التقلب السريع في الديمقراطيات
الاسيوية الجديدة
جوناثان ستيل
ترجمة / عادل العامل
عن/
he Guardian
هناك
أمر ما غريب فيما يتعلق برد الفعل الخارجي تجاه الانقلاب
الذي حصل في تايلند مؤخراً. فقد اعربت حكومات غربية عن
استهجانها بطريقة معتدلة قبل ان تسارع للتعامل مع الزمرة
العسكرية الجديدة، وقد ذهب الكثير من المعلقين الاجانب الى
ما هو ابعد، حتى انهم رحبوا بالانقلاب وهم يصورون رئيس
الوزراء المنحى، ثاكين شيناوترا، بكونه تسلطياً فظا استحق
ان يفقد السلطة، واذا كان محللون آخرون ما زالوا مترددين
بشأن المسلك الذي يتخذونه، فذلك كما يبدو بسبب الشكوك
المتعلقة بوجهة نظر ملك تايلند.
فاذا
كان موافقاً على الانقلاب، وهو ما يبدو من دعوته الى
الهدوء في اعقاب ذلك، فالامر على ما يرام عندئذٍ. اما اذا
لم يكن كذلك، فان على الزمرة العكسرية ان تتراجع وتمضي.
والامر كله يتسم بالصعوبة كما يبدو، فانت قد تثني غريزياً
على حزمة من الجنرالات، ثم تنتظر بعصبية لترى ان كان ملك
غير منتخب سيقول انك على صواب في ذلك. فاين ذلك الحديث عن
دعم "الديمقراطيات الجديدة" و"البلدان التي في انتقال" ؟
كل ذلك يذهب في نهر بانكوك. وينبغي لنا الا نندهش، كما اظن.
فقبل ثمانية اشهر اجرى الفلسطينيون انتخابات واختاروا
الاشخاص الخطأ، وهكذا انقضت مساعيهم للديمقراطية ايضاً.
واندفعت حكومات اجنبية لتبلغ الحكومة الفلسطينية الجديدة
بانهم لن يعترفوا بها حتى تمزق بيانها الانتخابي وتستدير.
وقد كان هناك، قبل ست سنوات، انقلاب آخر في بلد آسيوي فقام
جنرال يدعى برويز مشرف في باكستان باغلاق البرلمان وحظر
الاحزاب السياسية. وكانت افعاله اكثر تطرفاً من افعال
الزمرة التايلندية، ورد الفعل الاولي من الخارج اشد صرامة.
وعلق الكومنولث البريطاني عضوية باكستان في ناديه وفرضت
حكومات اخرى بعض العقوبات الخفيفة. وقد انتهى ذلك سريعاً،
واصبحت باكستان، تحت حكم مشرف، الذي يوصف بالرئيس الان،
عضواً محترما في حرب الغرب الدولية على الارهاب. واحد
الدروس المستقاة من هذه التقلقلات الغربية هو ان
الديمقراطية، في العالم الواقعي ، اكثر تعقيداً مما يفهمه
مجاهدو واشنطن والدرس الاخر هو ان المؤسسات الديمقراطية لا
يمكنها ان تعالج بسهولة التوترات الناجمة عن القوى
الخارجية للعولمة اضافة الى التغيير الداخلي السريع. وقد
تطورت ديمقراطيات آسيا الجديدة خلال جيل من الزمن من كونها
ريفية بشكل كبير الى مدينية على نحو سائد. وقد اصيب الريف
بلطمة من اسعار السلع المنخفضة ومن منافسة الاغذية
المستوردة بالاضافة الى جاذبية الحياة في المدن. وجرى
امتصاص الفتيات الريفيات في محال بيع الحلويات ومعامل
الثياب وخطوط التجميع، او في حقارة تجارة الجنس. وفي الوقت
الذي يظهر فيه ان الطبقات الوسطى الجديدة التي حققت نجاحاً
من الاقتصاد المبدل تثني على الانقلاب الاخير، يقال ان
الناخبين التايلنديين في الريف والبلدات الصغيرة يحافظون
على تأييدهم لرئيس الوزراء المنحى. لقد ادت توترات مماثلة
الى تمزق في النسيج الاجتماعي والسياسي للفيليبين، حيث ظل
الفاصل ما بين الانتخابات الديمقراطية والحكم العسكري هشاً
لوقت طويل. وبالرغم من ان الفيليبين قد تجنبت حدوث انقلاب
عسكري لاكثر من عقدين من الزمن، فقد حصل هذا من خلال وجود
جنرال اعلى، وهو فيدل راموس، منتخب كرئيس للدولة لست سنوات
في التسعينيات اما اليوم، فان هناك شائعات بقرب حدوث
انقلابات عسكرية، تحيط برئاسة كلوريا ارويو المتقلقلة، وهي
تدور تقريباً منذ لحظة توليها السلطة. ان النضالات الاقدم
على مدى الانظمة الاقطاعية لملكية الارض، والتي اثارت
التمرد الشيوعي، ما زالت متواصلة بشيء من التلكؤ، غير ان
ارض المعركة السياسية الرئيسة في الفيليبين اليوم هي
التنافس على غنائم الاقتصاد المعولم الجديد من الذي سيمتلك
او يتحكم بصناعة الاتصالات المربحة؟ ومحطات التلفزيون
الخاصة وقطاع الصيرفة؟ وعلاقات الصداقة في منح الاجازات
لادارتها تجعل من العمل السياسي مشغلة قذرة.
وفي تايلند، كان ثاكسين شيناوترا يمثل النسل الجديد من
رجال الاعمال الذين صاروا سياسيين، والذين اصبحوا اغنياء
في مجال الاتصالات (ولو ان شيناوترا بدأ في مصالح الامن
كضابط شرطة)، وقد شكل حزبه السياسي واستخدم التلفزيون
ليقدم نفسه كمرشح "نصير للفقراء" يكافح النخب الحاكمة.
وكان نصره الاول، في عام 2001، نصراً للسياسة "المضادة
للسياسة" الجديدة. وفي الفيليبين، كان نظيره جوزيف استرادا،
وهو ممثل سينمائي، الذي طرح نفسه ايضاً كمرشح للنخبة وفاز
بالرئاسة في عام 1998. وبقي في المنصب اكثر بقليل من سنتين
ونصف، وكان السبب في ذلك الى حد كبير مزاعم الفساد
المتواصلة. غير ان العامل الحاسم في تنحيته - وكما حصل في
تايلند بالضبط مؤخراً كان الجيش. فقد احتلت شوارع العاصمة
مانيلا حشود غفيرة من الناس للمطالبة بمحاكمته بتهمة
الخيانة. ولم يحصلوا على ما يريدون إلا عندما غير الجيش
تاييده، طالبا من استرادا الرحيل لتتولى نائبته غلوريا
ارويو السلطة.
وهناك سبب آخر للتقلب السريع في السياسة في "الديمقراطيات
الجديدة"، وهو الافتقار الى خيار حقيقي، وتلك ظاهرة ليست
بالمجهولة في ما يدعى بالديمقراطيات الناضجة وايضاً في "بلدان
الانتقال" الاوروبية الشرقية، حيث خرج الهنغاريون الى
الشوارع مؤخراً احتجاجاً على اكاذيب رئيس وزرائهم. فمهما
كان فوز الحكومة في الانتخابات وجراة وعودها، فان المجال
المتيسر للتغيير الاقتصادي الراديكالي محدود.
ولكوريا الجنوبية تاريخ طويل من الجنرالات المتحولين الى
سياسيين، وعندما خرق روه مورهيون الصيغة قبل ثلاث سنوات،
حصل هناك تفاؤل وسط تقدميي آسيا. وباعتبار ان روه من
المحامين المتميزين في مجال حقوق الانسان، فقد ظهر ليقدم
بداية جديدة بعد المناداة بحكم مشترك نزيه واستقلال عن
واشنطن. وقد ظلت السياسة الكورية الجنوبية خاضعة لدور
الولايات المتحدة في آسيا، وهي قضية تتسم ببروز اقل في
تايلند، ولم تعد ذات اهمية كبيرة في الفيليبين منذ اغلاق
القواعد الامريكية هناك، غير ان وعود روه الاقتصادية قد
تعرضت للاحباط، بل وارسل قوات كورية جنوبية الى العراق،
محدثاً بذلك خيبة امل جديدة.
ان من غير السهل على المرء ان يستخلص استنتاجات واضحة من
التاريخ الراهن المتسم بالفوضى لكل من تايلند، والفيليبين،
وكوريا الجنوبية، وباكستان فسياسة كل بلد من هذه البلدان
متميزة عن غيرها. لكن دليلا واحداً ينبغي بالتأكيد ان يكون
واضحاً: وهو ان تخليص الجيش من دوره كحكم على السياسة
وتحويله الى مؤسسة مواطنية اعتيادية تخدم الدولة بدلاً من
ان تديرها هو مبدأ اساسي حاسم لاية ديمقراطية جديدة او
قديمة.
وعليه، فان ما حدث في تايلند مؤخراً هو خطوة الى الوراء.
والامر المحزن هنا ان الطبقة الوسطى - التي غالباً ما ادعى
الليبراليون الغربيون انها الضامنة الاساسية للتقدم في
الانتقال من الشمولية التسلطية قد ابدت رضاها عن ذلك.
|