هل بالإمكان تفعيل دور المثقف
العراقي ؟
محمد
شفيق
كيف يمكننا تفعيل دور المثقف في هذه المرحلة؟ سؤال توجهنا
به الى عدد من المثقفين العراقيين، ما بين باحث وناقد
مسرحي، وشاعر واعلامي، فكانت اجاباتهم تعبر عن حجم المأساة
التي يشعر بها المثقف، وهو يرى نفسه مهمشاً بعيداً عن
دائرة القرار السياسي، أو المشاركة الفعلية في ترسيخ دعائم
المجتمع الجديد.. وبرغم هذا الاستطلاع الذي قمنا به، الا
اننا نجد أهمية في الرجوع الى الموضوع ثانية ورابعة ، كونه
يشكل حلقة في جمع الكثير من المفاهيم والرؤى الصحيحة،
باتجاه بناء المجتمع، ووضع الأسس الصحيحة التي من شأنها،
خلق حالة من الصيرورة، والسعي وراء الاهداف المتعالية التي
تدفع بنا جميعاً نحو اعالي الوطن.
الناقد المسرحي
عدنان منشد
اضطرب المشهد وتلاشت الرؤية السليمة
كتب على المثقف العراقي، ان يكون مسلوب الجاه، مفتقداً
المنصب الرسمي الفاعل والمؤثر في المشهد السياسي، منذ
تأسيس الدولة العراقية في مطلع القرن العشرين وحتى الآن،
بفعل عوامل موضوعية وذاتية، لعبت فيها السياسات
الاستعمارية والديكتاتوريات العسكرية والتوليتارية دوراً
كبيراً.. وبرغم ان المثقفين العراقيين لم يعرفوا محاكم
التفتيش اللاتينية إلا لماماً، فانهم ظلوا يدورون في
الحلقة المفرغة، وهي على العموم، حلقة الثرثرة والحشو بفعل
ما يكتبون وما يصرحون وما ينتجون من جانب، وحلقة السجون
والمعتقلات والتوقيف أو الانتهاك القسري من جانب آخر، تحت
جريرة أنهاك السلطات أو الحكومات المتعاقبة من الاثقال
والاعباء فوق ما تحتمل.
ليس بالمستطاع هنا، ان نذكر الامثلة والشواهد التي تعرض
لها كبار الأدباء والمثقفين العراقيين، خلال أكثر من
ثمانية عقود منصرمة في سجون الحلة والكوت وبعقوبة وابي
غريب والموقف العام ونقرة السلمان وخلف السدة، الى جانب
القلة القليلة من السياسيين العراقيين- باستثناء قادة
كوادر الأحزاب الوطنية المعروفة- حيث سرعان ما يتعرض هؤلاء
الساسة الى عملية غسل دماغ لمعتقداتهم السياسية بفعل الجاه
والمنصب، وهذا ما يفسر نجاحهم الخارق المذهل السريع في كل
عهد وزمان، بعد ان اصبحوا جزءاً من التقاليد والموروثات،
ورسخوا في النفوس عادات وانماطاً من السلوك والتفكير تقف
حجر عثرة في وجه كل مثقف عراقي لامس السياسة عن قرب أو بعد.
إن من البساطة بمكان اعتقال الشاعر محمد مهدي الجواهري،
بفعل قصيدة يندد فيها بمدير المعارف العام ساطع الحصري
الذي كان يعمل بوازع طائفي مقيت ومعروف تحت وصاية الملك
فيصل الأول، من دون محاسبة الحصري الذي يرضيه الحديث عن
أمجاد الماضي وروعة الماضي والعيش في بحبوبة الماضي، بل من
البساطة اعتقال الشاعر رشدي العامل، وكسر رجليه وقدميه
وجعله كائناً شبه مشلول، حينما كتب مقالاً حول أزمة معجون
الطماطا في جريدة (التآخي) في مطلع السبعينيات، من دون
محاسبة وزير الصناعة المجرم طه الجزراوي وقتذاك، عن أسباب
هذه الأزمة وحيثياتها ومسوغاتها، بل من السهولة ان يقبع
شعراء ومثقفون كبار في (نقرة السلمان) أمثال مظفر النواب
والفريد سمعان وفاضل ثامر وصادق جعفر الفلاحي ويوسف الصائغ
ودينار السامرائي وجمعة اللامي وسميع داود والعديد من
المناضلين الآخرين في الوقت ان جلاديهم أو من ساهم في
اعتقالهم يسرحون ويمرحون في ارض العراق، وتقدم لهم الأضاحي
والنذور والبخور.
