الــوصية التـي منـحت ثــروة
طائـلة لابنـة الخـادمة !
بغداد/ سها الشيخلي
قالت المحامية مازحة..
تصادفنا قضايا هي أقرب الى الخيال منها الى الحقيقية
وأشارت الى سيدة كانت تجلس بجانبها صامتة شاردة الذهن..
ألقيت عليها التحية محاولة كسر ذلك الحاجز الذي تقيمه
وتحكمه حول شخصيتها.كانت سيدة يبدو عليها انها من أسرة
ثرية جميلة رقيقة في أواخر العشرينيات من عمرها.. ترتدي
ملابس الحداد التي أضافت لجمالها هيبة على شخصيتها..
وباصابع رشيقة مزدانة بخواتم ماسية أشعلت سيكارتها ونفثت
دخانها وأخذت تراقب حلقات الدخان ثم قالت:
نشأت في عائلة ثرية.. والدي رجل اعمال ناجح لديه معمل
لاعمال الألمنيوم.. كنت مدللة لا يرد لي طلباً مهما عّز...
ولكني فقدت والدي وانا بعمر 10 سنوات مما حدا والدتي الى
تلبية كل طلباتي.. كنت متفوقة في دراستي.. وأكملت الجامعة
بتفوق.. كنت خلال دراستي الجامعية محط انظار زملائي..
ونشأت صداقة بيني وبين زميل لي، تطورت الى علاقة حب.. تقدم
الزميل لخطبتي من والدتي.. فلم تمانع بل بالعكس رحبت به
بعد ان علمت ان هناك علاقة حب تربطنا.. حذرتني بعض
الصديقات من طمع خطيبي بثروتي.. لكني لم التفت لذلك فقد
كان الحب قد اغلق اذني عن سماع اية نصيحة.. وقبل اتمام
مراسيم الزفاف.. توفيت والدتي.. وجدت نفسي حائرة وانا
وحيدة في المستشفى مع مربيتي التي كانت لا تفارقني لحظة
واحدة، تلبي كل طلباتي منذ ان كنت صغيرة.. ونشأت بيننا
علاقة متينة كنت اجد لديها الصحبة الجميلة والحنان الذي
كانت تغدقه عليّ يفوق احياناً حنان والدتي، كانت تبالغ في
تدليلي وتلبية كل طلباتي مهما عزت.
المفاجأة
في أول يوم لوفاة
والدتي جاءنا خالي وخالتي لحضور مجلس العزاء.. وبعد ان
انفض المجلس اخرج خالي ورقة صادرة من احد المستشفيات
الاهلية تشير الى ان امي قد اجرت عملية لرفع (الرحم).. وقد
حدث ذلك قبل ولادتي بعام واحد.. اصبت بالذهول.. صرخت
مستحيل.. قال خالي:
- انك ابنة متبناة من امي.. وانت لست بالابنة الشرعية
لها.. وبذا فان جميع ثروة والدتي.. وكل ما ورثته من والدتي
انما هو من حقه وحق اخته باعتبارهما الوريثين الشرعيين
لثروة امي المتوفاة.. ثرت وبكيت ولجأت الى مربيتي استفسر
منها عن صحة ذلك الادعاء.. لكنها لاذت بالصمت.. لم اصدق ما
عرضه علي خالي من وثائق تؤكد اجراء عملية رفع رحم امي،
اخذت تلك الوثائق وهرعت الى المستشفى فالتقيت مديره فارسل
على السجلات القديمة، وارشيف المستشفى وكانت الطامة
الكبرى، نعم لقد تم رفع رحم والدتي في ذلك المستشفى في
التاريخ المذكور.
الحقيقة
ارتميت على صدر
مربيتي وانا أجهش بالبكاء متوسلة ان تقول لي الحقيقة..! من
انا ومن هي والدتي، ولماذا كل هذا التكتم على حكايتي اتصلت
بخطيبي اطلب عونه ومساعدته فوجدته جاحداً ذلك الحب بعد ان
عرف اني خسرت كل تلك الثروة وذلك الجاه.. قال بالحرف
الواحد:
بعد ان تأكدت من انك لست ابنة هذه العائلة فانا في حل من
خطبتي.. لقد ارتبطت بك من اجل عائلة كريمة، ولكني الآن لا
اعرف من انت ومن تكوني، هل ابنة غير شرعية لامرأة عابثة..
من ملجأ للقطاء؟ انا لا اريد زوجة لا اعرف من تكون، ورمى
بوجهي خاتم الخطوبة.. وفسخ خطوبتي وتركني وحدي وسط
الامواج، وكان هناك محام كفوء يعمل لدى والدي وتربطه علاقة
قرابة بعيدة به، نصحني ذلك المحامي ان اترك خطيبي فهو طامع
في ثروتي، لكني لا اسمع نصائحه..
لم يبق لي سوى ذلك المحامي العجوز ومربيتي، جمعتهما معاً
وطلبت منهما ان يدلاني على أسرتي وعلى أصلي، ومن اكون وبين
الحاحي وتضرعي تقدمت مني مربيتي باكية وهي تؤكد لي انها هي
امي الأصلية.. وتربطها علاقة قرابة بعيدة بامي وان امي
كانت ترغب في الإنجاب لكن وجود ورم خبيث ظهر في رحمها جعل
الأطباء يقدمون على استئصاله.. وبذا فقدت الأمل في الإنجاب
وصادف ان حملت هي بي فطلبت منها سيدتها ان تعطيها المولود
سواء كان ولداً ام بنتاً لقاء مبلغ كبير من المال كانت امي
الأصلية بحاجة ماسة اليه فزوجها موظف بسيط ولديه ستة من
الابناء وهو غير قادر على رعاية طفل آخر..
أم ومربية
وتواصل مربيتي
حكايتها الغريبة فتقول:
وافقت على تلك الصفقة لانني كنت امني نفسي بوجودي معكِ
طوال النهار وأفارقك في الليل للذهاب الى أسرتي.. كنت لا
تغيبين عن عيني، ارعى شؤونك وانت تكبرين امام عيني وتحرزين
التفوق والنجاح وتديرين شؤون عائلتك فلو كنت في كنفي
لأصبحت واحدة من ابنائي الذين يعيشون الكفاف والحرمان..
كنت فخورة بك بيني وبين نفسي عندما أصبحت مديرة مصرف وسيدة
اعمال من طراز خاص متسلحة بالعلم والخبرة والثقافة
والعائلة العريقة والجاه الواسع والثراء الكبير.
وعندما انهت امي حديثها وحكايتي قالت :
تأكدي يا أبنتي انني لم ابعك كما تتصورين بل أردت لك حياة
انا غير قادرة على توفيرها لكِ
صرخت محتجة:
ولكن كيف تخفون عني الحقيقة كل تلك المدة؟
قالت المربية:
كان موت السيدة مفاجئاً.. وأخذت تجهش بالبكاء.
اما المحامي فقد قال بعد صمت..
- لدي مظروف بخط السيدة.. وقد طلبت مني ان لا افتحه الا
بعد ثلاثة ايام من وفاتها وتلك هي وصيتها، وما علينا سوى
الانتظار الى يوم غدٍ.
عودة الثروة
مرت الساعات ثقيلة
وكل ساعة كانت تمر وكأنها دهر.. وفي الموعد الذي جمعني
وخالي وخالتي ومربيتي التي هي في الاصل امي.. قام المحامي
بفتح المظروف.. وكانت وصية امي تؤكد انني لست ابنتها وتوصي
والدتي الاصلية (المربية) ان ترعى شؤوني بعد وفاتها وان
تكون امي الحقيقية وختمت امي وصيتها بان جميع ما تملك من
ثروة مكونة من عقارات ومعامل وغيرها هي ملكي وحدي لا
ينازعني فيها احد.
احتضنت امي (المربية) وبكيت بحرقة الامين معاً، أمي
الحقيقية التي اجبرتها الظروف على بيعي، وامي بالتبني التي
كرمتني ورعتني في حياتها وفي مماتها.
اما خالي فلم يكتف بتلك الوصية التي اعدتها والدتي وطعن في
صحتها.. واقام علي الدعوى بتهمة التزوير، وانا في هذه
المحكمة من اجل رد اتهام خالي وخالتي الباطل وقد كسبت
الدعوى لأن كل وثائقها حقيقية فلم تغفل والدتي كل طريقة من
اجل ان تكون وصيتها حقيقية لا طعن فيها.
نهاية سعيدة
* ما شعورك وانت
محاطة بوالدتين ؟
- كنت محظوظة في حياة امي.. لوجود والدتي لكني لم اكن على
علم بذلك، لقد احببتهما معاً، ومازلت على ذلك الحب، كانت
لي اماً ووالدة، وهذا امر قلما يحدث، لكن تأكدي إنني
سعيدة، وسعيدة أكثر بعد ان اكتشفت جشع خطيبي وفضح نياته
وطمعه.
|