دراسـة
تحـلـيـليـــة ..
النظـام القـانـوني
للنـزاهـة
فارس
حامد عبد الكريم
نائب رئيس هيئة النزاهة العامة
يعد الفساد الجريمة
الأكثر خطراً من بين الجرائم التي تنال من قيم العدالة
وسبل تنمية وتطور المجتمعات المعاصرة، فهو العامل الأكثر
تخريباً وتدميراً للمجتمعات الفقيرة والنامية وسبب مباشر
في ضياع فرص التقدم والرفاه الاجتماعي وإحباط التنمية وفي
زيادة الفقراء فقراً، كما إنه يفقد الناس ثقتهم بقادتهم
ولو كانوا مخلصين وذوي نوايا حسنة، وكثيراً ما قاد الفساد
- الدول التي يجد له فيها مرتعاً خصباً - إلى هاوية
الانحدار الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وقد
أشارت بحوث المنظمات الدولية، كالأمم المتحدة ومنظمة
الشفافية الدولية إلى عمق الدمار الذي ألحقه الفساد
باقتصاديات الدول النامية وفي دوام أسباب المرض والجهل
والفقر والجريمة، بالنظر لتسرب الأموال المخصصة لمكافحتها
إلى جيوب الفاسدين، فالنزاهة هي عماد التنمية وشرطها
الأكثر أهمية،
غذ
تدعم النزاهة الاقتصاد الوطني والبيئة السياسية والأخلاق
العامة، وجاء في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
لعام 2004 (إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، إذ تقلقها
خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار
المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها
والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة
وسيادة القانون للخطر..).
وقد فشلت في كثير من الأحيان جهود مكافحة الفساد في مختلف
دول العالم، ذلك أن الفساد جريمة سرية (ضبابية) يصعب في
كثير من الأحيان إثباتها من خلال الوسائل التقليدية
للإثبات والتحقيق، بالنظر لاحتياط الفاسدين بعدم تركهم
دليلاً مادياً وراءهم يشير إلى تورطهم في هذه الجرائم، إذ
هي تتم في أغلب الأحيان بعيداً عن أعين الناظرين وخلف
الأبواب الموصدة، ويرتكبها في الغالب أشخاص على قدر من
الدراية والمعرفة بأساليب الالتفاف على القانون وفي تسخير
المعرفة التي يمتلكونها لأغراض دنيئة، ولذا يعجز ضحية
الفساد غالباً عن إثبات دعواه أمام القضاء فيرجع خائباً
ومضطراً لأن يكون ضحية للفساد في المرات المقبلة
أيضاً.وإزاء هذا التحدي الكبير سعى فقهاء القانون إلى
إيجاد أنظمة قانونية جديدة تتسم بالفعالية والمرونة في
التطبيق تكفل الحد من هذه الظاهرة الخطرة إلى أبعد مدى
ممكن ودراسة أسباب الفشل الذي اعترى وسائل مكافحة الفساد،
فالتشخيص الدقيق للمشكلة جزء من حلها ويمكن استعراض وسائل
مكافحة الفساد وأسباب فشلها في بعض الدول ونجاحها في أخرى
على النحو الآتي:
1- إنشاء هيئات مستقلة للرقابة: تعد السلطة التنفيذية من
أوسع مواطن الفساد من حيث الكم والنوع، بالنظر للمهمات
الضخمة الملقاة على عاتقها المتمثلة في إدارة المرافق
العامة للدولة وإدارة عموم النشاطات الاجتماعية
والاقتصادية في البلد، وقد فشلت وسائل الرقابة الداخلية،
أي رقابة الإدارة على نفسها، مثل التفتيش الإداري، في أداء
الأغراض المرجوة منها، فالإدارة هنا هي الخصم والقاضي في
ذات الوقت، إذ ينشأ في الغالب بين أفراد الإدارات العامة
نوع من التضامن المشبوه يؤدي في أحيان كثيرة إلى التستر أو
التساهل إزاء جرائم الفساد، كما أن القيادات السياسية تسعى
دائماً للتستر على فضائح الفساد لأنها ذات تأثير قاتل على
نتائج الانتخابات وتوجهات الرأي العام، وقد تستخدمها في
أحيان أخرى لأسباب سياسية كوسيلة للقضاء على الخصوم
السياسيين وتشويه سمعتهم، وعلى أساس من هذه المعطيات نشأت
الدعوة إلى إنشاء هيئات رقابية مستقلة عن السلطة التنفيذية
وعن أية سلطة أخرى، تتمتع بالاستقلال المؤسساتي الكامل، أي
الاستقلال الإداري والمالي وفي سلطة اتخاذ القرار، ومنح
منتسبي هيئات الرقابة قدراً محدداً من الحصانة (الإجرائية)،
وعندها لا يخشى هؤلاء المنتسبون وهم يؤدون واجبهم من
انتقام المتنفذين من رجال الإدارة العامة، وترتبط هذه
الهيئات من الناحية الفنية بالسلطة التشريعية، وذلك لتجنب
التأثير السلبي لحساسيات الأجهزة التنفيذية من هيئات
الرقابة ومحاولاتها لإسقاطها أو تحجيمها أو التشكيك في
جدواها، أما من الناحية الإدارية فيكون الارتباط محدوداً
يقتصر على قيام السلطة التشريعية على انتخاب المسؤول
الأعلى للرقابة وعزله ودفعاً لاحتمال تدخل الطموحات
السياسية للأغلبية البرلمانية في هذا التعيين فإن الترشيح
لهذا المنصب يتم من قبل سلطة أخرى محايدة هي السلطة
القضائية. وهذا يمثل نوعاً من الرقابة المتبادلة بين
السلطات المختلفة، فالاستقلال نسبي وليس مطلقاً، وهذا يمثل
أفضل الحلول، ذلك أن الاستقلال المطلق لأية سلطة من
السلطات يقود إلى الفساد وإلى نشوء نوع من الدكتاتورية
المؤسساتية التي تفقد التعاون اللازم بين هذه السلطات
مرونته بعدم أخذ أية سلطة من هذه السلطات الاعتبارات التي
تهم السلطة الأخرى بنظر الاعتبار. فالرقابة المتبادلة تمثل
الحد النسبي لاستقلالية أية سلطة، فقد يصدر القضاء، مثلاً،
حكماً عادلاً ولكنه يتعارض مع مصلحة الدولة السياسية، كأن
يؤدي إلى أزمة اجتماعية أو أزمة دولية، وهنا يأتي دور
رقابة السلطة التنفيذية من خلال إصدار العفو العام أو
الخاص. وكي لا تتحول هيئات الرقابة بدورها إلى مؤسسة
دكتاتورية فإن الذي يبت في قضايا الفساد التي تكشفها هذه
الهيئات هو القضاء. وجاء في المادة (36) من اتفاقية الأمم
المتحدة لمكافحة الفساد (تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ
الأساسية لنظامها القانوني، ما قد يلزم من تدابير لضمان
وجود هيئة أو هيئات متخصصة أو أشخاص متخصصين في مكافحة
الفساد من خلال إنفاذ القانون. وتمنح تلك الهيئة أو
الهيئات أو هؤلاء الأشخاص ما يلزم من الاستقلالية وفقاً
للمبادئ الأساسية للنظام القانوني للدولة الطرف، لكي
يستطيعوا أداء وظائفهم بفعالية ودون أي تاثير لا مسوغ له،
وينبغي تزويد هؤلاء الأشخاص أو موظفي تلك الهيئة أو
الهيئات بما يلزم من التدريب والموارد المالية لأداء
مهامهم).
2- وجود نظام قانوني متميز لمكافحة الفساد: سبق القول أن
الأساليب التقليدية في مكافحة الجريمة لم تجد نفعاً في
مكافحة الفساد، بالنظر لخصوصية هذه الجريمة المرتكبة من
قبل أشخاص يتمكنون من محو آثارها باستخدام صلاحياته
القانونية أو علاقاتهم ونفوذهم الاجتماعي والسياسي، ولذا
وجب إيجاد نظام قانوني بديل لمعالجة هذه الظاهرة الإجرامية
ومن الأنظمة القانونية الفعالة قانون الكسب غير المشروع،
فيما إذا أحسن تطبيقه، وأفضل جهة لتطبيقه هي الهيئة
الرقابية المستقلة وقدر صدر مثل هذا القانون في عدد من
الدول ومنها العراق، القانون رقم (15) لسنة 1958 المعدل
النافذ، ولكن إيكال أمر تنفيذه بالسلطات التنفيذية في جزء
منه أدى إلى تعطيله من الناحية الواقعية.
وهذا النظام القانوني لا يقوم على إثبات الفساد بشكل مباشر،
كالبحث عن دليل مادي ملموس عن الرشوة أو الاختلاس، وإنما
ينقل الإثبات إلى جملة وقائع متصلة تجعل من واقعة الفساد
أمراً مرجحاً، كما إنه ينقل عبء الإثبات من عاتق المدعي
إلى عاتق المدعى عليه، خلافاً للقاعدة العامة العامة
للإثبات، التي تنص على أن البيئة تقع على عاتق المدعي، لأن
الأصل براءة الذمة، وعلى هذا فإن القواعد القانونية
الثابتة لم تقف عائقاً أمام الفكر القانوني الحديث وهو
بصدد إنقاذ الإنسانية من مخاطر الفساد، ويتضمن هذا القانون
إلزام الموظفين بتقديم كشف عن مصالحهم المالية، بما
يملكونه من عقارات ومنقولات وأرصدة مالية وأسهم وسندات
وحقوق، ومن ثم تتم مراقبة التطور المالي الحاصل للموظف
سنوياً لتحديد الزيادات المالية الطارئة غير المعقولة
قياساً إلى دخله السنوي المعتاد، مما يثير شبهة الفساد ومن
ثم يخضع للتحقيق، فإذا عجز عن إثبات مصدر مشروع لأموال،
التي حصل عليها بعد توليه الوظيفة العامة، تجرى محاكمته
وفقاً لنصوص الكسب غير المشروع وإخضاعه للعقوبات المقررة
في هذا القانون. وقد أوصت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة
الفساد في المادة (20) بـ(اعتماد ما قد يلزم من تدابير
تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي إثراء غير
مشروع، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها
بصورة معقولة قياساً إلى دخله المشروع).
ومن الوسائل القانونية الحديثة أيضاً، التي تبنتها اتفاقية
الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في الفقرة (2) من المادة
(13)، قبول الشكاوى المغفلة، أي التي لا يعرف اسم صاحبها
ولا مصدرها، بعد ان كانت الشكاوى لا تقبل إلا إذا كانت
مذيلة باسم وتوقيع صاحبها، والسبب في اعتماد هذا الخيار هو
تعرض المخبرين عن الفساد وكذلك ضحاياه للتهديد والابتزاز
أو للتصيفة من قبل مافيات الفساد في حالات كثيرة مما يتسبب
في إحجامهم عن الإخبار عنها، ولكن قبول الشكاوى المغفلة لا
يعني بالتأكيد اعتمادها كدليل، وإنما تؤخذ على سبيل
الاستدلال على جغرافية انتشار الفساد لتكون نقطة الانطلاق
في المراقبة والتحقيق، ليقول القضاء العادل كلمته في
النهاية.
ومن الضروري أيضاً، حماية ضحايا الفساد الذين يضطرون
لمسايرة الفاسدين ودفع الرشاوى لإنجاز معاملاتهم المشروعة،
التي يعرقلها الفاسدون بغية إجبارهم على دفع الرشاوى، وذلك
بإعفائهم من العقوبة المقررة لجريمة الراشي إذا ما قاموا
بإبلاغ السلطات المختصة مباشرة عنها، إذ إن التعرض للعقاب
هو السبب في إحجام ضحايا الرشوة عن الإبلاغ عنها وكذلك في
صعبوة الكشف عنها، وفي الإعفاء من العقوبة مصلحة عامة، إذ
يساعد ذلك على الكشف عن عدد ضخم من وقائع الفساد، وهكذا
يمكن أن يكون ضحية الفساد أداة قوية وفعالة في مكافحة
الفساد.
ومن الأفكار القانونية الحديثة التي تبنتها اتفاقية الأمم
المتحدة لمكافحة الفساد في المواد (21، 22)، تطبيق نصوص
جريمتي الرشوة والاختلاس على وقائع الفساد في القطاع الخاص،
بدلاً من قصرها على الوظيفة العامة والتكليف العام كما هو
سائد في القوانين المقارنة، وذلك بالنظر لتعاظم دور هذا
القطاع في مجال الخدمات العامة من خلال عمليات الخصخصة
والتزام المرافق العامة التي تجري على نطاق واسع في كثير
من الدول، مما يستدعي حماية المجتمع من فروض الفساد
المتوقعة في هذا المجال.
ومن الضروري أيضاً إلغاء نصوص العقوبات الجزائية المقررة
في قانون العقوبات لجريمة القذف والسب وقصر ذلك على دعوى
التعويض المدنية، إذ إن تلويح الفاسدين باللجوء إلى هذه
النصوص العقابية غالباً ما يشكل مانعاً من الإبلاغ عن
الفساد والفاسدين بسبب خشية المبلغين من العجز عن إثبات
دعواهم أمام القضاء.
ويمكن بتشريع تخصيص جوائز للمخبرين عن الفساد، ووضع نظام
عادل للحوافز يقوم على معايير موضوعية لا شخصية لمكافأة
رجال الإدارة المخلصين المتفانين في خدمة وطنهم.
يتضح مما تقدم ان الافكار القانونية الحديثة أضافت نهجاً
جديداً في مكافحة الفساد، يقوم على التوسع في الفروض
القانونية وعلى الخروج على بعض المبادئ القانونية العامة
المستقرة.
3- وجود قضاء مستقل ونزيه وكفوء: لا شك أن جهود هيئات
الرقابة ستذهب سدى إذا كان القضاء لا يتمتع بالاستقلال
اللازم أو وصل الفساد إلى الهيئات القضائية أو كان القاضي
لا يتمتع بالكفاءة العلمية اللازمة لأداء واجباته. ولذا
وجب أن تتم عملية اختيار القضاة ومعاونيهم من المحققين
والكتبة والإداريين بعناية خاصة. فكثيراً ما تحصل عمليات
الفساد من خلال وسطاء من داخل الجهاز القضائي نفسه، إذ لا
يجرؤ الناس عادة على عرض الرشوة على القضاة مباشرة. ونقصد
باستقلال القضاء استقلاله كمؤسسة ويتجسد ذلك في استقلال
القضاء إدارياً ومالياً وفي سلطة اتخاذ القرار، وأهم مظهر
لاستقلال القضاء هو إنشاء مجلس للقضاء يتولى إدارة شؤون
العدالة وشؤون القضاة من حيث التعيين والنقل والعزل دون
تدخل من السلطات الأخرى. إن استقلال القضاء عامل أساس من
عوامل مكافحة الفساد.
وإذا كنا نتحدث عن استقلال القضاء، أو استقلال أية سلطة عن
الأخرى، فإننا لا نقصد الاستقلال المطلق، فمثل هذا
الاستقلال سيؤدي في النهاية إلى إنهيار الدولة وعجز مؤسسات
الدولة عن أداء واجباتها بشكل طبيعي، أما الاستقلال النسبي
فهو الذي يتيح إمكانية الرقابة المتبادلة، فالسلطة توقف
السلطة كما يذهب مونتسكيو وهو أول فقيه دعا إلى الفصل بين
السلطات على أن تكون هناك رقابة متبادلة بينها منعاً لتعسف
أية سلطة من هذه السلطات في استعمال الصلاحيات المقررة لها،
ويتيح الاستقلال النسبي صلاحيات قانونية لأية سلطة من
السلطات تجاه السلطات الأخرى، كسحب البرلمان الثقة من
الحكومة أو حل البرلمان من قبل الحكومة وإعادة الانتخابات
وصلاحية القضاء في إلغاء القوانين الصادرة من السلطة
التشريعية المخالفة للدستور وصحلايته في إلغاء القرارات
الإدارية المخالفة للدستور أو للقانون. وكي لا يتحول
القضاء بدوره إلى مؤسسة دكتاتورية تؤدي إلى تخريب العملية
السياسية ودون أن تراعى في أحكامها، ولو كانت عادلة
وموافقة للقانون، المصلحة العامة وطبيعة العلاقات الدولية،
فإن رقابة السلطة التنفيذية والتشريعية على سلطة القضاء
تمثل صمام الأمان لذلك، ومن مظاهر هذه الرقابة اشتراك
السلطة التنفيذية والتشريعية في تعيين رئيس مجلس القضاء
بعد أن يرشحه مجلس القضاء وكذلك الأمر في حالة تعيين أعضاء
المحكمة العليا، وفي حق رئيس السلطة التنفيذية في إصدار
العفو العام أو الخاص وفي التوقيع على أحكام العقوبات
القصوى، وفي استئذان وزير العدل بشأن اتخاذ الإجراءات
القضائية بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة الدولية، وغير ذلك
من أساليب الرقابة المتبادلة، وجاء في الفقرة (1) من
المادة (11) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (نظراً
لأهمية استقلالية القضاء وماله من دور حاسم في مكافحة
الفساد، تتخذ كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها
القانوني ودون مساس باستقلالية القضاء، تدابير لتدعيم
النزاهة ودرء فرص الفساد بين أعضاء الجهاز القضائي، ويجوز
أن تشمل تلك التدابير قواعد بشأن سلوك أعضاء الجهاز
القضائي).
4- اعتماد نظم توظيف وقواعد إدارية ومحاسبية فعالة مانعة
للفساد: الوظيفة العامة خدمة اجتماعية وواجب وطني تشرف كل
من يقوم بها لأن خدمة أبناء الشعب ومساعدتهم على تحقيق
آمالهم وتطلعاتهم المشروعة شرف كبير لمن يقوم به وأمانة
ثقيلة يجب أن تؤدي بكل حرص وتفان وإخلاص، وليس كل شخص
قادراً على أداء هذه المهمة بجدارة، ولذا ينبغي اعتماد نظم
للتوظيف تقوم على اعتماد معايير موضوعية لاختيار الموظفين،
مثل مستوى التأهيل العلمي ودرجة النجاح وإجراء امتحان
للمقتدمين لشغل الوظائف العامة لتحديد مستوى الكفاءة
والجدارة وتقييم مستوى الأداء بعد التعيين ووضع برامج
تعليمية وتدريبية دائمة للموظفين ليتمكنوا من الوفاء
بمتطلبات الأداء الصحيح والمشرف والسليم للوظائف العامة،
وينبغي أن توضع قواعد للسلوك المهني يتعهد الموظف
بالالتزام بها. ومن عوامل الحد من الفساد، أن تكون الرواتب
التي يتقاضاها الموظفون منصفة ومجزية وتتناسب مع الوضع
الاقتصادي للبلد. ومن الضروري أيضاً تفعيل دور الرقابة
المالية واعتماد معايير للمحاسبة ومراجعة الحسابات تعزز
الشفافية والمساءلة في إدارة الأموال العامة وتعد العقود
الدولية مناخاً خصباً للفساد، لما تعرضه الشركات الأجنبية
من رشاوى ضخمة لاستقطاب العروض الوطنية ومن ثم ينبغي
اعتماد معايير موضوعية ثابتة لا تخضع للتقدير الشخصي،
لإرساء العقود، واعتبار الفساد سبباً من اسباب فسخ هذه
العقود. 4- وجود إعلام حر ومواطن واع: الإعلام، بصوره
المختلفة، أداة قوية وفعالة من أدوات الرأي العام ويسهم،
في الدول الديمقراطية، في فضح ظواهر الفساد، ويخشاه رجال
الإدارة ويستجيبون بسرعة لما يطرحه من قضايا تهم الرأي
العام، بل إنه تسبب في سقوط حكومات منتخبة في حالات عديدة
بعد ثبوت ما طرحه من قضايا الفساد، وإذا كنا نتحدث عن دور
الإعلام فإننا بالتأكيد نتحدث عن الإعلام النزيه الذي يسعى
لتأكيد الحقيقة وحماية المجتمع وتقديم النصح للمسؤولين
بغية تحسين الأداء العام، وإن كان محسوباً على جهات
المعارضة السياسية. وللمواطن الواعي دور حيوي في المساهمة
في الكشف عن الفساد، فهو ضحيته الأولى، وعليه وعلى أطفاله
تنعكس آثاره السلبية، إذ يحرمه الفساد من التمتع بخيرات
بلده، ويضطره لدفع الرشاوى والتوسل إلى الموظفين من ذوي
الضمائر الميتة بهدف إنجاز معاملاته المشروعة، ولذا قيل أن
الفساد يشكل اعتداءً على حقوق الإنسان وعلى كرامته،
وللمساهمة في مكافحة الفساد، ينبغي إشراك قاعدة عريضة من
المواطنين في الشؤون العامة وتنشيط دور مؤسسات المجتمع
المدني والمؤسسات التعليمية للمساهمة في تنمية ثقافة
النزاهة بين الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل مما يجعل
الفرد ينظر إلى النزاهة بمستوى النظر للشرف الشخصي، يدافع
عنها كما يدافع عن شرفه وحقوقه المادية والمعنوية، من أجل
بناء مستقبل أفضل لنفسه ولأسرته.
|