مجتمع مدني

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

المجتمـع المدنــي ومصـادر التـــمويــــل

عباس النوري
الكثيرون لا يفرقون بين المجتمع المدني والمؤسسات المدنية، فالمجتمع المدني هو ذلك المجتمع الذي يقبل القانون كالفيصل الوحيد في حل كل المشاكل. أي هو المجتمع المتحضر والمتطور ثقافيا ولديه منظمات مدنية كثيرة ومتنوعة تراقب أداء السلطات وتساعد أفراد المجتمع لينالوا حقوقهم كاملة.
أما المقصود بمنظمات المجتمع المدني فهي تلك المنظومة الواسعة التي تشمل الاتحادات المهنية والمنظمات الدينية والشبكات الإنسانية بمختلف اختصاصاتها الاجتماعية ويطلق عليها اسم منظمات غير حكومية.
(NGO)أي تدخل من قبل المؤسسات الحكومية أو الأحزاب السياسية ماهي إلا بمثابة تشويه سمعة هذه المنظمات وبالتالي إفساد عملها وتغيير مسارها المستقل لإستغلالها اما لمصالح حزبية ضيقة واما لدعم سياسة الحكومة وإن كانت جائرة.

التمويل:
في كثير من الدول النامية ترتكب المنظمات أكبر خطأ حينما تطالب الحكومات بالدعم المادي، وبعض هذه المنظمات المدنية تلتجئ لمؤسسات حكومية ذات علاقة عنوانية مع المنظمة وترتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة من أجل الحصول على دعم مادي وعندها تفقد مصداقيتها الاستقلالية في العمل والرقابة. وبعض هذه المنظمات تعتمد على جمع التبرعات من الأعضاء أو دعم مادي من أصحاب رؤوس الأموال. والكثير من المنظمات المدنية لا تعرف مصادر تمويل. وهنا أنقل بأمانة بعض التقارير عن مصادر التمويل الدولي لمنظمات المجتمع المدني ونعلق على كيفية اختلاس تلك الأموال من قبل الحكومة أو السماسرة.
ما علاقة البنك الدولي بمنظمات المجتمع المدني؟
أدرك البنك الدولي بعد عقدين من التفاعل والاحتكاك أن منظمات المجتمع المدني تلعب دورا مهما لجعل صوت الأكثر فقرًا مسموعًا عند اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياتهم، كذلك تساعد على تحسين فعالية عملية التنمية وقابلية استدامتها وتعريض الحكومات وصانعي السياسة للمساءلة علانيةً. وتشارك منظمات المجتمع المدني في المشروعات التي يمولها البنك الدولي، ما يؤدي إلى تحسين الأداء التشغيلي وقابلية الاستمرار من خلال مساهمة منظمات المجتمع المحلي بمعرفتها بالمجتمعات المحلية وخبرتها الفنية وشرعيتها الاجتماعية. وهكذا، تقدم منظمات المجتمع المدني أفكارًا وحلولاً مبتكرة وكذا مناهج قائمة على المشاركة بغية حل المشكلات المحلية.
يعد المنتدى الاجتماعي العالمي الذي عقد في بورتو أليجري، البرازيل، في كانون الثاني 2005 أحدث مثال حي ينطق بحيوية ونشاط المجتمع المدني العالمي حيث جذب عددًا من المشاركين يصل إلى 150 ألف شخص لمناقشة وطرح بدائل أكثر إنصافًا واستدامة لنماذج العولمة الاقتصادية الحالية.
كم يبلغ عدد المشروعات التي يدعمها البنك الدولي وتشارك فيها منظمات المجتمع المدني؟
إن عدد المشروعات التي يمولها البنك الدولي وتشارك فيها منظمات المجتمع المدني في ازدياد مستمر، حيث ارتفعت نسبة مشاركة هذه المنظمات باستمرار على مدار العقد الماضي من 21.5% من إجمالي عدد المشروعات في السنة المالية 1990 إلى ما يقرب 72% في السنة المالية 2003. ويذكر أن هناك أكثر من 120 من أختصاصيي مجتمع مدني يعملون في البنك لضمان وضع آراء منظمات المجتمع المدني محل الاعتبار بل تشجيعها فيما يتعلق بالمشروعات التي يمولها البنك.
