المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

قهوة عربية في فنجان صيني

أ.د عقيل مهدي يوسف

في يومنا العصيب، يتدارك المتنورون، ما أصاب سلوك مجتمعاتنا البشرية من انحراف وأمراض، وظلم، بالرجوع الى بعض المفكرين المؤثرين في توجيه مسار الحياة، بما يضمن الحد الأدنى من كرامة الإنسان.
والاستئناس كذلك بتجارب حيةّ، ولكن يمكن الإفادة منها، بما يخدم واقعنا الاجتماعي، وان تنبع منه اصلاً، والشعوب صائبة في خياراتها الحقيقية، حين تكون بمنأى عن الظلمة والجزارين، الذين يقولونها، ما لم ترده من نفاق، ولكنها قد تضطر، لتفويت فرصها المطلوبة للارتقاء، وتذعن لسياط جلاديها، بسبب انشقاق ابنائها، وضياع إراداتهم، وانفصام وحدتهم هل يسهم الفن والثقافة على العموم، في تحفيز قدرات الإنسان، ودفعه لاتخاذ مواقف مسؤولة تجاه مجتمعه، ونفسه؟
ان الجانب المادي الذي يعيد تشكيل الطبيعة، يتوازى تماماً مع اعادة تشكيل روح المتلقي، والوضع الحضاري المتقدم مادياً، تراه متقدماً روحياً ولا محالة.
ولو اهتدينا ببعض افكار (فلسفة الأنوار) التي بحثها تحت العنوان نفسه (ف. فولغين) فاننا سنأخذ موقفاً مرناً بعيداً عن التعصب والانجراف وراء تقاليد ميتة، وعادات نتبناها بانها تعبر عن أصالتنا وما هي كذلك بطبيعة الحال، لاختلافها عن تطورنا الذهني والأخلاقي والسلوكي في هذا الزمان.
كان فولتير يرى ان قناة تجمع بين حربين، أو لوحة، أو مسرحية جميلة أو حقيقة ساطعة، هي أمور أهم ألف مرة من سائر سجلات البلاط واخبار الحروب. ولم يكن (فولتير) على هذا القدر من الحرية والثقافة في اعلان موقفه لو لم يكن واثقاً من نفسه، ومن حبه للآخر، مهما كان جنسه ومعتقده، فضلاً عن اطلاعه على حضارات الشعوب القديمة.
يعلق (لانسون)، ان فولتير بتجرعه القهوة العربية في فنجان صيني، رأى أفقه التاريخي، يزداد سعة ورحابة وهذا الأفق التاريخي الذي توافر عليه فولتير جاء من حرصه على معرفة الكلدانيين، والصينين، والهنود، ليستلهم منهم الدروس، وبالتالي سيخدم ابناء عصره، بمطارحات فكرية جديدة كما فعل ذلك بجدارة بينة.
المفكرون الكبار، دحضوا بعض الاوهام التي رفعت الى رتبة الواقعة التاريخية الراسخة، أو المقدسة، غير القابلة للدحض!!
ونتذكر معاناة المفكرين الاحرار، امثال سلامة موسى، وعلي الوردي، على سبيل المثال لا الحصر، ولا نريد ان نذكر اسماء معاصرة أخرى لانهم يفصحون عن مشاريعهم بشجاعة نادرة، ويتخذون مواقف اشرف من ان ينتقص منها دعاة الظلام، وكره الحياة، وهم يسيرون في شعابها نائمين!! ويبررون لانفسهم أشنع الجرائم بحجج مقبرية مسمومة تأكل الاخضر واليابس، انهم يشبهون وحوش لوزيانا التي قال عنهم مونتسكيو، حين يبغون الحصول على ثمرة يقطعون الشجرة من أرومتها حتى يقطفون الثمرة!! وهذا ديدن الطغاة والعصابيين أو حسب كلمات مونتسكيو، هو الحكم الاستبدادي.. ولهذا يطالب بترتيب الامور السياسية والحقوقية لضمان حقوق المواطن البسيط حتى تكون السلطة كابحاً للسلطة!! بمعنى فصل السلطات الثلاث وتحقيق عدم التدخل، لتدور عجلة الحياة بلا اكراه أو مصادرة.
ويصرخ مفكر حر مثل (ديدرو) بان الامة هي القائد الحقيقي لنفسها اما الذين يستولون على السلطة عن طريق العنف فما هم الا مغتصبون، ويصرخ ثانية: بئساً للملك الذي قد يزدري القانون وبئساً للشعب الذي قد يسكت عن ازدراء القانون. ويتلقف راية الحرية (دولباخ) فيخاطب الطغاة (يا أيها الطغاة لا رعية لكم الا من الجهلة) لان العنف مهما تمادى، غير قادر على الغاء حقوق الآخرين، أو تمويه الجرائم.
ويحذر دولباخ الطغاة، من محاولاتهم النفاذ الى نفوس المواطنين فيقول ان الشعوب لم تنصِّب الحكام عليها الا ليوجهوا افعالهم الخارجية ومن الحمق إذن ان يخول الحكام أنفسهم حق تنظيم الحركات الباطنية لعقول رعاياهم، والتحكم بها، ويسخر من حجب حرية المواطن، والتضييق على الصحافة، ومصادرة الرأي الضد، بحجة انهم قد يسيئون استعمال حريتهم، وهو امركما يقول لايقل سخفاً من استخدام الشموع تخوفاً من الحرائق.
قدم لنا شكسبير انموذجاً للطموح العاتي الذي يدمر الحياة، في شخصية (ماكبث) التي قادته اخطاؤه الدموية الى مصير ظلامي منحط.
ذلك ان الطموح يسعى وراء زرع الفوضى في المجتمعات المتذمرة، في حين ان الأنوار هي الوسيلة الأنجع لاتقاء شرّ العواصف، ويضيف دولباخ ان احترام التقاليد الأعمى، يجرد البشر من الجرأة اللازمة لوضع حد للتجاوزات وافعال تعسفية قديمة قدم الزمن، وللأسف نجد في مجتمعاتنا العربية، وفي مجتمعنا العراقي من يضع الخزعبلات والاوهام، تحت لافتة حقيقية له في حياتنا العامة والخاصة، لانه لا يعبر عن مصالحها وحاجاتها حتى ان الجوع يمكن ان يصبح موضع معرفة، كما يذهب هلفسيوس لانه يعلم المتوحش (البدائي) كيف يوتر قوسه، ويحبك شباكه، وينصب الشراك لفريسته.
ان الإنسان الحر عبر التاريخ، يقدم مآثره، لانه يدفع ثمناً باهظاً لمواقفه التغيرية، ولذلك تلازم المصائب، كما يلاحظ هلفيسوس بحق، الشرفاء، والذين يتحلون بفضيلة النزاهة، لما قبل البشر عن الفضيلة بديلاً!
بمعنى ان الشرفاء لا يكرمون غالباً بسبب رذائل مجتمعية، وعادات فاسدة مازالت تتحكم بنا، فالافكار الجديدة، مازالت كما كانت في الماضي، تحارب ومازالت الشعوب تعذب، فالبعض يريد انتزاع رضا السماء والارض، ويتبجح بتعذيب مع لا يفكر بطريقته الكهنوتية البغيضة، وهو لا يشك لحظة، بان الأفكار مكتسبة، وليست طبيعية، أزلية.
يكون الفساد شراً مستطيراً حين تدعو الحكومات المواطنين الى البحث عن الحقيقة، وهي التي لا تحتجم عادة عن معاقبة الذين يكتشفونها، مع ان الحقيقة من المنظور العقلاني، ومن منظور المصلحة الفعلية، تعود بالفائدة على الرعايا، وعلى الحكام على حد سواء.


الأدباء بين الإقامة والهجرة .. مَنْ يقف وراء هجرة الأدباء من جديد ؟!
 

محمد شفيق
كان الحلم يدفع بهم نحو مرافئ الوطن، ولما وصلوا، كان الوطن ركاماً، دفع بهم الحلم ثانية لبنائه، ووضع اللبنات في الجدران التي هوت، ويعيد الألق لكل شيء. اما الماكثون هنا، فكان الحلم ذاته يحدوهم، لقول اشياء مغايرة، ابداع قائم على حب يعم الوطن من شرقه لغربه، ومن شماله لجنوبه، لكن الجميع فوجئ بالموت يترصدهم، وكمامات اللامعقول تسد افواههم، وتلجم السنتهم، فبدأوا الرحلة من جديد، رحلة البحث عن اقامة في بلادٍ قصية، تتيح لهم القول والعيش. وهكذا نراهم واحداً تلو الآخر، يحملون حقائب الغربة، وهكذا نرى بقية أخرى منهم اختارت البقاء، متأرجحة بين القبول بأمل ينبثق في يوم ما، ويأس يصور لهم الحاضر قتاماً ..
الفريد سمعان: الكل يخشى!
انطلاقاً من هذا قمنا بهذا التحقيق مع عدد من الأدباء، وكان أول المتحدثين الشاعر الفريد سمعان الذي قال:
الكل يخشى على نفسه، الكل يبحث عن ملاذ آمن، وسط ركام الموت المفخخ الذي يلفنا من كل حدب وصوب، والهجرة الجديدة للأدباء تعكس خيبة الأمل لديها من الوضع القائم، وليس هذا فقط، وإنما الوضع المادي الصعب الذي مازال يعيشه، الأديب العراقي، هو سبب آخر لهذه الهجرة المضادة. وبما ان الأدباء العراقيين، لديهم الخبرة في العمل الصحفي (ربما اكثرهم) فان بامكانهم الحصول على فرصة عملٍ، توفر لهم عيشاً هانئاً في الدول التي يهاجرون اليها، ان هذه الهجرة تدعونا للأسف، لأن الذين يغادروننا أصحاب كفاءات، بإمكانها استثمار طاقاتها داخل البلد ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن!
محمد علوان جبر: وطني شوارع ملتهبة
اما القاص محمد علوان جبر ، فتحدث هو الآخر قائلاً:
انا لا استغرب هذه الحالة حينما أرى واسمع ومعي الجميع ما يحدث حولنا.. أكثر المهمشين هو المثقف.. واكثر المستهدفين بالموت هو المثقف. لم اسمع ولم أقرأ عن وطن باع مبدعيه أكثر من وطني.. لا أريد ان اكون مغالياً.. أو ناقماً.. فالشواهد كثيرة.. أولها وليس آخرها اعتقال.. القاص محسن الخفاجي.. حدث هذا طوال أعوام ثلاثة.. الشارع ملتهب وربما في لحظة تحاول ان تتنكر لما تكتبه وربما إذا عملت في مؤسسة ثقافية تحاول ان لا يعرف بك احد.. ما الذي تبقى إذاً .. آخر الأحداث.. وربما ليس آخرها اعتقال الدكتور قيس كاظم الجنابي. وهي اهانة مكررة ضمن اهانات كثيرة بحق المثقف والمثقفين.. فلماذا نستغرب هجرة الكتاب.. وطني.. شوارع ملتهبة.. ومنصات رماية الشاخص فيها المثقف.. وأكثر الأدلة هو الدستور.. لم اجد دستوراً في العالم، همش المثقف كدستورنا.. إذاً وفي ظل هذا كله، اجد ان الأمر طبيعي.. حينما استرجع معارفي التاريخية المتعلقة بالثقافة والمثقف في العالم.. اسوق حادثة.. حينما حرر ملف عن مواقف سارتر المناوئة للسلطة .. إذ قدمت مذكرة لديغول، تطلب منه الموافقة على اعتقال سارتر، انتفض موبخاً وزير داخليته: (هل تريدني ان أوقع على اعتقال فرنسا؟) ولا أريد ان أضيف شيئاً بعد هذا.
ابراهيم الخياط: لا يعرف الأدباء سوى العراق
اما الشاعر ابراهيم الخياط، فكان له رأيه ايضاً:
بعد المنفى الشاسع الرهيب الذي لجأ اليه اضطراراً عدد من أدبائنا بسبب تعسف النظام الدكتاتوري المباد، عاود الأدباء هجرتهم للأقاصي وللسبب ذاته، حيث بدأت البقايا المجرمة للنظام المقبور ببث الرعب ذاته في محاولة منهم.
كي يجعلونا نتباكي على ما فقدوه من عزّ وبحبوحة وسحت، وفي المشهد المرئي الراهن ظاهرة جديدة وهي هجرة الأدباء من المناطق الساخنة الى الأكثر هدوءاً بل رحل أدباء من مناطق لا يروق لسفهائها مذهب هذا الأديب أو ذاك رغم ترفع الأديب على انتمائه الطائفي وعدم اعترافه به فجل الأدباء أو كلهم لا يعرفون سوى العراق، عراق يا عراق، يا سبب الهجرة والإقامة.
عبد الحميد الجباري: انها خسارة
وقال الشاعر عبد الحميد الجباري عن الموضوع ذاته:
بعد انهيار النظام السابق، استبشرت المنظمات الثقافية واستبشر المثقفون، بان آلاف المبدعين العراقيين الذين اضطروا الى ترك وطنهم سوف يعودون الى الوطن ويسهمون في إثراء الثقافة العراقية، ولكن الذي حصل انهم لم يعودوا بسبب الاضطراب والمشكلات التي حدثت وتحدث كل يوم ويذهب ضحيتها المئات بل الآلاف من العراقيين، بل ان الطامة الكبرى ان الأدباء المتواجدين في العراق أو ما يسمى بادباء الداخل بدأوا بالرحيل عن الوطن بعد ان أصبحت حياتهم مهددة وصاروا لا يستطيعون نشر وكتابة افكارهم بحرية تامة دون ان يتعرضوا للتهديد أو القتل فأية مأساة وأية خسارة ستصيب المرفق الثقافي العراقي، اننا ندعو الصحافة ووسائل الأعلام الأخرى الى التنبيه الى هذا الأمر وإيجاد العلاج للحد من هجرة المبدعين التي ستجعل العراق بلداً بائساً فالبلد الذي لا توجد فيه ثقافة ولا مثقفون بلد بائس وهش ولا يستطيع الصمود أمام عوادي الزمن.
ولام العطار: ماذا نكتب ولمن نكتب؟
وكذلك تحدثت القاصة ولام العطار عن موضوع هجرة الأدباء من جديد إذ قالت:
في كل أرجاء المعمورة يحظى الكاتب والصحفي بأهمية استثنائية في التعامل والاحترام فهو في المقدمة دائماً لا أحد يتجرأ على مسه بكلمة تجرح إحساسه..
اما ما يحدث الآن فهو تهميش متعمد للأديب والصحفي ليعيش في هاوية الاغتراب.. الاغتراب البيئي والاغتراب الذاتي.. ماذا يكتب ولمن يكتب في هذه الفوضى في جميع مفاصل الحياة.. لذلك نرى ونتلمس في هذه الفترة الحرجة هذه ان الأدباء الذي جاؤا آملين من الوطن ان يفتح ذراعيه لهم، فتحت لهم فوهات البنادق لذا عادوا من حيث أتوا، أما في الداخل فالطامة الكبرى انهم يعيشون حالة التمزق الفكري والاجتماعي والمادي الكل يعيش في سجن كبير لا هواء ولا رأي ماذا يفعل؟.. أين المفر سوى التفكير بالهروب والهجرة؟!
فيما تحدث الشاعر والناقد حسين السلطاني عن هذه الظاهرة الجديدة قائلاً:
هجرة المثقف العراقي أصبحت ظاهرة سيسيوسياسية، وهذا يعني لابد من رصدها من هذه الزاوية والتعاطي معها بوصفها ظاهرة تدخر الكثير من الخطر، فغياب المثقف يعني من بين أشياء كثيرة الغياب الثقافي الذي يمثل ضمير المرحلة والناطق بهواجس الفكر وحاجات الإنسان، من هنا اجد من اللازم والملح بحث هذه الظاهرة ووضع الحلول اللازمة لا لإيقاف هجرة المثقف فحسب وانما عودة كل مثقفينا من منافيهم لزيادة رصيد الفكر العراقي وان يعامل المثقف بوصفه صاحب رؤى وتصورات أعمق من تصورات السياسي الذي يقع على عاتقه تهيئة كل الأجواء التي تساعد المثقف العراقي ليأخذ دوره كاملاً في نقد السياسي وترصين البنى الاجتماعية والثقافية ووضع كل الأنساق التي تمثل بطانات الفكر الأيديولوجي تحت مجس الثقافي وكل هذا من اجل بناء وطن من اولى علامات رقيه فعالية المثقف، تلك الفعالية المكشوفة والمفتوحة على آفاق من الحرية والعدل والمساواة وقبول الآخر وكل المفاهيم الإنسانية الأخرى.
الشاعر منصور الريكان كان له رأيه في هذا الموضوع:
ان من دواعي حزني ان أرى الأدباء يهاجرون ارض السواد، اما المهاجرون قبل هذا الوقت فانهم لا يعودون، لقد ملوّا الحياة نتيجة لتعرضهم لانواع الاضطهاد، أقول نعم ملّوا من الحياة المليئة بالمفخخات وجحيم الحزبيات والتسلط وهنا في داخل الوطن أرى ان الاديب لا يجد متسعاً من الحرية للكتابة وكأن هنالك سيوفاً مسلطة عليه وخوفاً من القمع والاغتيالات التي طالت الأخضر واليابس، إذن ما العمل؟
وهذه المرة بدأ أدباء الداخل يغادرون ارض الوطن بحثاً عن الأمان، نحن الآن في شريعة الغاب التي جعلت القوي يأكل الضعيف، أهذا هو المنطق؟ نحن ازاء حملة شعواء من المنطلقات الطائفية والشوفينية التي لا تخدم البلد، دعوا الاديب يعبر عن رأيه من اجل بناء الوطن وخدمة للمصلحة الوطنية الكبرى، ودعوا الأديب ينعم ببلده ومحاولة ارجاع هذه الثيمات الأدبية الكبرى ان تعود في سبيل إعلاء أسس الديمقراطية إن وجدت.
وكان آخر المتحدثين الشاعر والصحفي هادي الناصر:
في كل يوم تفرقنا مأساتنا بين راحل الى دكة الأبدية وبين مخطوف وبين مقتول في ضيعة الرصاصات التي تستهدف الأبداع، فما الذي حصل؟ وما الذي تغير؟ العشرات بل المئات من أدبائنا الذين كوتهم نار الاستبداد وفضلوا الذهاب بعيداً في منافي الأرض للبحث عن الخلاص، واعتقدنا انهم يعودون الينا بعد انتهاء هذا الكابوس، وهذا لم يحصل باستثناء عدة اسماء لا تتجاوز أصابع اليد ارتأت العودة الى التنور العراقي، اما البقية فما كان منها سوى القيام بزيارات سياحية، وما ان لامست وجوههم الباردة سعير التنور حتى عادوا دون التفكير بشرف المحاولة مرة أخرى، اما الراحلون الجدد اولئك الباحثون عن فسحة أمان خارج حدود الوطن، فان لهؤلاء قولاً كثيراً لا يسع المجال الى ان نذكره في هذه الوقفة، اعتقد ان الابداع الحقيقي هو ذلك النابع من صلب المعاناة والمبدع الحقيقي هو الذي يعيش الألم.


اصدارات جديدة
 

كتابان مسرحيان
صدر للكاتب المسرحي يحيى صاحب، كتابان مسرحيان الأول جاء بعنوان "شجرة النار" ضم مسرحية شعرية واحدة حملت عنوان الكتاب، اخذ ثيمتها من التاريخ العراقي القديم، ثيمة الصراع بين الخير والشر، مستخدماً الشخوص التاريخية التي وردت في التاريخ المذكور.
أما الكتاب الثاني، فجاء تحت عنوان ثلاث مسرحيات شعرية، وهي 1- قدح السم، 2- ركلة حمار، 3- على مائدة الضبع، استوحى ثيمتها من حوادث تاريخية معروفة، مثل حادثة موت سقراط، بشربه السم، وكذلك تعريجه على التاريخ اليوناني القديم، الذي كان زاخراً بالاحداث الكبيرة، وبالعلم، والفلسفة والمعرفة.
والكاتب يحيى صاحب، كاتب دؤوب، يسعى لخلق رؤية جديدة في الكتابة المسرحية، من خلال الموازنة بين الأحداث التاريخية، والاحداث المعاصرة، خلال اربع وعشرين مسرحية شعرية، منها الحسين ابداً، وتموز، والمستنقع، وقبعات لشمس العصر وطاووس.


تعقيباعلى (ظلال المرأة في كتابات مناصريها) .. برودون و(النقص) التكويني في المرأة

جودت جالي

أن التفاتة السيدة فاطمة المحسن العامة في مقالها المعنون (ظلال المرأة في كتابات مناصريها) والمنشور على صفحة ثقافية المدى الغراء في عددها 775 الصادر يوم 23 أيلول 2006 الى هذه المسألة الشائكة تفتح أبوابا كثيرة لأبداء الرأي والمراجعة التاريخية ، وتعقيبي هو إضافة معلومة تاريخية ربما لم يتسع المجال للسيدة الفاضلة الإشارة أليها مادامت قد ذكرت من التأريخ الفرنسي موقف جان جاك روسو أذ توجد في هذا التأريخ حالة أكثر أثارة وقد يعدها البعض في غاية الغرابة تؤطر مواقف مثقفين تقدميين في مرحلة حساسة ونوعية من تأريخ فرنسا. لكي نضع الأمور في مواضعها ضمن الإطار المناسب نلخص الحالة الاجتماعية والطبقية آنذاك تحت حكم الإمبراطورية الثانية أواخر القرن التاسع عشر ففي حين كانت نساء الطبقتين البرجوازية والإقطاعية يقضين الليالي الحمر يرقصن الفالس بين أذرع رجال علية المجتمع ويرتدين الفراء وفساتين الحرير والكشمير المطرزة بالدانتيل والتي قد تبلغ أذيالها أمتارا ويصل ثمنها الى 10000 فرنك آنذاك فأن نساء الطبقة الكادحة اللواتي يخطن ويطرزن لهن ثيابهن ويرتبن باقات الزهور التي كانت صناعتها رائجة وتصدر منها فرنسا الى دول العالم (!) كن يعشن في عالم مختلف مع عوائلهن داخل الأحياء المعزولة التي أشرف على تصميمها البارون هوسمان ضامنا بذلك دفع (الرعاع) بعيدا وفض التداخل والتجاور الذي كان مألوفا بين الأحياء في القرن الثامن عشر ليضمن توفير إنذار أمني مبكر بعد تجارب ثورات الكادحين المتتالية. لم تكن توجد فئة اجتماعية مدمرة ومستغلة أستغلالا مضاعفا الى مالانهاية بقدر النساء ولذلك وصل حس المرأة الطبقي الى الذروة وتصدرت ليس النضال من أجل حقوقها فقط بل والكفاح الطبقي كله فقد كان عدد النساء يفوق عدد الرجال بسبب موتهم في الحروب والانتفاضات وغير ذلك وبسبب نزوح نساء الريف الى المدن للعمل في المصانع بأجور أدنى من أجور الرجال وقد شجعت البرجوازية هذا لزيادة ثرواتها (يذهب عدد من المؤرخين الى أن سببا رئيسا لفشل الثورة الفرنسية الكبرى في القرن الثامن عشر كان عدم تقدير قادتها لدور المرأة في دعم الثورة وبالتالي لم يمكنوها من هذا الدور). نورد جردا حسابيا بسيطا.. كانت أفضل المطرزات تتقاضى 3,5 فرنك يوميا والنساجة من 3 الى 4 فرنكات ولكن أغلب النساء لم يكن قادرات على كسب عيشهن ألا بالطريقة التي أكسبت باريس سمعتها العالمية (الدعارة) فبعضهن لم يكن تستطعن كسب أكثر من 0,5 فرنك من عملهن في الوقت الذي يمكن للبغي أن تكسب 6 فرنكات يوميا. كانت توجد أكثر من 112000 عاملة في مجال الصناعة اليدوية والخياطة وصنع الأزهار قد لايتجاوز صافي متوسط الأجر السنوي لإحداهن 500 فرنك على شرط أن لاتغيب أو تمرض ! لكن يجب أيضا تأمين السكن ولأن المحترم هوسمان قد هدم المجمعات السكنية الرخيصة والقريبة من مواقع العمل فقد أضاف على كاهل العمال أعباء جديدة. الأجر للشقة الحقيرة في الطابق العلوي من عمارة على الضفة اليسرى من نهر السين يكلف حوالي 120 فرنكا وعلى الضفة اليمنى 150 فرنكا وإيجار (الغرفة) قد يصل الى 40 فرنكا وتكاليف الملبس تذهب بحوالي 115 فرنكا ، وهكذا أذا عصرنا هذه التكاليف وغيرها عصرا فلن يكون المجموع أقل من 275 ويبقى حوالي 225 للطعام تكفي لعدم الموت جوعا فقط وعليها أن تحرص على أن لاتتجاوز مصاريف الطعام نصف فرنك يوميا فإذا حدث طارئ أو مرض كانت المحنة الكبرى. كانت توجد هناك جمعيات نسائية خيرية يمكنها توفير عمل بربع الأجر الاعتيادي للعاطلات. تعمل المرأة مضطرة تحت هذه الظروف 14 ساعة يوميا خصوصا أذا كانت تعيل أبوين شيخين أو أطفالا ترك الزوج عبء أعالتهم عليها ليذهب لتبديد نقوده (أن كان يعمل) في الخمارة القريبة (لينسى هموم الحياة) ! يمكننا الاسترسال في كشوف وجرود طويلة عن الحياة الاجتماعية آنذاك ولكننا نختصر ونقول أن المرأة صهرت طبقيا في هذا الجحيم وبعد أن كانت توجد جمعيات نسوية ونقابية خيرية للمرأة تقودها مثقفات برجوازيات خرجت طليعة جديدة من العاملات اللواتي أكتسبن بعض الثقافة ومن فئة المعلمات والموظفات من الطبقة الوسطى الدنيا اللواتي كن يعتبرن بروليتاريات بملابس لائقة رفضن المصير الكلاسيكي للمرأة بالزواج وحضانة الأطفال فكان شعارهن (أول الفضائل التضامن) معارضات بذلك المفاهيم التربوية الاجتماعية والدينية عن المراتبية المألوفة للفضائل والطهر وغير ذلك ، ولم يكن للأحزاب السياسية وقادة الفكر والحركات السياسية أن يهملوا هذه القوة الجبارة لكن الاهتمام كان على درجات متفاوتة تصل أعلاها عند قادة مثل ماركس وسان سيمون وكابيه وفورييه الذين أعلنوا أن النساء ((كالبروليتاريا لهن الحق في أن يعتبرن كائنات بشرية تنعم بالمساواة والحرية)) مع ذلك فلم يستطع الشيوعيون والأشتراكيون تثبيت قرارات ذات قيمة بشأن المرأة في القسم الفرنسي للأممية لأن مفكرين وقادة أشتراكيين آخرين مثل (برودون) كان لهم تقييم آخر لوضع المرأة ومدى أهميتها في النضال.
كان برودون أصلا كارها لعمل المرأة ويفضل أن يكون مكانها تحت رعاية الرجل ويعتبر أن دخول المرأة الى ميدان العمل يضيف تعقيدات الى الوضع الاجتماعي غير محمودة ولعله كان يأخذ بنظر الأعتبار كذلك العواقب الأخلاقية على الطبقة العاملة مايجعل هذا المفكر التقدمي نموذجا شرقيا تقليديا في هذا الجانب ، وكان برودون أكثر المفكرين الفرنسيين تأثيرا وأبرزهم في تلك الفترة ولكن للتأريخ وللمجتمع قوانين تطور لاتخضع لرغبات هذا المفكر أو ذاك. يبين تفصيلا في كتابه (الحب والزواج) النقص التكويني الثلاثي الذي يراه في المرأة من الناحية الجسمانية والعقلية والأخلاقية ، فمن الناحية الجسمانية المرأة ليست سوى أداة تكاثر وبالنتيجة فلن تستطيع الصمود في المجتمع دون حماية أب أو أخ أو زوج (ولابأس عنده في أن يكون الحامي بصفة حبيب طبعا). وبصيغة حسابية يعرف وحده قانونها يبين أن درجة الكمال الجسماني عند الرجل 3 في حين هي عند المرأة 2 ، ومن الناحية العقلية فأنها لاتقوى على مواجهة (التوترات الدماغية) وهذا الخلل يمتد أثره ليس فقط على نوعية عملها بل على استمراريته وفعاليته. والمرأة من الناحية الأخلاقية لها نفس مرائية مراوغة لاتظهر صوابا في الحكم على الأمور ولاتملك نظرة ناقدة وليس لها القدرة على الابتكار بمعزل عن الرجل. أن المرأة أذا أخذنا برأي برودون ليس لها مصير سوى أن تكون مربية أو محظية والزواج وحده الكفيل بأنقاذها من حياة العهر. الحقيقة أن تنظير برودون هذا لم يأت في المكان والزمان المناسبين في مجتمع أوربي فرنسي تجاوزت الحياة فيه هذا الطرح ولم يعد ينطوي على أية معقولية حيث حياة المرأة على ماذكرنا من قسرية تواصل السعي لاهثة خلف توفير لقمة العيش. لم يمر كتابه بسلام فقد تعرض الى سيل من الانتقادات من مثقفين رجالا ونساء وتعرض لأشد سخرية من الناشطات النسويات وخصوصا ماجاء فيه من آراء نصح للشاب الذي يريد الزواج ((أن كنت راغبا في الزواج فأعرف أن أول ماعلى الرجل فعله هو السيطرة على زوجته..)) و ((أذا كانت زوجتك ذات ثروة ومال فيجب أن تكون أقوى منها أربع مرات..)) آراء غاية في البعد عن مفهوم الاشتراكية !
أن الثقل الاجتماعي للمرأة سمح للنضال النسوي أن ينطلق ليس بصفة تبعية للنضال الطبقي بل أنطلق مباشرة من ميدانها الخاص رافضة أن ترتبط بالقيادات السياسية المعروفة محققة حركة مستقلة فعالة في المعارك المقبلة.. ولكن هذا حديث آخر.


الخطاب الروائي وإشكالية الانفلات السردي .. قراءة في رواية " التل " للكاتب سهيل سامي نادر
 

زيد الشهيد
غيرُ مُجدٍ الحديث عن الجهود الصادقة المسكوبة ، والوقت الوفير الذي يسفحه خالق الخطاب وباعثه من أجل أن يضع أمام ذائقة المتلقّي صحناً جاهزاً لوليمة مفرداتية وفكرة رسالية لا بدَّ أنها شغلت توجهَه الفكري وألحت عليه لزمن لا يمكن حسبانه .. وغير منصفٍ مَن وقف أمام حاضرة أدبية ؛ تملاّها وأنزل تطلعاً وقراءةً وجهداً ليقف بعدها فيلغي الصرح والبناء والهيكل ؛ لأنَّ جهدَ الكتابة فعلٌ احتراقي يأخذ من المبدع سنواتَه وأيامَ اشتياقه وساعاتِ ارتياح يصرفها الغير في هناءة اللحظة . لكن الإبداع يستدعي تهيئة مستلزمات البناء والتقديم بمثابرة تلفت الاهتمام لتدفع المتلقّي لإبداء الإعجاب ، وإظهار الدهشة، وتقييم العمل على أنّه يستحق الاحتضان والتواصل معه في تواليات الوقت والأيام .
وفي خطابٍ عسير ومُرهِق كالخطاب الروائي لا بدَّ من خائض العمل وداخل الغمار أنْ يضع في الحسبان جملة المتطلبات والمستحقّات التي يستدعيها مشروعٌ ضخم وكبير فيحسبه مغامرة ويستعد له كامل الاستعداد . فخطابٌ كهذا حياةٌ لها مبتداها والمنتهى / فيها الساحة الوسيعة والسهب المفتوح / عليها تجري أحداث منبثقة من غمار ومتشابكة في تشعّب ؛ متكرّسة في بنى وتشابكات معقدة ، يتداخل في منعطفاتها خلقاً وتأثيراً شخوص لهم بصماتهم وآثارهم ، سلوكهم وتصرفاتهم . أفعالاً يؤدّونها فيغيروا المسار المألوف ، ويهتكوا ستر الرتابة ؛ فنرى إلى انعطاف خارق يفتح في ذاكرتنا درباً خارقاً / خاصّاً ؛ لا تمحوه فاصلة ولا يغيّره حدث ؛ فنقر إعجابا إنَّ العمل المقروء يستحق أن يرتفع قمراً في سماء الإبداع وصوتاً متميّزا في بريّة الأدب .. نقدّم هكذا استهلال لندخل رواية عراقية عربية صدرت العام 2003 تحمل عنوان " التل " ؛ تبدأ بالصفحة " 5 " وتنتهي بـ " 354 " وبالحجم الكبير ؛ أي أنها عمل روائي ضخم بثلثمائة صفحة ، وأنها لا بدَّ أن تشكل رحيلاً بانورامياً تتفجّر فيه الأحداث وتتلاحق ؛ تتواجه الشخوص وتتصارع يتّضح وجود المكان ويُكتشف فحوى الزمان . فهل اتصَّفت رواية " التل " بهذه المواصفات ؟ وهل أوفت لخالقها حقّه في إرضاء القارىء ؟
يستهل الخطاب وجوده براوٍ عليم يحكي بصوت " الأنا " ويسرد ليخبرنا بما عنه وما له فنتعرف عليه منقِّب آثارٍ صرف العمر في مهمّة اكتشاف آثار دفينة لحضارات سادت على الأرض العراقية وطويت تحت ركامات الطين والأزمنة المتوالية ، يشفع له حمله لشهادة الدكتوراه في علم التنقيب ؛ لكنّه منقسم _ وهذا ما يدلنا عليه مسار الأحداث _ بين محورين تتأرجح أفعاله وانفعالاته بينهما ؛ حتى وهو يخوض عمر الستينات ويواجه ضربات عوارض الأمراض في هكذا عمر .

المحور العائلي وضغوطات الهموم الذاتية
ينفتح المشروع الروائي باستهلال زيارة البنت " ليلى " لأبيها وهو في حالة توحّد مع الذات . يعيش الوحدة منفصلاً ، ويقارع حفنة الأمراض في بيتٍ الوحدة . ونكتشف أنَّ ليلى هي الخيط الباقي يربطه بمطلّقته . عنها يعرف الأخبار ، ومنها يستشف حالة الوالدة المزاجية ؛ وهو مغمورٌ بهموم تختلط حتى تصبح هاجساً يوميا يفوِّت علينا نحن القراء رغبة معرفة ثمار جهوده التنقيبية ؛ إذْ يمر ما يزيد على المئة صفحة من الرواية أي ثلثها ولا نعرف من الجهود سوى نصب خيمات وحفر في تل _ نعرف بعد طول هذه الصفحات أنَّ اسمه " تل الزعلاّن " _ فلا ساهم السارد الدكتوراه في نثر الأبجديات المعرفية بموقع التل والحقبة التي يعود إليها ما مطمور في جوفه ، أو القوم الذين سكنوا وتأهلوا وأقاموا ثم اندثروا ؛ وما هي مساهماتهم الإنسانية في بناء صرح التاريخ وتراكماته . بل أخذنا إلى تفاصيل لا تتعدّى حركة هذا المنقب وزعله مع أقرانه ؛ أو انهماك هذا المنقب في إعداد الطعام بعد عودته من الحفر ؛ أو ديدن الراوي في أداء طقسه اليومي في شرب الخمر الذي ينقله إلى عالم ليس له صله بالتنقيب سوى عودة الهموم الاجتماعية مع مطلقته التي يعرض لشخصيتها فيطرح امتعاضه من سلوكيتها كزوجة كانت تحاول تثبيت دعائم التسلط داخل البيت وهو ما أدى به إلى الانفصال عنها ، لكنه يعترف بقوة شخصيتها واتزانها والسعة الثقافية التي تتحرك على مساحتها ، ولا ينسى دخوله إلى مضمار وجودها الوجداني فيرى إلى طيبتها وذكائها وجمالها ومخيلتها " كانت لهذه المرأة قوّة جبارة ورغبة عارمة في السيطرة . أخلاقيات خشنة ، وكبرياء مجنون ، وتنمِّر، ورغبة في الدخول إلى سباق . كما كانت طيبة وذكية وجميلة ، وذات مخيلة ، وتعرف لغتين ؛ لكن لسبب ما فضَّلت إن لا تعمل محوِّلة اهتمامها إلى بيتها ." ص84 ولا تنأى ابنته حلقة الوصل عن الذاكرة فهي تعود إليه عندما يعود إلى " الكَرافان " الذي يشكِّل مسكنه ومنامه بجوار تل التنقيب فنعرف من خلال تلك العودة التذكارية إلى أنَّ ابنته طالبة في كلية الطب وأنَّها متحضّرة عصرية ، فقد جاءت بصديق لها إلى البيت لتقدمّه له - لأبيها _ لا كحبيب تدخل وإيّاه نطاق التجربة والتفاهم الغربيين ؛ بل ببراءة مائية نقية أتت به ذلك أنّه يمارس هواية الرسم وعملَ العديد من" السكجّات / النماذج " ليعرضها على أبيها كي يحصل على ملاحظات تقييمية وتقويمية لعلمها بابيها متذوقاً في الفن التشكيلي يتابع أنشطة الرسامين وله معرفة وسيعة بنتاجاتهم في حقل الفن والإبداع .. وفي موقف آخر ينم عن ثقافةٍ لا تعُر أهمية لمتطلبات العلاقات الاجتماعية السائدة ، أي لا تعطي اهتماماً للقيود المتوارثة يكتشف أنَّ ابنته _وكإحدى بواعث الحضارة وتفاوت الأجيال _ تدخن السجائر ، وأنها في إحدى زياراته طلبته منه سيجارة لتدخّن لأنها شعرت بحاجةٍ لها . ولا نلمس ردّة فعل سلبية تجاه هذا الطلب أو السلوك ؛ إنَّما الأكثر من ذلك قرر عدم إخبار أّمها بالموقفين السابقين ( زيارتها مع الصديق ؛ وتدخينها السجائر ) ؛ الأم التي تسلّمَ منها قبل حين رسالةَ قلقٍ يبوح فحواها عن سلوكيات غير عادية لابنتها ، وتصرفات لا تتفّق ورؤية الأم ." تحدّثنا طويلاً عن أشياء مختلفة ؛ وفاجأتني بطلبها أن أسمح لها بالتدخين . وأفهمتني أنها لا تدخّن غير ثلاث سكائر في اليوم بعد الطعام والشاي ، وإذا زادت فخمس . وبررت الأمر بصعوبة الدراسة التي تحتاج إلى .. جو.. إلى دخان " ص127 . والزوجة الأم تتواصل ولو بطريقة الرسائل لا لتشكو حالتها أو تعرض رغبتها في العودة إلى الحياة الزوجية وإنّما لكي ترى في ابنتها النموذج الذي تريده . وتُقر الأحداث بورود رسالة مستعجلة للدكتور الذي سنعرف اسمه بعد عشرات الصفحات بأنّه " فؤاد " تخص " ليلى " الابنة ، وسنكتشف مع الأب أن ثمّةَ ورم أسفل أحد ثدييها وأنّه يحتاج لعملية جراحية . وخلال وجوده معها سيدفعنا السارد إلى تضئيل المسافة في الشأن العاطفي بينه وبين ابنته عندما تسأله عن الحب ، تسأله كان ثمّة حبٌّ يربطه بأمها فلا يُفاجأ بالسؤال ، ولا يُظهر امتعاضاً أو خجلاً : " إنها المرة الأولى التي نتكاشف فيها . ها هي كبرت وتسألني عن الحب .. تسألني السؤال نفسه الذي أدرته في راسي حيال أمها . " ص236 . ثم يدخل في تداعٍ يعرض رؤيةً فلسفية تترجم تشاؤمية نابعة من أعماقه إمّا من تجربته الفاشلة في الحب والزواج أو نتيجة قربه من الآثار والمخلفات لأناس عاشوا فما داموا لأنَّ الموت يتربص بآمالهم وغاياتهم فيقضي على أبجديات الحياة ومنها " الحب " فيقول عنه :" يُستنزَف بالسلوك ، والبعض منه جنون محض ؛ نثقله بالمطالب والافتراضات والتوقّع ، نثقله ونميته حين لا نعود نثق بأنفسنا ولا بمن نُحب . ولأننا غير أحرار اعتدنا الأقنية السرية المريبة فلا شك أن الحب ينزل معنا إليها . وهناك ارض صابونية وطين .. فماذا نتوقع ؟ لقد ألغمت الحياة بالريبة وما عاد أحد يصدق أحدا . فإذا أحب المرء خاف من المحبوب وعليه ومن الدنيا ؛ وأكثر من ذلك خاف من سعادته فيحميها بالأسوار ، فإذا هي مقبرة " ص236 .
وفي توالي مسار الرواية تدور حركة علائق اجتماعية تقليدية لا تشي بمنعطفات يمكن أن تشكّل ظاهرة يقف عندها القاريء لسبر فعلها وتأثير حدوثها ؛ فقد توفي والد مطلقة الراوي بعد اتصال هاتفي طويل من مطلقته تعطي إخباراً بحالة اقتراب الوفاة . والوفاة تحدث أمام ابنته التي تواجه أول حالة للموت فيصيبها الإعياء والإرهاق مع علمنا أنها طالبة في كلية الطب ؛ والطالب في هكذا كلية يرى الموت يومياً ؛ بل ويقف أمام جثث الموتى لتشريحها كأحد الدروس في مراحل الكلية الطبية . وهنا يدخل في دروب التداعي فيطرح مسألة الموت كإشكالية تشغل الفرد البشري وتقض مضجع طمأنينته .
وبعد عديد المواقف التي لا نريد الدخول في تفكيكها وإلقاء ضوء نقدنا الذي يكشف برود الأحداث وعموميتها ابتداءً من توزيع ارث الميت والمماحكات التي تحدث بين الورثة ؛ تلك المواقف التي شبعت منها المسلسلات العربية في التلفاز وملّتها الأقاصيص والروايات البعيدة الزمن ... وترسينا آخر الرواية على شعور المطلقة بالندم واعترافها بأنها كانت تملك كبرياءً متضخمة وأنها أثقلت عليه مثلما هو لم يكن يُبدي اهتماماً بها خلال حياتهما الزوجية .. وكأي مسلسل تقليدي يقرر الدكتور فؤاد العودة إلى مطلقته فينهي الرواية بفقرة رومانسية تنسينا عمره السبعين :" قمتُ من مكاني بمعرفة هادئة بنقاهتي القديمة التي لا تنتهي واتجهت إلى الهاتف . كان في قلبي كلمتان : أحبك ! احتاجك ! " .

المحور التنقيبي وتمفصلات العمل
يُكلّف الدكتور فؤاد بمهمّة التنقيب بفحوى تل لاكتشاف موجوادته ، وما تُركَ بين طيّات أتربته فيعهد لمجموعة من العاملين معه سابقاً كالمنقّب زهير والمشرفين برهان وحسن وصباح . ويبتدىء العمل ، ونروح نحن القرّاء في دوامّة السرد المُتعَب والغموض الذي لا يفقه سرّه سوى السارد فعلمه في صدره ؛ لكأنّه لا يريد إطلاعنا عليه ؛ وهذه إحدى مثالب القص .
حين ينتفي الشد والإقناع ، ويفشل مرسل الخطاب في إيصال رسالته تصبح المهمةُ التاريخية نفثةَ هباء ، ويستحيل المتلقّي صوتاً رافعَ عقيرةً تُقر بالانزعاج وفقدِ الوقت هدراً ؛ وصوت يردد قول ذلك القائد الذي ارتأى نابليون أن يبقيه تحت سلطته لا أن يذهب ليصبح ولياً لعهد إحدى الولايات :" لقد خُلِقتً لتكون آمراً ، لكنني لم أُخلَق لأكون مطيعاً " .
ينهمك المنقّبون والعاملون معهم ويبقى هو متأرجحاً بين عمله الذي لم يجد فيه بعد هذا العمر الطويل نفعاً وبين أخبار تأتيه من مطلّقته تطرح عليه ما تعانيه من بنت آخذة بالابتعاد ، فالأم تشكو من سلوكيات تراها غير اعتيادية ولا تمت للعائلة وتصرفاتها بشيء ؛ وهو بحكم درايته ينحو هذه الشكوى لسببين أولهما أنَّ الأم بدأت تغار من حيوية ونشاط وجمال ابنتها والثاني أنها لا تفقه سر تغير الزمن فهي تريد الابنة صورةً لها وهذا محال ... وسنكتشف بعد انصراف نصف العمل الروائي أن المنقبين يكتشفون مخطوطات وضعت بطرد " والطرد عُملَ من طينةٍ نقية وذو مظهر صنعي فاخر لونه اصفر فاقع بسمك ثمانية سنتمترات وطول خمسة وعشرين سنتمترا أُغلق بسدّادة فخارية لونها احمر . وبينما استغرقنا طويلا في معالجة فتح السدادة مخافة أن تُكسَر والطرد كانت التوقعات تتقاذفنا ، فشبهة الدفن والشكل الصندوقي أرجعا في خيالاتنا قصص العجائز البخيلات اللائي يدفن كنوزهن لكي يستأثر بها الضياع . لم يدر في خلدنا أبداً أن لقيتنا لم تكن إلا كتاب ( البيان والتبيين ) لعمر بن بحر الجاحظ ."ص176 .. من هنا ندرك أنَّ التل الذي ينبغي أن يكون قد دُرسَ وجُمِعت عنه المعلومات يعود لحقبة ما بعد الإسلام . من هنا نقول أنَّ على صانع الخطاب ومنجزه إعطاء خلفية تاريخية للتل في أُولى الصفحات وربطه بمعلومة تُعرِّفنا بالأقوام التي عاشت على الأرض ؛ كذلك موقع التل من خارطة الوطن ليكرّس في الذاكرة الحقبة ، ويرسمها المتلقي بريشة خياله ؛ هل كان لعهدٍ سومري أم بابلي أم آشوري أم إسلامي ..الخ ؟
ثم يُدخلنا السارد في رواية المخطوطات المُكتشَفة وقراءتها ، وهو توجّه أراد منه زيادة معرفتنا وإطلاعنا على تراث غني بمفرداته ومرجعياته ؛ أشكاله الحكائية ومضامينه الفكرية . فجاءت قراءتها على لسان " حسن " ، احد المنقّبين في إحدى الزيارات لبيت الدكتور فؤاد حيث المخطوطات في عهدته ، وبعدما اتجّه حسن اتجاهاً دينيّاً روحيّاً وتغيّر ملبسه ومظهره ما أثار دهشة الراوي حينها . يقرأ حسن المخطوطات الواحدة بعد الأخرى وكأنَّ صانع الخطاب يريد إقناعنا بضرورة الانتباه للقارىء . وهو انزلاق فكري ما كان عليه أن يعرض المخطوطات بهذه الطريقة الخداعية وكأنَّ القارىء طفلٌ يريد أنْ يمرّر عليه ما يبغيه .
ويستمر السرد في هذا المضمار ؛ ويدخلنا السارد في عملية البحث والتنقيب بما لا نرى فيه نفعاً ولا فائدة سوى أنّه يعرض بعضاً ممّا يُكتشَف كمخطوطات تشير لنُسّاخ بعض من أبواب مؤلفات الجاحظ . ويقحم الخطاب بشخوص ليس لها التأثير في مجرى الإحداث فيصرف الصفحات الوفيرة على تصرفاتهم وسلوكياتهم وحركاتهم التي أراد صانع الخطاب منها كما يبدو إضافة روح الدعابة ليس غير . وفي النهاية تنتهي مهمة كشف التل واستحالته أرضاً منبسطة في يباب حيث اختتامك الفعل والمهمة في هجير صيف ساخن .

الخطاب واشكاليته
لا شكَّ أن الخطاب الروائي هو رسالة ثقافية معرفية ، يُراد منها إضافة معرفة وزيادة ثقافة ، وإلقاء ضوء على حقبة زمنية لشخوص وطرح تفاصيل لمكان . ورسالة كهذه تصبح مهمّة خطيرة ينبغي تتبّع خطوات تنفيذها لأننا سنضع عملاً خطابياً مدوناً ستتلقَّفه آلاف الذائقات ، وتتطلع إليه الأعداد التي لا تحصى من العيون الفاحصة المتبصّرة التي ستقول عن نهاية كل عمل أين الدلالات ، وما هي المدلولات ؟ .. ما الذي يريده مرسل الخطاب وما الذي أردناه ؟
إننا في رواية " التل " نقف عند رسالة تسرّع المُرسل في إرسالها ؛ وكان عليه إعادتها فقد تغدو الصفحات الثلثمائة والخمسون مائة وخمسين فقط لتدخل مضمار الحركة الروائية باتزان ورفل وخيلاء لنبدى اعجاباً ودهشة ، ولنضيفها إلى زمرة الأعمال الروائية الناجحة التي تترك أثراً حفرياً على جدار الذاكرة الجمعية ...
هل أبدينا قسوة ثقيلة على " التل " ؟!
إنها العفوية التي ساقت الذائقة ودفعت القلم ليخط على القرطاس .


الموسيقى رسالة محبة وسلام ووئام

علي ياسين - بغداد

برعاية وزير الثقافة الدكتور كمال اسعد الهاشمي، اقيمت في العاصمة بغداد على قاعة مسرحها الوطني احتفالية كبرى بمناسبة اليوم العالمي للموسيقى، شاركت فيها فرق موسيقية واخرى طربية، منها: الفرقة السمفونية الوطنية العراقية، مدرسة الموسيقى والباليه، فرقة منير بشير، بيت المقام العراقي، فرقة الموشحات والاناشيد العراقية فرقة انغام الرافدين، معهد الدراسات الموسيقية، فرقة بغداد، للموسيقى العربية، اذن احتلفت بغداد مثلما احتفلت عواصم الدنيا بهذه المناسبة برغم جراحها وحرائقها وما يحيق بها من مخاطر العنف والارهاب وما ابتليت به من افكار ظلامية وافدة، احتفلت بغداد العراق الذي اهدى منذ فجر الحضارات، قيثارته السومرية، إلى العالم كله لتكون هدية فن وجمال ورسالة حب وسلام لقد بعث الاحتفاليون رسالة تحد باللحن الجميل والصوت الصادح الى كل من يسعى إلى تشويه وجه الحياة بالخراب والموت والدمار، حضر الاحتفاليون ليقدموا الحانهم واناشيدهم للحب والحياة والسلام والجمال، من خلال آلات الفن النبيل، لا آلة القتل والذبح والتخريب فكانت الحان وحدة الوطن وحركة الحياة باتجاه البناء والتقدم والرخاء.
في بداية الاحتفالية القى الاستاذ كامل شياع المستشار في وزارة الثقافة كلمة نيابة عن وزير الثقافة قال فيها:
يسرني ان اشارككم بهذا اليوم نيابة عن السيد وزير الثقافة الدكتور كمال اسعد الهاشمي بالاحتفال باليوم العالمي للموسيقى. لا شك في ان هذا الاحتفال بهذا اليوم في ظروف كالتي يمر بها بلدنا، عمل استثنائي يعكس اصرار العاملين في قطاع الموسيقى على تكريس دور جميل من تقاليد هذا الفن النبيل.
وأضاف: ان الاحتفال بهذا اليوم في عراقنا المبتلى بموجة عنف وارهاب، لم يشهد مثيلا لها، يجسد رهان الفنون والثقافة على الحياة والخير والجمال، فهذه القيم، هي الابقى والاجدر بان تسود.
حسن الشكرجي: هذا هو الارهاب الثقافي بحد ذاته
وأشار المدير العام لدائرة الموسيقى في وزارة الثقافة الاستاذ حسن الشكرجي في كلمته: بهذه المناسبة ادعو أخوتي الموسيقيين والمبدعين في هذا المجال إلى الصحوة والمساهمة بجدية في انتشال موسيقانا العربية عموما والعراقية على وجه الخصوص من التشرذم والتردي، بسبب دخول العناصر المتخلفة والاميين الذين عاثوا فيها فسادا وهم لا يعلمون وكذلك فهم لا يعرفون الف باء الموسيقى ومنذ سنين خلت، بدأوا يعبثون دون رقيب بصناعة الموسيقى العراقية، ناهيك عن الايادي التي تعمل خارج البلد وتصنع الموسيقى التافهة والاغاني الماجنة التي تسيء إلى سمعة العراق وكل العراقيين وهذا هو الارهاب الثقافي بحد ذاته، فادعو اخواني إلى التقيد بالتراث الحضاري العراقي في الموسيقى وادعو الشباب من الجيل الصاعد الجديد من خريجي معاهدنا وكلية الفنون الجميلة إلى عدم التردد او التخوف وولوج عالم التأليف والتلحين والابداع ليساهموا في رفع مستوى موسيقانا كونهم من الاكاديميين البارزين وليتذكروا ان المبدعين الذين سبقوهم لم تلدهم امهاتهم مبدعين، بل كانوا موهوبين كدوا واجتهدوا وثابروا واكتسبوا الخبرات إلى ان ثبتوا بصماتهم في تأريخ الموسيقى العراقية، واعني بهؤلاء رموز الثقافة الموسيقية وليس الدخلاء، الذين يعاني منهم الوسط الموسيقي، والذين بدورهم شوهوا وجه الموسيقى العراقية، اخوتي المبدعين، آن الاوان ليأخذ كل مبدع في تقويم الموسيقى العراقية في عراقنا الجديد، فلكم مني وباسم وزارة الثقافة ودائرة الفنون الموسيقية دعوة مفتوحة لتقديم عطاءاتكم وابداعاتكم فابوابنا مفتوحة امامكم في كل وقت تأتون فيه، سيما اننا سيكون لنا معكم لقاء في 28/10/2006 وعلى ارض كردستان الحبيبة في مدينة اربيل من خلال مهرجان الملا عثمان الموصلي..
وعن الرسالة التي اراد المحتلفون ان يبعثوا بها قال المدير العام لدائرة الفنون في وزارة الثقافة الفنان حسن الشكرجي لـ(المدى): نبعث برسالة لكل من يصنعون الموت في الشارع، فنقول ان هذا الشعب شعب طيب ومعطاء شعب تربى على الثقافة تربى على الطيبة، فحرام ان تسفك هذه الدماء، حرام ان تقتل هذه النفوس البريئة ايا كانت فالانسان في تقديري عندما يزداد ثقافة يبتعد عن لغة العنف، لان الرصاصة لا يمكن ان تجابه الرصاصة الا وتصنع الموت، لكن الثقافة اذا جابهت الرصاصة فانها تصنع في تقديري السلام حيث ان الانسان حينما يبلغ درجة من الوعي والثقافة يبتعد عن لغة العنف والرصاص، اقول اننا في هذا الظرف الصعب تحديدا، ان هذه المناسبة جاءت لكي تجسد كلما يفكر به الانسان العراقي، بدءا من الطفل إلى الشيخ والمرأة والرجل الكل يريد السلام ومن يقول ان هناك تقاتلا بين مكونات المجتمع العراقي، انما يروج لاكذوبة، بدليل انك تجد في المؤسسات وفي الشارع وفي المتاجر وفي الفرق الموسيقية، كل تلك المكونات فالكل موجودون ويمثلون الطيف العراقي بكل الوانه، والشعب العراقي بطبيعته شعب مسالم، الفرد العراقي بعيد عن لغة العنف والقتل كل الذي يحصل هو عبارة عن امراض وافدة من خارج البلاد، افكار ظلامية لم تجلب لنا الا الجهل والتخلف والحماقة اذن هذه المناسبة التي نحتفل بها هي رسالة حب وسلام لتوعية الناس، ان الموسيقى لا يمكن الاستغناء عنها وهي التي تصنع السلام.
آمال ابراهيم: لا ينبغي ان ننقطع عن الحياة
وعن هذه الاحتفالية تقول الباحثة الموسيقية آمال ابراهيم محمد: نحتفل اليوم مثلما نحتفل كل عام، بيوم فن راق ونبيل، أعني فن الموسيقى، نحتفل برغم كل ما يحصل في البلاد من اعمال عنف وترد في الحالة الامنية فضلا عن تردي الخدمات في مرافق الحياة العامة، تصور انني كباحثة في هذا الفن الرفيع والجميل غالبا ما امتنع عن اجراء لقاءات للحديث عن فن الموسيقى من خلال شاشات التلفزة الفضائية، أنا بكل صراحة اخشى على كياني وكيان اسرتي لكن هذا لا يعني اننا يجب ان ننقطع عن الحياة، بل يجب ان نقول كلمتنا عبر هذه الاحتفالية التي هي احتفالية تحد نبعث من خلالها رسالة محبة وسلام إلى ابناء شعبنا.
عبد الرزاق العزاوي: الموسيقى لها دور في استمرارية الحياة
وعن رسالة الموسيقى في هذه الاحتفالية تحدث المايسترو عبد الرزاق العزاوي، رئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين قائلا: الحقيقة نحتفل اليوم بعيد الموسيقى وهو عيد عالمي وليس عراقيا فحسب، وهذا ما أقره المجلس الدولي للموسيقى في منتصف الثمانينيات، وعليه فان الموسيقيين في جميع انحاء العالم يحتفلون بهذه المناسبة، وبما اننا جزء من هذا العالم ومكوناته، سواء السياسية او الاقتصادية وبخاصة الثقافية ونعلم اننا نعيش في ظروف قاسية وصعبة ولكن الحياة يجب ان تستمر بأي شكل من الاشكال يجب ان نستمر في مفاصلها الاقتصادية والعلمية والاكاديمية والفنون الموسيقية والتشكيلية وفي كل مناحي الحياة الاخرى.
وأخص من ذلك الجانب الثقافي الذي يعد ركيزة اساسية لمسيرة المجتمع نحو التقدم، وهذا هو الرد الطبيعي لكل ما يحصل في ظرفنا غير الطبيعي وبلا شك فان فنون الموسيقى لها كما لعناصر اخرى دور في استمرارية الحياة.
كريم كنعان وصفي: نحن نبحث عن منصبنا الانساني
فيما اكد الفنان كريم كنعان وصفي مدير الفرقة السمفونية الوطنية العراقية: ان هذا العمل الجاد والجهد المتواصل للحفاظ على حضارة بغداد، وللحفاظ على رقي بغداد وسمو المجتمع العراقي والفن في العراق، مهما كانت الملمات والمشكلات انا اعتبر ان احتفالنا حالة استثنائية في ظل ظرفنا المعيش ايضا هناك وجود للفن الاكاديمي الحقيقي الرصين البعيد عن الابتذال، والبعيد عن التجارية والكسب السريع ايضا هناك حضور مهم جدا للجانب الانساني والاجتماعي وحتى الاقتصادي في أي مكان في العالم، فما بالك عندما تكون الحالة بهذا السخف في العراق، وهذه سخرية القدر التي تتحكم في العراق، اننا نخلق حالة من الابتعاد عن المزايدات السياسية، او المشكلات التي تنبثق من حالات عدم التوافق بين الجميع، الموسيقى حالة بناء، حالة اتفاق، بل هي رسالة تتطلع نحو المستقبل وهي البناء الحقيقي للعراق، هذه المواجهة الحقيقية التي يواجه بها المشكلات، وهذا ليس كلاما انشائياً، وانما هذا هو واقع الحال، انت هنا والطريق المؤدي إلى المسرح الوطني كان مقطوعا، لكن الاوركستر السمفونية، في الاخير، بكامل اعضائها وصلت إلى مكان الاحتفال، واعتقد هذا اسمى رد من الممكن ان يرده العراقيون على اية حالة عدم استقرار او اية نية غير سليمة لارجاع العراق إلى القرون الوسطى، أقول برغم الصعوبات الجمعة التي نواجهها هذا اقل ما يمكن ان نقوم به دون ان نبحث عن تقدير او مناصب او شيء من هذا القبيل، وانما نبحث عن منصبنا الانساني ومكانتنا الحقيقية في المجتمع وفي الانسانية بشكل عام.
موفق البياتي: يوم الموسيقى العالمي والشعوب
وتحدث الفنان موفق البياتي مدير بيت المقام العراقي قائلا: في الحقيقة يكرس اليوم الاول من الشهر العاشر من كل عام، يوما عالميا للموسيقى هذا الفن الاصيل المتفرع من الفنون الجميلة، والذي تحتفل به كل شعوب العالم، تعبيرا لما للموسيقى من مكانة خاصة بين الفنون الاخرى. وفي حياة الشعوب.
وقد تحدث حكيم الصين (كونفشيوس) قائلا: اذا اردت ان تتعرف على حضارة بلد، فاستمع إلى موسيقاه، الموسيقى كانت وما زالت احدى ابرز الدلالات على تفرد الانسان في حبه للجمال والابداع والتقدم، وكان للعراق الفخر والاعتزاز في تقديم اول هدية للعالم وهي آلة القيثارة السومرية التي تؤكد على عراقة حضارتنا، فضلا عن كونها رمزا للمحبة والسلام لكل الشعوب، اليوم نحن نحتفل بهذه المناسبة تعبيرا عن ابتهاجنا بهذا الفن الاصيل، ومكانته الراقية والمهمة في نفوسنا فقد قدمنا الكثير من الانجازات الحضارية في مجال الموسيقى والتنظير لها، والاحتفال بهذا اليوم، انما يدل على تأكيد تطورنا الحضاري والثقافي فلنجعل من يوم الموسيقى العالمي رافدا مهما وحيويا ورمزا للسلام والتقاء الشعوب اذ ان فن الموسيقى هو لغة المشاعر والاحاسيس ولغة الشعوب ولما يمتلكه هذا الفن من خزين لمشاعر الفرح والبهجة، فليكن هذا اليوم في بلدنا الحبيب، دعوة للمحبة والوئام والسلام والتلاحم والتعبير عن أواصر الإخوة المتطلعة لغد أفضل.


فاضل السلطاني
 

الزميل الشاعر والكاتب فاضل السلطاني احد ابرز ادبائنا العراقيين في اوربا الذين نقدر حرصهم على التواصل مع قارئهم المحلي من خلال (المدى).
وتشرفت الصفحات الثقافية باستقبال ونشر الكثير من كتاباته من شعر ونقد ورأي، مثلما تشرفنا في ان تكون (المدى الثقافي) مجالاً خصباً للتفاعل بين اوسع قطاع من المثقفين العراقيين في الداخل والخارج، وبين هؤلاء جميعاً وقرائهم.
نقول هذا، ونحن في (المدى الثقافي) نعتذر آسفين من الصديق فاضل السلطاني الذي وجدنا انفسنا مؤخراً امام خطأين تعرضت لهما مادتان نشرتا يومي السادس والعشرين من ايلول الماضي والرابع من تشرين الاول الجاري.. وفي المرتين كان الخطأ في اسمه المنشور على المادتين.
نتوقع ان الزميل يتفهم الطابع الفني لمثل هذه الاخطاء، خصوصاً حين تحدث مع كبار تحترمهم الجريدة، وتحرص على التواصل مع مشاركاتهم.. ولكن هذا لا يعفينا من واجب الاعتذار والمسؤولية.


المدى الثقافي

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة