كفوا عن
لوم امريكا على حربها ضد الارهاب
ترجمة : هاجر العاني
عن
التلغراف البريطانية
مع
رباطة جأشي وأنا في منتصف الطريق بين الحضارتين، كان من
الغريب بعض الشئ مراقبة ردود الافعال البريطانية على
الاحداث التي وقعت في امريكا الاسبوع الماضي، وحتى انه كان
من الغريب بعض الشئ ان اكون في بريطانيا الاسبوع الماضي،
ففي
يوم الثلاثاء عقب ارتطام الطائرات المختطَفة بالاهداف
الموجودة في واشنطن حيث تقيم عائلتي وفي نيويورك حيث يقيم
اغلب اصدقائي، كنت واقفة في شارع بوند اطلب واطلب ارقامهم
على هاتفي الخلوي وانا عاجزة عن ان افلح في ذلك ".
كلا لم يكن ذلك اقتباساً من شخص آخر بل هو المقطع
الافتتاحي لمقالة كتبتها قبل خمسة اعوام في صحيفة السانداي
تلغراف أصف فيها ردود الافعال الامريكية والبريطانية على
أحداث 11 ايلول 2001 . نعم، أدرك انه من قلة الذوق
الاقتباس من نفسي الا انه في الواقع لم أعد استطيع تذكّـر
الاحداث بوضوح، اذ أراها الآن من خلال ضباب كل ما حدث بعد
ذلك من افغانستان والعراق وأبي غريب ومدريد ولندن، ومن
المحتوم أنني اراها كذلك من خلال ضباب العناوين المتكررة،
فصورتا البرجين التوأمين يحترقان ويهويان لم تعد تبعث على
الصدمة .
ومع ذلك أعتقد انه من الجدير النظر إلى الوراء إلى ما أحسه
الناس حقاً في 11 أيلول 2001، لأنه لم يشعر الجميع بنفس
الشعور حينها او فيما بعد، وبالطبع من الصحيح أنه، قبل
خمسة أعوام، تحدث توني بلير عن " الوقوف جنباً إلى جنب "
مع امريكا وأن دانكان سمث الذي كان يحظى بالقبول (هل
تذكرونه؟) قد قلده وأن جاك شيراك كان في طريقه إلى واشنطن
ليقول الكلام نفسه .
غير أنه كان من الواقعي ان هذه الموجة الاوّلية من الشعور
الودي بالكاد صمدت أبعد من مجموعة الاخبار، فخلال ايام
قلائل كتب أحد كتاب الاعمدة الصحفية في صحيفة الغارديان عن
"الغرور والغطرسة القوميين اللاخجولين واللذين يقودان إلى
معاداة امريكا بين صفوف سكان العالم "، وشجب كاتب عمود
صحفي بريدي يومي " الدور الاستبدادي الذي نسعى اليه بنفسها
" الولايات المتحدة التي قال عنها انها " قد خلقت اعداء
لها من كل الانواع عبر العالم ".
وقد تميز الاصدار الاسبوعي من كويستشن تايم في ذلك الاسبوع
بهجوم مدعوم على فيل لادر سفير الولايات المتحدة السابق
لدى بريطانيا –
وقد فقد زملاء له
في مركز التجارة العالمي
–
الذي بدا على وشك البكاء
عندما سئل عن " الملايين والملايين من البشر حول العالم
الذين يحتقرون الامة الامريكية "، اذ على الاقل كان هناك
أصلاً بعض البريطانيين، كالكثير من الاوربيين الآخرين،
مسرورين سراً او علناً بهجمات 11/9 .
وكل هذا كان قبل افغانستان وقبل ان تـُفسـِد توني بلير
صداقته لجورج بوش وقبل ان يعرف اي كان تعبير " صاحب الموقف
السلبي الجديد " ناهيك عن انها وُجدَت قبل شعور اي كان
بالحاجة إلى الادعاء بأنه ليس من اصحاب ذلك الموقف،
فالكراهية لامريكا وبـُـغض عما كان يـُـعتقـَد أنها ترمز
اليه –
الرأسمالية او العولمة او
التسلط العسكري او الصهيونية او هوليوود او محلات
ماكدونالد، حسب وجهة نظرك
–
قد تم ترسيخهما بشكل جيد
.
ولتوضيح الامر بتعابير مختلفة ثمة احساس بالازدراء واسع
النطاق الآن في بريطانيا وعموم اوربا تجاه "الحرب على
الارهاب " الخاصة بامريكا الذي سبق في الواقع " الحرب على
الارهاب " نفسها، فقد كان هذا الاحساس موجوداً اصلاً في 12
و13 أيلول تماماً في العلن ليراه الجميع .
ومذاك اصبحت السياسة الخارجية والداخلية في الولايات
المتحدة عويصة، رغم اني لست بحاجة لتذكير اي كان بالاولى
الا ان الاخيرة اصبحت محجوبة بشكل كبير في الخارج، فخلال
اقامتي في واشنطن للسنوات الخمس المنصرمة راقبت الحال فيما
كانت الحكومة الامريكية تعيد تنظيم نفسها، وكثيراُ ما كان
ذلك يتم بطريقة غير متقنة، بما يشابه إلى حد كبير اعادة
التنظيم في اواخر الاربعينات عند بداية الحرب الباردة .
وادارة بوش –
بدعم من
الديمقراطيين في الكونغرس وفي اماكن أخرى
–
قد اوجدت وزارة كبيرة
جديدة هي وزارة امن الوطن، وهي مديرية استخبارات جديدة،
وأخيراً حوّلت وزارة الدولة انتباهها إلى العالم الاسلامي،
اذ تم توفير موارد مالية جديدة لدراسة العربية والفارسية .
وفي مختلف الظروف تغير الحوار في واشنطن تغيراً مفاجئاً
ايضاً وكنتيجة لذلك يتم تركيز الحوار الآن بشكل كبير على
مشاكل التعصب الاسلامي والشرق الاوسط والديمقراطية (والنقص
الحاصل في ذلك) في العالم العربي، وفي مختلف الاحوال اصبحت
" الحرب على الارهاب " على ما كانت عليه الحرب الباردة،
الا وهي ان تكون النقطة المركزية للسياسة الخارجية
الامريكية والهمّ الرئيسي الذي حوله يتم تنظيم كل شئ آخر .
ولا يمكن قول الامر ذاته عن اوربا، فرغم حقيقة ان أسوأ
الهجمات الارهابية اللاحقة قد وقعت هنا وليس في الولايات
المتحدة –
ورغم أنه يبدو الآن ان
أخطر بركة للمتعصبين المسلمين تكمن هنا وليس في الشرق
الاوسط –
الا انني لا أستبين رغبة
مماثلة في لندن او برلين لإعادة ترتيب الاولويات او لتغيير
لهجة المناقشة الوطنية، ناهيك عن تشكيل حلف أقوى مع
الولايات المتحدة او للاشتراك في ما ينبغي ان يكون مشروعاً
مشتركاً .
وإلى حد ما يعود الفضل في هذا إلى الاخفاق الدبلوماسي
الاستثنائي لإدارة بوش التي، وهي تظن أن قوتها العسكرية
خولتها بالغطرسة، رفست احلاف امريكا التقليدية وشنت حرباً
في العراق دون القيام بأية استعدادات للعواقب، وعلى الرغم
من انه تم قضاء الكثير من السنة الماضية في تعويض الدافع
المفقود الا انه من الصعب رؤية كيفية تمكن الرئيس، اخيراً،
على الاطلاق من تأسيس نوع التحالف الدولي الضروري لمقاومة
ما سيتوجب ان يكون حرباً دولية للافكار ضد التعصب المتطرف
.
بيد انه ربما ان اخفاق اوربا في الانضمام بحماس إلى "الحرب
على الارهاب " كان في بعض النواحي مقدَّراً ان يحدث، ففي
حين انه ليس من الخاطئ كلياً، الا ان فكرة ان الرئيس بوش
قد أضاع التعاطف الدولي الذي اعقب 11/9 ليست فكرة دقيقة
كلياً، وكما اقول في وقت الهجمات كان الاوربيون من ذوي
النفوذ والبريطانيون من ذوي النفوذ غير راغبين اصلاً
لاسباب تخصهم في التعاطف مع أية مأساة امريكية .
وبدلاً من الاشارة باصابع الاتهام، قد تكون الذكرى الخامسة
لـ 11/9 وقتاً مناسباً لعكس سير الامور، فاذا كانت "الحرب
على الارهاب " قد اصبحت مصطلحاً غير شعبي، اذاً سمها بأسم
آخر، سمها " حرباً على التعصب " او
–
كما كنا نقول في الحرب
الباردة –
سمها " كفاحاً من اجل
القلوب والعقول " في المجتمعات الاسلامية لاوربا والشرق
الاوسط، ومهما كان اسمها فأنها لن تفلح دون كل من الدعم
الامريكي والاوربي ودون التعاطف الامريكي والاوربي، ومهما
كان اسمها، اذا اخفقت فسيشعر جانبا الاطلسي بالعواقب.
|