ويصدر البنك الدولي مرتين في العام تقرير متابعة حول علاقات البنك مع منظمات المجتمع المدني. ويتضمن تقرير أوجه التعاون بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني
تقرير متابعة للسنتين الماليتين 2000 و2001 (265 كيلو بايت PDF) إحصائيات عن إسهامات هذه المنظمات في عمليات البنك الدولي وأمثلة لأوجه التعاون بين البنك الدولي ومنظمات المجتمع المدني.
هل يقوم البنك الدولي بتمويل منظمات المجتمع المدني؟
في الوقت الذي يعتبر فيه منح القروض للحكومات هو النشاط الرئيسي للبنك الدولي، وضع البنك آليات تمويل متعددة على مدار العقدين الماضيين لتقديم منح لمنظمات المجتمع المدني. تقدم هذه المنح إما بطريق غير مباشر من خلال صناديق المنح التي تديرها الحكومة ويمولها البنك أو مباشرة من خلال التمويل الذي يديره البنك. والجدير بالإشارة أن البنك الدولي قام على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية بتمويل ما يزيد على 100 صندوق اجتماعي في 60 بلداً بمبلغ يقدر إجماليًا بنحو أربعة مليارات دولار أمريكي. تستخدم هذه الأموال في إعادة بناء المجتمعات التي مزقتها الحروب وتوفير الخدمات الاجتماعية وتعزيز منظمات المجتمع المدني. فضلاً عن ذلك، هناك أيضًا عدة آليات للمنح يديرها البنك الدولي- وغالبًا ما يكون ذلك من خلال شراكات مع وكالات مانحة أخرى- التي توفر منحًا مباشرة لمنظمات المجتمع المدني في مجموعة مختلفة من المجالات مثل البيئة، وقروض المشروعات ذات الاعتمادات بالغة الصغر، وتكنولوجيا المعلومات والممارسات الإبداعية.
المؤسسات المدنية في العراق تستغل من قبل سماسرة على مستوى عال، ولا يحصلون إلا على الفتات من التمويل الضخم الذي خصص لبناء وتطوير المؤسسات المدنية في العراق. حيث خصص برايمر 70 مليون دولار لتنمية المنظمات المدنية العراقية، لكن أفراد يعدون بالأصابع سيطروا على مبالغ ضخمة منها، وهناك المعهدان الأمريكيان قد حصلا على الجزء الأكبر من التمويل المعروف بإسم مركز تنمية المجتمع المدني
NDI، RDF وغيرها تنظم نشاطات مثل ورش عمل وندوات ومؤتمرات تنموية للمنظمات المدنية، لكن مع شديد الأسف تهدر أموال وتستغل بعضها من قبل سماسرة صغار أيضا ولا يصل إلى المنظمات إلا القليل أو في بعض الأحيان تعتمد هذه المراكز على العلاقات الخاصة والجانبية والنفعية وتهمش كثير من المنظمات الفاعلة. *
(من تقارير البنك الدولي)
وقد بدأ الصراع واضحا بين عدد من المنظمات وهذه المراكز من جهة ومن جانب آخر بين هذه المراكز ووزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني حيث حاولت الأخيرة أن تحول دون وصول مبالغ التمويل إلا عن طريقها. وهناك فجوة كبيرة بين الحكومة والمنظمات المدنية لأسباب كثيرة حيث ترى الحكومة العراقية أن الارهاب يستغل المنظمات ولابد من السيطرة عليها ومنع استغلال هذه الواجهات من قبل أعداء الشعب العراقي. بينما يرى عدد من المنظمات أن الدولة تريد أن تسيطر على كل مرافق الحياة الاجتماعية كما كان الحال في النظام المباد وبالتالي لا يبقى مجال للمساءلة بين المنظمات المدنية والمؤسسات الحكومية. والعديد من رؤساء المنظمات المدنية طالبوا كثيرا بإلغاء وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، وهذا الصراع نتاج التغييرات الفجائية في المجتمع العراقي. لأن فكرة الديمقراطية السريعة لا يستأنسها الكثيرون ويقال أن الشعب العراقي تعود لمدة طويلة على حكم ديكتاتوري فهو غير مؤهل للتعامل الديمقراطي الانسيابي بل يرون أن جرعات صغيرة من الديمقراطية أفضل من التخمة الديمقراطية. والصراع مستمر. الأمر الأكثر خطورة هو أن الأحزاب السياسية أستغلت عناوين المنظمات المدنية لمصالحها الحزبية خصوصا في العملية الانتخابية. ولا أبالغ بأن جميع الأحزاب السياسية قد أنشأت عشرات المنظمات وتقوم بتمويلها لغرض كسب التأييد.
بعض الحلول
المجتمع العراقي متكون من شرائح متنوعة، وللمجتمع العراقي إتجاهات كثيرة متضاربة. وللمجتمع العراقي أديان متنوعة ومذاهب متضادة. وللمجتمع العراقي أناس مدنيون وآخرون في طريقهم إلى التمدن (لكن يطول الأمر).
القوميات: عربية بنسبة الأغلبية العظمى، والكردية بالدرجة الثانية وهناك قوميات متعددة بنسب متفاوتة مثل التركمان والكلدو آشوريين وأقوام أخرى صغيرة، لكن التأثيرات العرقية لهذه القوميات وثقافاتهم المتنوعة لها إيجابيات لبناء مجتمع مدني متطور إذا وفرت الوسائل والخطط لتوظيفها من أجل التمدن. وقد تكون وبالا إن لم يستحسن إستخدامها بطرق وخطى سليمة على المجتمع المدني حين تتضارب المصالح.
الاتجاهات: هناك ثلاثة أنواع من التوجه لدى المجتمع العراقي، أولها اسلامي معتدل وهم الأكثرية واسلامي متطرف. والاتجاه الثاني ليبرالي والثالث عشائري يميل إلى هذا وذاك. الوعي الثقافي بخصوص المجتمع المدني متأخر جدا لدى أغلبية الشعب العراقي وهذا نتاج النظام السلطوي الشمولي السابق بإجبار الأغلبية على فكر ضيق واحد من أجل غاية ضيقة. أما المثقفون وهم بإنتماءاتهم العرقية والمذهبية في صراع دائم طبقا للمفاهيم التي يتبنونها من حيث إنتمائهم المذهبي أو الآيديولوجي ومن ضمن هؤلاء ما نقصد بهم الليبراليين. أما ذوو الاتجاه العشائري منهم مثقفون وذوو اتجاهات متنوعة ومنهم العاطفيون لكن يحكمهم الشعور والاحساس العشائري أكثر من ظاهرة التمدن. بل لوحظ أخيرا بعد التغيير الفجائي للمجتمع العراقي محاولة بناء اتحادات عشائرية وانضمامها للمنظمات المدنية وهذا فيه تناقض كبير ليس مجال بحثنا.
من خلال هذا الملخص البسيط يظهر لنا أن عملية بناء مؤسسات مدنية قائمة على أساس هذا التنوع المتخبط بحاجة إلى عمل طويل ولإمكانيات كبيرة. ويأتي بالدور الأول بناء وتطوير طاقات يمكنها من نشر الوعي المدني. وعلى أساس المباديء التالية:
أولا: جعل كل تلك الاتجاهات الثلاثة مصدر قوة للتلاحم ودعمها من أجل الحفاظ على الخصوصيات دون إجبار الآخرين عليها، لكن محاولة إيجاد قواسم مشتركة بين كل تلك الاتجاهات. الذي لاحظته من خلال ورش العمل التي أقامتها المراكز المذكورة آنفا هو تطبيع واستنساخ لبرامج معدة سابقا ومحاولة إجبار العقلية العراقية على قبول أفكار غريبة قد تم تطبيقها في مجتمعات أخرى...لا نعرف مدى نجاحها أو فشلها وفي بعض الأحيان يعد مواد لا تلائم طبيعة المجتمع العراقي.
المطلوب: إعداد برامج تلائم الواقع العراقي وتسايره وليس العكس، وأن لا تتعرض لخصوصيات تلك الشرائح بشكل عدائي بل توظيف تلك الخصائص للفائدة العامة. حيث أنه من المعروف في كل ثقافة فوائد جمة، وفي كل الاديان ايجابيات كثيرة، ولكل أتجاه حقيقة خاصة من الصعب تغييرها بشكل سريع وفجائي. وهنا أشير إلى أنه في إعداد هذه البرامج لابد من الاعتماد على مثقفين مختصين من ضمن تلك المجموعات. ووضع خطة تعليمية لبث روح التفاهم والتقارب من أجل مصلحة الوطن والشعب وعدم التعرض لسلبيات تلك الخصوصيات. أي المقصود التطور الذاتي من خلال التعرف على الأفكار الأخرى ليس من أجل النقاش وبيان الأفضل والأحسن والأصح بل المعرفة من أجل رفع خطر الجهل بالآخر. (التخوف دائما من غير المعروف).
ثانيا: الاهتمام بعملية الترابط بين المنظمات المتشابهة في الأهداف(وقد نشرت حول هذا الموضوع مقالا مفصلا) الترابط بين المنظمات المدنية أمر ضروري، لكن لشديد الأسف البعض يتصور أن المراد من هذا الترابط السيطرة على مجموعة من المنظمات. وهذا التخوف له أسبابه، لأن إنعدام الثقة بين أفراد المجتمع العراقي بات مرضا شعبيا ومشاعا ويصعب ايجاد الدواء العاجل له... بل الحاجة لفترة زمنية وممارسة فعلية لعملية اشاعة الثقة أو استرجاع الثقة. لأن الأنظمة المتعاقبة بشعور أو دون دراية قد قيدت إنسانية الإنسان العراقي وقد سلبت منه إرادته من حيث يعلم أو لا يعلم. وقد تكون عملية مدروسة لكي يصل إلى هذه الحالة المأساوية التي نراها اليوم.
المقصود من الترابط بين المنظمات المدنية هو لو فرضنا أن في محافظة (س) توجد عشرون منظمة تهتم بشؤون المرأة، لكن هذه المنظمات تنتمي وللأسف إلى أحزاب سياسية مختلفة وتسير من قبلها...هذه المنظمات تجتمع تحت وعاء أو مظلة كإتحاد أو تجمع المنظمات النسوية...وتبقى كل منظمة محافظة على نظامها الداخلي وهويتها وأسمها وخصوصيتها، لكن الجميع يلتقون تحت سقف واحد من أجل التحاور والتشاور والتعاون لهدف واحد معلوم وهو اهتمامهم جميعا بموضوع المرأة والدفاع عن حقوقها. هذا الترابط يعطي جميع المنظمات قوة أكبر بكثير من عدم ارتباطهم مع بعضهم. كذلك الحال لمنظمات الرياضة والشباب، والمنظمات الإنسانية الخيرية. لكن المؤسف الذي يجب ذكره هو بعد إطلاعي على أكثر أنظمة المنظمات المدنية في العراق لاحظت أمرا مهماً هو أن أغلب هذه المنظمات غير متخصصة مع أن عنوانها متخصص. فترى منظمة بأسم المرأة تتطرق في أهدافها إلى كثير من زوايا المجتمع، وترى منظمة فلاحية لكنها تهتم بقضايا ليس من اختصاصها، وبإختصار أن بعض المنظمات تضع على كاهلها وظائف كثيرة ليس بمقدورها أن تتوصل إلى تلك الأهداف ولا لديها القابلية ولا من حقها...لأن المنظمة إذا اختصت بأمر أو قضية من قضايا المجتمع وأعدت إمكانياتها وجهودها من أجل التوصل إلى تلك الأهداف المرسومة ضمن النظام الداخلي أفضل بكثير من أن تكتب أمورا هي بغنى عنها وليس باستطاعتها إنجاز تلك المهام. لكن الظاهر أن أغلب هذه المنظمات تستنسخ الأنظمة واحدة من الأخرى.
الترابط بين المنظمات المتشابهة في الأهداف في المحافظة ينتج لجنة مختصة ذات اهتمام معين وواضح... من مجموع أمثال هذه اللجان في المحافظة الواحدة تنتخب لجنة تمثل منظمات تلك المحافظة...وهذه قوة جماهيرية فعلية تخدم مجموعة من المصالح. ولعل هنا تجدر الاشارة إلى شكل الدولة العراقية الجديدة حسب الدستور المصوت عليه من قبل الشعب.
المادة (1):
العراق دولة مستقلة ذات سيادة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي اتحادي.
ولعلنا نوظف هذه المادة في عملية الترابط بين المنظمات المدنية، وهنا أقترح أن المنظمات في المحافظات الجنوبية تجتمع تحت مظلة واحدة تسمى بشبكة منظمات الجنوب وهم منتخبون من قبل اللجان المتحدة في المحافظة الواحدة. وكذلك للمنظمات في الفرات الأوسط ومنظمات محافظة بغداد والمنظمات في المحافظات الغربية ومنظمات أقليم كردستان مع أن الأخيرة أكثر تطورا واندماجا. دون أي ترابط بين مجموع شبكات المنظمات لتلك الأقاليم لأن المؤسسات المدنية ليست بحاجة إلى مركزية في العمل لكن ليس هناك ضير في أن تكون لقاءات لتبادل الأفكار والتشاور لمصلحة البلد بشكل عام...أو للتمثيل في المحافل الدولية. لكنني أرى خصوصية كل أقليم حسب البيئة ومقتضياتها الاجتماعية المختلفة عن الأقاليم الأخرى. وهنا يأتي دور القانون الذي بدأ الصراع حوله منذ أكثر من عام. قانون المنظمات المدنية خول مختصين خارج العراق من قبل وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني وضع صيغة لقانون يخص عمل المنظمات المدنية، وقد جوبه بشدة واستنكار من قبل عدد كبير من هذه المنظمات، لكن الوزير الحالي سحب هذا المقترح للتشاور مع المنظمات من أجل صياغة مقترح لقانون يرضي الأغلبية. وقد أقامت منظمات عدداً من المؤتمرات لوضع مقترح لمثل هذا القانون. والجدير بالذكر أن الدستور العراقي الجديد يحتوي على أكثر من ثلاث وعشرين مادة وبنداً تشير إلى المنظمات المدنية بصورة مباشرة وغير مباشرة، وعلى فقهاء القانون استنتاج قانون يلائم بنود الدستور، أما أن يوضع من قبل المنظمات وحدها فلا أرى في ذلك ايجابية لأن المنظمات هي المقصودة من القانون فكيف لها أن تكون واضعة لمثل هذا القانون...لكن ليس هناك ضرر إن اقترحت المنظمات المدنية بعض الأماني والأفكار التي يتوخون وجودها في القانون الخاص. لكنني أرى من الأنجع أن تكون هناك لجنة مشكلة من فقهاء قانونيين وبعض رؤساء المنظمات المدنية واساتذة في علم الأجتماع لكتابة مقترح قانون يعرض على البرلمان للتصويت. وقد كتبت مقترحات كثيرة بهذا الشأن في مقالات نشرت في صحف عراقية ومواقع الكترونية.
عندما يتكون لدينا لجنة منبثقة من شبكات الترابط بين المنظمات المدنية سيكون لها دور فعال في جلب الدعم المادي من صندوق النقد الدولي، وعلى ذلك الأساس تهيأ مشاريع تنموية لتطوير واقع المجتمع المدني العراقي.
(مؤسسات مدنية مستقلة عن سلطة الدولة وتدخل الأحزاب)
- على الدولة أن تخصص نسبة من الميزانية السنوية لدعم المنظمات المدنية -
ليس من الصحيح أن يردد البعض أن المنظمات كثيرة في العراق. العراق بحاجة لمليون منظمة مدنية متطورة لكي يصبح المجتمع العراقي مجتمعاً مدنياً متطوراً. ولكي لا تأتي سلطة تستغل الشعب وثرواته.
المنظمات المدنية ضمان للمساءلة والشفافية، ومحاربة الفساد بكل أنواعه.
أنني أنتظر من المؤسسات المدنية التجاوب لكي نتواصل ونتبادل الأفكار من أجل تطوير المنظمات وجلب الدعم من المصدر الرئيسي دون اللجوء إلى السماسرة ومصاصي الدماء.
جميع المنظمات مسؤولة أمام الله والشعب وعليها أن تكون جادة في عملها وصادقة في نيتها للغاية الأخيـــرة هي حقوق الإنـــسان العراقي وسلامته ورفاهه.
رئيس المفوضية العامة لمؤسسات المجتمع المدني العراقي


نحـن والثقـافـة الثـــالثـــة
 

وليد كاصد الزيدي
 *كاتب وباحث عراقي

باتت ثقافة اليوم تختلف كثيراً عن ثقافة الأمس، إذ إنها في أيامنا هذه غدت منظومة شديدة التعقيد وهي في أمّس الحاجة إلى العمل في اطار منظومة تكنولوجيا المعلومات، بعد أن تـأثرت كثيراً بثورة الاتصالات والمعلومات الحديثة التي شهدها العالم منذ الربع الأخير من القرن الماضي والتي لم يألفها المجتمع الإنساني من قبل.
يؤكد المفكر السياسي الفرنسي موريس دوفرجيه
Maurice Du Verger: (أنه يجب أن تندرج ضمن مفهوم الثقافة أو (الحضارة) التقنيات المادية والفكرية أيضاً). وهناك من يعرّف الثقافة من منظور معلوماتي بأنها ما يبقى من معلومات بعد أن ينتهي كل شيء، والمعلومات هي من الموارد الإنسانية التي لا تنضب والتي تزداد بتقادم الزمن.

لذا بدأ الحديث عن "الثقافة الثالثة" Third Culture التي يراد بها ثقافة العلم والتكنولوجيا، كبديل عن الثقافة التقليدية التي كانت سائدة في ما مضى، ولعل هذا التحوّل يعّد التحول الثالث في تأريخ البشرية بعد الثورتين الزراعية والصناعية.
لقد أصبحت الثقافة في عصر المعلوماتية صناعة قائمة بذاتها تجاوزت مصطلحات عفا عنها الزمن، من قبيل الحداثة والمعاصرة والتحديث وغيرها، فظهرت مصطلحات (المابعديات)، مثل ما بعد الحداثة، وما بعد الكولونيالية، وما بعد الصناعة، وما بعد الكتابة وما إليها، فضلاً عن مصطلحات (النهايات) مثل نهاية الذاكرة، ونهاية التاريخ، ونهاية الدولة، ونهاية القومية، ونهاية الكتاب، ونهاية الوسطاء وغيرها، تلك التي بشرت بانتهاء سلسلة من البنى والأفكار والمقومات لتحل محلها سلسلة أكثر تطوراً يعمل على بناء أسسها ويطوّرها مفكرون ومثقفون جدد أطلق عليهم مفكرو الثقافة الثالثة (
Third culture Thinkers)، فأصبح الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية ووسائل الأرشفة الإلكترونية ومنتديات الحوار على الإنترنت وغيرها من وسائل المعرفة الرقمية الحديثة تحل يوما بعد آخر بديلاً عن الكتاب الورقي والمكتبة ذات الرفوف والمنتديات والصالونات الأدبية التقليدية القديمة.
وهذه الثقافة لا تقتصر على ولوج العمل الإلكتروني في إطار المنظومة المعلوماتية في جانب معين فحسب، بل تشمل جميع جوانب الحياة، فالعمل في إطار المنظومة المعلوماتية يفوق كثيراً العمل التقليدي الذي كان يمارسه الإنسان منذ القدم حتى وقت قريب من يومنا هذا، إذ أن الذاكرة الآلية تخلّد المعلومات ولا تسهو عنها، لاسيما إذا ما اتخذت التدابير الاحترازية لتفادي ضياع أو إتلاف وتدمير الملفات التي تحتوي على المعلومات، وذلك من خلال الاستعانة بوسائل حماية الحواسيب واتخاذ تدابير الحفظ الاحتياطي والأرشفة الإلكترونية في الأقراص المدمجة وغيرها.
لقد قطعت الثقافة الثالثة أو ما سّمي أيضاً بـ ((الطريق الثالث)) أشواطاً طويلة كانت قاعدتها الرئيسة تقانة المعلومات بشقيها (هندسة البرمجيات، وهندسة المعرفة)، فالأولى انتقلت في طفرات نوعية من صناعة العتاد المعرفي إلى تطوير البرمجيات، ومن مغامرات الهواة إلى المؤسسات العملاقة، ومن قواعد البيانات إلى قواعد النصوص، ومن الاعتماد على لغات البرمجة الاصطناعية إلى اللغات الطبيعية، في حين اتجهت هندسة المعرفة إلى الجانب التطبيقي في تقانة المعلومات، مثل تطبيقات معالجة البيانات، وتطبيقات معالجة المعلومات، وتطبيقات معالجة المعارف، وتطبيقات التعلم الذاتي.
إن التوجّه نحو سلوك الطريق الثالث أو ولوج عالم الثقافة الثالثة لم يعد اليوم خياراً بين عدة خيارات، بل اصبح ضرورة لامناص منها في سبيل مواكبة ركب التقدم العالمي. ولعل مجتمعات العالم الثالث ومنها المجتمع العربي معنية بهذه الانتقالة النوعية المتمثلة بالتفاعل الحيوي مع تكنولوجيا المعلومات، وبعكسه سوف يبقى منعزلاً يعيش في عالم آخر بعيداً عما يدور في العالم المتقدم، فالتفوق التقني في استخدام شبكة الإنترنت مثلاً، يؤدي إلى تفوق من يرغب باختراق وتشويه الثقافة العربية على مواقع الشبكة الدولية، في الوقت الذي بقيت فيه تلك الثقافة غائبة عن الساحة الثقافية العالمية.
وعلى سبيل المثال يعطي دخول اللغة العربية إلى عالم الثقافة الثالثة دعماً كبيراً لهذه اللغة من خلال ما توفره تكنولوجيا المعلومات من أسس متطورة لبناء مصارف مصطلحات ونظم دعم للمؤلفين واستخدامٍ لقواعد البيانات المعجمية التي تساعد على توحيد المصطلحات ووسائل التحليل اللغوي، ولاسيما في مجال الدلالة، مما يجعل من هذه اللغة جسراً للتواصل المعرفي والتكنولوجي ويعطيها فرصة للانتشار في إطار المنظومة المعلوماتية وعلى وجه الخصوص على شبكة الإنترنت الدولية. ومن الجدير بالذكر أن ولوج عالم (الثقافة الثالثة) هو بمثابة درع واقٍ ضد ما يهدد تراثنا وهويتنا وقيمنا، إذ أن محاور الثقافة المتعددة مثل نظام المعتقدات والقيم والمحافظة على التراث والتنمية السياسية والاقتصادية والتنمية العلمية والتكنولوجية والتنمية التربوية وتنمية الفكر والإبداع وغيرها، لا يمكن لها أن تتطور وتتقدم إلا بالاعتماد على الثقافة الثالثة، فضلاً عن التكنولوجيات أنفسها مثل تكنولوجيا الزراعة وتكنولوجيا الطب والدواء والنقل والمواصلات وغيرها، لا بد لها أن تدور مع عجلة تكنولوجيا المعلومات، ذلك أن تكنولوجيا المعلومات تعّد قاسماً مشتركاً بين جميع أنماط الثقافات ما يجعل منها جسراً للتواصل المعرفي والتكنولوجي، فوعاء الثقافة الثالثة على سبيل المثال، ينضوي في إطاره أعمال الإدارة الإلكترونية المّحرك الرئيس لمؤسسات الدولة الحديثة، وهو ما يسمى اليوم بـ " الحكومة الإلكترونية "الرامية إلى جعل جميع التعاملات بين المؤسسات فيما بينها أو لدى تعاملها مع الأفراد تنجز الكترونياً.
عالم الثقافة الثالثة لا يتوقف على مجال معين فحسب، بل شمل مختلف جوانب الحياة، فمثلاً يساهم العمل الطبي الإلكتروني في إنقاذ حياة إنسان في حالة خطرة حينما تظهر المعلومات بسرعة فائقة أنه يتحسس من أدوية معينة، فضلاً عن الاستخدامات الطبيبة الأخرى المتقدمة في مجال الليزر والاستعانة بالحواسيب وشبكة الإنترنت، في حين أن الإدارة الإلكترونية المصرفية تمكّن من وضع أكبر قدر ممكن من المال المتوفر لدى الناس قيد الاستثمار وتسهّل التعاملات المصرفية مثل استخدام بطاقات الائتمان الإلكترونية والدفع الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني وغيرها، وفي الجانب القانوني يتطلب العمل في إطار عالم الثقافة الثالثة سن تشريعات تحمي التعاملات الإلكترونية عبر الشبكة الدولية، وكيفية إثبات صحة التوقيع الإلكتروني، فضلاً عن التهيؤ لمكافحة القرصنة المعلوماتية ومواجهة هجمات العابثين والمخربين (الهيكرز) الساعين إلى مهاجمة المنظومة المعلوماتية وإيقافها عن العمل، كما هي قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة الإلكترونية (
e-commerce) التي باتت بديلاً من التجارة التقليدية التي كانت سائدة لعدة قرون، أما مجال التعليم فيكتسب أهمية بالغة في أجندة الثقافة الثالثة، بعد أن أصبح التعليم عن بعد بواسطة الإنترنت والقنوات الفضائية مثلاً هو البديل عن التعليم بالمراسلة المعتمد منذ عدة عقود. ففي فرنسا مثلاً يهتم المركز الوطني للتعليم عن بعد (CNED) منذ سنوات بالتعليم الإلكتروني عن بعد ابتداءً من المستوى الابتدائي مروراً بالمستوى الثانوي حتى تعليم المرحلة الثالثة (Emmergation). ولعل جميع الخدمات بأمّس الحاجة إلى التعامل مع تقنيات المعلومات التي توفر تجاوزاً في الزمن والمسافات وتفتح آفاقاً جديدة للعمل، فضلاً عن إحداث تغييرات جذرية في مجالات انتشار المعرفة والأفكار وسياسات الرفاهية والبيئة وحقوق الإنسان ومختلف جوانب الحياة الأخرى.
إن التخطيط الوطني للمعلوماتية ومسألة دعم توجهات التطوير المعلوماتي في بلدان العالم الثالث تقع في أولويات السبل الكفيلة بدخول عالم الثقافة الثالثة الرامية إلى تحقيق تنمية مدنية وسرعة في التوّجه نحو إنتاج تقنيات المعلومات وفي مقدمتها البرمجيات، وهذا ما شرعت به الهند مثلاً التي زاد إنتاجها من البرمجيات على نموها السكاني أكثر من ست عشرة مرة وعلى نمو دخلها القومي أكثر من عشر مرات. ومن أمثلة ما يجري في الدول النامية الطموحة الطريق الذي أنشأته ماليزيا عام 2000 م كجزء من خطتها الوطنية للمعلوماتية المسمى (الطريق المعلوماتي السريع) الذي يخدم منطقة صناعية وتجارية وإدارية تعمل باتجاه دعم صناعات المعلوماتية بما في ذلك تطبيقات (الوسائط المتعددة) وتنفيذ مفاهيم الحكومة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية.
إن ولوج عالم الثقافة الثالثة يتطلب من الدولة النامية الطموحة أن تضع خططاً وطنية للتطوير المعلوماتي، ذلك أن الانتقالة النوعية في عصر المعلوماتية تتطلب سلوك ما سمّي بـ (الطريق الثالث)، ذلك الطريق الذي أطلق عليه (ببل جيتس) قبل عقدٍ من الزمن(طريق المعلومات السريع)
Information Highway، وهو طريق المعلوماتية الذي من بين أبرز أدواته استخدام الإنترنت في التعاملات، وذلك بعد تنامي الهوة بين دول الجنوب والشمال، وهذا ما أشار إليه تقرير التنمية البشرية الصادر في حزيران عام 2000 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي دق ناقوس الخطر محذراً من اتساع الهوة بين أغنياء العالم وفقرائه ودعا إلى التوجه نحو التحديث التكنولوجي في مجال ما بات يعرف اليوم بـ (الاقتصاد الجديد أو الاقتصاد الرقمي)المعتمد على ثقافة تكنولوجيا المعلومات.
وتبعاً للإحصائية التي أوردها التقرير لم تتجاوز حصة بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقية على سبيل المثال 2.5 % من مستخدمي الإنترنت في العالم.
لقد سعت الأمم المتحدة إلى دعم الدول النامية من أجل مدّ جسور التكنولوجيا الرقمية وذلك من خلال اعتماد خدمة تكنولوجيا معلومات تابعة للأمم المتحدة أقترح تسميتها (
Unites) تتولى تدريب مجموعات من أبناء الدول النامية على استعمالات تكنولوجيا المعلومات، في حين أنشأ البنك الدولي إدارة تدعى (إدارة تطوير المعلوماتية) لتعزيز تقدم الدول النامية في خطوة نحو إعداد تلك البلدان لولوج عالم الثقافة الثالثة، التي باتت ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى.
وبرغم تلك المبادرات الدولية وغيرها، إلا أن دول العالم الثالث تبقى أسيرة العزلة عن كل ما هو جديد ومتطور في العالم المتقدم، إذا لم تلجّ بنفسها عالم الثقافة الثالثة، لاسيما نحن على أعتاب الألف الثالث، فالعالم الثالث يجد نفسه اليوم أمام مفترق طرق بين الدخول إلى عالم الثقافة الثالثة من خلال نافذةٍ تطل على العالم الجديد أو العيش في ظل اطلال الثورة الصناعية، بعد أن باتت الخيارات المتوفرة اليوم، إما بالانعزال على الذات أو بالاندماج الكلي في الثقافة الثالثة أو التفاعل الإيجابي المدروس والرشيد. ولعل هذا الخيار الأخير يعّد أفضلها بالنسبة للعالم الثالث ولا سيما البلدان العربية التي تتمتع بخصوصية في اختيار الطريق الأنسب بما يتلاءم وقيمها وتراثها وحضارتها العريقة.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة