ذاكرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

هذا الكتاب: صور من حياة المجتمع الرافديني القديم

باسم عبد الحميد حمودي

الكتاب الذي نقدم أجزاء منه في هذه الصفحة كتبه الآثاري البريطاني ليوناردوولي على شكل سلسلة مقالات في موسوعة المعرفة الحديثة عن حياة سكان وادي الرافدين الاسفل (سهل شنعار) وتتناول المقالات حياة الناس اليومية، لباسهم وأدوات زينتهم وطقوسهم، والسيروولي هنا يتحدث ويصف دورة الحياة لدى العراقيين القدامى قبل أكثر من خمسة آلاف عام وهو على دراية شبه تامة بما حدث في ذلك الزمان لانه ترأس البعثة الآثارية المشتركة التي اوفدها المتحف البريطاني بالاشتراك مع متحف جامعة بنسلفانيا للتنقيب في (أور) لثلاثة مواسم بين عامي 1929- 1932، وقد عثرت تلك البعثة على كنوز آثارية عظيمة.
مترجم الكتاب هو الأستاذ احمد عبد الباقي وقد ترجمه عام 1947 ونشر في العام الثاني يحمل مقدمة لمدير الآثار العام آنذاك الدكتور ناجي الأصيل.
يقول الأستاذ باقر امين الورد في الجزء الأول من كتابه (اعلام العراق الحديث) عن الأستاذ عبد الباقي:
ولد في بغداد سنة 1917 ونشأ فيها وحصل على ليسانس دار المعلمين العالية، بدرجة امتياز سنة 1942 واشتغل في التدريس والإدارة على الملاك الثانوي والتفتيش منذ تخرجه حتى عام 1953 ثم عين مديراً للميزانية عام 1953 ثم مديراً عاماً للحسابات في وزارة الاعمار سنة 1956 وبعدها تدرج في الوظائف حتى عين وكيلاً لوزارة المالية سنة 1959 وبعدها عضواً في مجلس الخدمة العامة عام 1964 ثم نائباً لمحافظ البنك المركزي العراقي عام 1965.
ومما يذكر ان الأستاذ عبد الباقي اعد عدة كتب تاريخية وجغرافية للمدارس الثانوية والف كتاباً موسعاً عن سامراء بجزأين صدر في الثمانينيات ولكنه عرف ايضاً مترجماً جيداً للعديد من الكتب المهمة منها الذي كتبه السير وولي اضافة الى " الثورة الكوبرنيكية" عام 1948 طبعة القاهرة والثورة الصناعية ونتائجها السياسية والاجتماعية" (طبعة بيروت سنة 1962) وحقق ونشر كتاب الاسكافي (لطف التدبير) طبعة القاهرة عام 1964 .
مما يذكر ان كتاب (وادي الرافدين مهد الحضارة) قد طبع على حساب مكتبة المثنى ببغداد يومذاك.
وادي الرافدين مهد الحضارة


صور من حياة المجتمع الرافديني القديم

ليونارد وولي
ترجمة/ احمد عبد الباقي
 

الأحوال الاجتماعية
كان المجتمع ينقسم بعد الملك، الى ثلاث طبقات، الأولى "العاميلو Amelum" أو الاحرار وهي تضم رجال الدين وموظفي الحكومة والثانية طبقة " المسكينو Muskinum" وهم من الاحرار الا انهم احط رتبة من العاميلو، وهي تضم ابناء الطبقة الوسطى الفقيرة، اما الثالثة فهي طبقة العبيد "wardum" وهي أحط الطبقات منزلة، وكان التمايز بين هذه الطبقات واضحاً جداً: فمثلاً عند حدوث اعتداء ما تلاحظ الطبقة التي ينتمي اليها المعتدى عليه، فان كان من طبقة العاميلو كانت العقوبة على أساس العين بالعين والسن بالسن، اما إذا كان من طبقة المسكينو، فيكتفى بالغرامة، ولكن الأمر بالعكس اذا كان المعتدي من العاميلو، فانه يعاقب بقساوة اشد مما لو كان من الطبقة الوسطى، وكان الطبيب يستوفي من ابناء الطبقة الأولى ضعف ما يستوفيه من ابناء المسكينو وخمسة أمثال ما يستوفيه من العبيد.
وكان الحر من طبقة الموظفين يتمتع بامتيازات عديدة وعليه ان الأساس الذي يقوم عليه هذا التمييز هو مقام الوظيفة التي يشغلها، وإذا ما كان الامر كذلك فلا بد وان هذه الفروق بين الموظفين وغيرهم كانت قد نمت ببطء بمرور الزمن ونمو تقاليد الحكم غير انها كانت اقل تقدماً على عهد اسرة أور الثالثة عنها في عهد حمورابي.
على ان الفرق بين الاحرار من كلتا الطبقتين وبين العبيد كان اساسياً ويعود الى عهد قديم. إذ بالرغم مما يتمتع به العبيد من بعض الحقوق والضمانات فان ذلك لم يكن شيئاً مذكوراً بالنسبة لما للطبقات العليا من الحقوق إزاءه. ففي استطاعته ان يملك أرضاً وممتلكات أخرى ويؤدي الشهادة امام المحاكم، وان يشتري أو يسترد حريته، وان يحتج قانونياً على بيعه، كما كانت هذه الحقوق مما يسهل له امر زواجه من امراة من الاحرار . على انه الى جانب هذه الحقوق كان العبد بضاعة مطلقة لسيده سواء كان مأسوراً بحرب أو مشترى أو مولوداً في العبودية.
وهو يوسم عادة ويرتدي ملابس تميزه عن غيره. واذا ما اعتدى عليه أحد أبناء طبقته فان ديته تدفع لسيده. وفي وسع الحر ان يستعبد زوجة العبد أو ابنه إذا كان له دين عليه. كما كان إيواء العبد الآبق يعتبر جريمة كبرى. ومن المرجح ان العبودية البابلية كان فيها شيء كثير من الرحمة مما قلل الفروق الاجتماعية بين الأحرار والعبيد، ولذا لم تقم ثمة محاولة لإضعاف هذه الفروق.
القانون والحكومة
كان شكل الحكومة في جوهره فردياً مستمداً من الملك الذي مع اختياره العدد اللازم من الموظفين، يعتبر مصدر السلطتين التشريعية والقضائية معاً. وكان قانون الأراضي عرفياً في أكثره إذ ان القانون العام كله يقوم على سوابق صدرت بمراسيم ملكية، ينفذها القضاة المحليون ورجال الدين.
وكانت الامارة- التي تحولت الى الملكية فيما بعد- في أوائل عهد حكومات المدن وراثية محصورة في أقوى عائلة في المدينة، ونرجح انها بقيت كذلك حتى في عهد حكم "أور" المركزي، وكانت السلطة العليا تحاول جهدها التقليل من تدخلها في التقاليد المحلية، وانما تؤثر الاستفادة من نظام الحكم القائم، ويعتبر الحاكم "
Ishakku" مسؤولاً عن الإدارة العامة في منطقته، وعليه ان يراقب ملتزمي جباية الضرائب، وان يرسل الى العاصمة حصة الملك منها، وهو يهيمن على الشؤون القضائية ويذيع الأوامر الملكية، ويبعث الى الملك بالأمور القضائية المستأنفة، وينفذ أوامره الخاصة.
ويعتبر تأسيس المعبد أو تعميره من اعمال الملك دائماً بالرغم من ان نفقات ذلك قد تؤخذ من واردات الآلهة، فيبصم اسم الملك ولقبه مع اسم المعبد على قسم من الآجر المستعمل في البناء. وتوضع تحت أسس البناء صناديق مصنوعة من الآجر والقار يحتوي كل منها على صورة نحاسية للملك وهو على هيئة خادم للمعبد يحمل على رأسه سلة من الملاط. كما توضع قطعة من الصخر منحوتة بشكل طابوقة وقد كتب عليها ما ينص على إهداء المعبد للآلهة.
وهناك واجب آخر مهم كان يضطلع به الملك في العهد القديم كأية حكومة حديثة في وادي الرافدين، هو المحافظة على نظام الري وتوسيعه، إذ ان رفاهية البلاد الزراعية تتوقف على تنظيم مياهها، ولذا كان فتح قنال جديد أو تنظيف مجرى قديم يعتبر من الخدمات العامة التي تستحق التسجيل، وهكذا نرى "اور انكور" يفتخر بفتحه قنالاً ساعد السفن القادمة من الخليج على الوصول الى مدينة أور، كما ساعد الناس على زراعة البصل والخضراوات الاخرى على ضفتيه.
وعندما نلقي نظرة على الصحراء الواسعة التي تحيط اليوم بخرائب أور، يصعب علينا ان نتصور كيف انها كانت في عهد اورانكر حقولاً للحبوب وحدائق ممتدة الى منتهى ما يرى البصر.
وكان القائد العام للقوات الامبراطورية هو المشرف على قوات الملك المسلحة. فهو الذي يتولى تنظيم حشد الجنود/ كما يرأس هيئة يظهر لنا انها تقرب مما ندعوه اليوم بالشرطة، ويدعو الجنود الى المساهمة في انجاز المشاريع العامة الكبرى التي ينجز القسم الاعظم منها عمال مسخرون. اما في ساحة الحرب فان الملك هو الذي يتولى القيادة بنفسه باعتباره إله الحرب. ولم يكن هناك جنود من الفرسان لان الخيول لم تكن معروفة في وادي الرافدين حينذاك وكان سلاح الجنود المشاة يتألف من القسي والمقاليع، ويحمل القسم الرئيس منهم الفؤوس والرماح والهراوات احياناً، وينظم المشاة عند الاشتباك في القتال بشكل كراديس، محتمين بالخوذ الجلدية والدروع الثقيلة ومتنكبين الرماح الطويلة، وجميع هذه الأسلحة من النحاس.
وتقتصر الصنوف العليا من الجيش، والقوة الرئيسة للقتال ولاسيما الفرق المسلحة بالأسلحة الثقيلة، على أبناء "العاميلو" أعلى طبقات المجتمع، بينما يقوم أبناء الطبقة الثانية "المسكينو" ببعض الخدمات في المعسكرات، وقد يؤلفون في بعض الأحيان بعض الكتائب خفيفة السلاح، اما العبيد فكانوا معفوين من الواجبات العسكرية عامة، وقد يوهب بعض الجنود المسرحين قطعة ارض موقوفة. "لا يمكن بيعها أو رهنها" صالحة للزراعة، ويعفون من اداء الضريبة عليها، الا ان تمتلك مثل هذه الأرض يترتب عليه الالتزام بالعودة الى الخدمة العسكرية ثانية عند الحاجة، وهذا النظام لا يختلف عن الاقطاعيات التي كانت تمنح للفرسان في أوربا في العصور الوسطى.
اما الجنود الذين يقعون اسرى بيد العدو فعليهم افتداء انفسهم، فاذا لم تسعفهم حالتهم المالية تولى المعبد المحلي افتداءهم، فان لم يتوفر المال اللازم في خزينة المعبد كان على الحكومة ان تقوم بتدبير ذلك المال.
وكان في قصر الملك اضافة الى رئيس الجيش عدد كبير من الموظفين ويمارس بعض هؤلاء أعمالهم في القصر نفسه، مثل رئيس الحجاب، ومدير الأملاك الملكية ورئيس الحرم والكتبة والصيادين والاكارين وعمال الصناعات المختلفة، بينما يقوم البعض الآخر منهم بواجباته خارج القصر، كالمفتشين الجوالين والقضاة ومراقبي شؤون الري والمهندسين المعماريين، وموظفي بيت المال وخزنة السجلات وكتابها. وكانت توجد مثل هذه الوظائف تماماً في المعابد الكبيرة عادة، إذ إدارة بيت الإله تنظم وفق الاسس التي تقوم عليها إدارة قصر الملك.
السكان المدنيون
لو القينا نظرة على مؤسسات الحياة المادية التي كانت تنظمها الدولة حينذاك، لوجدنا حياة الناس الاجتماعية مدنية في أكثر مظاهرها، بالرغم من ان حياة البلاد الاقتصادية تقوم بالضرورة على الزراعة ولوجدنا انظمة الحكومة تمثل مجتمعاً من سكان المدن بالدرجة الأولى إذ ان الفلاح الذي يعمل في الريف كان لا يزال يسكن كوخاً من القصب والطين، أو خيمة من الشعر- كما يفعل أحفاده اليوم- ولكن عمله يتركز في المدينة، حتى ان كبار ملاكي الأراضي كانت لهم بيوتهم في المدينة اضافة الى ممتلكاتهم في الريف، كما ان مستوى الحياة في المدينة كان قد تقدم كثيراً على مستوى حياة الريف.
وفي بلاد رسوبية خالية من الصخور كوادي الرافدين، تقتصر مادة البناء على الآجر سواء كان مفخوراً أو غير مفخور "الطابوق واللبن" الا ان المعماريين السومريين استطاعوا ان يشيدوا بهذا الآجر مباني لا تقل في ورعتها ودوامها عن بنايات المعابد المصرية المشيدة من الصخور.
على انهم استعاضوا عن التزيينات والزخارف الخارجية التي تلاحظ في المعابد المصرية، بمراعاة انسجام ابعاد البناء وجماله ومتانته، كما كانوا يكسون الجدران الداخلية للبيوت بطبقة من الملاط "الجص" .
اما جدران المعابد فكانت تزين بالافاريز الخشبية أو بنقوش الفسيفساء من الهذب والفضة أو الأحجار الكريمة كالزمرد والفيروز والمرجان ومع ان هذه الثروة قد اندثرت كلها منذ امد بعيد، إلا اننا نستطيع ملاحظة بقايا الجدران الماثلة في أطلال "اور" ان نكون فكرة عامة عن المدينة كما كانت في أوج عزها.
كانت بنايات المدينة "أور" تتناثر في مساحة واسعة جداً يبلغ طولها اربعة اميال وعرضها ميلاً ونصف ميل تقريباً، ويشغل القسم الاكبر من هذه المساحة ضواحي المدينة المنتشرة خارجها، اما المدينة نفسها فتشغل مساحة يزيد طولها على نصف ميل تقريباً، ويبلغ عرضها ربع ميل، وهي محاطة بسور متين من الآجر أقامه "أور انكور" عام 2400 ق. م وفي داخل المدينة سياج مرتفع آخر حول مساحة يبلغ طولها (400) ياردة وعرضها (200) ياردة، هي حرم المدينة أو البقعة المقدسة فيها، حيث تقوم كل المعابد الرئيسة التي كان معظمها موقوفاً على الإله "نانار" إله القمر وحامي المدينة .
طراز البيوت
كانت البنايات الدينية الضخمة التي تضم كثيراً من الفعاليات المتنوعة، تشغل مساحات كبيرة داخل ساحة الحرم المنيعة، وتشيد بقاعات واسعة وفناءات مكشوفة، وبجدران وسطوح سميكة، تتوجها الزيكورات المرتفعة، وتنتشر بيوت المدينة خارج سور الحرم، إلا ان تصاميمها تختلف عن ذلك كل الاختلاف، ويبدو لنا انه كانت ثمة محاولة بسيطة لتخطيط المدن. إذ كان هناك عدد قليل من الشوارع الواسعة المستقيمة تمتد بين أبواب المدينة وساحة الحرم، بينما الشوارع الاخرى لا تعدو ان تكون دروباً ضيقة ملتوية، تمر بين الجدران عديمة النوافذ، ومداخل البيوت المتراصة بغير نظام، وكانت الاركان البارزة للجدران تبنى بشكل مستدير ليسهل المرور حيالها، إلا ان معظم الشوارع لم تكن مبلطة أو معبدة، فتكثر فيها الاوحال في مواسم الامطار، ومن المرجح ان من كانت عنده دابة لم يكن يفضل السير فيها مشياً على الاقدام.
وظهر نحو سنة (2000) ق. م طراز من البيوت الخاصة بالطبقة المتوسطة تكاد تشبه بمرافقها بعض بيوت بغداد الحديثة، إذ يلي الباب دهليز قصير يوصل الى فناء الدار المركزية الذي يؤدي الى غرف الطابق الاسفل، وثمة سلم يوصل الى الطابق العلوي وتحته مرحاض صغير، ويقابل مدخل الدار غرفة الاستقبال التي يؤخذ اليها الضيوف، وفي إحدى جهتي الدار مطبخ بمواقده الطينية، وتوجد الى جانبه احياناً غرفة أو غرفتان للخدم، وفي الطابق الأسفل من بعض الدور معبد خاص، وهو عبارة عن غرفة طويلة ضيقة يتوسطها مصلى ومحراب، وتحت بلاطها قبو خاص يدفن فيه موتى العائلة، وتقوم حول الفناء بعض الاعمدة المرتفعة تستند عليها شرفة خشبية تدور حول البيت من الداخل، وكانت أفاريز سطح البيت طويلة تغطى الشرفة، فلا تترك سوى فتحة مربعة في سقف الفناء لمرور الهواء والنور اليه.
وتسلط مياه السطح بميازيب نحو منتصف ساحة البيت ويوصل السلم الى الشرفة التي اشرنا اليها والتي تؤدي الى جميع غرف الطابق العلوي وهذه الغرف مشيدة على نمط غرف الطابق الأسفل تماماً. ونرجح ان سكان الدار كانوا يشغلون هذه الغرف لمنامهم.
من الطبيعي ان تكون دور الفقراء اصغر من ذلك، فهي تتألف من طابق واحد على الأغلب، بينما يتباهى مواطنوهم الأغنياء بدورهم ذات الفناءين اللذين تحيط بكل منهما صفوف من الغرف.
وكان القسم الأسفل من الجدران يبنى من الآجر بينما يشيد قسمها الأعلى من اللبن، ويتوقف الجزء المبني من الآجر على مبلغ ثروة مالك البيت، وهي تبنى بالطين دائماً وتبيض الجدران عادة، وتطلى زخارف الأبواب والنوافذ باللونين الأحمر والأسود رغبة في جلب الانظار اليها، وتبلط أرض الغرف، وأحسنها على الأقل، بالطابوق .
وجرت العادة منذ 2000 ق.م ان تعقد مداخل الدور بالآجر. اما الأبواب نفسها فكانت تصنع من الخشب وتدور بعضادة طويلة تغرس في الأرض وينتهي طرفها الأسفل بقطعة من المعدن مستقرة على حجر مثقوب.
وكانت النوافذ في الطابق الأسفل قليلة جداً بصورة عامة. واذا ما وجدت فانهالا تطل على الشارع وانما على ساحة الدار، والظاهر ان الرغبة في العزلة كانت قوية في الشرق القديم كقوتها اليوم في الشرق الحديث، ولعدم وجود النوافذ في الطابق الأسفل فان الغرف تستمد النور والهواء من أبوابها العالية، وهذا التصميم مناسب لبلاد ما بين النهرين لشمسها الساطعة وحرارتها الشديدة في الصيف، وتعمل أبواب النوافذ من الخشب والحصر وتطلى بالقار، كي لا يجد الماء فيها مجالاً للنفوذ الى الداخل، وكانت السطوح مستوية وهي تعمل من جذوع النخل بعد ان يوضع فوقها القصب والحصر ثم تكسى بطبقة من الطين، وهي شبيهة بالسقوف التي تشاهد اليوم في دور ما بين النهرين، وتمتاز بأنها تحفظ البيت من التأثر بحرارة الشمس المحرقة صيفاً، وتجعله بمنجاة من مياه الامطار شتاء.
وشاع استعمال العقود بالآجر في بناء القبور، ويظهر انها لم تكن تستعمل في بيوت السكنى، إلا ان هناك احتمالاً قوياً بانها كانت تعقد في معابد الآلهة لتزينها.
الأدوات البيتية
كان السومريون يفرشون الأرض بالحصر، وهي تشبه النوع الذي يستعمل اليوم تماماً. اما بيوت الأغنياء فتفرش بالطنافس والسجاد، وقد استعملوا الكراسي ذات المتكأ الخشبي والمقاعد المحشوة، وكان لقوائم بعضها عجلات من الفضة أو النحاس، وكانوا ينامون على سرر خشبية بعد ان يضعوا عليها الحشايا الوثيرة، ويحفظون ملابسهم في دواليب خشبية ايضاً. وشاع عندهم استعمال مناضد واطئة مثلثة الشكل، مما يتمم أثاث غرفهم البسط، اما للاضاءة ليلاَ فقد استعملوا مصابيح بدائية (مسارج) تتكون من اوانٍ مسطحة تقوم في وسطها فتائل صغيرة طافية على الزيت.
اما الماء فكان عليهم ان يجلبوه من آبار عامة خارج البيوت، بينما لكل دار في الغالب بالوعة خاصة، وتوضع حولها كسر صغيرة من الفخار تساعد على تسرب المياه الى الأرض المجاورة، وكانت فوهاتها تشبه بعض الاحيان فم البوق وان كانت في أكثر الاحيان على نمط مجارينا الحالية.
ويوجد في البيوت الغنية قليل من الأواني الصغيرة وكؤوس الشراب أو الجرار، مصنوعة من الزجاج الأزرق البراق المحلى باللونين الأبيض والأصفر. على ان الأواني المعدنية والحجرية كانت أكثر شيوعاً، اما الجفنات التي تستعمل في الأحوال الاعتيادية فتصنع من النحاس أو الكلس أو من حجر الديورايت أو الصدف، ونرى أدوات الزينة تستعمل في هذه البيوت على نطاق واسع. إذ نجد أواني جميلة الشكل من الحجر الخفاف أو الكرانيت أو الرخام أو المرجان. ويزين بعضها نقوش تمثل رسوماً آدمية وحيوانية أو صور بعض أدوات القتال.
وكان المعتاد ان تطعم هذه النقوش بالصدف والزمرد، إلا ان الكأس الفضية للملك "أنتيمينا" بصور النسور الملكية والأسود.
اللباس وادوات الزنية
كان الرجال في العهود الاولى يتدثرون بجلود الماشية ويربطونها تحت الإبطين تاركين صوفها الى الخارج بعد ان يبرموه بشكل خيوط متدلية وقد استمر هذا النوع من اللباس واصبح الرداء التقليدي الخاص بالاحتفالات، الا انه صار يتخذ من النسيج. وأخيراً تطور هذا اللباس فاصبح احسن تنظيماً، إذ اخذ الرجال من الطبقة العليا يلبسون قميصاً فوقه عباءة طويلة ذات اكمام مزركشة الحواشى، ويرتدي الرجل من الطبقة العاملة ثوباً قصيراً ويشد فوق خصره نطاقاً. وكان الفقراء من الناس يعتمرون بطاقية منسوجة، اما الأغنياء فيرتدون عمامة او ما يشبه الكوفية والعقال التي يرتديها بعض العرب اليوم.
ويمتاز الملك بأن يطلق لحيته ويعتني بتمشيطها وتجعيدها متشبهاً بالآلهة كما تظهر في تماثيلها. ويترك شعره مسترسلاً على كتفيه. اما ابناء الطبقة الدنيا من المسكينو والعبيد فيتركون لحى طبيعية قصيرة، ويعقصون شعورهم على هيئة كرة كبيرة خلف رؤوسهم. وكان الكهنة يحلقون رؤوسهم ولحاهم للنظافة التي تتطلبها المراسيم الدينية.
وكانت النساء في الفترة الاولى يرتدين قطعتين من الثياب تتألفان من قميص داخلي طويل، ومعطف ذي اكمام طويلة يتدلى الى الارض ويثبت على الكتفين بدبوس نحاسي. وقد استمر هذا الطراز من اللباس عهداً طويلا. اما في الحفلات فقد كن يلبس لباساً كاملاً ذا أكمام طويلة، وتنورة فضفاضة ذات حواشٍ مزركشة. ويكاد هذا يشبه الطراز الذي شاع في اوائل عهد الملكة فكتوريا في انكترا.
وكن يعتنين بتنظيم تسريح شعورهن، فيجعدنه في الامام بحيث يكون متموجاً فوق الجبهة ويتركن بعض ذوائبه تتدلى امام الاكتاف. ويضعن على رؤوسهن نوعاً من العصابة تتكون من حلقة من القماش المبروم او من المعدن احياناً اما الشعر الخلفي فكن يتركنه خصلا مسترسلة على ظهورهن، او يكورنه على حلقة العصابة ليكون ما يشبه العقال، وتتدلى منه بعض الاهداب.
واذا ما ظهرت المراة في محل عام فإنها تغطي وجهها بقناع وكانت ألوان الملابس الخارجية غامقة بصورة عامة وأكثر هذه الالوان شيوعاً القهواني والأزرق والأسود، اما الملابس الداخلية فبيضاء. ولا تكون الملابس كلها بيضاء الا في الأعياد. على ان هذا اللباس الوقور كان يختلف الى حد ما بكثرة الحواشي الملونة التي تزين الأقنعة والمعاطف.
وتزين المرأة عنقها بأنواع القلائد والأطواق وتتدلى منها انواع مختلفة من التمائم والتعاويذ. كما تلبس الاسورة في معاصمها وتتخذ ذلك من الذهب والفضة والعقيق والزمرد والزجاج وغيرها من الاحجار الكريمة وتستعمل الدبابيس لتثبيت الملابس، وهي مزينة برؤوس من المعادن الثمينة او الاحجار الكريمة كما كانت الخلاخيل الذهبية والفضية معروفة وتلبس في الأذرع والأقدام.
وينتعل الرجال والنساء أحذية او نعالا جلدية إذا كانوا في خارج البيت، اما في داخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــله فيمشون حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــفاة الاقدام.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة