تحقيقات

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

نســاء متميـــزات .. رئيسة سيدات الأعمال: رحلتي من الطب الى التجارة مضنية ولكنها ممتعة
 

بغداد/ سها الشيخلي
في اتحاد رجال الاعمال التقينا الدكتورة عبير أديب رئيسة لجنة سيدات الاعمال (إحدى منظمات المجتمع المدني) التي تضطلع ايضاً بمهام أخرى منها عضوية اتحاد المستوردين والمصدرين العراقيين، عضوية غرفة تجارة بغداد، الى جانب عملها الأصلي في المجال الطبي (بحوث ودراسات).

هواية .. تتحقق
تحدثنا الدكتورة عبير قائلة:
ولدت عام 1970 من اسرة نشطة في المجال التجاري فقد كان والدي مستورداً للملابس لحساب الدولة والدتي (خريجة الدراسة الاعدادية) كانت تعمل في التجارة مع والدي.. لدي خمسة اخوة انا اكبرهم عمراً.. في سن العاشرة تنامت شخصيتي.. وكنت متفوقة في دراستي.. كانت لدي هواية السفر والترحال للاطلاع على تجارب الشعوب والأمم.. في عام 1986 تعرضت أسرتي الى مضايقات النظام السابق مما اضطرنا الى مغادرة الوطن، رحلنا جميعاً الى يوغسلافيا.. وفي يوغسلافيا درست الطب وتخرجت عام 1996 لأعمل في المجال الطبي ولست الوحيدة في عائلتي في عمل التجارة قالت: والدي ووالدتي يعملان في مجال التجارة، كما أن فهناك اخي الصغير يعمل تاجراً لاستيراد الأدوات الاحتياطية للسيارات.
* ماذا عن حياتك الشخصية ؟
- بعد تخرجي في الجامعة في يوغسلافيا قدمت الى عمان وفي عام 1997 التقيت بزوجي المهندس وهو عراقي، تزوجنا في نفس العام وبقيت في عمان سنتين ثم سافرنا الى ليبيا وفي عام 2000 م عدت الى بغداد.. ولدي الآن طفلان عمر الأول 6 سنوات والثاني 3 سنوات.
* متى مارستِ التجارة.. وكيف استطاعت ان تأخذك من عالم الطب ؟
- مارست التجارة عام 1996- 1997 وبتشجيع من زوجي ووالدي الذي كان في الاصل محامي يعمل في التجارة.. لم تأخذني التجارة من اختصاصي مطلقاً بل بالعكس تغلب الاختصاص على المهنة.. فقد اتجهت الى استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية والأجهزة الحديثة للعلاج الطبيعي لمرضى المفاصل والكسور.
* ووضعك في الاتحاد ؟
- في شهر آب من عام 2003 م أي بعد الاحداث التقيت بإحدى الشخصيات في الاتحاد العام لرجال الاعمال وقدمت له مقترحاً ان يكون لسيدات الأعمال اتحاد خاص بهن فكان ان انبثقت اللجنة وأصبحت المسؤولة عن تلك اللجنة.
* كم عدد السيدات المنتخبات للجنة وما هي شروط الانتماء ؟
- لدينا 35 سيدة اعمال اما شروط الانتماء فهي كالآتي :
1- ان تكون صاحبة شركة تجارية مسجلة باسمها أو هي مديرة اعمالها.
2- رأس مال محدد.
3- الانتماء الى غرفة تجارة بغداد.
4- صك بمبلغ (250) الف دينار لاصدار (هوية ذهبية) هي هوية الانتماء الى اتحاد رجال الاعمال العراقيين.
* كيف يعمل الاتحاد في ظل الظروف الأمنية الحالية؟
- الظرف الامني يعرقل كل نشاطنا.
* ما هو نشاطكم لعام 2006 وماذا حققتم ؟
- في شهر نيسان الماضي حضرنا معرض اعمار العراق في عمان ولمدة 3 أيام وكان الوفد يضم 10 اعضاء من رجال ونساء من الاتحاد .. كانت الدعوة مفتوحة لعدد آخر.
وفي شهر آب المنصرم حضرنا بوفد كبير مؤتمر اعمار العراق في القاهرة وكان الوفد يضم 60 -70 عضواً وكانت فرصة لعقد صفقات مع الشركات لكل عضو وحسب اختصاصه.
* وكيف تصل البضائع الى العراق وعن أي طريق؟
- الاتفاق الذي جرى في القاهرة هو ان تصل البضائع المتفق عليها الى عمان أو دمشق ونقوم نحن الأعضاء بمهمة إيصالها الى العراق...
عملية وتسليب
وتواصل الدكتورة عبير حديثها فتقول:
- عند عودتنا من مؤتمر القاهرة وفي الطريق البري بين بغداد وعمان تعرض الوفد الى عملية إرهابية لغرض التسليب من قبل عصابات إجرامية أصيب عدد من أفراد الوفد باطلاقات نارية.. كنت واحدة من الذين أصيبوا باطلاقات نارية في ذراعي وقدمي.. مما سيمنعني من المشاركة في مهرجان التسوق ومدته شهر واحد والذي بدأ بدبي 27/ 9 وسينتهي في 27/ 10 .. الى جانب صعوبة الحصول على الفيزة والتي تكلف الأعضاء مبلغ يتراوح بين 9- 10 آلاف دولار، لذلك اغلب الأعضاء يحجمون عن السفر رغم ضرورته..
* هل كانت السفرة الى القاهرة ناجحة بغض النظر عما تعرض له الوفد في طريق العودة؟
- نعم كان مؤتمر اعمار الطرق الذي عقد في القاهرة في 27/ 8 مثمراً وقد قمنا بعقد صفقات لتوريد الأدوية التي يحتاجها القطر الى جانب المستلزمات الطبية .
* ما نوع الأدوية التي قمتم بتوريدها؟
- مختلف أنواع الأدوية ومحفزات للأعصاب المفقودة في الصيدليات.
* ما هو مستوى أرباحكم؟
- بكل تأكيد هناك هامش للربح، لكن اجور السفر يتحملها العضو الى جانب الفيزة مما يؤثر بشكل كبير في الأرباح.
* هل تحققت أحلامك
كما اعرف- في ان تكوني سائحة حتى وان كان ذلك عن طريق التجارة؟
- نعم .. تحقق حلمي.. رغم المصاعب التي تحيط بعملي في الوقت الحاضر وما تعرضت إليه من إصابة في طريق العودة.


مباركة العيدية !
 

صافي الياسري

قد مرت بالعراقيين ايام كانوا يتوقعون فيها ان تطالبهم تلك الحكومات وبخاصة حكومة الانقلاب البعثي الاخيرة ودكتاتورها الفرعوني، ان يدفعوا للحكومة (عيدية) أو تبرعاً، أو .. (خاوة) كما هو العهد بها وهي تحتفل بعيد ميلاد "القائد الضرورة" وميلاد (الحزب) والميلادات والمناسبات والمعارك وذكرياتها التي لا تنتهي...

نثق جداً بحسن نية الحكومة في توزيع (الهدايا) على العراقيين، والرغبة في توزيع (الفرح) على النفوس العراقية التي طال غياب الفرح عن مجالسها وأجدبت منه نفوسهم وأيامهم، ونثق تماماً بحسن نية الجهة أو الشخص الذي اقترح توزيع (عيدية) على العراقيين بمناسبة عيد رمضان المبارك القادم، وهي سابقة لم تحتسب رفعتها لأية حكومة عراقية سابقة، وقد مرت بالعراقيين ايام كانوا يتوقعون فيها ان تطالبهم تلك الحكومات وبخاصة حكومة الانقلاب البعثي الاخيرة ودكتاتورها الفرعوني، ان يدفعوا للحكومة (عيدية) أو تبرعاً، أو .. (خاوة) كما هو العهد بها وهي تحتفل بعيد ميلاد "القائد الضرورة" وميلاد (الحزب) والميلادات والمناسبات والمعارك وذكرياتها التي لا تنتهي... ولكن.. ألم تنتبه الحكومة أو الجهة أو الشخص الذي اقترح هذه (العيدية) الى الجوانب الاخرى من هذه (المكرمة) التي تجرح نفوس العراقيين، وتجلب لهم الكآبة والسوداوية، وتدفعهم ليس الى السخرية والتهكم وحسب، ولا الى العتب، بل الى الغضب وربما تعدى الامر الغضب الى سلوكيات لا تتوقعها الحكومة العراقية، في الوقت الذي استهدفت فيه نيل الرضا والتقدير والشكر .
فكيف ارتضت الحكومة ان تبتذل (عيديتها) الأرقام كلها فتنحدر الى هذا المبلغ الذي يرفض الأطفال قبوله كمصرف جيب ليوم واحد من ايام العيد (10.000) عشرة آلاف دينار، وحين قرأ بعض العراقيين الرقم أبدي انزعاجه وقال بصراحة انها (عشرة الاف اهانة)، نحن نعلم جيداً صعوبة الوضع الذي يعاني منه العراقيون مادياً، وحاجتهم الشديدة الى (المعونة) ولكن تلك المعونة يجب وبالضرورة ان تحفظ كرامة العراقي وان توفي بالمطلوب منها، لا ان تكون مثل (دولكة) ماء واحدة يراد منها ان تروي 27 مليون عطشان، وهي إذ تأتي بهذا الرقم فانما تحمل كل عراقي على الكثير من التأمل.


ساحـــة الرصـافي: مــلاذ للبـاعة والحمالين وسيــارات الأجـرة
 

محمد شفيق
لا اعتقد بأن الفنان اسماعيل فتاح الترك رحمه الله حينما وضع لمساته الاخيرة على تمثال معروف الرصافي، الذي قامت امانة بغداد بوضعه في موقعه الموجود فيه حالياً في عام 1970 سيكون موقعاً مهماً، ومكاناً ترتزق منه آلاف العوائل العراقية!
فهذا المكان الذي سمي باسم الرصافي، بات مكاناً ومعلماً مهماً في بغداد، الرصافة، لان هذا الرجل الذي سكن بغداد وعاش في الفلوجة اصبح ملاذاً للفقراء القادمين من كل العراق، فهناك الاسكافي، وصباغ الأحذية، وهنالك صاحب العربة، وبائع الموز والبرتقال والرمان والرقي، وهنالك تجمع سيارات الكيا الذاهبة الى علاوي الحلة والبياع والكاظم، وهنالك بائع الأعشاب ابو محمد الخالدي الذي ترك المحاماة والتجأ الى الأعشاب، والكثير من أصحاب المهن والناس الذين يبحثون عن لقمة العيش.
علاجات شعبية
يقول ابو محمد الخالدي: الاعشاب مرغوبة، وهي أكثر رواجاً من الأدوية الكيماوية، والدليل هو الاقبال على هذه الاعشاب التي لا نعطيها الا بوصفة طبية.
جلست في محله أكثر من ساعة، فجاء مَنْ يريد دواء لداء السكري، وآخر دواءً للحساسية وغيرهما دواءً لمرض القولون وهكذا، وكل واحد منهم كان يؤكد بان وصفة أبي محمد هي الافضل!
سألته من أين تأتي بهذه الاعشاب؟
فأجاب: قسم منها من العراق والقسم الآخر من خارج العراق، ولا أخفيك بان الكثير من المرضى الذين لا تنفعهم الأدوية الكيمياوية يلجأون الينا فأخذت منه دواءً لداء السكري، لصديق مصاب بهذا المرض، وبعد استعماله تبين، صحة هذا الدواء.
أرزاق أخرى
أصحاب العربات يشكلون القاسم المشترك الأكبر، في التواجد في هذه المنطقة.
جابر عبد الحسين، يمتلك عربة "حمالة" صغيرة قال: منذ سقوط الطاغية وانا اعمل في هذه العربة التي تدر عليَّ ربحاً ، أعيل به عائلتي.
وكم واردك في اليوم ؟ ضحك وأجاب :
أكثر من عشرين الف دينار !
صاحب عربة آخر، كانت اكبر من تلك العربة، قال احصل يومياً على أكثر من ثلاثين ألف دينار!
سألناه : وكيف ذلك؟
أجاب: احمل طناً أو اقل في عربتي، فليس من المعقول ان احصل على مبلغ زهيد!
ونحن نتكلم معه جاءه شاب في الثلاثين وطلب منه ان ينقل بضاعته الى النقليات، فطلب منه صاحب العربة مبلغ عشرة آلاف دينار.
مزاجية العمل
بعدها انتقلنا الى الباعة وهم كثر، باعة الموز والرمان وكل ما تشتهي النفس، كل واحد كانت له اجابة معينة، سائقو الكيات كانت لهم إجاباتهم على هذا السؤال: لماذا التجمع في هذا المكان؟
احدهم قال: الكراجات ما عادت تلبي طموحات الركاب، فقمنا بفتح كراجات هنا!
وهل تم ذلك على مزاجكم ؟
أجاب: ليس على مزاجنا وانما حسب حاجة الركاب .سمير الخالدي، صاحب تسجيلات انغام التراث، وهو صديق قديم وعمر محله أكثر من ثلاثين عاماً قال: المهم هو ان نأتي على عملنا سلامات ونعود لعوائلنا سلامات، (العيشة) تتدبر.
وتسجيلات انغام التراث معروفة للقاصي والداني فصاحبها احد الملمين بالمقام العراقي وله الفضل في الحفاظ على التراث الغنائي العراقي، وزود الإذاعة، بعد السقوط بساعات من الاغاني التراثية التي هي جزء من تاريخنا.
يتردد هنا أكثر الفنانين والمثقفين للتزود بما يريدون، فلديه تسجيلات نادرة لزكية جورج، وسميرة عبدو، ويوسف عمر، والقبانجي والسنباطي وسواهم من الفنانين العراقيين والعرب.
هناك باعة الحقائب المتنوعة، التي هي للذين هم على رحيل دائم، وهنالك باعة الصحف وباعة الكرزات.
كل هؤلاء برهنوا على حبهم لبلدهم، رغم انهم يتعرضون للموت يومياً ونحن بصدد إجراء هذا التحقيق، سمعنا اطلاقات نارية كثيفة أربكت عمل هؤلاء الباعة وأنهت تحقيقنا واصبح هنالك ازدحام غير معقول، وتداخلت السيارات فيما بينها، حينها لم يكن لرجل المرور، أو أي شخص آخر المقدرة على تنظيم السير أو فك الاشتباك الحاصل بين هذه السيارات.
وانا أغادر هذا المكان الحيوي الحساس، تيقنت ان الناس يخلقون فرص العمل لانفسهم، ويجيدون لغة الرزق مهما كانت صعبة، وحروفها متداخلة، ما يجري هنا، يجري في كل مكان من شوارع وساحات بغداد، وستكون لنا عودة لمكان آخر، لمرتع آخر للرزق تحدياً لكل ما يجري!


مملـكـــة الـزواج والأحـلام المــؤجــلــة
 

بغداد/ المدى
-هل فاتك قطار الزواج؟
-نعم وفق حسابات مجتمعنا، لكنه يبقى حلماً يراود خيالي كان هذا جزءاً من حوار مع (عراقية) ما زالت في الثلاثين من العمر، لكنها تشعر بأنها هرمت قبل سنوات، يوم اعدام النظام المباد خطيبها وعائلته بتهمة المشاركة في انتفاضة آذار الشعبية عام 1991.
مثلما يمكننا النظر الى موضوع الآنسة (سعاد) يمكننا النظر الى الكثير من الفتيات اللواتي تأجل حلمهن في دخول المملكة السعيدة، مملكة الزواج، الحلم الذهبي لكل الفتيات، تأجل الحلم ثم ارتحل.. لماذا؟ وهل من عودة ترتجى؟

الحرب والاحلام؟
-الدكتورة خولة ناجي سعيد/ اختصاص بحوث اجتماعية جامعة بغداد/ تقول:
-المشكلة بدأت عندما تدنت الارقام في المحاكم الشرعية التي تتولى عقود الزواج، اوائل السبعينيات، بسبب ارتفاع معدلات المهور والشروط التعجيزية التي كانت تضعها الفتاة في حينها، وعندما بدأت الفتاة بالتخلي عن الكثير من هذه الشروط في الثمانينيات، سحقت سنوات الحرب احلام الكثيرات، فقد تأجل العديد من صفقات الزواج، على امل انتهاء الحرب سريعاً، وانشغال الشباب في جبهات القتال، وعندما وضعت الحرب اوزارها كان عدد النساء قياساً بعدد الرجال قد تجاوز نسبة النصف بقليل واليك هذه الاحصائية الشخصية عن بغداد فقط.
في النصف الثاني من السبعينيات كان معدل الزيجات يصل تقريباً الى 1000 زيجة في الاسبوع او ما يزيد على ذلك قليلاً، وفي عام 1985 تدنى هذا المعدل ليصبح 450 زيجة اسبوعياً وفي عام 1994 تدنى العدد الى 340 زيجة اسبوعياً.
وتضيف الدكتور خولة: أما الذين عادوا من الحرب، فقد ظهروا محطمين، نفوسهم ملأى بعقد الحرب، او هم من المعوقين، وجيوبهم خاوية، ليعودوا الى نقطة الصفر لرسم مستقبلهم، الذي ما لبث غزو الكويت والحصار الذي اعقبه ان اغلق الأبواب في وجهه.
علماً انهم (مشاريع جاهزة) عموماً للزواج، وغير قادرين عليه مادياً ومعنوياً، برغم تخلي المرأة عن كل شروطها القديمة وحتى الآن لم تتغير الظروف ولحين تغيرها نحو الاحسن، علينا الانتظار زمناً مضافاً، فهناك علاقة جدلية بين القوانين والاعراف السائدة والحالة المعيشية من جهة والاقبال على الزواج او العزوف عنه من جهة اخرى.
-نبيلة عبد الكريم/ مدرسة في اعدادية (..) في مدينة الشعب تقول:
الزواج مسؤولية قبل كل شيء، واذا لم يكن الرجل والمرأة قادرين على تحملها فمن الافضل تجنبه أو تاجيله لحين التمكن.
-لهذا تأجل زواجك؟
-ليس بالضبط، كان هناك مشروع، لكن ظروف الحرب والحصار الاقتصادي ..و لقد انتظرت طويلاً وحين الغيت انتظاري تقدم من لا ينفع.
-كيف؟
-اقراننا غادروا البلد هرباً من الجور أو للعمل وحين عادوا بحثوا عن فتيات صغيرات والذين يكبروننا خاضوا التجربة وترتبت عليهم مسؤوليات لا اعتقد اني قادرة على مشاركتهم تحملها.
-سلمى (...) من ريف بغداد في السابعة والثلاثين من العمر تقول:
-انهيت دراستي الجامعية/ ادارة واقتصاد عام 1990 ولم اتمكن من الحصول على وظيفة قريبة من سكني وبقيت انتظر طويلاً، بعد ذلك زهدت فيها، ان مجتمعنا الريفي ضيق، وهنا تتزوج الفتاة بأمر ولي امرها، مهما كان وضعها وشهادتها وقد رفضت الزواج من ابن عمي لأننا مختلفان، وفضلت العمل خياطة لأملأ فراغي.
ابو الفضل ياسين فائق/ سائق تاكسي/ خريج معهد الادارة، يعلق على قول الانسة سلمى مؤكداً انه اختار ربة بيت لاسباب كثيرة كما يرى في مقدمتها الاهتمام بالبيت والاطفال بشكل كامل، ويرى ان الموظف الشاب يحتاج وقتاً طويلاً ليكوّن نفسه ويكون مستعداً للزواج ولهذا فهو قد يضطر الى ترك وظيفته والبحث عن عمل خارج البلد.
-وحين يعود بعد سنوات، يختار فتاة صغيرة ويقطع خيوطه القديمة اليس كذلك؟
-ليس تماماً فالعلاقات المبنية على اسس صحيحة لا يمكن هدمها بسهولة، انا مثلاً اختارت لي العائلة خطيبتي وبموافقتي على مواصفاتها، لذا ادعو العوائل العراقية الى ممارسة دورها القديم في اختيار الفتاة والجمع بين رأسين في الحلال كما يقال
-كم كلفتك الخطبة؟
-ليس كثيراً فالفتاة بسيطة الطلبات، الذهب فقط كرمز، والضرورات الملحقة وهي معروفة، الخطبة كلها كلفتني 300 الف دينار وغرفة النوم كلفتني 1.200 مليوناً ومئتي الف دينار ورصدت مليوناً لبقية الضرورات وسيساعدنا الاهل.
-فراس ابراهيم/ تاجر قماش في شارع النهر يقول:
-معرفتنا ابتدأت من السنة الاولى في دراستنا الجامعية، وقبل ثلاث سنوات تمت الخطوبة بعد ان انهيت الخدمة الالزامية وخلال اشهر سيتم الزواج
-وهل سيعينك اهلها؟
-نعم، هم قدموا هدايا لبيت الزوجية مهمة جداً وتحملت هي قسطاً في شراء بعض اللوازم البيتية الضرورية من مدخراتها.
-وفي استطلاعنا لآراء العديد من الشبان والشابات والرجال والنساء وعدد من المثقفين وارباب العوائل تمكنا من تحديد عدد من النقاط التي يمكن ان تؤدي الى انفراج في موضوع العزوف عن الزواج وهذه النقاط هي تخلي الفتاة والعوائل العراقية عن شروطها الصعبة وتنشيط دور العائلة في اختيار الفتاة.
ويضيف الاستاذ الدكتور عبد الرحمن النداوي/ جامعة الموصل: ان تأخر الزواج مسألة طبيعية في المجتمعات المتمدنة، حيث تجد العلاقات بين المرأة والرجل غير المسجلة كحالات الزواج تفهماً من الجميع وتعد امراً طبيعياً، ويمكنهم انجاب الاطفال حتى دون عقد زواج، لذا لا يشكل الزواج لدى احد شيئاً مهماً أما مجتمعاتنا الشرقية، وبالأخص مجتمعنا العراقي الملتزم دينياً على وجه الخصوص، فالأمر يعد معضلة قاسية تلقي بظلاها القاتمة على المرأة تحديداً ويسبب لها احباطاً مؤلماً، فهي بمجرد ان تجتاز الثلاثين تصبح عانساً امام الاخرين وامام نفسها، وينشغل الجميع بموضوعها مما يسبب لها حرجاً واذى نفسياً كبيراً.
والمسببات في نظري هي امراضنا الاجتماعية، وعقدنا، وموروثنا القبلي والاقطاعي والديني ضيق الأفق، والوضع الحزبي للنظام المباد، لقد انتهى هذا النظام واعتقد ان لدينا الان فرصة لإعادة النظر في هذه المواضيع.
وبمقارنة واقع الحال اليوم بما كان سائداً قبل سنوات والذي اوردنا بعض الاحصائيات والاستطلاعات حولهُ وبخاصة خلال الحرب العراقية-الايرانية وسنوات الحصار، نجد ان مؤشرات الامل في بداية التغيير بعد انهيار النظام المباد، قد ارتفعت كثيراً مع توقعات بازدياد الرواتب والاجور وارتفاع القوة الشرائية للعملة، وعودة المهاجرين، وتصريحات المسؤولين الحكوميين حول حل ازمة السكن وتفعيل النشاط الاجتماعي وتدعيم مؤسسة العائلة العراقية بما يعنيه من تشجيع الزواج، لكن هذه المؤشرات ما لبثت ان انحدرت مع مرور الاشهر والسنوات، فقد تدنت معدلات الزواج كما تقول الدكتورة خولة ناجي سعيد التي أبرزت احصائيات حديثة اشارت الى ارتفاع معدلات الزواج بعد سقوط النظام واعلان القوات الاميركية انتهاء العمليات العسكرية وعودة المحاكم الشرعية الى العمل، الى ما معدله 750 زيجة اسبوعياً في محاكم بغداد في الربع الأخير من عام 2003، ما لبثت ان تردت خلال النصف الاول من عام 2004 الى 600 زيجة ثم الى اقل من 400 زيجة في النصف الثاني وانهارت المعدلات الى ما دون 200 زيجة اسبوعياً خلال عام 2005 و150 زيجة واقل حتى شهر حزيران من هذا العام.
ويعزو الدكتور سعد عبد الرحمن الباحث في شؤون الاسرة العراقية بجامعة المستنصرية تردي معدلات الزواج الى هذه الحدود، الى تردي الأوضاع الأمنية واشتداد ازمة السكن وانخفاض المستوى المعاشي وارتفاع نسبة البطالة والتضخم وغلاء الأسعار وبخاصة مستلزمات الزواج كغرف النوم والملابس والهدايا التي يأتي الذهب في مقدمتها، وكذلك الهجرة الى الخارج من جديد التي شملت عوائل لم تكن تفكر فيها من قبل، والنزوح للمدن والمناطق والاحياء التي كانت تؤلف وحدات اجتماعية متقاربة ان لم نقل مترابطة وكانت تعد بمشاريع مصاهرة وزواج عديدة بحكم الجوار والمعرفة والعشرة وتقارب المستوى المعاشي، ويضيف الدكتور سعد، ان مشاكل العائلة والاسرة العراقية وحسب اولويتها وضعت زواج ابنائها في مؤخرة مشاريعها بسبب الكلف الباهظة غير القادرة على احتمالها وبسبب ازدحام بيوتها بافراد العائلة بما لا يوفر مجالاً لأسكان عائلة جديدة، لا تجد امكانية للأنفصال عن العائلة الام وتكوبن منزل جديد بسبب ازمة السكن التي تستفحل يوماً بعد آخر وارتفاع معدلات الايجار.
ويدعو الكثير من المهتمين بشؤون المرأة والعائلة العراقية الحكومة الى دراسة هذا الواقع بجدية ووضع الحلول والمعالجات المناسبة، والا فان المجتمع العراقي في غضون عقد من الزمن وفي ابعد الاحوال عقدين سيتحول الى مجتمع كهول بسبب النقص في ضخ الدماء الشابة اليه نتيجة ترحيل او تأجيل او شطب مشاريع الزواج.

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة