مملـكـــة
الـزواج والأحـلام المــؤجــلــة
بغداد/ المدى
-هل فاتك قطار الزواج؟
-نعم وفق حسابات مجتمعنا، لكنه يبقى حلماً يراود خيالي كان
هذا جزءاً من حوار مع (عراقية) ما زالت في الثلاثين من
العمر، لكنها تشعر بأنها هرمت قبل سنوات، يوم اعدام النظام
المباد خطيبها وعائلته بتهمة المشاركة في انتفاضة آذار
الشعبية عام 1991.
مثلما يمكننا النظر الى موضوع الآنسة (سعاد) يمكننا النظر
الى الكثير من الفتيات اللواتي تأجل حلمهن في دخول المملكة
السعيدة، مملكة الزواج، الحلم الذهبي لكل الفتيات، تأجل
الحلم ثم ارتحل.. لماذا؟ وهل من عودة ترتجى؟
الحرب والاحلام؟
-الدكتورة خولة
ناجي سعيد/ اختصاص بحوث اجتماعية جامعة بغداد/ تقول:
-المشكلة بدأت عندما تدنت الارقام في المحاكم الشرعية التي
تتولى عقود الزواج، اوائل السبعينيات، بسبب ارتفاع معدلات
المهور والشروط التعجيزية التي كانت تضعها الفتاة في
حينها، وعندما بدأت الفتاة بالتخلي عن الكثير من هذه
الشروط في الثمانينيات، سحقت سنوات الحرب احلام الكثيرات،
فقد تأجل العديد من صفقات الزواج، على امل انتهاء الحرب
سريعاً، وانشغال الشباب في جبهات القتال، وعندما وضعت
الحرب اوزارها كان عدد النساء قياساً بعدد الرجال قد تجاوز
نسبة النصف بقليل واليك هذه الاحصائية الشخصية عن بغداد
فقط.
في النصف الثاني من السبعينيات كان معدل الزيجات يصل
تقريباً الى 1000 زيجة في الاسبوع او ما يزيد على ذلك
قليلاً، وفي عام 1985 تدنى هذا المعدل ليصبح 450 زيجة
اسبوعياً وفي عام 1994 تدنى العدد الى 340 زيجة اسبوعياً.
وتضيف الدكتور خولة: أما الذين عادوا من الحرب، فقد ظهروا
محطمين، نفوسهم ملأى بعقد الحرب، او هم من المعوقين،
وجيوبهم خاوية، ليعودوا الى نقطة الصفر لرسم مستقبلهم،
الذي ما لبث غزو الكويت والحصار الذي اعقبه ان اغلق
الأبواب في وجهه.
علماً انهم (مشاريع جاهزة) عموماً للزواج، وغير قادرين
عليه مادياً ومعنوياً، برغم تخلي المرأة عن كل شروطها
القديمة وحتى الآن لم تتغير الظروف ولحين تغيرها نحو
الاحسن، علينا الانتظار زمناً مضافاً، فهناك علاقة جدلية
بين القوانين والاعراف السائدة والحالة المعيشية من جهة
والاقبال على الزواج او العزوف عنه من جهة اخرى.
-نبيلة عبد الكريم/ مدرسة في اعدادية (..) في مدينة الشعب
تقول:
الزواج مسؤولية قبل كل شيء، واذا لم يكن الرجل والمرأة
قادرين على تحملها فمن الافضل تجنبه أو تاجيله لحين
التمكن.
-لهذا تأجل زواجك؟
-ليس بالضبط، كان هناك مشروع، لكن ظروف الحرب والحصار
الاقتصادي ..و لقد انتظرت طويلاً وحين الغيت انتظاري تقدم
من لا ينفع.
-كيف؟
-اقراننا غادروا البلد هرباً من الجور أو للعمل وحين عادوا
بحثوا عن فتيات صغيرات والذين يكبروننا خاضوا التجربة
وترتبت عليهم مسؤوليات لا اعتقد اني قادرة على مشاركتهم
تحملها.
-سلمى (...) من ريف بغداد في السابعة والثلاثين من العمر
تقول:
-انهيت دراستي الجامعية/ ادارة واقتصاد عام 1990 ولم اتمكن
من الحصول على وظيفة قريبة من سكني وبقيت انتظر طويلاً،
بعد ذلك زهدت فيها، ان مجتمعنا الريفي ضيق، وهنا تتزوج
الفتاة بأمر ولي امرها، مهما كان وضعها وشهادتها وقد رفضت
الزواج من ابن عمي لأننا مختلفان، وفضلت العمل خياطة لأملأ
فراغي.
ابو الفضل ياسين فائق/ سائق تاكسي/ خريج معهد الادارة،
يعلق على قول الانسة سلمى مؤكداً انه اختار ربة بيت لاسباب
كثيرة كما يرى في مقدمتها الاهتمام بالبيت والاطفال بشكل
كامل، ويرى ان الموظف الشاب يحتاج وقتاً طويلاً ليكوّن
نفسه ويكون مستعداً للزواج ولهذا فهو قد يضطر الى ترك
وظيفته والبحث عن عمل خارج البلد.
-وحين يعود بعد سنوات، يختار فتاة صغيرة ويقطع خيوطه
القديمة اليس كذلك؟
-ليس تماماً فالعلاقات المبنية على اسس صحيحة لا يمكن
هدمها بسهولة، انا مثلاً اختارت لي العائلة خطيبتي
وبموافقتي على مواصفاتها، لذا ادعو العوائل العراقية الى
ممارسة دورها القديم في اختيار الفتاة والجمع بين رأسين في
الحلال كما يقال
-كم كلفتك الخطبة؟
-ليس كثيراً فالفتاة بسيطة الطلبات، الذهب فقط كرمز،
والضرورات الملحقة وهي معروفة، الخطبة كلها كلفتني 300 الف
دينار وغرفة النوم كلفتني 1.200 مليوناً ومئتي الف دينار
ورصدت مليوناً لبقية الضرورات وسيساعدنا الاهل.
-فراس ابراهيم/ تاجر قماش في شارع النهر يقول:
-معرفتنا ابتدأت من السنة الاولى في دراستنا الجامعية،
وقبل ثلاث سنوات تمت الخطوبة بعد ان انهيت الخدمة
الالزامية وخلال اشهر سيتم الزواج
-وهل سيعينك اهلها؟
-نعم، هم قدموا هدايا لبيت الزوجية مهمة جداً وتحملت هي
قسطاً في شراء بعض اللوازم البيتية الضرورية من مدخراتها.
-وفي استطلاعنا لآراء العديد من الشبان والشابات والرجال
والنساء وعدد من المثقفين وارباب العوائل تمكنا من تحديد
عدد من النقاط التي يمكن ان تؤدي الى انفراج في موضوع
العزوف عن الزواج وهذه النقاط هي تخلي الفتاة والعوائل
العراقية عن شروطها الصعبة وتنشيط دور العائلة في اختيار
الفتاة.
ويضيف الاستاذ الدكتور عبد الرحمن النداوي/ جامعة الموصل:
ان تأخر الزواج مسألة طبيعية في المجتمعات المتمدنة، حيث
تجد العلاقات بين المرأة والرجل غير المسجلة كحالات الزواج
تفهماً من الجميع وتعد امراً طبيعياً، ويمكنهم انجاب
الاطفال حتى دون عقد زواج، لذا لا يشكل الزواج لدى احد
شيئاً مهماً أما مجتمعاتنا الشرقية، وبالأخص مجتمعنا
العراقي الملتزم دينياً على وجه الخصوص، فالأمر يعد معضلة
قاسية تلقي بظلاها القاتمة على المرأة تحديداً ويسبب لها
احباطاً مؤلماً، فهي بمجرد ان تجتاز الثلاثين تصبح عانساً
امام الاخرين وامام نفسها، وينشغل الجميع بموضوعها مما
يسبب لها حرجاً واذى نفسياً كبيراً.
والمسببات في نظري هي امراضنا الاجتماعية، وعقدنا،
وموروثنا القبلي والاقطاعي والديني ضيق الأفق، والوضع
الحزبي للنظام المباد، لقد انتهى هذا النظام واعتقد ان
لدينا الان فرصة لإعادة النظر في هذه المواضيع.
وبمقارنة واقع الحال اليوم بما كان سائداً قبل سنوات والذي
اوردنا بعض الاحصائيات والاستطلاعات حولهُ وبخاصة خلال
الحرب العراقية-الايرانية وسنوات الحصار، نجد ان مؤشرات
الامل في بداية التغيير بعد انهيار النظام المباد، قد
ارتفعت كثيراً مع توقعات بازدياد الرواتب والاجور وارتفاع
القوة الشرائية للعملة، وعودة المهاجرين، وتصريحات
المسؤولين الحكوميين حول حل ازمة السكن وتفعيل النشاط
الاجتماعي وتدعيم مؤسسة العائلة العراقية بما يعنيه من
تشجيع الزواج، لكن هذه المؤشرات ما لبثت ان انحدرت مع مرور
الاشهر والسنوات، فقد تدنت معدلات الزواج كما تقول
الدكتورة خولة ناجي سعيد التي أبرزت احصائيات حديثة اشارت
الى ارتفاع معدلات الزواج بعد سقوط النظام واعلان القوات
الاميركية انتهاء العمليات العسكرية وعودة المحاكم الشرعية
الى العمل، الى ما معدله 750 زيجة اسبوعياً في محاكم بغداد
في الربع الأخير من عام 2003، ما لبثت ان تردت خلال النصف
الاول من عام 2004 الى 600 زيجة ثم الى اقل من 400 زيجة في
النصف الثاني وانهارت المعدلات الى ما دون 200 زيجة
اسبوعياً خلال عام 2005 و150 زيجة واقل حتى شهر حزيران من
هذا العام.
ويعزو الدكتور سعد عبد الرحمن الباحث في شؤون الاسرة
العراقية بجامعة المستنصرية تردي معدلات الزواج الى هذه
الحدود، الى تردي الأوضاع الأمنية واشتداد ازمة السكن
وانخفاض المستوى المعاشي وارتفاع نسبة البطالة والتضخم
وغلاء الأسعار وبخاصة مستلزمات الزواج كغرف النوم والملابس
والهدايا التي يأتي الذهب في مقدمتها، وكذلك الهجرة الى
الخارج من جديد التي شملت عوائل لم تكن تفكر فيها من قبل،
والنزوح للمدن والمناطق والاحياء التي كانت تؤلف وحدات
اجتماعية متقاربة ان لم نقل مترابطة وكانت تعد بمشاريع
مصاهرة وزواج عديدة بحكم الجوار والمعرفة والعشرة وتقارب
المستوى المعاشي، ويضيف الدكتور سعد، ان مشاكل العائلة
والاسرة العراقية وحسب اولويتها وضعت زواج ابنائها في
مؤخرة مشاريعها بسبب الكلف الباهظة غير القادرة على
احتمالها وبسبب ازدحام بيوتها بافراد العائلة بما لا يوفر
مجالاً لأسكان عائلة جديدة، لا تجد امكانية للأنفصال عن
العائلة الام وتكوبن منزل جديد بسبب ازمة السكن التي
تستفحل يوماً بعد آخر وارتفاع معدلات الايجار.
ويدعو الكثير من المهتمين بشؤون المرأة والعائلة العراقية
الحكومة الى دراسة هذا الواقع بجدية ووضع الحلول
والمعالجات المناسبة، والا فان المجتمع العراقي في غضون
عقد من الزمن وفي ابعد الاحوال عقدين سيتحول الى مجتمع
كهول بسبب النقص في ضخ الدماء الشابة اليه نتيجة ترحيل او
تأجيل او شطب مشاريع الزواج. |