المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

ماذا يقول مثقفو الموصل عن الانتخابات

الموصل/ مكتب المدى/ رعد الجماس

سيشهد العراق مع بداية العام الجديد اول انتخابات خلال تاريخه الحديث، وضمن خطة (المدى الثقافي) لإستطلاع آراء مجموعة من المثقفين ومن مجمل المحافظات التقى مندوبنا في محافظة الموصل مجموعة من مثقفي المدينة الذين اكد اغلبهم ان نجاح هذه العملية الديمقراطية يستلزم تضافر جميع الجهود من مواطنين ومسؤولين  ورجال دين وشيوخ عشائر ومنظمات واحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. (المدى) نقلت جانباً من هذه الآراء ووجهات النظر التي تتناول موضوع الانتخابات التي تشكل هاجساً لجميع العراقيين في هذا الظرف الحرج الذي  يمر به البلاد.

الانتخابات تأسيس لحكومة عراقية مثالية..

الاستاذ اياد عزيز البناء احد ادباء الموصل وممن له بصحة واضحة في مسيرتها الثقافية قال: ان المشهد السياسي الحالي للعراق يحتم اجراء الانتخابات في موعدها لعله ينجرف الى الديمقراطية المنشودة من خلال مخاطر هذه الفترة الانتقالية الشائكة، ومن الطبيعي ان تتشكل هذه التجربة حسب مناهج واجواء الحياة العراقية بكل مفاصلها، كما انه من الطبيعي ايضاً ان يرافقها بعض السلبيات والفوضى بإعتبارها تجربة جديدة تخوضها البلاد او تفرض عليها كحلّة جاهزة، لكنها حتماً ستخلق سلطة عراقية وان لم تكن بالمستوى المطلوب فإنها ستؤسس لحكومة عراقية قادمة يتوفر فيها كل الشروط والمميزات المثالية التي تحتاج البلاد وقادرة على حل مشاكلان مهما تعددت بأساليب وطرق الحوار السياسي وبعيداً عن كل المظاهر غير الحضارية.

الانتخابات ضمان لحقوق المرأة..

الفنانة التشكيلية يثرب الطائي قالت: ان العملية السياسية القائمة حالياً غير شرعية، كما انه لا يمكن انكار وجود الاحتلال الاجنبي للعراق، واعتقد ان الانتخابات ستأتي بحكومة تحظى بالشرعية وتنال موافقة اغلب المواطنين، كما انها خطوة صحيحة بإتجاه التخلص من القوات الغازية وتأسيس ديمقراطية حقيقية في بلد عانى غيابها طيلة حقبة طويلة من الزمن، والامتناع عن المشاركة فيها ستخدم الاحتلال والقوى التي تعمل ضد مصلحة العراق فقط، وفيما يتعلق بتمثيل المرأة نرجو ان تنال نسبة 30 % بدلاًُ من نسبة 25% من مجموع الاصوات كما نصت على ذلك قوانين الامم المتحدة والاتفاقيات الدولية لضمان تمثيل حقوق النساء وعدم احتكار جنس معين لجميع المقاعد. ونجاح الانتخابات مرهون بتعاضد كل العراقيين سواء مسوؤلين ام مواطنين ام جهات اخرى.

حملة اعلامية واسعة

وعن دور الاعلام في هذه التجربة الوطنية قال الاستاذ علي مشوت لازم وهو احد المثقفين العاملين في حقل الاعلام: من الضروري ان تسبق عملية الانتخابات حملة اعلامية واسعة تهدف الى نشر وعي شعبي كامل يعلم المواطن من خلاله ما سيجرى في البلاد وحسب اعتقادي ان القائمين على سير ونجاح هذه العملية  قد حققوا شوطاً لا بأس به في هذا الجانب من خلال اصدار الانظمة التعريفية الخاصة بالانتخاب والبالغ عددها سبعة انظمة لغاية الآن، اضافة الى توزيع العديد من الكتيبات والكراسات و (البوسترات)، وعرض عدد من الافلام والبرامج في المحطات التلفزيونية المحلية وبعض الدول العربية الاخرى بغية ايضاح عملية اختيار نواب يمثلون الشعب العراقي ويعملون على صياغة العراق الجديد، واعداد دستور دائم للبلاد حرمت منه منذ ما يقارب ستون عاماً، ومن المهم ان يشارك في هذه التوعية الاعلامية كل الكيانات والاحزاب السياسية وبقية المنظمات الاخرى في العراق من خلال اعداد وطرح البرامج الخاصة بها في هذا الجانب والذي يخدم العملية الانتخابية.

تطوير النظام الانتخابي للعراق

المخرج المسرحي اكرم سليمان كان له رأيه في هذا الموضوع بقوله: ينظر معظم العراقيين الى انتخابات كانون الثاني المقبل على انها منعطف مهم في تاريخ العراق الراهن وانتقالة في طريق نظامه الانتخابي لا سيما ان الحكومة المؤقتة الحالية ليست منتخبة وتفتقر الى التأييد الشعبي، لذا فإن خوضها افضل فرصة لتحقيق الاستقرار وطريق مثالي للوصول الى الشرعية، ويجب مشاركة جميع العراقيين بها لأن قانون الانتخاب يتيح ذلك، ولا يحدد المشاركة بمسقط الرأس فقط وانما يمكن ذلك من اية بقعة على ارض العراق، في اقليم كردستان العراق او وسطه وجنوبه، لذا نأمل ان يتيح استقرار الاوضاع الامنية تفعيل دور الجميع في عملية رسم مستقبل البلاد السياسي من خلال هذه الانتخابات.

عملية انتخابية نزيهة

واشار الدكتور ذنون الطائي مدير مركز دراسات الموصل الى ان مقاطعة الانتخابات تكريس لتهميش دور المقاطعين لها، لأن الحق (كما يقال) يؤخذ ولا يعطى ومن يرد ان يكون له دور فعليه المبادرة، فالمقاطعة لا تجدي نفعاً لأن الانتخابات ستجري على وفق الجدول الزمني المحدد لها من  قبل هيئة الامم المتحدة والخاص بسير العملية السياسية ونجاحها في العراق، كما ان الشرعية المحلية لمؤسسات الدولة القائمة غير كافية ويجب ان تقترن بها وتساندها شرعية دولية توفرها الانتخابات التي لا بد ان يشارك بها كل العراقيين القاطنين على التراب العراقي ونرجو ان تتم بأجواء حرة ونزيهة من دون تلاعب من وراء الستار وان تؤدي نتائجها الايجابية الى استقرار اوضاع العراق ومؤسساته المختلفة.

دور المفوضية العليا للانتخابات

الدكتور باسم النجار/ جامعة الموصل اكد ان نجاح هذه العملية الديمقراطية مرهون بعدم الاعتماد على اسلوب المحاصصة اثناء التنفيذ، لأن انتهاج هذا النظام في اختيار اعضاء الحكومة المؤقتة ومن قبلها مجلس الحكم افرز نتائج سلبية، وهذه الانتخابات تتعلق الآمال عليها لإثبات هويتها الوطنية والتخلص من المحاصصة التي قد تؤدي الى تصدع الوحدة الوطنية، واضاف: ان جهود المفوضية العليا للانتخابات لا يتناسب وجحم العملية الانتخابية الضخمة ، لأن قطاعاً كبيراً من المواطنين لا يعلمون تفاصيل ما سيحدث من خلالها بانتخاب جمعية وطنية وبرلمان كردي ومجلس للمحافظة، لذلك فالاعلان عن هذه الخطوات مهم، ويجب مراعاة العدالة في عملية توزيع الاعلانات على وسائل الاعلام المختلفة وان لا تقتصر على صحف بذاتها، خاصة اذا علمنا بأن المفوضية وكما اعلن عنها هيئة حيادية مستقلة وجميع اعضائها عراقيون تم اختيارهم من بين الفين مرشح قدموا طلباتهم بكل نزاهة الى هيئة الامم المتحدة.

وجهة نظر مغايرة ..

احد مثقفي مدينة الموصل  محمد احمد عبد الله افاد برأي مخالف لوجهات النظر السابقة، إذ قال: يجب على العراقيين رفض هذه الانتخابات جملة وتفصيلاً والتصدي لقوات الاحتلال التي تقف وراءها، وذلك لأن اغلب المرشحين لهذه الانتخابات لا يمثلون الا انفسهم ويهدفون من وراء المشاركة فيها تحقيق مصالح شخصية قد تكون سياسية او حزبية او تمثيل مصلحة فئة  معينة، وهذه الانتخابات جزء من مخطط او مشروع امريكي معد سلفاً ومشكوك بأمره بغية التآمر على الشعب العراقي، فليست هناك اية شرعية لما يجرى، وحتى المفوضية العليا المسؤولة عن الانتخابات وكذلك الحكومة المؤقتة ومجلس الحكم المؤقت ليس هناك اي دور للعراقيين في اختيار اعضائها، بل لم تتوفر لدينا اية معلومات عنهم وعن من اختارهم لهذه المناصب.

 

 


أرض الكلاب

قصة قصيرة...

كريم الخفاجي

نباح الكلاب بوتائره المحتدمة، وحده الذي اشار لخطورة ما اقدم عليه سكان هذه الارض، وهو الذي بث في نفوسهم، هاجس الموت، ودنوه المفزع الاكيد، اما تلك النجاة التي امست ربة هذه المخلوقات المندحرة، فقد صارت حصة من سقط ميتاً، او من سيعالجه هذا الامر بعد حين، فالكل تحت رحمة هذه اللحضات المضغوطة بتقل هائل كالرصاص كالزنك المدبب المسموم.

والجياد باكملها خائرة، بالكاد تسير من السعير إلى السعير، هاربة لمجرد الهروب، حيث لاسبيل اخر وجدوه طوال الايام التي مكثوها تحت وابل جنون الموسم هذا الاخير الذي ماانفك يهز الارض التي اسفلهم فيتلف كل مافوقها دون هوادة، فقط هي الكلاب التي لم تنل نصيبها من الدمار، بل هي لم تعر اهمية للأمر فقد تنبأت واحتاطت لامرها سريعاً، وكانت لائذة بجحورها بخفة ودراية حتى لكأنها لم تخلق على هذه الارض، التي اسقطت هذه اللحظة بالذات، رجلا اخر من وسط الطابور الهارب فراحوا ينظرون اليه بسرعة تنم عن الجزع والخوف وهم يعيدون ابصارهم المنكسرة الى وضعها وهي تلتمس ايما بارقة في الفضاءات البعيدة لكن الرجل الذي يتفرد بمشيته الوئيدة المتريثة بتكاسل في مؤخرة الرتل المتعرج لم يزل يمسك بسراب الامل وانه غير ابه بحادثة الدمار تلك، بل وحتى مصيره كذلك ومافعله الان انه ارسل بصره الى جهة اخرى، واطال النظر اليها توقف ينصت لصفير الرياح فلم يجد شيئا يشير لتبدل مافقال في سره:- ربما يكون القادم اسوا، ومرة اخرى مسح عينيه من الغبار الذي ناال منه ولم يبق عليه سوى بضع خصلات بيض من شعر راسه ولحيته التي استرسلت نامية الى الاسفل حتى تشعثت فصار، يبغضها بشدة تجعله يوغل اصابعه فيها ليزيحها عن وجهة ويقول في سره حائقاً:- ما يقرف  يتكاثر ولايزول، ومايفرح يعجل في الغياب. واستدار منسحبا عن موكب الراحلين، وانشغل يغالب هشاشة الارض، ساعيا حيث سيجد صاحبه هناك يراهن على نجاته في البقاء بعدما استهان بالرحيل عن الارض، وقطع الكهل مسافة من الانهاك المتعثر، ماتوقف فيها ولو  لمرة واحدة، حتى بدأت اقدامه تلامس صلابة الارض التي ماسكها الزرع المتبدد على جذوره، المطمورة في الاسفل.

