المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

رواية (ابن استامبول غير الشرعي) قادت مؤلفـتها الى المحاكمـة
 

ترجمة : سلمى حربه

كولونيا / المانيا
مرة أخرى تتعرض حرية الرأي للملاحقة والردع وللاتهـام أمام القضاء بسبب من آراء وجد فيها البعـض مادة لدعـوى اتهـام، على من أطلقها أن ينال العقاب الذي يستحقه . هذه المرة مع" أليف شفـق" الكاتبة التركية، فقد أتهمت بعد نشر روايتـها (ابن استامبول غير الشرعي) بالحط من قيمة الروح التركية وتناول موضوع الإبادة الجماعية لـلأرمن أيام الحرب العالمية الأولى من قبـل الأتـراك، ومع أن القضاء التركـي حكـم بتبـرئة كـاتبـة الروايـة من التهم الموجهة اليهـا، الا أن الصحـافة الألمانيـة تناولت موضوع تكـميم الأفواه وقمعـها ودراسـة أحداث الرواية التي قـادت الكاتبـة الى ساحة المحاكـمة ،فقد كـتب المحرر الأدبي لجـريـدة "برلـينـر تسايتونك" الموضوع التـالي :
مثلما حصل العـام الماضي 2005 عندما استدعي الكاتب التركي "أورهان باموك" حامل جائزة السلام العالمي وجائزة أكثر الكتب مبيعا في ألمانيا التي يقيم فيها للمثول أمام المحـكمة التركية متهما بسبب إهانة القومية التركية والحـط منها، لكن المحكمة لم تأخذ بالتهم المنسوبة اليه وحكمت ببراءته وبذلك باءت محاولات من قدموا الدعوى ضده بالفشل ،حصل الآن مع الروائية التركية" أليف شفق
Elif shafak" ، فقد حققت النيابة العامة معـها في استامبول يوم 6/6/2006بناء على دعوى رفعت من قبل جمعية الحقوقيين التي يترأسها المحامي القومي اليميني المتطرف كمال كرينجسيز بسبب أنها تتـعمد إهانـة كل ما هو تركي ، بعد نشر روايتها الأخيرة (ابن استنبول غير الشرعيDer Bastard von Istambul) المترجمة الى اللغة التركية عن الإنجليزية، (وكانت الكاتبة حينها في استامبول في زيارة سببها الرغبة في أن يكون مسقط وليدها الأول في المدينة التي تحب، ولتحضر حفل توقيع روايتها هذه و لإقامة بعض الندوات في بعض المراكز التي دعيت اليها)، وهذا المحامي ومن خلفه مجموعة تحاول أن تصدر ضجيجا ليسمعوا صوتهم للآخرين ، هو نفسه الذي أقام الدعوى على "باموك " ومن قبله على الصحافي الأرمني التركي" هرانت دينك "، ولكنه لم ينجح، بالرغم من اعتماده على فقرة من قانون العقوبات الخاص تنص على معاقبة النيات والآراء الخاطئة، وتشمل هذه الفقرة إهانة كل ما هو تركي و الإساءة الى الجيش والجمهورية، وبسبب هذه الفقرة رفعت من بداية عام 2005 الى اليوم ما يقارب من 50 دعوى قضائية على كتاب وصحافيين بسبب كتاباتهم ونياتهم، قدمت هذه الدعوى بسبب عبارة تفوهت بها احدى شخصيات الرواية، وهذه الشخصية عاشت حياتها الأولى في استامبول ثم هاجرت لتعيش في الولايات المتحدة حالها حـال الكثــير من النساء الأرمنـيات اللواتي يعشن في سان فرانسسكو ويقمن علاقات مع بعضهن، وفي لقاءاتهن يتذكرن دائما التاريخ المليء بالمآسي والقهـر، وفـي جلسة من هذه الجلسات تحدثـت هذه المـرأة عن نفسها (ولدت في وسط أسرة ذبح جميع أقربائها في سنة 1915 من قبل الأتراك ، وبالنسبة لي كان علي أن أنكر أصلي ونسبي لكي أواصل الحياة و أتقنت أيضا أن لا أقول لأحد أن هناك مذبحة جماعية للأرمن قد حصلت )،ومثلما حصل مع باموك حكمت المحكمة التي عقدت في 21\سبتمبر ببراءتها من التهم التي نسبت لها بسبب ما جاء في الرواية و بالنسبة للكاتبة فهي تأسف لأن المثقفين الليبراليين لا يجيدون توحيد صفوفهم كما يفعل القوميون المتطرفون ، فالمجتمع التركي تلتقي فيه دائماً القوى المتضاربة ، المثقفون الليبراليون يشكلون قوة ذات ثقل ، لكنهم كثيرا ما يفشلون في العمل مع بعضهم . و في ما يتعلق بالرواية ففضلا عن بحثها الجامعي الخاص الذي له علاقة بهذا الموضوع اجتهدت الكاتبة في جمع العديد من الشهادات الشفهية و رأت الكثير من الأفلام الوثائقية و أجرت مقابلات مع الكثير من الأرمن الذي يعيشون في أمريكا، كما أن روايتها هذه مبنية على ثروة من المراجع الأدبية وقد أخذ ذلك مكانه في الرواية، في لغة اعتمدت كثيرا على لغة الثقافة العثمانية ، و قد صرحت مرارا بانتقادها لغة التتريك ، و بناء على ما جاء في إحدى المقابلات معها فإن هذا الأمر (أزعج العديد من أفراد النخبة الكمالية " نسبة الى اتاتورك ، فضلا عن أنهم ربما يعتبرون أن اختيارها الكتابة باللغة الإنجليزية هو بمثابة خيانة للغتها أولا و لبلدها ثانيا. وتقول: فيما يتعلق بعنصر ما هو كوزموبوليتي اعتقد أننا صرنا مع الزمن أقل تسامحا و أكثر ضيقا ، ففي المرحلة المتأخرة للإمبراطورية العثمانية كان وجود كاتبات تركيات يكتبن بالإنجليزية أو الفرنسية أمرا مألوفا ، أما اليوم فأنني غالبا ما أنتقد لأنني أكتب بالإنجليزية.إن بعض الناس بالنسبة لها يتصرفون بطريقة رجعية أكثر مما هم عليه سواء كانوا من المعروفين باتجاههم اليساري أو اليميني .
هذه الرواية هي الثانية التي تكتبها شفق بالإنجليزية فقد كتبت قبلها (قديسو الجنون الوشيك) وهي حول أصدقاء غرباء في أمريكا، يستأنسون بمنولوغات ليلية طويلة متبادلة، ذلك أن أفضل شيء في وجود أشخاص يتقاسمون لغة أجنبية هو أنهم في حالات تعذر اللغة يستطيعون التفاهم حتى من دون كلمات، عمر التركي وعابد المغربي وبيو الاسباني ثالث الشلة ذلك الكاثوليكي الورع الذي يبحث عن متنفس للشعور بالذنب في الهوس بالنظافة، أما الأول فهو الثمل الوحيد بينهم، كانت تلك وجهة نظره في الهروب من العالم الواقعي الجاف والثاني يعتبر الكحول مجرد شيئ له رائحة كريهة، لكنه ولئن كان يعتبر صديقه هذا ضالا فانه لا يسعى الى دفعه الى الهداية والايمان بل انه يرافقه عوضا عن ذلك الى الحياة الليلية حريصا في ذلك على أن لا يصيب الصديق الذي لا يعي ما يفعل أي مكروه من أي نوع كان. كتبت شفق قبلها رواية (الصوفي) وهي روايتها الأولى وكان عمرها سبعة وعشروين عاما وبعدها (مرآة المدينة) وهي رواية تاريخية تناولت فيها موضوع محاكم التفتيش في أسبانيا في القرن السابع عشر وما قامت به من جرائم .
شفق المولودة في مدينة ستراسبورك في فرنسا سنة1971 من أم كانت تعمل في السلك الدبلوماسي التركي، قضت طفولتها وصباها متنقلة بين مدريد في أسبانيا وكولونيا في ألمانيا ولم تر استامبول إلا بعد أن تخطت مرحلة الطفولة، مع ذلك قالت في احدى المقابلات " إن ما يربطها بهذه المدينة وثيق الصلة معها كما لوكانت قد عاشت حياتها جميعها فيها، مع ذلك كان عليها أن تذهب بعيدا عنها، هاجرت الى الولايات المتحدة لتواصل دراستها أولا ثم بعد ذلك لتشغل منصب أستاذة محاضرة في مادة الدراسات والأجناس بجامعة أريزونا، وهي تحاول التوصل الى قراءة جديدة لآداب الشرق الأدنى .
تعد أليف شفق واحدة من أهم ممثلي الرواية التركية الحديثة ففي ظرف وجيز استطاعت أن تحتل مرتبة أهم ممثلة للأدب التركي الجديد الى جانب اورهان باموك، وقد حازت رغم حداثة سنها على أهم الجوائز الأدبية في تركيا.
أليف شفق كاتبة تركية، تحمل زادها الثقافي معها وفي الوقت ذاته فإن كتابتها
كما تقول كتابة امرأة بدوية مترحّلة، طموحها في تجاوز حدود الدولة القومية لأنها أضيق من أن تستوعب قوة ما تملكه من خيال .


رئيس اتحاد الفنانين في النجف:فناننا يسعى لتأسيس رؤية جديدة في الفن

عامر العكايشي
النجف

تزخر النجف عبر ماضيها وحاضرها، بأسماء لامعة في اللغة والشعر والفقه، استطاعت ان تشكل اهمية كبيرة، وتترك اثراً كبيراً، ليس في المدينة وحدها، وانما تجاوزت العراق، والدول العربية. وجاءت هذه الاهمية من خلال الكوفة، كونها عاصمة للدول الاسلامية، ومنبعاً لكل انواع المعارف والثقافة، فالكسائي، والفراء، والمتنبي، واحمد الصافي النجفي، ومحمد مهدي الجواهري، جميعهم تخرجوا في هذه الرقعة المهمة، التي هي تأريخ اسلامي، ومكان يضم قبر سيد البلغاء الامام علي بن ابي طالب (ع) والصحابي مسلم بن عقيل (ع) لذلك فإن هذه المدينة العريقة، ما زالت تقدم للثقافة والفن الشيء الكثير، ولقاؤنا بالدكتور سلام الاعرجي، نائب رئيس اتحاد الادباء والكتاب فرع النجف، ورئيس اتحاد الفنانين فيها ما هو الاّ لتسليط الضوء على اهم النشاطات الثقافية والفنية في المدينة.

*
بداية هل لك ان تعرفنا اكثر على الدكتور سلام الاعرجي ؟
- انا حاصل على بكلوريوس اخراج من جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة وماجستير نظريات دراما من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد ودكتوراه فلسفة فن من كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد ايضا , اخرجت العديد من الاعمال المسرحية منها مسرحية كاليغولا لألبير كامو ومسرحية محاكمة لوكولوس لبرشت ايضا عملت على مجموعة من الاعمال المسرحية لكتاب عراقيين مثل مسرحية الجدار لعلي المطبعي التي حصدت اربع جوائز في مهرجان المسرح التجريبي العراقي الدورة العاشرة كان من بينها جائزة احسن اخراج , وقدمت اعمالاً مسرحية كثيرة كمخرج وشاركت ايضا كممثل في العديد من الاعمال المسرحية , وبسبب طبيعة الاجواء التي كنا نعيشها عملت في اذاعة بغداد واذاعة صوت الجماهير وانا الان ادرس مادة الفلسفة في كلية الاداب بجامعة الكوفة وايضا مادة الاخراج في جامعة بابل كلية الفنون الجميلة.

*
باي لون من الوان الفن عرفت محافظة النجف؟
- محافظة النجف لم تعرف بخطاب فني خاص، فهي دعمت حركة مسرحية وهيأت لحركة مسرحية جديدة ولكن وبشكل مفاجئ انحسرت هذه الحركة ، النجف دعمت حركة فنية تشكيلية جيدة جدا وظهرت مجموعة من الفنانين التشكيليين وكانوا يبشرون بشيء مهم على صعيد الفن فعبد الاله السياب توقف عند الستينيات وسلام كمال الدين توقف عند السبعينيات وتوجه الى السيراميك. الان اعتقد ان هناك بعض الاسماء التي تبشر بخير منها الفنانة تذكار الحداد التي تعمل على نمط جديد على صعيد اللوحة التشكيلية , ولكن بشكل عام الفن التشكيلي تراجع هو الاخر , اما الخط والزخرفة في النجف فقد اشتق له نمطاً خاصاً من قبل فنانين كبار مثل جاسم العكايشي الخطاط ونسيم شاكر فجاسم فنان كبير على صعيد الخط وهو فنان حرفي تقني رائع جدا وشارك في العديد من المهرجانات الدولية ولديه العديد من الجوائز العالمية .

*
هل لك ان تعطينا نبذة تاريخية عن الفن في محافظة النجف ؟
- الفن في النجف- سواء كان الفن المسرحي او فن التصوير او الفن التشكيلي او غيرها من مجموعة الفنون التي يتعاطاها المجتمع النجفي على صعيد المسرح ان المراثي الحسينية وطقوس عاشوراء فيها حركة ما قبل المسرح التي لم تتطور ولم تصل الى حركة مسرحية , كما ان هناك الاوبريت الشعبي الذي ظهر في اوائل القرن العشرين في النجف وبدأ يتصدى للقضايا الاجتماعية والسياسية ويتصدى للكثير من القضايا بطريقة النكتة واقترب كثيرا من الفودفيلا الفرنسية واقترب كثيرا من الاوبريت الا انه هو الاخر قد اصطدم بحركة مسرحية ابتدأت في الستينيات في النجف وكان روادها خوام شير علي ومهدي سميسم ومجموعة من الفنانين , ففي الستينيات ابتدأت الحركة المسرحية في النجف بالظهور وقد ظهرت بقوة وهيمنت على سائر الفنون في تلك الفترة ولازمها الفن الموسيقي والاغنية .

*
يعتقد البعض ان مدينة النجف مغلقة دينيا ولا يوجد فيها مجال للابداع في أي لون من الوان الحياة ومنها الفن تحديدا , ما هو رأيكم بهذا الاعتقاد ؟
- ان هذه وجهة نظر خاطئة جدا وقد سبق ان تحدثت في الكثير من القنوات الاعلامية وقلت لا يتقاطع الدين مع الفن بل لقد سطا وهيمن الدين على الفن في مختلف انحاء العالم مستفيدا من امكانيات الفن في ايصال رسالته الدينية , فالكنيسة في روما استطاعت ان توصل التعاليم الدينية والكنسية الى مختلف ارجاء العالم عبر الفن فاشتقت لنفسها اسلوبا مسرحيا جديدا يسمى بمسرح الكرامات ومسرح المعجزات وقد نقلت التعاليم المسيحية عبر هذه المسرحيات التي كانت تعرض في الهواء الطلق امام حشد كبير من الجمهور , والكثير من الديانات فعلت الشيء نفسه لان الفن ابتدأمن المعبد لذلك فانه لا يوجد أي تقاطع بين الفن والدين فعلى العكس من ذلك فهنالك الكثير من فتاوى رجالات الدين تؤكد ان لا تقاطع وقد تحركنا في عهد الطاغية صدام على العمل على مسرحية الحسين شهيدا والحسين ثائرا وقد نلنا اجازة القيام بهذا العمل الجبار من ايه الله السيستاني .

*
من ماذا يعاني فنانو النجف ؟
- يعاني فنانو النجف من الكثير اولا ليس لديهم مكان لممارسة نشاطاتهم وفعالياتهم الفنية , همشوا سابقاً همشتهم حكومات ما بعد السقوط ايضاً ... الفنان الان امام تساؤل ما الذي يقدم ؟ الفنان النجفي يبحث عن منطقة فكرية يؤسس من خلالها مفهوماً فكرياً في اللوحة الفنية في المسرحية في الاغنية في الاوبريت في الباليه.

*
رسالة مفتوحة الى من يوجهها الدكتور سلام الاعرجي وماذا يقول فيها ؟
- اوجه الرسالة الى وزارة الثقافة و اتمنى ان تدعم البيوت الثقافية في كل المحافظات، واتمنى للبيوت الثقافية ان تعمل مع كافة الفنانين بغض النظر عن انتماءاتهم.


الرواية والفنون المجاورة  .. السرد التشكيلي أنموذجاً
 

((الفنان صانع الأشياء الجميلة)) .. أوسكار وايلد
 

د. فاطمة بدر
لقد اتسعت دائرة الكتابة الروائية، واللعب بأساليبها بعد أن احتضنت الرواية الفنون المجاورة لها، لتشق طريقها الجديد عبر مسارب متنوعة بغية تحقيق الخصوصية والتفرد ببنية سردها، ولخلق أنموذج جديد، وأشياءً أكثر جمالية عبر تجانس فنونها وتلاحمها، وبعد شحنها بطاقات خلاقة، مستلهمة معطياتها لتمتد وتشمل الشعر، والمسرح، والسينما، والرسم، وحتى الموسيقى.
لقد أغنى هذا التداخل النص الروائي وأثراه، فضلاً عن إثارة المتلقي بعد خلخلة عملية التواصل والاستقبال لديه مما زاد من عملية التفاعل بين الكاتب والمتلقي، ولأن هذه الخلخلة ساعدت على رفع الحواجز الفاصلة بين الفنون، ويمكن عدّ الرواية والفنون المجاورة لها مرآتين متقابلتين تعكس كل منهما الآخر، إذ يشكل أحدهما الآخر، وبمعنى أدق أخذت الرواية من الفنون المجاورة مثلما أخذت هذه الفنون منها، ربما لأن كل جنس من المعرفة يقرأ ذاته في غيره، ويقرأ غيره في ذاته، ولا يقرأ هذا ولا ذاك إلا بالتداخل والتفاعل ؛ لأن المعارف الحديثة لا تتراصف، ولا تتجاور ساكنة، إنما تتفاعل وتتداخل لأن هذا التفاعل شرطٌ من شروط حداثتها، ولأن حداثتها خارج الجوار تبدو مستحيلة.
يعد هذا التدخل جزءاً من بنية الرواية في أغلب الأحيان، فهو ليس بنية اطارية أو هامشية، أو تكميلية، إنما يدخل ضمن أساليب بناء الرواية وإنساقها.
لقد بدأ الاهتمام بدراسة النسب بين الفنون منذ القرن السابع عشر، إلا أن التداخل الحميم لم يبلغ نضجه إلا في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين ولعل المتقصي لتاريخ الفن والأدب يمكنه أن يرى بوضوح مدى تأثر بعضها بالبعض الآخر، فضلاً عن تلك الصلات الوثيقة التي نشأت بين الفنانين، والشعراء، والكتاب، إذ إن حركات التجديد والحداثة كالرمزية والسريالية، والمستقبلية والدادائية لايمكن فهمها إلا عبر دراسة واقع ما أنتج فناً أولاً، وأدباً ثانياً.
إن الاختلاف في النسب بين الفنون الإبداعية وصلاتها بالرواية يوضح حدود العلاقة بين الرواية والفنون المجاورة لها، إذ يحق لنا أن نطلق على السرد الروائي بالسرد التشكيلي عندما تقترب الرواية من الفن التشكيلي، وعندما تحاكي لوحة فنية، أو تبرز في الرواية لوحات بصرية، أو صور منفذة بطريقة لغوية، أو صور منفذة بطريقة فوتوغرافية فضلاً عن استخدام اللون، والضوء، والمادة،
ويحق لنا أن نطلق على السرد الروائي بالسرد المشهدي أو التمثيلي عندما تقترب الرواية من الدراما، وعندما تبرز في الرواية الحوارات، والحس الدرامي، واستثمار الصور المشهدية فضلاً عن مأساوية البطل .. ويحق لنا أن نطلق على السرد الروائي بالسرد الشعري كلما اقتربت الرواية من الغنائية، وكثرة المنلوجات.. ويحق لنا أن نطلق على السرد الروائي بالسرد السينمائي او الكتابة بالكاميرا عندما تقترب الرواية من فن السينما، ويبرز فيها المونتاج، والتصوير وتقطيع المشاهد وكل أدوات السينما وهكذا، وكل هذا يتبع استنطاق الرواية من الداخل والخارج وصولاً إلى تحقيق التواشج بين الفنون والرواية.
1
السرد التشكيلي :
شغل الفن التشكيلي حضوراً متميزاً في النصوص الروائية، فقد تفنن الكتاب في صوغ السرد بعد أن استعان هؤلاء بالصورة البصرية بدلاً من الصورة اللفظية، ومن ثم بدأوا بالتعامل مع اللوحة بوصفها كياناً حياً لا صورة جامدة ؛ لأن هناك ثمة مزاوجة بين النص الروائي والفن التشكيلي وهو عالم حسي يبدأ من وجود مادي وينتهي بوجود روحي، لذا عمد الفنانون التشكيليون التكعيبيون أمثال بيكاسو، وبراغ إلى تحديد المدى الفضائي للوحة، لاعن طريق التجربة الحسية بل عن طريق التفسير الذهني للقيم الفضائية التشكيلية، وهذا يعني أن للنص بعدين البعد البصري وهو ربط دلالة النص بالعين، والبعد الذهني هو ربط الأشياء وتفسيرها ذهنياً.
وقد لا نجانب الصواب إذ ما قلنا ان الرواية أصبحت اليوم تقترب من الجريدة اليومية ؛ لاحتوائها على الخبر الصحفي، والملصق ومحتواه، والإعلانات التلفزيونية (الإعلانات التجارية)، والمكالمات الهاتفية، والتصوير التلفازي، والتصوير الفوتوغرافي، والتعليقات على الرسوم، وبروز العنوانات وتواليها، فضلاً عن التنظيم الطباعي كاستخدام المتغيرات الطباعية، والأختلاف في حجم الأشكال الكتابية وسمك السطر، وبروز علامات الترقيم أو غيابها، أو الفراغات
وتعد هذه التقنيات منبهات بصرية وأسلوبية، يتقارب دورها الإيحائي مع ايديولوجية النص، لذا تضعنا هذه التقنيات أمام انفجارات، وتغييرات فكرية هائلة، وتتطلب منا كذلك استراتيجية خاصة للقراءة فبعدما كانت الرواية تقرأ قراءة خطية منظمة، أصبحت اليوم تحيل إلى احتمالات قرائية متعددة.
من مظاهر التشكيل في الرواية محاكاة الرواية للوحة تمثل العمل الروائي ككل، فقد كانت (صورة دوريان جراي) رواية الكاتب أوسكار وايلد التي تحمل العنوان نفسه تركز السرد على قصة اللوحة، وتتلخص القصة بحب الرسام لـ(دوريان جراي) وقد شده هذا الحب إلى رسم صورته، إذ الهمه هذا الشكل الجميل أسلوباً في الفن، وكشفت هذه اللوحة الوثنية في الفن إذ ابتنى الرسام في خياله (صورة لدوريان جراي) فارتفعت هذه الصورة في اللاشعور إلى مرتبة المثال أو الكمال المطلق، لقد أراد الرسام من هذه الصورة جمالاً مثالياً، أراد شيئاً معنوياً رفيعاً أكثر مما هو كائن، لقد عبر الرسام عن ذلك بقوله لجراي : ((أنت لم تخلق إلا لتعبد)).
لقد استطاع الرسام أن ينشط خياله، فانتج فناً رائعاً عبر مخيلته الخصبة، بعد أن بدأ يفكر بالأشياء، ويرى بطريقة مختلفة عن السياق، ويحلم بالجمال مودعاً الأشياء الجميلة في فنه إذ يقول : (( ذلك السحر الذي انشده دون أن أدرك معناه، وعبرت عن ذلك في اللوحة )).
الرواية لاتخلو من الفنطازيا، فقد بدأت اللوحة تكبر ويبدأ عليها القبح بعد أن لوثت الآثام والخطايا روح (جراي) فتحولت تلك الآثام والخطايا في اللوحة، وذهبت بجمالها، وشوهت فتنتها، ودنستها تدنيساً، أما (دوريان جراي) فقد بقي على حاله لا يتغير يقول الراوي : ((يدخل الغرفة حاملاً في يده مرآة، ويقف أمام الصورة ناظراً تارة إلى الوجه المغضن الشرير المطل على اللوحة، وتارة إلى الوجه الصبوح المعكوس في المرآة، كان يجد في ذلك لذة كبرى، لأن الاختلاف الكبير بينهما كان يطمئنه على شبابه وجماله، حتى بدأ يتعشق نفسه ويرتاح إلى تدهوره الروحي)).
ولجأ سليم بركات في روايته (أرواح هندسية) إلى تصوير خروج المرأة من اللوحة المعلقة في بيت الرسام، وهذه إحالة تشكيلية تفصح عن امتزاج أو تداخل نصي بين الوصف والواقعية المفترضة، إذ يفترض أن تكون الواقعية ذات منشأ تشكيلي بحيث يخلق الرسام شخصية يوهم بخروجها من اللوحة بعد انبعاث الروح في هذه المرأة فجأة فقد تجسمت صورتها يوماً بعد آخر، وخرجت من الزجاج الذي، تكسر في واجهة اللوحة، وانزلقت من اللوحة، والرسام ينظر إليها وولت هاربة .
وفي بعض الروايات توجد بعض الإشارات تومئ إلى علاقة الفن التشكيلي القديم بالرواية، إذ اقتبس هؤلاء الكتاب أوصافاً لشخصياتهم الأسطورية العملاقة من أوصاف بعض المنحوتات السومرية، والآشورية، والبابلية، والأغريقية، كما فعل جبرا ابراهيم جبرا.
تأثر جبرا بالمنحوتات السومرية والأغريقية، عند رسمه شخصيات رواياته كشخصية (لمى عبد الغني) في رواية السفينة فقد شبه عيني لمى بالمنحوتات السومرية.
يقول عصام السلمان: ((عيناها لا تعرفان كتمان السر، رموشها السوداء تكحل الحدقتين وأنهما كعيون المنحوتات السومرية تفيضان عطفاً وشوقاً ومباشرة))، أما شخصية سراب عفان في روايته (يوميات سراب عفان) فقد تأثر جبرا بالمنحوتات الأغريقية، نلاحظ ذلك عبر وصف نائل عمران بطل الرواية لسراب عفان يظهر من خلاله تأثر جبرا بالمنحوتات الأغريقية.
تعد الصورة المنفذة بطريقة الرسم فضاءً موازياً للنص الروائي، إذ ترتبط كل لوحة بحكاية ما، وقد تشترك الرسوم الداخلية مع رسوم الغلاف، لتكون سنداً بصرياً له ووجود نفعي على المستوى الدلالي والجمالي للرواية، وقد يتداخل الفضاء الصوري للغلاف والرسوم الداخلية، وهذا ما نجده في رواية (خريف الدرويش) لإبراهيم الكوني، ورواية (رامة والتنين) لادور الخراط، ورواية (فساد الامكنة) لصبري موسى، ورواية (التبر) لابراهيم الكوني.
وتشكل الأغلفة الخارجية علامة متميزة تساعد القارئ على المزيد من التفاعل مع النص الروائي، تعكس عملية التداخل التشكيلي مع العمل الروائي بوصف الغلاف علامة تقترب من دلالة العنوان، أو تعكس تركيبة الحدث كما في رواية (التجليات) لجمال الغيطاني، إذ رسم الغلاف على شكل إشارات صوفية، وتجليات تحيل إلى العنوان نفسه أو وضع صورة تحيل إلى عملية تجسيد النص كما في رواية (بابا سارتر) لعلي بدر وضع صورة للكاتب الفرنسي (جان بول سارتر) بوصف الغلاف ركيزة تشكل بنية العمل، ويستثمر الغلاف أحياناً بوضع ملصق يحيل إلى دلالات جمالية وصورية كما فعلت لطفية الدليمي في روايتها (خسوف برهان الكتبي) منشورات دار الواح، إذ وضعت قوائم الحصة التموينية وزينتها بخطوط زرقاء وذهبية وتوسطت هذه القوائم قطعة من الخزف تمثل (سبع عيون)، ويستخدم الكاتب أحياناً لوحات تجريدية كما في رواية (مملكة الغرباء) للياس خوري.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة