مكـــاتب
التشغــيل هــل تـــؤدي دورهــا كمــــــــا يـــــــدل
عليـــــــه اسمهـــــا؟
- كيف يتعامل
المواطن العراقي مع هذه المكاتب؟ وكيف ينظر اليها؟
- أهي إفراز
البطالة ام هي ظاهرة تواكب النمو الاقتصادي؟
صافي
الياسري
تعد ظاهرة انتشار مكاتب
التشغيل في بغداد، ظاهرة جديدة نسبياً، فلم يكن المواطن
العراقي متعوداً على وجود مثل هذه المكاتب وطبيعة عملها،
وما توفره من فرص لأصحاب الحاجة الى العمل، وككل عمل أو
ظاهرة جديدة تظهر معه وتحيط به بعض الشكوك وربما
الانحرافات فيستغل كواجهة لاعمال لا يقبلها المجتمع وذلك
أمر طبيعي، ونحن هنا نتحرى طبيعة عمل هذه المكاتب وعلاقتها
بالميادين الاجتماعية والاقتصادية وظروف البلد الاخرى.
قال:
حفيت قدماي من التنقل بين دوائر الدولة ودوائر القطاع
الخاص والشركات الحكومية والأهلية والمكاتب الخاصة بحثاً
عن فرصة عمل دون جدوى، وبينما هو يندب حظه همس له احد
أصدقائه بعنوان مكتب من مكاتب التشغيل وطلب منه ان يعرض
نفسه عليه، بمواصفاته وإمكاناته وان يحدد نوعية العمل الذي
يريده والأجر الذي يطلبه وأوقات الدوام، وقد فعل، ومن
الغريب انه حصل على ما يريد بسرعة ودون انتظار بينما ينتظر
سواه اياماً وأشهراً، فكيف؟.. ولماذا ؟
المكاتب وجهاز
المخابرات السابق
مكاتب التشغيل
ليست وليدة ايام ما بعد التغيير، وانما وجدت ايام النظام
السابق، وكانت لها هي الاخرى مهامها السرية لخدمة هذا
النظام، لكي تكون واجهات لتغطية الاعمال الاخرى التي تقوم
بها، فأغلب هذه المكاتب كان يديرها ضباط المخابرات أو
عملاؤهم ووكلاؤهم وعيونهم بصورة سرية، إذ يتم التنسيق من
خلال المدير المفوض للمكتب فهو يرفع لائحة نهاية كل اسبوع
يدرج فيها عدد المتقدمين والمتقدمات للتوظيف عن طريق
المكتب اضافة الى تفاصيل خاصة عندما يتعلق الأمر بالفتيات،
حيث ينتقي الأخير من اسمائهن أو اسمائهم ما يتواءم وأغراضه
ونواياه.. (الحسنة جداً) ليعقد معها أو معه الصفقة الدنيئة
التي تتلخص في التعاون مع عميل المخابرات وتزويده بكل
صغيرة أو كبيرة تخص مكان العمل، ليتسنى له رفع التقارير
المطلوبة، وبعض هؤلاء أو بعضهن يتصل بجهاز المخابرات
مباشرة ويدخلون دورات خاصة على العمل (المخابراتي) وتعطى
لهم درجات خاصة متدرجة من صديق الى أمين مروراً بالدرجة
الوسطى (متعاون) وبخاصة أولئك الذين يمتلكون المواصفات
التي تؤهلهم للعمل في الشركات الأجنبية والعربية والعراقية
حتى والسفارات وبيوت بعض الشخصيات والتجار والمشكوك بيهم.
كان ان بعض أصحاب هذه المكاتب ممن يقدمون المال على كل شيء
كانوا يتعاملون مع سماسرة من نوع خاص في المتاجرة
بالحسناوات بحجة ايجاد فرص عمل في دول الخليج بشكل خاص
وبعقود مغرية، الا ان الكارثة لا تتضح معالمها الا بعد ان
تصل الفتاة للمكان الذي عقدت معه صفقتها لتكتشف ان المطلوب
منها هو ان تبيع جسدها وليس قوة عملها، كما يتم التنسيق مع
بعض الفنادق المميزة لتزويدها بموظفة أو عاملة أو مرافقة
لوفد ما باجور يومية تحسم منها عمولة المكتب، كما يتقاضى
المكتب عمولة أخرى من المستفيد، وتلك العمليات لم تكن تخلو
من القذارات المخابراتية واللااخلاقية، التي يدفع لتمشيتها
الوضع الاقتصادي والمعيشي البائس للعائلة العراقية، ويؤكد
الكثير ممن تابعوا وراقبوا اعمال تلك المكاتب ايام النظام
المباد، انها لعبت دوراً كبيراً في إشاعة الفساد والحاق
الأذى بأخلاق ومستقبل وحياة المواطنين، فهل تغير حال هذه
المكاتب الآن وتغير دورها ؟ ام انها مازالت تلعب الادوار
القديمة نفسها ؟ لنتأكد.
مكاتب الكرادة
هنا.. مكتب "بغداد"
في الكرادة (داخل) المكتب مكتظ بالنساء والرجال، وكل يحمل
أوراقه الأصولية ومستمسكاته بيده والهدف واحد، هو الحصول
على فرصة عمل في هذا الزمن المعقد المجهول الهوية
والاتجاهات حسب ما تصفه الآنسة ليلى احمد العبيدي، وهي
تحمل شهادة (الهندسة المدنية) وكان حامل هذه الشهادة عملة
نادرة في العراق، ولم يكن بحاجة الى مراجعة مكاتب التشغيل
للبحث عن عمل في الداخل أو في الخارج. مدير المكتب السيد
هاني التميمي، يشرح طبيعة عمل المكتب والآلية التي تسير
على وفقها أموره فيقول: ان المكتب يقوم بالتنسيق مع بعض
الوزارات والشركات الأجنبية والعربية والعراقية العاملة في
العراق أو خارجه لغرض توظيف الباحثين عن عمل عن طريق
المكتب، وبالتأكيد فاننا نطلع وبشكل دوري على احتياجات تلك
الوزارات والدوائر والشركات، بل تكون لنا الأولوية في
الاطلاع على اعلاناتهم قبل الجميع لغرض توظيف اكبر عدد
ممكن من زبائن المكتب، وحال حصول المتقدم على الوظيفة في
تلك الوزارة أو الدائرة أو الشركة، فان المكتب يقتطع نصف
الراتب الأول كعمولة، وكما تلاحظ فان المردود غير ثابت
بسبب عدم ثبات الأجر أو الراتب.
* وما المؤهلات المطلوبة في الغالب؟
- تتقدم للمكتب حتى في هذا الظرف اعداد لا بأس بها من
الباحثين عن فرص العمل، تتراوح مؤهلاتهم بين خريج اعدادية
ومهندس وحامل شهادة الدكتوراه (لا تستغرب) فالبطالة مازالت
مرتفعة النسبة في البلد وهي تشمل جميع الاختصاصات ولا
تستثني أصحاب الشهادات الا قليلاً، وهؤلاء لا يبحثون عن
فرص عمل في الشركات الأجنبية التي مازالت عاملة في العراق
بالرغم من كل مخاطر العمل فيها، أو عن فرص خارج العراق،
وهذه لا توفرها سوى مكاتب التشغيل، والمتقدمون لها من
أصحاب الشهادات العالية والاختصاصات العلمية النادرة لا
يريدون المجازفة بالمغادرة والبحث بانفسهم في الخارج عن
فرص عمل ذلك ان مثل تلك المحاولة قد تبوء بالفشل أو انها
تكلفهم الكثير مما لا يتوفر تحت ايديهم، مع ان الاختصاص
العراقي مازال مطلوباً بشدة خارج العراق.
* وهل تأثرت نسبة المتقدمين الى مكاتبكم بالوضع الأمني؟
- عن هذا السؤال يجيب السيد جلال خوشناو مدير مكتب (البركة)
في الكرادة ايضاً فيقول
–
نعم وبقوة في جانبي العرض
والطلب: بعد سقوط النظام ورفع الحصار عن العراق وبدء
الحديث عن مشاريع اعادة الاعمار، غزت العراق شركات أجنبية
وعربية عديدة، وكانت حاجتها الى الأيدي العاملة الماهرة
وغير الماهرة والاختصاصات العلمية كبيرة، ولكن هذه الشركات
ما لبثت ان اصطدمت بالواقع الأمني الذي اتجه نحو التردي،
وازدادت حوادث الاغتيال واختطاف كبار موظفيها ومدرائها،
الامر الذي دفعها الى مغادرة البلد وتناقص الطلب على
الأيدي العاملة والاختصاصات العلمية الى حد بعيد، وكذلك
الامر بالنسبة للمتقدمين الى المكاتب بحثاً عن فرصة وبخاصة
الفتيات اللواتي صرن يشعرن باستحالة أو صعوبة قدرتهن على
الحركة، ومع ذلك فهناك طلبات من الفتيات تحدد نوعاً من
العمل واوقاتاً محددة كالسكرتارية والخدمة في البيوت
وتربية وتعليم الأطفال، كما ان لنا اتصالاً وتعاوناً وثيقاً
مع شركة (هبة) الاماراتية لتشغيل الأيدي العاملة في
الامارات ومكاتب وشركات أخرى مشابهة في دول الخليج العربي
الاخرى.
في مكتب آخر طلب صاحبه عدم ذكر أسمه وقد تحدث عن طبيعة عمل
مكاتب التشغيل هذه الأيام فقال: مكاتب التشغيل تحررت هذه
الأيام أو بعد سقوط النظام السابق من سطوة اجهزة المخابرات
والحزب والمتنفذين في السلطة، كما ان تلك المكاتب المشبوهة
لم تعد تجد في نفسها القدرة على المواصلة، فقد فقدت
الحماية التي كان يوفرها لها المتنفذون في أجهزة النظام
السابق لقاء تلبية طلباتهم الدنيئة، وهكذا لم يعد يشغل هذه
المكاتب سوى كسب الرزق الحلال، وتطوير عملها بجد وإخلاص
لكسب ثقة العامل وصاحب العمل، وقد تناقضت اعدادها الآن
بسبب الظروف الأمنية الحرجة.
في مكتب (سامي) في منطقة المسبح، عرفنا ان هذا المكتب لا
يقتصر عمله على توفير فرص العمل وحسب وانما يتعدى ذلك الى
(التأهيل) إذ يقوم بتدريب المتقدم للعمل، لتوافق مؤهلاته
ومعلوماته وخبرته مع ما يتطلبه عمله في تلك الشركة أو
الوزارة أو الدائرة أو المكتب أو البيت، وتقتطع أجور
التدريب مسبقاً ويفضل عند التعيين على غير المتدرب، كما ان
المكتب يختص كذلك بتوفير الكوادر المناسبة والمؤهلة
للسفارات الأجنبية والعربية العاملة حتى الآن في العراق،
والعمولة هنا تختلف عن السياقات المتعارف عليها، إذ يستقطع
المكتب من راتب الموظف نصفه لمدة تتراوح بين شهر الى ثلاثة
اشهر، حسب نوع العمل ومقدار الاجور وما أذا كان داخل
العراق أو خارجه ويتم الاستقطاع بالعملة الصعبة.
* وهل تبقى علاقتكم مستمرة بالموظف الذي تم تعيينه عن طريق
مكتبكم؟
- نعم بكل تأكيد، فالمكتب يهتم جداً بالمحافظة على مصداقية
ونظافة تعامله مع الآخرين، ولذا فهو يبقى على علاقة وثيقة
مع رب العمل أو المكان الذي يوظف فيه زبائنه ليكون على
اطلاع دائم على سلوكهم وكفاءتهم، ليضمن استمرار الشركات
والدوائر على التعامل معه.
في مكتب (الشمال) في المنصور (حي دراغ) يقول كاكا نوزاد
مدير مكتب: نحن في هذا المكتب نقوم بتوريد الأيدي العاملة
والاختصاصات الفنية الى الشركات العاملة في (كردستان) حيث
تنشط حملة اعمار هائلة، وحيث توجد عشرات الشركات الأجنبية
والمقاولين المحليين والأجانب مستفيدين من الوضع الأمني
المستتب هناك، وهم يفضلون الأيدي العاملة والفنيين
المحليين بسبب رخص أجورهم وقدرتهم على التعامل مع الصعوبات
التي يواجهونها حيث العمل.
مع العاملين
والباحثين عن فرص العمل
السيدة نوال الملا، إحدى النساء اللواتي وجدن فرصتهن للعمل
من خلال مكاتب التشغيل، وتعمل الآن (منضدة) في إحدى الصحف
اليومية المحلية، وتقول انها خلال أسبوع واحد عثر لها
المكتب على فرصة العمل تلك وباجر معقول- وتقول زهراء عبد
الله، انها هي الأخرى قد حصلت على فرصة عمل لها ولا بنتها
في المكان ذاته، وهي ترى ان هذه الفرصة لا تتكرر لانها
تمنحها الأمان بوجود ابنتها الى جانبها وتمنحها الطمأنينة
عليها.
وتقول جميلة حسوني كريم انها حتى الآن لم تعثر على فرصتها
للعمل في احد البيوت التأهيل الوحيد الذي تتمكن منه، بسبب
إصرار مكاتب التشغيل على ضرورة معرفتها بفنون الطبخ الغربي
واعداد أنواع من (المقبلات) لم تسمع بها من قبل، واتقان
الاتيكيت والبريستيج، أو اتقان لغة اجنبية وارتداء نوع
معين من الملابس، وتضيف من يحوي تلك المؤهلات ويستجبن لتلك
الشروط يجدن فرص العمل بسهولة، بينما نبقى نحن بانتظار
فرصة بسيطة للعمل كفراشة أو عاملة تنظيف في مكتب أو بيت
باجر بسيط.
ومن الطرائف التي تحصل في مكاتب التشغيل كما يرويها مدير
مكتب "الايمان" في شارع السعدون ان شاباً وشابة من مراجعي
مكتبه تعرفا الى بعضهما في مكتبه وتوطدت علاقتهما باستمرار
اللقاءات وقررا الزواج عند حصولهما على فرصة العمل وقد
حصلا على هذه الفرصة وتزوجا فعلاً.
بينما تذكر لنا الآنسة (هدى) انها اضطرت أكثر من مرة لترك
العمل الذي يوفره لها مكتب التشغيل بسبب تعرضها الى
مضايقات وحرشة جنسية من صاحب العمل، حتى انها بدأت تيأس من
العثور على عمل حقيقي وقد وضعت شروطاً لقبولها فرصة العمل،
حتى توفر على نفسها هم ترك العمل مسبقاً. بقي ان نذكر هنا
ان مكاتب التشغيل موجودة في كل دول العالم، وهي ظاهرة
حضارية أفرزتها الحاجة المتبادلة بين طالب العمل وصاحبه
لاختصار الوقت والإجراءات والبحث والإعلان، وهذه المكاتب
تكاد تتشابه في ما تواجهه من مشكلات، برغم انها متنوعة
الاختصاصات ومختلفة الظروف.
|