وعبر مساحة التشقق الذي افزع الزواحف السابقة وتلك المخلوقات النهمة الصغيرة، التي عافت خزينها وعادت اليه في الوقت هذا، يدرك ذلك الكهل ويسيء لقدرة عقلة فتشغله الكلاب التي بدأت تضج ثانية بالنباح ولم تصمت حتى توقف على مرتفع ترابي فصارت تميزه، كانه لم يكن معفرا بالغبار حتى شعر راسه الاشيب الذي تجدل لوحده، انصرفت عنه الكلاب منشغله تبحث بكثبان الارض والشقوق المسكونة بالحركة والدبيب الذي كان يؤنسها دون مراد اخر لها، ومرة اخرى لعن الكهل راسه لفطنة هذه المخلوقات، لانه راى مثل هذا الامر قبل حدوث الكارثة لكنه لم يتدبر امره اخيرا لكنه احس بقليل من سكينة الروح وضجة الراس رغم صفير الرياح الذي اخذ يتقطع وتخفت وتيرته الموصولة العالية، بفعل جذوع الاشجار العارية باغصانها القوية المتشابكة من السنوات التي ماعادت تحصى، وكذلك ساهمت الجدران البيوتات، التي صمدت بطريقة ما، او التي استحالت الى ركامات مبعثرة عالية وواطئة، صعب على قاطنيها الاستدلاء عليها وقتذاك، وعدل الاشيب الكهل الذي خبر كل شيء هنا، عدل من قامته رافعا كتفيه الى الخلف لثقل بدا يزايله وفي الحال عاود السير، دون نباح يسمع لكلب ماوهو يقترب لصاحبه ليجد نفسه في هذه اللحظة المشتعلة بالمسرة المزعزعة ذلك المخلوق الصغير الدائم التودد، يقف لوحده في مواجهة المجهول فقال وهو يلتقيه توا:- انا لقيتك في هذا الضياع ولا أظنك ستحظى بغيري وربت على كتفه فاثار غبارا من غبار متراكم عتيق، وحدثه قليلا بما يخفف الوطأة بدافع العرف المالوف، ورمق جرة الماء التي يضمها لجنبه باحتراز شديد ثم ظل صامتا لوقت يتطلع اليه بنوع من الاسى المتلبد خلف الملامح الغبرة، وربما لم يطق الامر، غادره ليزوغ في مماشي الحشائش الميتة فظل الرجل الذي لازم الارض جامدا، مندهشا لايملك مايقوله لكنه- كمن استيقظ لتوه، امسى يحس بسيل عارم من الود لصاحبه الكبير وقد التاع كثيرا اذ جعله ينفلت من امامه دون كلمة مرحبة به- دون رد على كلام اخر، دون سؤال عن حالة الرتل والاصدقاء عما تبقى من الاطفال والنساء، حتى وان اخذوا حصصا اضافية مما يملكه الجميع من المؤن، وقال يلعن نفسه انا فزاعة هذا المكان دون طيور دون زرع، لن اخيف سوى نفسي، واستحالت الوحشة الى اشد من الموت، ربما صار الموت عصيانا هو الاخر يتلصق بجفاف الفم ولايدخل الروح، وهكذا دفعه هذا الشعور، يلتصق صوته يناديه كما لو كان صبيا احاط به الفزع، وكرر يناديه باسمه لمرات اخرى لكنه لم يتلق جوابا سوى نباح الكلاب، التي بدت هذه المرة اشد تاهبا لاي حركة تحدث داخل محيطها الذي توزعت على ارضه بهيمنة وطلاقة ماكانت لتحصل عليها من قبل وقد دفعها نشاطها هذا المتحرر ان تعيد صيحاتها بحدة، فيخال الواقف على ارضه ان حدة هذا النباح، صارت  تضرب كل شيء بوحشية وقد لامست اطراف السماء التي جعل منها الغبار الاصفر وطيئة اخذه في الانخفاض وهي موشكة على ان تنطبق على مااسفلها، تلك الاحاسيس المدمرة، كانها من دهور بعيدة بدات وليس فيها من امل لتزول جعلته - وهو ما عاد بوسعه الا ان يرى الموت امامه اعذب من الخلاص، لكنه هو الاخر بدا عصيا عليه فما كان منه الا ان سحب جرته، دون تردد فشرب كفايته واعاد الجرة جانبا، دون خشية من ان تسقط فينفد ما قد تبقى في قعرها فاحس بالرواء وهو يتشرب اوصاله بنشاط اعاد اليه الكثير من الامل والهمة، تدفعانه الى ارتقاء التلة الضخمة التي لبث اسفلها اغلب الوقت، تلة الكلا والنباتات الناعمة، تتوزعها الزهور البرية، فتخلب عقله وقتذاك حتى تجعلها وسيلته المحببة، فتبدا عندها لعبة ايام الطفولة، ولهو الصبا في الصعود والنزول معها، ولم تزل عنده الان شديدة القرب على نفسه فكان ولم يزل يرى مكوناتها لابعينيه، بل بخاطره.. يعرف الاحجار الغائرة والناتئة بأكملها، يعرف الحصى الاملس بالوانه وكيف كان يلصف تحت الشمس يحيط به الزرع ويرتمي على حوافه.. يرى الكلأ الأخضر وهو يرتفع معانداً كلما اتقلعه، لكنه لم ير الآن سوى ما يتيبس وهو يضرب عينيه بالتذمر والحيف من اسفل التلة حتى قمتها التي تريع عليها الان، واضعا جرته بين الاعشاب تتوزع الخضرة واليباس، ذلك الامل يعود بصحبه الياس وقد حافظ الكثير من العشب على تصلبه، ينبثق بذات القوة السابقة من الشقوق ويتسامق مدببا الى الاعلى، صوب غبار السماء الذي تبدد قليلا، فلا شيء بات يلامس السماء، يرى كيانه عاليا، فوق الصخرة المسطحة التي تتوسط التلة فيحس مثلما هو اول الزمن يتربع على اكبر قبعة في ارضة، قبعة كونتها اعواد الحلفاء المتجددة اذ تنفرش مستديرة على اطراف التلة، وهي تجتاز لتكمل مظلة القبعة العتيقة، التي فقدت القها السابق، وتدهورت حتى لكأنها ماعادت تحمل اسمها او شاهدا تستدل به الطيور الضائعه لتحط هنا...

اين هي الطيور اكانت عارفة بجنون الموسم؟! نبحت بعض الكلاب، فراى صاحبه في المماشي المتعرجة، متجها صوب قبعة التلة المتدهورة فهمس بصوت مسموع:- هو ذا استاذي ثانية ولابدانه يحمل على ظهره مايفرح هكذا هذا هو دائما، كانه يفاجئني بعد الدرس، ليحثني على لدرس القادم، حتى جعلني خليفة له، ولم ينقطع عن متابعتي حتى هذه اللحظة، واقترب الاستاذ ينوء بثقل الزق البادي الامتلاء، واذا يصل تلة الكلا، يدعو صاحبه لياتي اليه، فيفعل هذا متعجلاً، ويلقي بالجود المغلق باحكام الى الارض، وهو يقول مخاطبا تلميذه الاستاذ الاصغر:- هذا مايكفينا من الماء المطيب بثمرة السعد، غفلته وقت الرفاه، وذكرته في ضنك العسر، وجدته سالماً باعجوبة واراد ان يلطف مشاعر تلميذه الذي ظل ذاهلا:- هل نحتفل بهذه اللقية تحت قبعة التلة كما كان الجميع يفعل ذلك.. النساء كذلك- اتذكر ذلك ايها المتلصص:- واستطاع التلميذ ان يبتسم وبادله استاذه ذات الامر وقال:- عب مايحلو لك وليس بالعسير علينا ان نحظى بالزاد، هل نفد الماء في جرتك فقال هذا على الفور كلا سافعل ذلك الان واسرع، ودفع لجوفه ماتبقى بلذة وامان ورمى الجرة بقوة فاحدث صوتا متشظيا وهي تتكسر على احجار التلة فضجت الكلاب على الفور وتقدم منها ما يخيف، فحمل الاستاذ زقه وتسلق التلة وهو يرمي تلميذه بالعتاب وعدم معرفة غضب الكلاب ورعونتها في مثل هذا الامر، ولم يمض وقت طويل حتى ران الصمت على المكان باكمله واصبحت الارض تحت انكشاف مساحات ضئيلة من السماء، بدت جميع كلاب الارض تشاهد بوضوح، لن يصدقانه، ذلك لكثرة عددها ولمعان الفراء الملون عليها، حتى ذلك اللصيف الخاطف لحظة تعكسه عيونها، وهي تنبث على ارضها بشكل سائب، منفلت كانما اعتقت من اسوارها، تتجمع مكتظة لوقت وتتفرق في تعرجات ومسارب منخفضة حاملة اجسادها الممتلئة بفعل ما التهمته من لحوم الماشية وبقية الحيوانات التي نفقت في ذلك الوقت ولم تزل اوصالها عرضة لانيابها كلما ارادت ذلك، غافلة زواحف الارض وبعض الحيوانات الصغيرة المختبئة والمتقافزة بين جذوع الاشجار المحطمة وفوق الحشائش الميتة.

وتفوه الاستاذ الذي تجلى بياض شعره الحاسر ولحيته كذلك:- هذه عاصفة الكلاب الرحيمة فقال تلميذه:- والادهى من ذلك انني شاهدتها قبل مجيئك، تطلع علي وهي مبتلة لدرجة ان الماء يضل يقطر من فرائها لوقت لايصدق.

فقال الاستاذ:- ليس هذا بغريب علي، فهي خبرت هذه الارض من زمن لا يعرف يظل الاستاذ الاصغر ذاهلا لم يجد مايقوله.

سوى انه هز راسه بما يشي بغموض ليس بوسعه ان يصدقه، فادرك ماكان يتوجب عليه ان يخبره كدرس اخير، ربما لن يقدر عليه في وقت اخر يجهله:- لتسمعني هذه المرة جيدا، فذلك ما اعادني اليك، اردت ان اجد مخرجا لنا متى كان ذلك سانحا لعقولنا، اردت هربا لارجعة فيه من هذه الارض بافاعيها المخبوءة تحتنا.

فقاطعة الاخر قائلاً:- لكنها ارضنا تزول حياتنا معها.

فرد الاستاذ وهو يشد بيده ليصمت صاحبه حتى يكمل:- لتصدق مااقوله فقد رايت، وسمعت ماتصدقه حتى احجار هذه الارض فنحن نجلس الان على برج منفى قبل اكتشاف الات المراقبة التي لااعرف اين وصل مداها الان، اثرها انسحب المسلحون من هنا لعدم جدواهم، فمن يهرب سيموت قبل ان يجد ملاذا له، ذلك ماكان يخص اجدادنا قبل ان يرتموا هنا دون ارادة، بعدما اغضبوا اسيادهم في المدن التي لم نرها بعد، الا على صفحات الكتب او التي دونت هناك لاساتذة اشد قدما منا، قبل ان تقطع الامدادات، حسب مايراه المتسيدون، هي ارض الموت والسموم، فكيف تريدها لنا.. هذا منفى الاجداد الذين كابدوا طويلا ليطلع الزرع.

حتى زهقت ارواحهم قبل وبعد ذلك فجاء الاباء على سيرة ابائهم.. صاروا اجدادا اذ بدات ثمار الزرع تنضج فياكلون ثم سرعان مايموتون وهم يكدحون فيجيء غيرهم ليكمل الحياة التي وجدنا اجسادنا مسترخية راضية، اسفل اشجارها الوفيرة بثمارها فتشكل ذلك الوطن الذي تقوله بحق وسرعان ماشاعت المخاوف عند كبارنا، بعدما تناقل عن رجل طاعن في السن داهمته لحظات الموت فباح لهم بسر هذا المكان، قال لهم ان المنفى الذي امسى جنة لكم، يقع في الارض المخادعة، ما ان يشبع ازدهارا حتى يعود لاصله، فيحطم كل ماعليه، ولم يبق سوى الكلاب التي وجدناها قبلنا، قال ذلك عن اول المنفيين، جيء به لانه طالب ببضعة سرادق لجيوش العمال، وهم يشقون نهرا فرعيا ارادته الملكة ان يمر من امام قصرها واشارت ملامح صاحب الاستاذ الى انه صدق ذلك بدهشة فائقة بعدما تجلى له قبر بين مستطيل القبور، وران بعد ذلك على مكانهما سكون تتحلقة وحشة اثقل من ذي قبل، حتى قطعه الكهل، وهو يرنو للمكونات امامه: ارى كل شيء يشير الى ماقاله ذلك المنفي واسمعه يبوح بشيء ليس لي طاقة على فهمه.

وهم يرقبون من على التلة العتيقة بعض الكلاب، الهرمة التي طلعت توا بعد غياب الكلاب الاخرى، كانها ارتفعت من مكامن حصينه هي واضحة السمنة والضخامة تسير بكسل، يوحي بالبطر وعدم الاكتراث، ولم تزل مبتلة الفراء الخفيف، تحيل المياه مترعة واكداس ضخمة من الاطعمة تتجدد طرواتها كل يوم، يتقدم كبيرهم محاولا ان يتسلق اكبر صخرة من الصخور الجائمة على الارض، لكنه لم يفلح في ذلك فظل صامتا لوقت كانها المرة الاولى التي يخفق فيها بعدها رفع ساقه السفلى وبال اسفلها، ثم مضى بتقلب ثقله على الحشائش وعقف ارجله بصعوبة وجلس، وكانه يتجنب لهاثا وجهدا لايحتمله.

فقال الاستاذ يحدث نفسه:- كاننا الاجداد هنا، وفي ذاك المكان توقف جواره كلب اخر، تجشأ وحرك راسه فاهتزت اذناه ثم تركها منسدلة الى الاسفل، لاقوة عنده لاعادة وضعهما، ودب باتجاه مستطيل مقابر الاجداد حتى توقف عند اول قبر، وصار لصقه وحك جلده بنتوءات اجره المتاكل لعدة مرات ثم تراجع لقبر اخر، رفع ذيله وجعل مؤخرته الى الارض وابقى ارجله الامامية منتصبة، بعدها وارى ماتركه اسفل القبر بالتراب، ثم انسحب قليلان وبدا يستجمع قواه، ثم قفز بهمه بادية، فاستقر على سطح القبر مط ظهره فانكمش الفراء المرقط وعاد لينبسط ثانية، وارخى رقبته بطريقة مائلة وتمدد ملقيا راسه بين ساقيه الاماميتين فبدا مسترخيا هادئا، بوضع جعل الاستاذ وصاحبه على يقين، بأن هذا الكلب، الذي اغمض عينيه في هذه اللحظة، لم يكن معنيا بما سيحدث حوله او فيما كان قد فات فعلا، وهو لم يزل يتنفس هواء لايحس بنقائه ولايابه له، فاثار حسدا عميقا، جعل الاثنين يتناوبان على شرب الماء جرعة جرعة، دون ان يفصحا عن امنية بعيده المنال، نالها الكلب وبقية الكلاب دون عناء او مخاوف تعرف على مدى الارض الحانية عليهم..

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة