اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

دراسـة تحـلـيـليـــة .. النظـام القـانـوني للنـزاهـة
 

فارس حامد عبد الكريم
نائب رئيس هيئة النزاهة العامة

يعد الفساد الجريمة الأكثر خطراً من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة، فهو العامل الأكثر تخريباً وتدميراً للمجتمعات الفقيرة والنامية وسبب مباشر في ضياع فرص التقدم والرفاه الاجتماعي وإحباط التنمية وفي زيادة الفقراء فقراً، كما إنه يفقد الناس ثقتهم بقادتهم ولو كانوا مخلصين وذوي نوايا حسنة، وكثيراً ما قاد الفساد - الدول التي يجد له فيها مرتعاً خصباً - إلى هاوية الانحدار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وقد أشارت بحوث المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد باقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل والفقر والجريمة، بالنظر لتسرب الأموال المخصصة لمكافحتها إلى جيوب الفاسدين، فالنزاهة هي عماد التنمية وشرطها الأكثر أهمية،

غذ تدعم النزاهة الاقتصاد الوطني والبيئة السياسية والأخلاق العامة، وجاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2004 (إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر..).
وقد فشلت في كثير من الأحيان جهود مكافحة الفساد في مختلف دول العالم، ذلك أن الفساد جريمة سرية (ضبابية) يصعب في كثير من الأحيان إثباتها من خلال الوسائل التقليدية للإثبات والتحقيق، بالنظر لاحتياط الفاسدين بعدم تركهم دليلاً مادياً وراءهم يشير إلى تورطهم في هذه الجرائم، إذ هي تتم في أغلب الأحيان بعيداً عن أعين الناظرين وخلف الأبواب الموصدة، ويرتكبها في الغالب أشخاص على قدر من الدراية والمعرفة بأساليب الالتفاف على القانون وفي تسخير المعرفة التي يمتلكونها لأغراض دنيئة، ولذا يعجز ضحية الفساد غالباً عن إثبات دعواه أمام القضاء فيرجع خائباً ومضطراً لأن يكون ضحية للفساد في المرات المقبلة أيضاً.وإزاء هذا التحدي الكبير سعى فقهاء القانون إلى إيجاد أنظمة قانونية جديدة تتسم بالفعالية والمرونة في التطبيق تكفل الحد من هذه الظاهرة الخطرة إلى أبعد مدى ممكن ودراسة أسباب الفشل الذي اعترى وسائل مكافحة الفساد، فالتشخيص الدقيق للمشكلة جزء من حلها ويمكن استعراض وسائل مكافحة الفساد وأسباب فشلها في بعض الدول ونجاحها في أخرى على النحو الآتي:
1- إنشاء هيئات مستقلة للرقابة: تعد السلطة التنفيذية من أوسع مواطن الفساد من حيث الكم والنوع، بالنظر للمهمات الضخمة الملقاة على عاتقها المتمثلة في إدارة المرافق العامة للدولة وإدارة عموم النشاطات الاجتماعية والاقتصادية في البلد، وقد فشلت وسائل الرقابة الداخلية، أي رقابة الإدارة على نفسها، مثل التفتيش الإداري، في أداء الأغراض المرجوة منها، فالإدارة هنا هي الخصم والقاضي في ذات الوقت، إذ ينشأ في الغالب بين أفراد الإدارات العامة نوع من التضامن المشبوه يؤدي في أحيان كثيرة إلى التستر أو التساهل إزاء جرائم الفساد، كما أن القيادات السياسية تسعى دائماً للتستر على فضائح الفساد لأنها ذات تأثير قاتل على نتائج الانتخابات وتوجهات الرأي العام، وقد تستخدمها في أحيان أخرى لأسباب سياسية كوسيلة للقضاء على الخصوم السياسيين وتشويه سمعتهم، وعلى أساس من هذه المعطيات نشأت الدعوة إلى إنشاء هيئات رقابية مستقلة عن السلطة التنفيذية وعن أية سلطة أخرى، تتمتع بالاستقلال المؤسساتي الكامل، أي الاستقلال الإداري والمالي وفي سلطة اتخاذ القرار، ومنح منتسبي هيئات الرقابة قدراً محدداً من الحصانة (الإجرائية)، وعندها لا يخشى هؤلاء المنتسبون وهم يؤدون واجبهم من انتقام المتنفذين من رجال الإدارة العامة، وترتبط هذه الهيئات من الناحية الفنية بالسلطة التشريعية، وذلك لتجنب التأثير السلبي لحساسيات الأجهزة التنفيذية من هيئات الرقابة ومحاولاتها لإسقاطها أو تحجيمها أو التشكيك في جدواها، أما من الناحية الإدارية فيكون الارتباط محدوداً يقتصر على قيام السلطة التشريعية على انتخاب المسؤول الأعلى للرقابة وعزله ودفعاً لاحتمال تدخل الطموحات السياسية للأغلبية البرلمانية في هذا التعيين فإن الترشيح لهذا المنصب يتم من قبل سلطة أخرى محايدة هي السلطة القضائية. وهذا يمثل نوعاً من الرقابة المتبادلة بين السلطات المختلفة، فالاستقلال نسبي وليس مطلقاً، وهذا يمثل أفضل الحلول، ذلك أن الاستقلال المطلق لأية سلطة من السلطات يقود إلى الفساد وإلى نشوء نوع من الدكتاتورية المؤسساتية التي تفقد التعاون اللازم بين هذه السلطات مرونته بعدم أخذ أية سلطة من هذه السلطات الاعتبارات التي تهم السلطة الأخرى بنظر الاعتبار. فالرقابة المتبادلة تمثل الحد النسبي لاستقلالية أية سلطة، فقد يصدر القضاء، مثلاً، حكماً عادلاً ولكنه يتعارض مع مصلحة الدولة السياسية، كأن يؤدي إلى أزمة اجتماعية أو أزمة دولية، وهنا يأتي دور رقابة السلطة التنفيذية من خلال إصدار العفو العام أو الخاص. وكي لا تتحول هيئات الرقابة بدورها إلى مؤسسة دكتاتورية فإن الذي يبت في قضايا الفساد التي تكشفها هذه الهيئات هو القضاء. وجاء في المادة (36) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان وجود هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة الفساد من خلال إنفاذ القانون. وتمنح تلك الهيئة أو الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاستقلالية وفقاً للمبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة الطرف، لكي يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية ودون أي تاثير لا مسوغ له، وينبغي تزويد هؤلاء الأشخاص أو موظفي تلك الهيئة أو الهيئات بما يلزم من التدريب والموارد المالية لأداء مهامهم).
2- وجود نظام قانوني متميز لمكافحة الفساد: سبق القول أن الأساليب التقليدية في مكافحة الجريمة لم تجد نفعاً في مكافحة الفساد، بالنظر لخصوصية هذه الجريمة المرتكبة من قبل أشخاص يتمكنون من محو آثارها باستخدام صلاحياته القانونية أو علاقاتهم ونفوذهم الاجتماعي والسياسي، ولذا وجب إيجاد نظام قانوني بديل لمعالجة هذه الظاهرة الإجرامية ومن الأنظمة القانونية الفعالة قانون الكسب غير المشروع، فيما إذا أحسن تطبيقه، وأفضل جهة لتطبيقه هي الهيئة الرقابية المستقلة وقدر صدر مثل هذا القانون في عدد من الدول ومنها العراق، القانون رقم (15) لسنة 1958 المعدل النافذ، ولكن إيكال أمر تنفيذه بالسلطات التنفيذية في جزء منه أدى إلى تعطيله من الناحية الواقعية.
وهذا النظام القانوني لا يقوم على إثبات الفساد بشكل مباشر، كالبحث عن دليل مادي ملموس عن الرشوة أو الاختلاس، وإنما ينقل الإثبات إلى جملة وقائع متصلة تجعل من واقعة الفساد أمراً مرجحاً، كما إنه ينقل عبء الإثبات من عاتق المدعي إلى عاتق المدعى عليه، خلافاً للقاعدة العامة العامة للإثبات، التي تنص على أن البيئة تقع على عاتق المدعي، لأن الأصل براءة الذمة، وعلى هذا فإن القواعد القانونية الثابتة لم تقف عائقاً أمام الفكر القانوني الحديث وهو بصدد إنقاذ الإنسانية من مخاطر الفساد، ويتضمن هذا القانون إلزام الموظفين بتقديم كشف عن مصالحهم المالية، بما يملكونه من عقارات ومنقولات وأرصدة مالية وأسهم وسندات وحقوق، ومن ثم تتم مراقبة التطور المالي الحاصل للموظف سنوياً لتحديد الزيادات المالية الطارئة غير المعقولة قياساً إلى دخله السنوي المعتاد، مما يثير شبهة الفساد ومن ثم يخضع للتحقيق، فإذا عجز عن إثبات مصدر مشروع لأموال، التي حصل عليها بعد توليه الوظيفة العامة، تجرى محاكمته وفقاً لنصوص الكسب غير المشروع وإخضاعه للعقوبات المقررة في هذا القانون. وقد أوصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في المادة (20) بـ(اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير مشروع، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياساً إلى دخله المشروع).
ومن الوسائل القانونية الحديثة أيضاً، التي تبنتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في الفقرة (2) من المادة (13)، قبول الشكاوى المغفلة، أي التي لا يعرف اسم صاحبها ولا مصدرها، بعد ان كانت الشكاوى لا تقبل إلا إذا كانت مذيلة باسم وتوقيع صاحبها، والسبب في اعتماد هذا الخيار هو تعرض المخبرين عن الفساد وكذلك ضحاياه للتهديد والابتزاز أو للتصيفة من قبل مافيات الفساد في حالات كثيرة مما يتسبب في إحجامهم عن الإخبار عنها، ولكن قبول الشكاوى المغفلة لا يعني بالتأكيد اعتمادها كدليل، وإنما تؤخذ على سبيل الاستدلال على جغرافية انتشار الفساد لتكون نقطة الانطلاق في المراقبة والتحقيق، ليقول القضاء العادل كلمته في النهاية.
ومن الضروري أيضاً، حماية ضحايا الفساد الذين يضطرون لمسايرة الفاسدين ودفع الرشاوى لإنجاز معاملاتهم المشروعة، التي يعرقلها الفاسدون بغية إجبارهم على دفع الرشاوى، وذلك بإعفائهم من العقوبة المقررة لجريمة الراشي إذا ما قاموا بإبلاغ السلطات المختصة مباشرة عنها، إذ إن التعرض للعقاب هو السبب في إحجام ضحايا الرشوة عن الإبلاغ عنها وكذلك في صعبوة الكشف عنها، وفي الإعفاء من العقوبة مصلحة عامة، إذ يساعد ذلك على الكشف عن عدد ضخم من وقائع الفساد، وهكذا يمكن أن يكون ضحية الفساد أداة قوية وفعالة في مكافحة الفساد.
ومن الأفكار القانونية الحديثة التي تبنتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في المواد (21، 22)، تطبيق نصوص جريمتي الرشوة والاختلاس على وقائع الفساد في القطاع الخاص، بدلاً من قصرها على الوظيفة العامة والتكليف العام كما هو سائد في القوانين المقارنة، وذلك بالنظر لتعاظم دور هذا القطاع في مجال الخدمات العامة من خلال عمليات الخصخصة والتزام المرافق العامة التي تجري على نطاق واسع في كثير من الدول، مما يستدعي حماية المجتمع من فروض الفساد المتوقعة في هذا المجال.
ومن الضروري أيضاً إلغاء نصوص العقوبات الجزائية المقررة في قانون العقوبات لجريمة القذف والسب وقصر ذلك على دعوى التعويض المدنية، إذ إن تلويح الفاسدين باللجوء إلى هذه النصوص العقابية غالباً ما يشكل مانعاً من الإبلاغ عن الفساد والفاسدين بسبب خشية المبلغين من العجز عن إثبات دعواهم أمام القضاء.
ويمكن بتشريع تخصيص جوائز للمخبرين عن الفساد، ووضع نظام عادل للحوافز يقوم على معايير موضوعية لا شخصية لمكافأة رجال الإدارة المخلصين المتفانين في خدمة وطنهم.
يتضح مما تقدم ان الافكار القانونية الحديثة أضافت نهجاً جديداً في مكافحة الفساد، يقوم على التوسع في الفروض القانونية وعلى الخروج على بعض المبادئ القانونية العامة المستقرة.
3- وجود قضاء مستقل ونزيه وكفوء: لا شك أن جهود هيئات الرقابة ستذهب سدى إذا كان القضاء لا يتمتع بالاستقلال اللازم أو وصل الفساد إلى الهيئات القضائية أو كان القاضي لا يتمتع بالكفاءة العلمية اللازمة لأداء واجباته. ولذا وجب أن تتم عملية اختيار القضاة ومعاونيهم من المحققين والكتبة والإداريين بعناية خاصة. فكثيراً ما تحصل عمليات الفساد من خلال وسطاء من داخل الجهاز القضائي نفسه، إذ لا يجرؤ الناس عادة على عرض الرشوة على القضاة مباشرة. ونقصد باستقلال القضاء استقلاله كمؤسسة ويتجسد ذلك في استقلال القضاء إدارياً ومالياً وفي سلطة اتخاذ القرار، وأهم مظهر لاستقلال القضاء هو إنشاء مجلس للقضاء يتولى إدارة شؤون العدالة وشؤون القضاة من حيث التعيين والنقل والعزل دون تدخل من السلطات الأخرى. إن استقلال القضاء عامل أساس من عوامل مكافحة الفساد.
وإذا كنا نتحدث عن استقلال القضاء، أو استقلال أية سلطة عن الأخرى، فإننا لا نقصد الاستقلال المطلق، فمثل هذا الاستقلال سيؤدي في النهاية إلى إنهيار الدولة وعجز مؤسسات الدولة عن أداء واجباتها بشكل طبيعي، أما الاستقلال النسبي فهو الذي يتيح إمكانية الرقابة المتبادلة، فالسلطة توقف السلطة كما يذهب مونتسكيو وهو أول فقيه دعا إلى الفصل بين السلطات على أن تكون هناك رقابة متبادلة بينها منعاً لتعسف أية سلطة من هذه السلطات في استعمال الصلاحيات المقررة لها، ويتيح الاستقلال النسبي صلاحيات قانونية لأية سلطة من السلطات تجاه السلطات الأخرى، كسحب البرلمان الثقة من الحكومة أو حل البرلمان من قبل الحكومة وإعادة الانتخابات وصلاحية القضاء في إلغاء القوانين الصادرة من السلطة التشريعية المخالفة للدستور وصحلايته في إلغاء القرارات الإدارية المخالفة للدستور أو للقانون. وكي لا يتحول القضاء بدوره إلى مؤسسة دكتاتورية تؤدي إلى تخريب العملية السياسية ودون أن تراعى في أحكامها، ولو كانت عادلة وموافقة للقانون، المصلحة العامة وطبيعة العلاقات الدولية، فإن رقابة السلطة التنفيذية والتشريعية على سلطة القضاء تمثل صمام الأمان لذلك، ومن مظاهر هذه الرقابة اشتراك السلطة التنفيذية والتشريعية في تعيين رئيس مجلس القضاء بعد أن يرشحه مجلس القضاء وكذلك الأمر في حالة تعيين أعضاء المحكمة العليا، وفي حق رئيس السلطة التنفيذية في إصدار العفو العام أو الخاص وفي التوقيع على أحكام العقوبات القصوى، وفي استئذان وزير العدل بشأن اتخاذ الإجراءات القضائية بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة الدولية، وغير ذلك من أساليب الرقابة المتبادلة، وجاء في الفقرة (1) من المادة (11) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (نظراً لأهمية استقلالية القضاء وماله من دور حاسم في مكافحة الفساد، تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي، ويجوز أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز القضائي).
4- اعتماد نظم توظيف وقواعد إدارية ومحاسبية فعالة مانعة للفساد: الوظيفة العامة خدمة اجتماعية وواجب وطني تشرف كل من يقوم بها لأن خدمة أبناء الشعب ومساعدتهم على تحقيق آمالهم وتطلعاتهم المشروعة شرف كبير لمن يقوم به وأمانة ثقيلة يجب أن تؤدي بكل حرص وتفان وإخلاص، وليس كل شخص قادراً على أداء هذه المهمة بجدارة، ولذا ينبغي اعتماد نظم للتوظيف تقوم على اعتماد معايير موضوعية لاختيار الموظفين، مثل مستوى التأهيل العلمي ودرجة النجاح وإجراء امتحان للمقتدمين لشغل الوظائف العامة لتحديد مستوى الكفاءة والجدارة وتقييم مستوى الأداء بعد التعيين ووضع برامج تعليمية وتدريبية دائمة للموظفين ليتمكنوا من الوفاء بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العامة، وينبغي أن توضع قواعد للسلوك المهني يتعهد الموظف بالالتزام بها. ومن عوامل الحد من الفساد، أن تكون الرواتب التي يتقاضاها الموظفون منصفة ومجزية وتتناسب مع الوضع الاقتصادي للبلد. ومن الضروري أيضاً تفعيل دور الرقابة المالية واعتماد معايير للمحاسبة ومراجعة الحسابات تعزز الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة وتعد العقود الدولية مناخاً خصباً للفساد، لما تعرضه الشركات الأجنبية من رشاوى ضخمة لاستقطاب العروض الوطنية ومن ثم ينبغي اعتماد معايير موضوعية ثابتة لا تخضع للتقدير الشخصي، لإرساء العقود، واعتبار الفساد سبباً من اسباب فسخ هذه العقود. 4- وجود إعلام حر ومواطن واع: الإعلام، بصوره المختلفة، أداة قوية وفعالة من أدوات الرأي العام ويسهم، في الدول الديمقراطية، في فضح ظواهر الفساد، ويخشاه رجال الإدارة ويستجيبون بسرعة لما يطرحه من قضايا تهم الرأي العام، بل إنه تسبب في سقوط حكومات منتخبة في حالات عديدة بعد ثبوت ما طرحه من قضايا الفساد، وإذا كنا نتحدث عن دور الإعلام فإننا بالتأكيد نتحدث عن الإعلام النزيه الذي يسعى لتأكيد الحقيقة وحماية المجتمع وتقديم النصح للمسؤولين بغية تحسين الأداء العام، وإن كان محسوباً على جهات المعارضة السياسية. وللمواطن الواعي دور حيوي في المساهمة في الكشف عن الفساد، فهو ضحيته الأولى، وعليه وعلى أطفاله تنعكس آثاره السلبية، إذ يحرمه الفساد من التمتع بخيرات بلده، ويضطره لدفع الرشاوى والتوسل إلى الموظفين من ذوي الضمائر الميتة بهدف إنجاز معاملاته المشروعة، ولذا قيل أن الفساد يشكل اعتداءً على حقوق الإنسان وعلى كرامته، وللمساهمة في مكافحة الفساد، ينبغي إشراك قاعدة عريضة من المواطنين في الشؤون العامة وتنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات التعليمية للمساهمة في تنمية ثقافة النزاهة بين الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل مما يجعل الفرد ينظر إلى النزاهة بمستوى النظر للشرف الشخصي، يدافع عنها كما يدافع عن شرفه وحقوقه المادية والمعنوية، من أجل بناء مستقبل أفضل لنفسه ولأسرته.


المشهـد السـياسي وعقدة احتـكار الحـقــيـــقــــة
 

عباس لطيف
على إيقاع التداعيات والإفرازات التي بدأت تزيد من قتامة المشهد وضبابيته وتعمق إشكالياته السياسية والفكرية والقيمية لاسيما بعد إنهيار جدار برلين كمعادل ميداني لسقوط عصر الصراع الآيديولوجي ونهاية الحرب الباردة.
ومهما كانت العناوين والمسميات لمرحلة التسعينيات من القرن الماضي فإنها تؤشر نزوعاً غرائبياً بدأ بطرح ظلاله وإطروحاته ويتكشف عن التباس شمل كل مستويات التفكير والواقع السياسي العالمي وإعادة ترتيب فلسفة البراغماتية واختيار فرضياتها على كل المستويات.
إن تاريخ الفكر السياسي والفلسفي والاقتصادي وكل حقول وميادين الفكر الأخرى يعاني دوماً من عقدة التمركز واحتكار الحقيقة بصيغتها الاستحواذية المطلقة واستبعاد كل ما هو محتمل ونسبي أو أية رؤى مجاورة تشيع قيم وخلاصات التفاعل والتحاور ووفق هذا التوصيف تبدأ مرحلة تتسم بالنكوص والإشكالية والفوضى بعد تغيب قصدي للانفتاح والاتساق والنظام، فادعاء الحقيقة المطلقة واحتكارها هو المنعطف التأسيسي الأول لأية فكرة شمولية أو نظام توليتاري وهي العلامة الفارقة لأي توجه انفرادي يسعى إلى تضخم ذاتي مفرط لإزاحة وإقصاء الآخر وأزاحة الآخر تعني ضمناً حجب حريته وتصفية وجوده على المستويين الفيزيقي والتصوري لذا نجد أن كل المشاريع أو الأيديولوجيات المثالية والطوباوية في مدنها الفاضلة دعت إلى أن الحقيقة ملك مشاع وأرث إنساني رفيع ومتقدم وهي ثمرة من ثمرات العقل البشري الناضج والعقلاني البعيد عن اية طفولية يسارية أو يمينية والحقيقة حين تتحول إلى ملكية عامة وليست ملكية فردية وخاصة تبدأ مرحلة التوازن والفهم الحقيقي وتتوالد القيم العليا ويتسع مداها ويسود المشهد نوع من الحلم الثوري حيث اللا استبداد واللا طبقية واللا احتكار.
إن تجارب الشعوب وتواتر التاريخ وانعطافاته ومنها التجربة السياسية في العراق تبرهن يوماً بعد آخر على أن الطريق إلى المأثرة السياسية المؤهلة والناضجة والمتوازنة يمر عبر التحاور والتناظر والتجاور والاختلاف والمغايرة والنظر إلى الحقيقة بوصفها بؤرة مشعة للجميع وليست مصباح ديوجين مملوكاً أو مجيراً باسم أحد فالحقيقة أيديولوجية مفتوحة لجميع العقول والنيات والتوجهات لكنها تسقط في تداولية عدمية حين يحاول بعضهم القبض عليها ووضعها تحت الحجز الانفرادي فلا تصلها انساغ النمو والتطور والتلاقح فتتحول مع الزمن إلى بؤرة احتقان وتورم وغدد لا تفرز سوى أمصال العقم والسلوك البدائي والاحتراب واللجوء إلى التمويه والخداع وتسويغ كل التجاوزات وإشكال التمدد وصنع صنمية وطوطمية سياسية وهوس شعاراتي واللجوء إلى تطهرية مفتعلة وقداسة نصوصية مزيفة لذا ينتقل الخطاب دوماً باتجاه الميتافيزيقيا والإنشائية والتشبث بالمثل والابتعاد عن الواقعية باتجاه الغيبية استثماراً لنمطية التلقي السطحي القائم على الانفعال والشحنة العاطفية.. الانوية لا على التحليل العلمي الموضوعي العقلاني.
وتتحول أشكال احتكار الحقيقة إلى تمظهرات تتركز أساساً على إقصاء الآخر وعدم قبوله ووفق التدرج الطبيعي لمثل هذا التوجه ينضج الظرف الذاتي والموضوعي لنشوء وانطلاق ثقافة العنف كبديل سلبي لثقافة التحاور وقبول الآخر وتداولية الحقيقة والإقرار بقيم بدائلية تشيع الانفتاح وتلغي التطرف وتفسح الطريق لتنمية المسافات الإيجابية بين الأنا والآخر والتأزر بين كل زوايا النظر إلى الحقيقة، فالحقيقة واحدة ثابتة ليس بمعنى أدلجتها أو نقلها إلى عالم جامد ومتحجر وإنما القصد جعلها مركزية بإشعاعها وما حولها يتم التنوير والتحاور والأخذ بمعطيات التجاذب والتلاقي والافتراق وفق صيغة الانشداد إلى مطلقية خارج الذات المؤسسة للخطاب على حد تعبير ميشيل فوكو.
إن الاحتكام إلى ثقافة الحقيقة المشاعة والمشعة وتحويلها إلى ثروة فكرية ووطنية وإنسانية هو أحد عوامل التجاوز والارتقاء بأية تجربة سياسية كانت أم غير سياسية وصولاً إلى منطق راق ومتعال ومحلق يفضي إلى ثقافة التنوير وتحرير الصراع من النزوع الأنوي المقيت وجعله حواراً بناء متوهجاً ينشد مسرة جمعيةويؤسس لعالم إنساني رفيع ومغادرة منطق الاحتراب والكهوف واستنساخ التجارب الرثة في التفكير السياسي ومجاوزة التراجيديا ومن أجل ألا يعيد التاريخ نفسه ويغتال الحقيقة والقبض عليها مع سبق الإلغاء والانفراد.


الدعــــاية البغداديـــــة لواشنــــــطن
 

علي عبد السادة
في ترجمة لتقرير نشرتهُ الـ(صنداي تايمز)اللندنية، تقترح " لجنة دراسة الاوضاع في العراق" التي يرأسها وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر، حلاً لازمة العراق بتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم، ويبدو أن بيكر سرب معلومات بخصوص التقرير، أمام مراسل شبكة (أي بي أس الامريكية)، فيما كان قد وعد، سابقا، بالاحتفاظ بالمعلومات المهمة إلى مابعد أنتخابات التجديد النصفية. وبيكر فعل ماهو مناسب وصحيح، على أقل تقدير، فهو يريد أن يعادل كفة الجمهوريين ويلفت الرأي العام اليه، فالاخير منشغل بـ(بوب وودورد) وكتابه الجديد "دولة الانكار".واشنطن، الان، أسرع مدينة في العالم في توالي الاحداث، ويبدو ان كل شيء مرتبط، لدى الجمهوريين، بالسياسة الخارجية والعراق، وبقية مشاريع الشرق الاوسط، وبالاقتصاد والميزانيات المفتوحة للجيش، لدى الحزب الديمقراطي. ومرشحو الاخير يعدون العدة، منذ تقرير الـ "16" وكالة استخبارات بخصوص الحرب في العراق وحتى كتاب بوب، يعدون للانقضاض على خصومهم، صقور البيت الابيض. وظاهرة البربوكاندا الانتخابية لم تترك شيئاً ألا واصبح الفرصة المناسبة للأستغلال السياسي، أذ لم تبق فضيحة النائب الجمهوري، مارك فولي، في درج مكاتب الصحفيين سوى بضع ساعات حتى امتلأت صحف الميول الديمقراطية، وحتى الجمهورية، بعناوين تحرش "فولي" بصبي في الجامعة. وهنا سارعت رايس في ركوب طائرة إلى الرياض في محاولة لخلق "انعطافة مؤقتة" في الشرق الاوسط، او ماسماه رجالات مراكز الابحاث في واشنطن أعادة احياء "التحالف مع المعتدلين". الصراع الاعلامي في واشنطن سرعان ما انعكس على الاجواء في الشرق الاوسط، وخصوصا بغداد، وبات سكانها في حيرة بين كشف نتيجة الحامض النووي لـ "أبو أيوب"، وأتفاق من أربع نقاط لوقف العنف في وقت مازلنا فيه نكتشف جثث المساكين توزع نفسها بالمجان على شوارع المدينة، واصبح عدد القتلى والمفقودين مقياس الفوز، أو الخسارة، باكبر، أو اقل، عدد من مقاعد الكونغرس. ومادامت كل هذهِ الخطوات والاتفاقات، غير النافذة، تسير بشكل توافقي سلس، على عكس ما تقتضيه المعادلة الطائفية في بغداد، قبل انتخابات نصفية في واشنطن، علينا الان البحث عن اقل مانملك من شجاعة لنسأل:" ماذا سيجري بعد مؤتمرات المصالحة ومواثيقها، في وقت يحتاج ابسط جهاز أمني في بغداد إلى تقليب أوراقه من جديد. لست متشائماً، ولست جمهورياً أو ديمقراطياً لانظر لابطال الكونغرس القادمين، ولا يهمني ان مشاريع الشرق الاوسط مهددة بالخطر، ولكن مازلت أسأل نفسي عن الفرق "السيادي" بين حملة انتخابية في واشنطن وبين حملة حلول نافذة في بغداد. وأن كان امرنا مرتبطاً بنتائج انتخابات أمريكية، فهل ننتظر مفاجآت على أرض العاصمة بعد حسم حصص الكونغرس؟، ام أننا سنصبح مجرد أعلان تلفزيوني يدعو لترشيح ذلك "النائب" إلى الكونغرس، أم أننا مجرد قطع بلاستيكية معادة تذوب بمفخخة السوق؟..
لا أدري!
ربما، أفضل شيء علينا الاقتناع به هو أن مئات العاطلين عن العمل يمرون يوميا من امام المنطقة الخضراء لايشاهدون التلفاز ولايعترفون بالكواليس
الرجاء، أعيدوا لهم مافقدوه...
الوطن..


القضـــاء العــراقي ونــظرية القـــدر المتــيقن
 

المحامي نبيل ميجر السعد
تعني هذه النظرية في مجال القضاء الجنائي انه اذا تعذر معرفة محدث الضربة القاتلة، ينبغي اعتبار جميع الجناة شركاء لفاعل مجهول بينهم... فيسأل كل واحد منهم عن الافعال التي ثبت بالاقل انه ارتكبها على سبيل الجزم وهي افعال الاشتراك تطبيقاً لقاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم وتغليباً لكفة القدر الاخف الثابت في حقه ومن منطلق ان صفة الشريك هي القدر المتيقن بالنسبة لكل واحد منهم. ويشترط لتطبيق النظرية ما يلي:
1- وقوع الحادثة دون اتفاق مسبق.
2- الاشتراك في اطلاق النار على المجنى عليه من قبل عدة اشخاص، فاذا كان الجاني شخصاً واحداً فلا مجال عندئذ لتطبيق نظرية القدر المتيقن.
3- اصابة المجنى عليه اصابة واحدة في جسمه.
اذن لا يصار إلى هذه النظرية في حالة الاتفاق او الاشتراك، بل تطبق في حالة وقوع فعلين او اكثر من شخصين او اكثر دون اتفاق او اشتراك وتعذر معرفة من ارتكب الجريمة التامة على وجه اليقين فيصار حينئذ إلى الجزء المتحقق وقوعه من الفاعلين وهو الشروع. ومن التطبيقات القضائية على ما تقدم: ثبت للمحكمة ان المتهم الحاضر والمتهمين الهاربين اطلقوا النار من بنادقهم فاصيب المجنى عليه بطلقتين تسببا في موته وتبين من الكشف على محل الحادث اصابة الساحبة الزراعية التي كان يقودها المجنى عليه بطلقة.فهذه الادلة تكفي لادانة المتهمين المذكورين عن الجريمة اي جريمة القتل العمد والوقائع اثبتت وقوع الحادث باتفاق آني دل عليه الفعل الذي قام به كل مساهم منهم. فاطلاق المتهمين جميعاً الرصاص على المجنى عليه في الوقت نفسه واصابته باكثر من طلقة يثبت انهم جميعاً كانوا قاصدين قتلهِ متفقين على ذلك فوقوع القتل من اي منهم تشمل مسؤوليته الآخرين. اما نظرية القدر المتيقن فلا يصار اليها في هذه الحالة. وحيث ان محكمة الجنايات قد جانبت الصواب فحكمت على المتهم المدان الحاضر بعقوبة الشروع فقد نقضت محكمة التمييز قرارات محكمة الجنايات واعيدت الاضبارة إلى محكمتها لاجراء المحاكمة مجدداً. وفي قضية اخرى وجدت محكمة التمييز ان المتهمين حضروا إلى احدى الدور السكنية وكان المجنى عليه حاضراً في تلك الدار ايضاً وبسبب خلاف بينهم اطلقوا النار فاصيب المجنى عليه الضيف كما اصيب صاحب الدار ايضاً وتوفيا من جراء ذلك ثم هرب المتهمون. واثبتت الوقائع وقوع فعلهم بالاتفاق المسبق وهذا الاتفاق يقع في جريمة ارتكبت مع سبق الاصرار. اما نظرية القدر المتيقن فلا يذهب اليها الا عند افتقاد اي ركن من اركان الاشتراك. وهي ترد في حالة ارتكاب شخصين فاكثر افعالاً ضد مجنى عليه دون اتفاق او اشتراك فيصاب برصاص لا يعرف اي منهم هو الذي اطلق النار عليه فيفسر بالمقدار الذي ثبت على وجه اليقين صدوره منهم وهو الشروع بالقتل. وهذا ما لا ينطبق على الواقعة التي ارتكبها المتهمون المشار اليها آنفاً.
وهكذا لم تأخذ محكمة التمييز بهذه النظرية لانها وجدت من وقائع الدعوى انه بتاريخ الحادث الواقع في 30/7/1997 في احدى القرى الواقعة في قضاء طوزخورماتو حدث شجار آني بين جماعة (س) وجماعة (ص) واستعملت العصي بالشجار فحضر بعض من وجهاء القرية وفضوا النزاع وبعد مرور عشر دقائق عاد الشجار بعودة المتهمين وهم مسلحون حيث اطلق ثلاثة متهمين النار من بنادقهم على بيت المجنى عليه وكانت نتيجة الرمي قتل المجنى عليه لاصابته بطلق ناري نافذ في العين اليمنى وخارج من المنطقة الصدغية اليمنى وقد اكد التقرير التشـريحي الصادر من شعبة الطبـابة العدليـة في مستشفى الرشيد العسكري ان عدد الاطلاقات واحدة ولا يمكن تحديد نوع السلاح لنفاذ الاطلاقة خارج الجثة ولا اثر لاية شدة اخرى على الجسم. اذن فقد ضاع على المحكمة مصدر الطلقة من بين الذين ساهموا في الاطلاق والمؤكد اطلاقهم النار على بيت المجنى عليه من الاسلحة التي كانوا يحملونها. وهنا لابد من الخوض في الادلة التي ثبت ارتكاب الفعل من قبل المتهمين والتكييف القانوني لهذا الفعل ولدى الرجوع إلى ملف القضية وجد ان المتهمين المذكورين كانوا يقومون باطلاق النار باتجاه منزل المجنى عليه بالاشتراك مع متهمين هاربين ونتج عن الحادث اصابة المجنى عليه بطلق ناري في رأسه سبب وفاته وتأيدت اقوال الشهود بمحاضر الضبط والتقارير الطبية الاولية والنهائية وهي ادلة كافية ومقنعة لادانة المتهمين. اما فيما يتعلق بالتكييف القانوني وهل لنظرية القدر المتيقن التي اشارت اليها مطالعة رئاسة الادعاء العام حضوراً من عدمه. ومن خلال وقائع هذه القضية تبين للمحكمة ان جريمة القتل المرتكبة مشفوعة بالظرف المشدد وهو سبق الاصرار. فالمتهمون في هذه الحالة يجب مساءلتهم جميعاً عن جريمة القتل المرتكبة لا فرق بين من اصاب منهم المجنى عليه ومن لم يصبه. وهكذا نقضت محكمة التمييز الحكم الصادر من محكمة جنايات صلاح الدين والقاضي بالغاء التهمة والافراج عن المتهمين الحاضرين بحجة عدم كفاية الادلة واعادة الاضبارة إلى محكمتها لاجراء المحاكمة مجدداً بغية ادانتهم عن جريمة القتل العمد التامة وفق المادة 504 من قانون العقوبات لتحقق القصد الاحتمالي في فعل المتهمين وفق ما تقضي به المادة 53 من قانون العقوبات واصدار امر القبض بحقهم. علماً ان المادة 53 تنص على انه ((يعاقب المساهم في جريمة - فاعلاً كان ام شريكاً بعقوبة الجريمة التي وقعت فعلاً ولو كانت غير التي قصد ارتكابها متى كانت الجريمة التي وقعت نتيجة محتملة للمساهمة التي حصلت)).
وصفوة القول ان هذه النظرية التي تهدف إلى معاقبة الفاعلين حسب المقدار المتحقق على وجه اليقين من افعالهم لم يطبقها القضاء العراقي الا في اضيق نطاق وبدلاً من هذه النظرية يتجه القضاء غالباً إلى تطبيق نص المادة 53 الآنف الذكر.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة