بــانــوراما الـحيـاة البــغـداديــة
بغداد
/عامر
السعدي
العزلة تلاصق طلبة المدارس من المهجرين
طلبة مدارس بعمر الزهور وصبية وبنات الفوا صداقاتهم الغضة
فابتكروا الالعاب والاحاديث الطرية، خيوط مودة نسجتها
قلوبهم المتوهجة بالبراءة والضحكات صاروا اليوم غريبين
وحيدين عاشروا عزلتهم. جرح هائل في نفوس ضاجة بالحب
للطفولة وخيالاتها المضيئة هكذا هو حال طلبة المدارس من
المهجرين في بغداد.
آية
طالب- الصف الخامس الابتدائي قالت: انا هنا وحدي وكثيرا ما
احب العودة الى مدرستي القديمة فهناك معلماتي الجميلات
وصديقاتي الحلوات والان استمع لدروسي دون ان تكلمني أية
واحدة من الطالبات.
سارة حسين/ الصف الثالث الابتدائي قالت: لا اريد الاستمرار
في هذه المدرسة، فالمعلمات لا يعرفن كوني الاولى على صفي
في الثاني كما اني لا افهم دروسي كما كنت وليس لي اصدقاء
الان وكثيرا ما ابقى وحدي في الفرصة فأبكي.
مريم شموئيل/الصف الثاني الابتدائي قالت: مدرستي السابقة
انظف واجمل وقريبة من بيتي ولي صديقات احبهن ولكن والداي
قالا لي ستعرفين غيرهن.
مصطفى علي/الثالث المتوسط قال: رغم مرور اكثر من عشرين
يوما لي في مدرستي الحالية الا ان المدرسين يعاملونني
بجفاء كونهم لا يعرفوني كما ان الطلاب في صفي يصدون عني
ويتجمعون ويروحون ويجيئون الى المدرسة الا انا فاذهب وحدي
وابقى في الاستراحة وحدي واشعر بالكآبة والضيق من هذه
المدرسة التي لم اتعود عليها وقد حدثت والدي عن نقلي الى
مدرسة اخرى لكنه رفض.
نور عامر/ الصف الرابع الابتدائي قالت: سابقا كنت انتظر
الصباح كي اذهب الى مدرستي اما اليوم فالمدرسة هذه غريبة
عني فلا احد يعرفني.. اريد ان اعود الى مدرستي القديمة
ومعلمتي المحبوبة (أمل).
رفعت علاء/ السادس الابتدائي قال: قررت بعد ان قضيت اكثر
من اسبوعين في المدرسة الجديدة ترك هذه المدرسة ووافق
والدي على ذلك لعدم استطاعتي تحمل طريقة الطلاب في التعامل
معي.
صداقات تموت وعزلة تطوق الطلبة المهجرين ووحدة مبكرة تحاصر
انفهسم فهل نعي خطورة ذلك عليهم؟
المرأة البغدادية... مسؤولية مضاعفة
للمرأة البغدادية هموم وشجون ومعاناة فاقت احتمالها بشكل
كبير للغاية فتعددت مسؤولياتها وتنوعت واجباتها وتشعبت
اعمالها وهي في كل يوم تظل اسيرة ما يحدث في العاصمة.
ففي كل ازمة جديدة وفي كل انهيار لمرفق من مرافق الحياة
الاقتصادية تصير هي في المواجهة التي لا تدع لها أي خيار
سوى خيار الصبر والكفاح والتحمل وتوقع الاسوأ والاكثر حزناً
ومرارة حتى اصبحت مشتتة وموزعة بين مسؤولياتها.
ام زينب/معلمة: 40 عاما قالت: والله لا اعرف كيف ارتب شؤون
عائلتي و عملي فانا انهض كالمجنونة صباحا كي اقوم بتحضير
الفطور لاولادي وبناتي لاقوم بعدها دون راحة بتنظيف البيت
لانتقل الى التنور لصنع الخبز، ومن ثم اعد نفسي للذهاب الى
مدرستي هذا عدا اني اتابع بائع الغاز واظل طوال عملي قلقة
وخائفة على زوجي الذي يعمل في وسط بغداد وحتى في استراحتي
بين الدروس اتوجه الى الادارة كي اسمع الاخبار من
التلفزيون التي تزيد حزني وهمي هكذا يوميا حتى صرت
كالماكنة التي لا يسمح لها احد ان تريح نفسها.
أم ياسر/ ربة بيت قالت: انا في حلقة مفرغة حتى لم اعد اجد
نفسي، مسؤوليات كبيرة ترهقني فاعود منهكة الى فراشي لافاجأ
بحلول الصباح فبين اعداد وجبات الطعام الثلاثة والذهاب الى
التسوق واعداد الخبز والحرص على نظافة اولادي وصحتهم
ودراستهم وكي الملابس والخوف من المجهول الذي يهدد ارواح
اقاربي ومعارفي تمر الايام دون اية رحمة.
كل هذا يحدث ونحن قابعون في البيت لا نخرج في نزهة ولا
نقوم بزيارة لاحد. انا اشعر بأنني بلا حول ولا قوة امام
تشعب واجباتي.
سراب فخري/ 32 عاما/ موظفة قالت: انهض في السادسة صباحا
لاحضر فطور زوجي وابنتي بعدها اوصل ابنتي الى مدرستها
للاطمئنان عليها وحال رجوعي افطر بشكل سريع لضمان ركوبي في
سيارة الموظفين وبعد رحلة مخيفة في شوارع بغداد واتصالاتي
المتعددة مع زوجي ومدرسة ابنتي اعود لاخذ طفلتي من الجيران
لاعد لها وجبة طعام سريعة ثم أسجرو تنوري لاعداد الخبز
وتنظيف البيت ومسح بلاط غرفه وبين الظلام والاعتناء بطفلتي
والخوف الذي يلازمني والقلق من وضعنا الاقتصادي المتدهور
واخبار القتل اليومي يؤثر على نمط حياتي دون ادنى فرصة
راحة اواستقرار او امان.
اعمال شاقة وخوف دائم من المجهول وحرص على استمرار دفق
الحياة.. هي الحياة اليومية للمرأة في بغداد.
حقائب تحزم وعوائل
تنتظر
تقوم عوائل عراقية كثيرة بحزم حقائبها وترك بيوتها وتذكر
هذه العوائل ان لهذه الهجرة اسبابها المنطقية وانها اجبرت
على اختيار هذا الطريق كحل لما تعانيه من صعوبات تتدرج من
الابقاء على حياة افرادها وصولا الى محاولة الخروج عن
الركود في الحياة التي يعانيها الاهالي.
ميري ايشو/23 سنة/ منطقة كراج الامانة قالت: ان ركود
الحياة في بغداد وعدم استطاعة العوائل ممارسة علاقاتها
الاجتماعية واستمرار العنف وقلة فرص العمل دفع عائلتها الى
اختيار الهجرة واكدت ان ترك الاماكن المحببة ليس بالامر
السهل الا ان الابواب سدت بشكل لا يصدق.
كاكا خالد حميد/35 سنة/ السيدية قال: فرص العمل شحت لدرجة
كبيرة والعنف طال الكثيرين وبتنا لا نستطيع حتى التنقل
وزيارة اقاربنا المخاطر تنوعت بشكل كبير للغاية لذا قررت
ان اهاجر عسى ان تتحسن الامور وهذا بالطبع ليس اختيار بل
اجبرت على ذلك.
أوية بطرس/الدورة قال: اخترت الهجرة لاسباب كثيرة منها
الخطر المحدق باولادي وبناتي جراء الوضع الامني الهش في
الدورة ومنها فقداننا لحياة اجتماعية تعودناها من سنين
طويلة فمثلا نحن لا نستطيع المشاركة في اداء المراسيم
والطقوس في كنائسنا فصار الذهاب اليها ذهابا الى الخطر كما
ان ندرة وجود العوائل المسيحية في حينا عمق فينا الشعور
بالغربة والوحدة.
هيام عادل/ 40 سنة/ الاعظمية قالت: حوصرنا حتى في بيوتنا
فلم يعد البيت ملاذا آمنا كما ان الخروج يعني توقع الاسوأ
اضافة الى اننا لا نمارس نشاطاً اجتماعياً يذكر فليس هناك
زيارات متبادلة او سفرات عائلية كل ما نشاهده يوميا يؤكد
لنا ان الخطر موجود في كل مكان.
اسامة شهاب/ 50 سنة/ الكرادة قال: الناس تقتل لاسباب
مجهولة والحلول ستأخذ وقتا طويلا وحركتنا باتت شبه معدومة
والاماكن جميعها لم تعد آمنة اضافة الى ندرة تغطية ما
تتطلبه حياتنا من مصاريف جراء تقلص فرص العمل.
اذن العراقيون يهجرون بغداد لاسباب كثيرة منها محاولة
الحفاظ على ارواحهم ومنها قلة فرص العمل ومنها ركود الحياة
الاجتماعية فيها.
اعمال النساء
يؤديها الرجال
ليل بغداد المعتم والخطر اجبر الرجال على ممارسة اعمال لم
يقوموا بها سابقا ودافعهم في ذلك عاملين اولهما الابتعاد
عن اماكن العنف والقتل العشوائي وثانيهما قضاء الوقت
الثقيل على نفوسهم.
الـ(المدى) التقت بالبعض منهم وسألتهم عما يشغلون انفسهم
به فقالوا:
منير وميض/ 40عاما قال: لم اتعود سابقا على متابعة واجبات
اولادي المدرسية لكن ساعات الليل الطويلة دفعتني للقيام
بذلك وكما تعرفون فان الحياة متوقفة فلا زيارة للاصدقاء
ولا جولة في اسواق بغداد المعروفة سابقا ولا وجود للأمن كي
نتنزه في الحدائق فلم يكن لي حل آخر وعلى اي حال انه مفيد
حسب ما اظن.
ابور رياض/ 52 عاما قال: بعد ان سدت الابواب بوجوهنا، ليلاً
نقضي كل وقتنا في البيت ولان المكوث فيه ابتعاد عن اجواء
العنف اضطررنا الى ممارسة اعمال لم نقم بها يوما، فأنا
مثلا اشارك زوجتي اعداد الطعام وغسل الصحون وترتيب شؤون
البيت من اجل اشغال نفسي في عمل مفيد لا اكثر ولا أقل.
أبو شيماء قال: لا استطيع الخروج من اجل رؤية اولادي امامي
في البيت وضمان عدم خروجهم وجلب المخاطر والمشكلات ولانني
لم اعتد البقاء في البيت ليلا رحت اتابع الصحف اليومية وهي
طريقة تجعلني اتعرف على آخر ما يستجد في واقعنا وشيئا
فشيئا تطبعت على هذه العادة.
حسين امير/ 23 عاما قال: لم تكن لي اهتماماتي في السابق
داخل البيت لكن الوضع الامني اجبرني على ذلك الامر ودفعني
الى المشاركة في اعمال البيت المختلفة ابتداءً من مشاركة
العائلة لاهتماماتها واحتياجاتها اليومية الى الاعتناء
الكبير بحديقة المنزل التي ابعدت عني شبح احساسي بالفراغ
الكبير.
فاضل اجود/42 عاما قال: انا اتابع التلفزيون بشكل مستمر
واتابع بعض البرامج بدقة وحرص فليس لدي أي اهتمام آخر عداه.
كاكا ماجد/ 35 عاما قال: لانني لا استطيع الخروج من البيت
ليلا فتراني وضعت اهتمامي كله في اعداد الطعام والتحضير له
كي ادخل الفرحة الى عائلتي.
الرجال في بغداد فضلوا قضاء اوقاتهم في اعمال اخرى جراء
توقف الحياة فيها ليلا.
وهي تستقبل عيد الفطر المبارك
اسواق بغداد
محتشدة والمراهقون الاكثر شراءً
تستقبل بغداد عيد الفطر المبارك وهي تسمو على جراحاتها
الكبيرة جراء استمرار العنف واسواقها تكتظ بالمتبضعين من
الصغار والكبار على حد سواء وبين اهتمام العوائل البغدادية
بشراء ملابس العيد الجديدة لاطفالها وبين خوفها من حدوث
خطر ما يسجل المراهقون اعلى نسب للشراء حركة مستمرة وعيون
تبحث عن اجمل الثياب واكثرها تناسقا وبائعون انتظروا بشغف
احد المعالم الحاضرة التي يجيء بها العيد كل مرة ومراهقون
اصروا على انتقاء ما يلائم اذواقهم ووجهة نظرهم في اكتمال
وسامتهم.
صباح سميع/ صاحب محل لبيع الملابس الرجالية قال: سوق
البياع معروف ويطلق عليه اسم شارع عشرين، البيع والشراء
على اشده نحن والمتسوقون نستعد لاستقبال عيد الفطر المبارك
على اكمل وجه الحمد لله استطاع العيد ان يحرك الجمود في
الاسواق عموما.. انا جلبت بضاعة جديدة وبكميات مناسبة
والاقبال عليها رائع، ويمكن القول ان المراهقين وحبهم
للحياة والجمال والاناقة هم الاكثر شراء من غيرهم وهم
حريصون الى التعرف على كل جديد ومبتكر كالبنطلونات الحديثة
والقمصان (المطاطية) كما الاحظ وجود قوة شرائية جيدة
لانواع من البضائع المخصصة للاطفال.
ناظم سعيد/17 سنة قال: ككل سنة وقبل مجيء العيد بأيام اقوم
مع اصدقاء لي بجولة في اسواق بغداد كسوق شارع فلسطين
والكاظمية وحسب اتفاقنا لننتقي اخر (موضة) او موديل في
البنطال والقميص والذي غالبا ما يثير اهتمامنا وفضولنا،
نحن ولكوننا من الطلبة يقتصر تطلعنا حول احلى الملابس
واكثرها جمالا اضافة الى الدراسة.
تركي سعدون/ صاحب محل لبيع ملابس الاطفال/ الكاظمية قال:
الناس مزدحمون للغاية وكل واحد منهم يبحث عن الاجمل
والانسب العيد يجلب الخير للجميع للطفل والشاب والكبير،
للمرأة والرجل والعراقيون لهم تقليد من سنوات طويلة
يتهيأون لقدومه بافضل هيئة واناقة.
الكل فرحون بهذا المشهد الرائع الذي يؤكد لنا قوة اصرار
العراقيين في استمرار الحياة.. اما عن بضاعتي، فالحمد لله
يقبل عليها الناس والعوائل العراقية عموما تضع الطفل في
مقدمة ما تتبضع له وتسعد لفرحته.
أم سمر/ ربة بيت قالت: والله انا فرحة لان العراقيين
يقبلون على الاسواق بهذه الاعداد الكبيرة، لن يستطيع احد
ان يوقف سير حياتنا. الكل في سوق شارع فلسطين مشغول
بانتقاء افضل الملابس للصغار والرجال يرافقون زوجاتهم
ويشاركون في اختيار الثوب المناسب واللون اللائق
والمراهقون يدخلون ويخرجون وعيونهم تبحث عن افضل المعروضات
التي يتشاورون على اختيارها مع اصدقائهم الرائعين.
رائد هيثم/ 16 سنة قال: انا احرص على ان اشتري لنفسي ما
احب من ملابس لي وصديقي احمد يشاركني في ذلك، وسوق بغداد
الجديدة كبير جدا والمعروضات جميلة ومغرية وأخاذة هناك
موديلات رائعة وهكذا وبعد رحلة من الزحام الشديد استطعنا
اخيرا ان نختار ما يلائم اذواقنا وما يناسب مقاييسنا.
السوق غاص بالناس وانشاء الله تسود الافراح بلدنا العزيز.
اسعد صالح صاحب محل لبيع الالبسة، بغداد الجديدة قال:
السوق مليء بالناس والكل فرحون لهذا الحضور انها عودة
الروح لاسواقنا التي عانت من الركود، الجميع هنا مشغول اما
باطفاله او زوجته او اخوانه واخواته، فرصة حقيقية وفرها
قدوم العيد كي نحس بالانتماء لبعض ومشاركة الاهل والاقارب،
اتمنى ان تكون اسواقنا كل يوم بهذا التواجد الكبير من
ناسنا، وبالنسبة لاكثر شريحة تقبل على الشراء فهي شريحة
المراهقين الذين يدفعهم حرصهم بالمظهر الجميل امام الناس
وهم أذكياء في تشخيص الموديلات الجديدة او الداخلة في
المعروض للمرة الاولى.
الاسواق في بغداد تغص بالمتبضعين والحركة تدب فيها من جديد
والمراهقون والاطفال هم الاكثر اقبالا على الشراء برغم
الخوف الدائم من خطر العنف المفاجئ.
|