بين
القبول والرفض ..
كيـف
يقـضي النــاس شـؤونــهم أيـام حــظر التجــوال؟!
بغداد/المدى
هذه ليست المرّة الاولى،
التي ارى فيها الشوارع مقفرة، وانما تكررت رؤيتي لها لمرات
عديدة، ولكن هذه هي المرة الاولى التي اشعر فيها بإنقباض،
حينما فتحت باب الدار، ولم ارَ ََ سيارة في الشارع تمضي،
بل من حين لآخر، أرى رجلاً، او شاباً على دراجة هوائية،
وقبل ذلك بساعة، كنت اسمع فراغ الشارع من غرفتي، وانا انهض
من نومي متثاقلاً، بعد ان طرق سمعي في الليل، صوت شقيقي
وهو يقول: اعلنت الحكومة اعتبار يوم غد، حظراًً للتجوال!
لماذا؟ لا احد يدري..
حين
احتواني هذا الاحساس، تمنيت لو أطير فوق جسر الجمهورية، او
جسر السنك، واقبع فوق نصب الحرية، لأرنو لبغداد على مهل،
واعرف عن كثب كيف حال الكرادة، او حال شارع الكفاح والشيخ
عمر وباب الشيخ والشورجة واطمئن على الكرخ، وأمُسد على
القطارات الغافية في العلاوي، واتبضع من سوق الشواكة. ولكن
كل هذا لم يحصل، فعدت لغرفتي، وما كدت استسلم للنوم ثانية،
حتى رنّ هاتفي، فكان صديقي على الجانب الآخر، يسألني عن
حكاية حظر التجوال، اجبته واستغرقت في نومٍ اشبه بنوم
القطط.منذ أشهر وبسبب الوضع الامني المتردي، التجأت
الحكومة الى فرض حظر التجوال، للحد من اعمال العنف، التي
تودي بحياة الابرياء، وتجعلهم ضحايا يتساقطون في كل مكان
من ارض البلد.
بدأ حظر التجوال بيوم الجمعة، لمنع قتل المصلين، وتهديم
بيوت الله، من مساجد وحسينيات واضرحة مقدسة. وتجاوز الحظر
في مراتٍ كثيرة الى ايام أُخر، لتطهير بعض المناطق، من
اولئك الذين تسول لهم انفسهم الحاق الاذى بالناس الابرياء
لذلك قمنا بهذا الإستطلاع وسألنا عدداً من الناس عن كيفية
قضائهم اليوم الذي يفرض فيه حظر التجوال فتباينت الاجوبة،
وكان لكل واحد منهم رأيه في قبول او رفض الحالة.
ارزاق الناس
السيد جبار ابو
زينب، بائع صحف في باب المعظم يقول:
عندما يكون هنالك فرض حظر التجوال، ولا سيما في غير يوم
الجمعة، نخسر كثيراً نحن الذين لا رواتب لدينا فالذي نحصل
عليه من عملنا اليومي بالكاد يكفينا، وعندما نتوقف ليوم او
يومين نضطر الى الاستدانة لتعويض اليوم الذي جلسنا فيه في
البيت.
* ما الحل برأيك؟
- الحل هو ان تفكر بنا الحكومة، ولا تتركنا عرضة للحاجة!
كان السيد جبار يتحدث بحرقة، حاله حال الالاف من المواطنين
الذين يفترشون الارصفة في كل الازمنة، بحثاً عن لقمة عيش
شريفة، وهم يعرضون انفسهم، لأعمال القتل العشوائي،
والتفجيرات التي لا تفرق بين مواطن وآخر!
لم يكن بائع الساعات في سوق هرج بالميدان، أقلُّ الماً من
صاحبه، وهو يتكلم الينا، عن كيفية انحدار وارده اليومي،
بعد اجراءات حظر التجوال في يوم الجمعة، وغيره من الايام
اذ يقول: عملي هنا في هذا السوق، يتركز في يوم الجمعة،
وكذلك عمل الباعة الآخرين، ومنذ حظر التجوال، اصبحنا لا
نعرف ماذا نفعل؟! نأتي الى السوق صباحاً، لكن المتبضعين هم
قلة، من اهل المنطقة، والمناطق المجاورة لها اما سابقاً
فإن السوق كان يضج بالمتبضعين وماذا بعد؟
نريد من الحكومة ان تضع لنا حلاً، لمواجهة متطلبات الحياة،
ليس لدينا راتب تقاعدي، ولا وظيفة، وليست من جهة ترعانا
اين نذهب لا نداري؟!
مزاج باعة
الخضراوات
في جولة بين عدد
من باعة الخضراوات في المناطق السكنية شاهدنا اقبالاً غير
طبيعي عليهم، في ايام حظر التجوال البيع على المزاج، وبسعر
كيفي، طالما ان الاسواق العامة تغلق ابوابها، واكثر
العوائل لا تأخذ احتياطاتها لهذا اليوم.
فالنساء والرجال على حد سواء، يشترون انواعاً من (المسواك)
حتى بعض الانواع الرديئة، فإنها تباع في هذا اليوم.
الباعة رفضوا الإدلاء بأي تصريح لنا، وعلق احدهم قائلاً:
(خلصتو من الارهاب حتى تجون النه!)
ام محمد سيدة ثلاثينية قالت: انا مدرسة، ولا اشتري الاّ
كفايتي ليوم واحد، لذلك في ايام حظر التجوال، اشتري ما
احتاج اليه، من هنا.
* الا يوجد فارق في السعر بين الاسواق العامة، وهذه
الاسواق الصغيرة؟
- نعم هنالك فارق، ولكن هذا هو الموجود!
السيدة ام ثائر قالت وكانت تستمع الى حديث ام محمد: صحيح
هنالك فارق، ولكن بالإمكان هنا ان (نستنكي) الحاجة التي
نريد.
المتقاعدون وحظر
التجوال
لكل شريحة طقوسها
التي تمارسها في اثناء ايام حظر التجوال المتقاعدون وكبار
السن، بدشاديشهم البيض، ومسبحاتهم السود، يجلسون كل ثلاثة
او اربعة امام بيت أحدهم، يتناقشون في شتى الامور، بدءاً
من الحياة الاجتماعية في زمانهم، وصولاً الى الحياة
الاجتماعية والسياسية الراهنة.
هنالك من يفضل العهد الملكي على كل العهود، ويعتبره عهداً
ذهبياً، لا يتكرر هنالك من يفضل العهد الجمهوري ممثلاً
بعبد الكريم قاسم، وهو لا يتكرر ايضاً، وهكذا حدثنا احدهم
وهو الحاج عبد الله نجم، كان يعمل في التعليم وهو متقاعد
الآن، عن حظر التجوال قائلاًَ: حظر التجوال له محاسنه، وله
مضاره محاسنه منع الارهاب وابعاد شبح الموت عن الناس، ولا
سيما المصلين، أما مضاره فهي تعطيل الحياة ليوم كامل، ونحن
بحاجة الى ساعة واحدة، للعمل وبناء بلدنا من جديد ثم انهمك
مع جماعته في تبادل الاحاديث، وقبل ان نغادرهم احدهم قال:
هل توجد زيادة في رواتب المتقاعدين هذه الايام؟!
العوائل وحظر
التجوال
العوائل تلتجئ
الى القنوات الفضائية لتزجية الوقت، ما بين مشاهدة فيلم
سينمائي، او مسلسل تلفزيوني او حديث ديني فصاحب المولدة في
منطقتنا قال: ان الناس تريد زيادة ساعات تجهيز الكهرباء من
المولدات في ايام حظر التجوال، ولا سيما في شهر رمضان
ونحاول جهد الامكان ان نقوم بذلك.
عائلة السيد اسكندر، كانت منهمكة بإعداد الفطور مجموعة من
الاكلات والشرابت والحلويات، كانت تقوم بإعدادها السيدة ام
آية سألناها: كيف تقضين ايام حظر التجوال؟
ضحكت قائلة: في اعداد الفطور ومشاهدة بعض الافلام
السينمائية، على قناة روتانا. وقبل الفطور استمع الى تلاوة
القرآن الكريم، لدينا تسجيلات كثيرة بأصوات المقرئين.
السيد اسكندر قال: اقضي وقتي مع الاطفال اقرأ معهم دروسهم،
وقليلاً ما اتابع الفضائيات بإستثناء الاخبار فأتابعها
بدقة
* هل تجد ضرورة لمنع التجوال؟
- لا اجد ضرورة لذلك، وحظر التجوال يشبه المسكنات التي
تعطى للمريض، وليس العلاج المطلوب هو وضع امني مستتب وليس
منعاً للتجوال!
*هل يؤثر في عملك؟
-نعم يؤثر في عملي، لأني اعمل (سائق تكسي) اشعر بالضيق
احياناً، ولكن هذا هو واقع الحال!
ما البديل؟
سائق سيارة كيا عبر عن استيائه، من كثرة الايام التي يكون
فيها حظر التجوال سارياً وقال بعفوية: انقطع رزقنا بسبب
حظر التجوال، مرّةً تكون هنالك ازمة في الكاز، مرّة تقطع
الطرقات، وهذه المرة حظر تجوال.
انها محنة حقاً، ومعاناة جديدة تضاف الى معاناة المواطنين،
ولا سيما اصحاب الدخل المحدود، الذي يعملون بأجر يومي، او
اصحاب البسطيات والجنابر فهل هنالك خطة جديدة لدى الحكومة،
لتبديلها بحظر التجوال، من اجل ان لا تتضرر شريحة من
المجتمع، تحت لافتة حفظ الامن؟
المتضررون من منع التجوال، ليست هذه الشريحة فقط، وانما
الذين يعملون في الاسواق التي تفتح ابوابها يوم الجمعة
ايضاً.. |