؤها 120 مليار دولار امريكي ولا تتوفر مثل هذه التمويلات لاننا بلد ذو مديونية.
وبعد الهجوم على العراق استغل مالكو العقارات الفرصة فقاموا برفع الايجارات وطرد من لا يتمكن من الدفع، وخلال اسابيع بعدها راحت آلاف العوائل المشردة تبحث عن البنايات المهجورة واحتلت العوائل البنايات العائدة للدولة وبضمنها متاحف وثكنات عسكرية ومكاتب حكومية مثل تلك التي تعيش فيها السيدة (س-ع) مع عائلتها، وقد تجمهر حوالي 15 رجلاً مع نساء واطفال ممن يعيشون في ذلك المجمع عند قدوم احد الزوار مؤخراً في ساحة تصب فيها المجاري وتملؤها صفائح القاذورات التي تعج بالذباب وهم يصرخون احتجاجاً على اوضاعهم المعيشية، ويلوم السكان الحكومة لعدم توفيرها مايكفي من السكن.
وقالت السيدة (س-ع) وهي تشير الى مساحة خالية من الاثاث تشغلها مع زوجها واطفالها، هل رأيت غرفتنا انك لاتستطيع وضع ثلاث دجاجات هناك فكيف بثلاثة اشخاص، وبالجوار وقفت صبية مراهقة في غرفةٍ من الاجر تقول السيدة س انها تستخدم كمطبخ وحمام وتعلق قائلة (لقد تحملنا العيش في هذا المكان المرعب).
وتعيش السيدة س مع سبعة وعشرين عائلة اخرى في هذه البناية وقد قال العديد منهم في عدة مناسبات انهم لا يمتلكون بديلاً سوى الاستمرار باشغال هذه البناية، وتقول السيدة س التي كانت ترتدي ثوباً برتقالياً احمر فضفاضاً وتتجلبب بعباءة سوداء واسعة وهي الزي العراقي التقليدي الذي ترتدية النساء المتدينات (لقد كدنا ننام في الشوارع).
وفي بواكير هذه السنة جلبت الشرطة العراقية القوات الامريكية لغرض اجلاء شاغلي البناية التي كانت تستخدم سابقاً من قبل الجيش لغرض تحويلها الى مركز للشرطة وقد ذهل شاغلو البناية.
وعن ذلك الموضوع تقول السيدة (ص-ع) البالغة من العمر 52 عاماً وهي ارملة لها خمس بنات وولد واحد وتعمل منظفة في المعهد الفني في بغداد (لقد اخبرونا ان نجد مكاناً اخر وان نخلي هذا المكان) وتضيف انها اجبرت على ترك بيتها القديم بعد وفاة زوجها وقيام مالك الدار برفع الايجارات وانها قلقة على بناتها الخمس لكونهن في سن المراهقة.
اما موقف القوات الامريكية من الموضوع فيتمثل في الرسالة الالكترونية التي بعث بها الناطق باسم هذه القوات والتي افاد فيها ان اجلاء الشاغلين هو من مسؤولية الحكومة العراقية، ورفض هذا المتحدث التعليق على حوادث معينة، ويقول السيد سعدون الدليمي وزير الدفاع في الحكومة العراقية المؤقتة انه قدم مشروعاً قبل عدة اشهر لترحيل الشاغلين للبنايات وللاراضي المسيجة الحكومية ذلك ان (بعض هذه البنايات قد اصبح قواعد للارهابيين ولصناع السيارات المفخخة) على حد قوله في حين يقول السيد محمد الحريري الناطق باسم وزارة الاسكان ان الحكومة لن تقوم بتنفيذ هذا القرار لحين تشكيل الحكومة الجديدة حيث تقوم الحكومة الجديدة حالياً بتجميع نتائج الاستفتاء حول الدستور واذا تمت المصادقة عليه فان الناخبين سيقترعون لانتخاب حكومة دائمة جديدة في كانون الاول، ويقول السيد الحريري (حين تصبح الحكومة قوية فانها ستقوم باجلاء هؤلاء الشاغلين).
وبصدد ازمة السكن يقول وزير الاسكان السيد جاسم محمد جعفر ان الحكومة تقوم ببناء ستة عشر مجمعاً سكنياً في مختلف مدن العراق منها كركوك والموصل وكربلاء والبصرة وبعض هذه المشاريع بحاجة الى تمويلات خاصة ولكن الموظفين الحكوميين لايتحدثون عمن سيسكن هذه المجمعات، وعلى سبيل المثال فان وزارة الاسكان تقوم ببناء 288 وحدة سكنية في ضاحية السبع ابكار شمالي بغداد على ارض كانت تعود لاخ صدام غير الشقيق، وقد استغلت الحكومة هذه الارض لتنفيذ المشروع الذي سيحتوي على مدرسة وسوق.
وتم انجاز 70% من المجمع الذي بدأ في كانون الاول 2003 ومن المقرر الانتهاء منه في كانون الاول القادم، ووفق ماتشير اليه لوحة نصبت خارج صفين من الاعمدة المنتظمة على شكل طابقين من الهياكل الكونكريتية مع نوافذ مصممة على شكل ابراج الكنائس المدببة.
ويقول الحراس ان مجموعة من الاشخاص حضرت الى المكان وقامت بتصوير المجمع قائلة انها من دائرة المقاولات التي تقوم ببناء هذه الشقق.
وفي اليوم التالي حضرت مجموعة من المخربين وكتبت وعلى عجل خربشات على الجدران تشير الى انهم من (جيش عمر) وهي مجموعة عراقية ترتبط بالمتطرف الاردني ابي مصعب الزرقاوي الذي تعهد بالولاء للقاعدة، اما مضمون الرسالة التي كتبت بالاصباغ فتحذر من انه سيتم تفجير المجمع لان الوحدات السكنية في طريقها لتعطى لاعضاء المجلس الاعلى للثورة الاسلامية.
وقد وجه السيد محمد الحريري عدة اسئلة حول مستقبل المستأجرين للسيد رئيس الوزراء العراقي وللزعماء الحكوميين، وقد صرح السيد ليث كبه الناطق باسم رئيس الوزراء بانه (ليست لديه فكرة عن الموضوع) مضيفاً (يؤسفني اني غير قادر على الاجابة عن اسئلتك وعليك الاتصال بالسيد وزير الاسكان.
اما السيدة (س-ع) فتقول ليست لديها فكرة عن المكان الذي ستذهب اليه في حال اجبارها على المغادرة وتقترح (لو انهم على الاقل يجهزوننا بخيم مثل الفلسطينين) واختنق صوتها وهي تشير الى شاغلي البنايات الحكومية الذين تجمعوا حولها قائلة (لقد ضعنا تماماً، نريد وطناً نسكن فيه، نريد وطناً).
|