تلك هي المأساة التاريخية التي يعيشها اليوم المثقفون
العراقيون منذ القدم والتي ما فتئت تتعقد وتتعاظم فهناك من
يقول بالعودة الى الاصول، وهناك ايضاً من يقول بالخروج على
الأصول والانخراط في الحداثة ودوامة العقول.. وهذا يقول
بالتوفيق ما بينهما توفيقاً يقضي على الخمول. هذا يدعو الى
الانفتاح على الآخر، وهذا يدعو الى الانغلاق وتدمير الآخر.
هذا ينادي بالابداع، وهذا يطالب بالإتباع، وهذا لا يتخلى
عن الإتباع، ولقد مضى على هذا الجدل الكلامي قرابة قرن،
ولا يبدو أنه سيتوقف!
إن أسوأ ما يحدث لنا اليوم، هو سوء علاقتنا بالعالم والعصر،
فنحن لا نزال نعيش في اشكال ثقافية بآلية وانماط حضارية
بائدة، دونما أي اعتبار لهجمة رجال السياسة الجدد، الذين
اصروا على السراح والمراح واختلاط الحق بالباطل، والكمال
بالنقص.
وهكذا اضطرب المشهد في العراق، وضاع الوضوح، وتلاشت الرؤية
السليمة وقوة التجلي، خصوصاً، وان الكثير من مثقفينا
العراقيين لا يريدون اللعب بالنار في كتاباتهم وتصريحاتهم
ايثاراً للعافية وحباً بالسلامة على العكس من القلة
القليلة المولعة باللعب بالنار، التي سيكثر بعدها اللاعبون،
فالنار هي التي تحرق الشوائب العالقة بالذهب، وتأتي على
جميع ما فيه من غث .
الباحث د. خليل
محمد ابراهيم: الشعب الذي لا يكرم مثقفيه يتضرر كثيراً
أي شعب بلا ثقافة، شعب بلا وعي، من هنا تبدو اهم مهمات
الشعب، ان يخلق من ابنائه مثقفين، وان يهتم بهم اهتماماً
كافياً، وان يعطيهم حقوقهم المناسبة من الاعتراف والتكريم،
وان يستفيد منهم بوصفهم وعي الأمة وفكرها.
فاذا ما احتاجت الأمة شيئاً، يدخل ضمن إمكاناتهم، التجأت
إليهم فبدون ذلك لن تفعل الثقافة فعلها.
فالماء يجري في النهر، فاذا لم يحاول الفلاحون استثمار هذا
الماء في زروعهم، ومشاربهم، واطعمتهم، ضاع الماء هدراً في
بحر كبير، فلن يضير الماء شيء، لكن الفلاحين يتضررون وهكذا
الشعب الذي لا يكرم مثقفيه ولا يستثمرهم قد يضر المثقفين
لكنه يتضرر أكثر منهم لاسيما إذا ما ضيعهم!
د. شاكر اللامي:
على الانظمة الديمقراطية اللجوء الى المثقف
سؤال يطرحه المثقف نفسه في ظرف يحاول البعض والبعض الكثير
الغاء دور المثقف بل الغاء دور الكلمة ومسخ كل ما يمت
للثقافة والابداع.. بدءاً من التضييق على مؤسسة المثقف-
اتحاد الأدباء- واذلال المثقف ذاته بتجويعه وحرمانه من
أبسط حقوقه.. ومع هذا ان دور المثقف مرتبط ارتباطاً لا
ينفصل عن (العملية) الحركة الثقافية عموماً.. بل الواقع
السياسي العام وهنا، لست متشائماً، ولست محبطاً رغم مرارة
ما يجري في عراقنا الحبيب.. فضلاً عن الشرخ الكبير الذي
أصاب العملية التربوية في كل مراحلها.
ان الحكومة والمؤسسات ذات الاهتمام عليها ان ترتقي الى
مستوى المسؤولية.. وذلك بفتح كل سبل الحياة الكريمة امام
المثقف وبالملموس واحتضانه ودعمه وتسيير ودعم سبل منجزه
الإبداعي.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى عليها (الحكومة) ان
تحسب الف حساب للمثقفين .. أي مشاركتهم في الحياة
السياسية، وفي أقل تقدير سماع صوتهم في كل القضايا
الساخنة.
ان مثقفا، أي مثقف يكون بعيداً عن الحياة السياسية
والعامة، وكل ما يخص الوطن، يجف ويرتد ويمسي عقيماً.. ومن
ثم ستهزأ وتجف الحياة العامة. ان نظاماً- أي نظام- يدعي
الديمقراطية ويدعي الخير للانسان لا يمكن الا ان يرتكن الى
المثقف!
الشاعر سبتي
الهيتي: المثقف عين باصرة ونية حسنة
إذا ما أخذنا بصدق الرأي القائل بان الفكر ينبغي ان يتقدم
في المسيرة على السياسة لا العكس سنرى دور المثقف العراقي
في هذا الظرف الصعب لا يقل عن دور السياسي، بل قد يكون هذا
الدور أبلغ وأكثر، لاسيما إذا ما اعتمد المثقف الدور
المنوط به في الحياة، واذا اتصل هذا الدور بالجوانب الأكثر
التصاقاً والأكثر مساساً بحياة الطبقات الأوسع في المجتمع،
وهي الطبقات المسحوقة التي تتأثر بالأحداث ، وتقلبات
الأوضاع، لان هذه الأحداث والأوضاع تنعكس على حياة هؤلاء
ووسائل كسبهم.. ولتوضيح دور المثقف في هذا الظرف لابد من
ان نعطي للمثقف الحرية التي يتطلبها القاء الضوء على
معوقات عمل السياسي وعلى التصحيح الذي يتطلبه تغيير
الأحوال في تغيير الأحداث مما يتبعه تغيير المواقف والآراء
التي يعتمدها السياسي كثوابت لابد من عدم المساس بهيبتها
كونها جزءاً من سياسة قطاع، أو حزب أو جهة، معينة لان
الثبات على الأشياء يعني عدم الاعتراف بالخطأ، وعدم إعطاء
فرصة للنقد والنقد الذاتي الذي أعطي المثقف من قبل السياسي
حكمة تميزه كونه العين الثاقبة التي تنظر الى الأشياء
والأحداث غير المؤطرة بالأنا، أو غير المدفوعة بالنوايا
الخبيثة إلا تلك التي تخدم الواقع وتتساوق مع الحدث .
الشاعرة نجاة عبد
الله: المثقف هو الأهم دائماً
تضطرب الرؤية الصحيحة الآن، في خضم الوضع المأساوي الذي
نعيشه، والطامة الكبرى، ان المثقف العراقي مبعد عن الساحة
السياسية، ولا من احد يسمع صوته، برغم انه الأهم دائماً
عبر كل العصور، فاذا ما ذكر سياسي واحد ، من فترة زمنية
محددة، فان عشرة مثقفين وربما أكثر سيذكرون في الحال،
لديهم انجاز متميز ورؤية واضحة.
لذلك فالمثقف برغم سكوته الآن، والمرغم عليه، فان دوره لا
لبس فيه، ويأتي الوقت الذي يتم اللجوء اليه، للخلاص من
أشياء سلبية كثيرة، وإبداء رأيه بما يجري!
|