المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

آرثو رامبو الجوال العظيم الذي عاد بحذاء مثقوب وقدم متهرئة

 لو كان يقظا حتى هذه اللحظة لما كنت استسلمت للغرائز القاتلة، منذ فترة لا يمكن تذكرها..لو أنه كان دائما جيد اليقظة، لكنت عمت في قلب الحكمة.

أيها النقاء! أيها النقاء!

إنها هذه الدقيقة من اليقظة التي منحتني رؤيا النقاء بالعقل ما نغدو إلى الله.

يا لسوء الطالع الممزق!

(من قصيدة المستحيل L’Impossible )

أصبح رامبو أقرب إلى الحقيقة بكثير، عندما رأى أوفيليا منذ أكثر من ألف عام، أوفيليا الحزينة التي تعبر مثل شبح أبيض، تسير فوق النهر الأسود الطويل، أوفيليا..رمز النقاء الذي ألهم رامبو، رمز الصفاء الشفاف والقلب المغسول من بقع الخمرة والقيء، أوفيليا هي ترجمة الإحساس الذي أراد رامبو الوصول إليه، الإحساس الذي أراد تجريبه والتمكن منه، والولوج إليه، ولا يكون هذا إلا عبر تجارب قاسية وشاقة، تجربة تدمير الذات وتدمير اللغة للوصول إلى اللغة الصافية، والإحساس الصافي، والذي لا يتم نقله والتعبير عنه إلا عبر الفن، عبر الحس الشعري الخام، فكيف يتطابق الإحساس مع الفن الشعري المكتوب، إن التسجيل النقي للتطرف الحسي والشعوري هو ميزة شعر رامبو، فتشويش وخلخلة الحواس يجعله يسمع صوت البحار المجنونة، يجعله يرى الأبدية عائمة مثل زنبقة كبيرة، يجعله يرى فينوس المائية ( Venus Anadyomene) وهي تبرز من حمام عتيق متباطئة بليدة بعيوب مموهة بشكل رديء، إن شعره هو هذياناته التي كان يحسها ويكتبها كما في العذراء المجنونة، والزوج الجهنمي (L’epoux Infernal) الذي ضيع العذارى، الزوج الجهنمي الذي لا يحب النساء ويريد اختراع الحب، فيزيح القلب والجمال بازدراء بارد، إن تدمير اللغة يؤدي إلى تغيير عادات النظر إلى الأشياء، يجعل الفعل الشعري مطابقا للحياة، يجعل من الشعر أصلا للوجود، ومن الصور حقيقة ولا حقيقة دونها، ويقلب الأحلام إلى لغة غريبة وسرية معا.

لقد حلم رامبو بابتكار لغة لم يكتبها أحد، كما حلم أنتونان آرتو بذلك فيما بعد، في سرة المطهر وميزان الإعصار، لقد حلم رامبو بشعر مستحيل مكتوب بلغة مستحيلة، حلم بمواجهة لا معقول العالم، وأدرك أن هذه المواجهة لن تتم إلا عبر لغة لا معقولة، أراد مواجهة انكسار الحياة بالانتصار الشعري، أراد قهر الشر باللغة الشريرة، أراد قهر قوى التدمير بالقوة المدمرة، وكان الخراب هو المحبة نسبة له، لأنه أدرك بشكل لا يقبل الجدل أن الخلط الكلي الذي يعصف بالحياة هو الذي يؤدي إلى الموت، السر الغامض الذي كان رامبو يبحث عنه وجده في المواجهة المميتة مع الحياة، في الانجذاب والتوق إلى العدم، في القتال الدائم من أجل الرؤيا والتعبير، الشعر لا يبرز إلا من خلال الحركة الدائبة في تحرير الكتابة والأسلوب من القبر الذي يصنعه التكرار، الانطباع الشعري الذي يبقى ويستمر لا يتكون إلا في تحرير جوهر الوجود، لا يتشكل إلا في مخالفة المنظورات، إن السمة الأكثر إدهاشا في الشعر هي الصراع المهلك مع الكتابة داخل الكتابة، هي الحياة الباطنية التي تبرز إلى السطح، هي التلذذ بالهذيانات، الاقتراب من المطلق، العبور نحو السر، الشعر هو اللغة الواضحة في تصوير الغامض، هو التمزق الغامض والعاصف في الصيد الروحي، هو العبور الرمزي نحو التاريخ، هو العبور الدائم إلى اللغة - الأسلوب – الكتابة، حتى يصل إلى الصراع مع الكتابة داخل الكتابة إلى ذروته، يصل بالشاعر أن يرى مسجدا محل مصنع، مدرسة طبول مصنوعة من قبل، عربات خيول تجري على دروب السماء، صالوناً في نهاية بحيرة.

كان رامبو متمزقا بين عالمين، عالم الفن وعالم الحياة، عالم البوهيمية الملازمة للشعر وعالم الأرستقراطية الذي حلم به، بين التقاليد التي أرادتها له أمه والانحراف الذي هو عليه، ولأنه الشاعر الرائي فقد تمكن فيما بعد أن يجعل من إيماءاته وتلميحاته اللاشعورية شعرا متوهجا ورائعا، كان صانعا ماهرا، فنانا مرهفا، رساما، وهو يلتقط بشعره كل شيء في طريق سيره، "تتفتح تحت قدميه ثلاث زنابق كلما رفع رأسه" (Jackoté)، كان أقرب إلى الساحر وهو ينعش في الأشياء الجامدة سيلا من الحياة، كان يغير في طابع الشعر الفرنسي الجامد أوان ذاك وينفخ فيه من روحه، فكل شيء في الحياة تصبح فيه نكهة الحياة: " ..يهذي المرء، يشعر على شفتيه بقبلة ترعش هناك مثل حيوان صغير" (قصيدة حكاية Roman)، وكان يدرك دون شك ما يفعله وهذا وجه الاختلاف بينه وبين معاصريه، كان يحيا أحلامه، ويجعلها علامة البداية على شعر جديد، وينبغي على الشعراء أن يحلموا أحلامه، ولا سيما الذين فتنوا به فيما بعد، لقد استهوتهم هذه البوهيمية الشعرية فأرادوا تجريبها واللحاق به في عالمه، غير أنه سرعان ما اتخذ مسارا آخر، لقد سار خفيفا في الربيع النامي المزدهر، بحثا عن أصوات جديدة، وأنفاس بهيجة يمكنها أن تبهج الأرض، فعثر على الإشراقات Les Illuminations، وهي قصائد نثر، وكانت فكرة الطوفان تجتاحه بعمق، الفكرة المهدمة للإحساس والتي طرحها من قبل في رسالة الرائي:

"سال الدم، عند اللحية الزرقاء، في المسالخ-في السيركات، حيث خاتم الله يزرع النوافذ بالشحوب، سال الدم والحليب، عمرت القنادس، تصاعد دخان (المازاغان) في الخمارات، في البيت الكبير ذي النوافذ الزجاج الذي ما زال يسيل، نظر الأولاد الذين في حداد إلى الصور العجيبة" (من قصيدة بعد الطوفان Apres le Deluge). كان يخطط بكل حكمته، كان يخلط كل شيء مع كل شيء، يريد الوصول إلى تشويش كامل للأحاسيس ومن ثم رؤية الأشياء البعيدة بعمق كامل، وحتى حين بدأ يعاني وبألم من الحياة، وصعوبة العيش في باريس، والغيرة القاتلة في حياته التي لا أمل منها، وكره المحيط الأدبي الباريسي له، فقد وجد من المستحيل مقاومة المتعة الهائلة في الإغراء ومغازلة هذه الرؤى المجنونة التي كانت تنتابه، رامبو الذي لم يعش الحب ربما كان يريد تجريب الإثارة في الشعر، شيء أشبه بالصعود والهبوط عبر الأعالي والمنحدرات، وكانت هذه التجارب المتكررة مع الخمرة والحشيش تحميه من طغيان الألم، كان يستسلم للنزوات والأهواء ليتمكن من نفسه.

"يتذكر ديلاهاي ويقول أن رامبو كان يضحك في دخيلته ويسخر. في أحد الأيام وكانا يعبران غابة كثيفة، ضرب الشاعر الشاب رأسه بجذع شجرة، وتدفق الدم على جبهته.

سأله ديلاهاي: "هل رأسك ينزف؟"

فقال " لا شيء إنها شوكة الفكر"

هذا يعني إنه مستعد لإراقة دمه من أجل أفكاره..."

من كتاب رامبو لبيتر بتيفز

 

شاعر الأفكار هو شاعر الصور أيضا، الشاعر الذي كتب ضد كتابته ومن أجلها، الشاعر الذي جرب التدمير والتخريب للأشكال المحيطة بجوهر كان يبحث عنه، الشاعر الذي كتب لكي يزعزع ما كان قبله زعزعة كاملة، وقد أستمرت هذه الخلخلة والزعزعة بعده حتى الآن، الشاعر الملعون المخيف المرعب الذي جرب كل صنوف الثورة والعصيان، الشاعر البركان الدائم، البركان الذي لم يهدأ حتى بعد موته ظلت الحمم التي أطلقها حارقة ومتوهجة، عمله ليس تجربة كتابية حسب، إنما تفجير حقيقي من الداخل، تفجير كل حقيقة لأن الشعر والرعب شيئان لا ينفصلان، الشعر والتدمير شيئان لا ينفصلان أيضا، لقد مزق كل لغة وخرب كل قول وهشم كل صورة ورأى ما لا يراه الآخرون..ولذلك استحق لقب الشاعر الرائي بحق.

 


متابعات

في عددها الـ 25، فصليّة "مشارف" الحيفاويّة تحثّ خطاها رَصْدٌ في عين العاصفة

في عددها الجديد، الـ 25، صيف 2004، تُولي فصليّة "مشارف" الأدبيّة الحيفاويّة اهتمامها بالفكرة (كعادتها منذ انطلاقتها الأُولى) كسؤالٍ جديرٍ بالفحص والتأمل، كما ذكرت هيئة التحرير في كلمتها، إذ ركّزت على منهجيّتها في متابعة أدبيّة النّصّ الإبداعيّ وإعمالِهِ في المضامير الفنيّة وفقَ ما يليق بمستواها. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المنهجيّة تبدو بارزةً في هذا العدد المتّسم بأناقته شكلاً ومضمونًا، والغنيّ بمحاوره على تنوّعها واختلافها. تعلو غلاف المجلّة صورةً لبوّابة بيت وشجيرة تُدعَى "المجنونة"، قام بالتقاطها الرّاحل محمّد حمزة غنايم، قبل وفاتِه مخلّفًا لنا صورةً وقصيدة:

"مجنونة تطاوِلُ الجدار، وترسمُ السِّياجَ في حدودِ الدّار".

أول المحاور التي تتصدّر العدد الـ 25 من فصليّة "مشارف" هي بوّابة الشِّعر التي تُشْرِعُ مصراعيها، في هذا العدد خصيصًا، أمام قصائدها "الشّبابيّة"، إن صَحَّ التّعبير. حيث تُدرَجُ في هذا الملفّ قصائد متعدّدة لثمانية شعراء، تميّزهم ثنائيّة الشبابيّة في السِّنِّ والأدبيّة.

تَمَحوَرَ ملفّ آخر من ملفّات العدد فيما يصدر عن الكاميرا الفنيّة بشأن القضيّة الفلسطينيّة، حيث كرّست المجلّة ثلاثة مقالات تحليليّة عن السينما الفلسطينيّة. ومن هنا تأتي أهميّة هذا الملفّ الذي تزامَنَ مع مهرجان الأفلام الفلسطينيّة في حيفا، أواخرَ الشّهر الفائِتِ (والذي حضره كلّ من المخرجين ميشيل خليفي وصبحي الزّبيدي وعمر القطّان وإيال سيفان) والذي كان تحت رعاية فصليّة "مشارف".  

أما محور "غياب"، والذي يأخذ "شكلاً آخَرَ" هذه المرة لأنه "اختطف قطعة غالية" من هيئة التحرير، الزميل الشّاعر والأديب والمترجم محمد حمزة غنايم، الذي استلبه الموت في أوج عطائه وإبداعه الغزير. وهنا يأتي دور المجلّة في محاولتها منحَ الراحلَ حقّه حتى بعد رحيله، فتكرّمه بمقالات تحتفي بعطاءاته متعدّدة المجالات.

احتوى الملفّ الأوّل، الخاصّ بالشِّعر، على باقة من الشعراء تؤكّد أسماؤهم ما ذكرته "مشارف" في افتتاحيتها، حيث أن "الفكرة الجديرة الأُولى تكمن في ما نوليه، عددًا عددًا، من اهتمام للنّصّ الجديد، نصّ الشّباب إذا شئتم، لا من حيث انتماء صاحبه العمريّ فحسب بل وأيضًا، وأساسًا، بما يتلاءَم مع رهاننا على أدبيّة النّصّ كبادرة توكيد على استمراريّة الإبداع". تدمج هيئة التحرير برهانها فيما بين السّنّ الشبابيّ لكتّابها والنّصّ المشحون بالأدبيّة الراقية، وبذا تقدّم نفسها لقرّائِها جودةً لامعةً. في ملفّ الشِّعر لهذا العدد يشترك كلّ من الشّعراء معتزّ أبو صالح والشاعرة نوال نفاع، وعثمان حسين، وسام جبران، والطيب غنايم، وايمن غبارية.

وفي ملفّ نصوص، الذي احتوى على مقاطع نثريّة للكاتب فؤاد سليمان، لامست حدود القصّة القصيرة والتصوير الفنّي الأدبيّ، إذ اعتمدت على سردٍ لعدسة شاخصة على لقطات محدّدة. كان عنوان هذه اللقطات القصصيّة: القاعة الفارغة؛ المرأة وراقصتها، عَبَدَة السّيّارة؛ الرّجل في الزّيّ الرّسميّ.

ملفٌ غنيّ آخر ساهم في تنوّع الطروحات التي تسعى "مشارف" لبحثها، هو ملفٌّ خاصّ بالسينما الفلسطينيّة، أسمته: "سينما في عين العاصفة". احتوى الملفّ على ثلاثة مقالات، الأول للمخرج صبحي الزبيدي، بعنوان "شذرات من عالم قيد الولادة"، يحاول فيه أن يحلّل الخارطة السينمائيّة الفلسطينيّة مسترشدًا بأعمال الجيل الجديد من السينمائيين وعلاقتهم بالجيل السّابق وفاعليّة التطوّر في عمليّة التعبير التصويريّة. والثاني لعلاء حليحل، بعنوان "روميو فلسطين"، إذ يساهم في نقد فيلم "أولاد آرنا"، من تأليف وإخراج جوليانو مِر-خميس ودانيئيل دانيئيل. والثالث للمؤلفين نوريت جيرتس وجورج خليفي، بعنوان "طريق دون مخرج"، ويُعتَبَر هذا المقال المطوّل فصلاً من كتاب في نفس الموضوع، السينما الفلسطينيّة. يمكننا اعتماد هذا الفصل، دليلاً عامًا للسينما الفلسطينيّة، إذ يمنحنا مسردًا بيبليوجرافيًا تحليليًا لكلّ ما أنتجته السينما الفلسطينيةّ، حيث يتمّ تناول أفلام كل من المخرجين ميشيل خليفي، وعلي نصّار، ورشيد مشهراوي، وصبحي الزّبيدي، وإيليا سليمان، وما إلى هنالك من باقي قائمة المخرجين السينمائيين، وذلك في توظيف دورهم في رسم الخارطة السينمائيّة الجديدة، وإبراز إسهامهم في إثراء المشهد.  

في ملفّ "غياب"، حيث يُسْتَحْضَرُ الماضي بعيون حاضرة، يُوجعُ فصليّة "مشارف" في هذا العدد أن ترثي زميلها الذي استلبه القدر: الشّاعر والأديب والمترجم الشّاب محمّد حمزة غنايم. وهنا، على شرف ذكراه، تقدّم توثيقًا لمرحلةٍ مليئة بالغزارة والعطاء. تبدأ الملفّ مجموعة من أشعار محمّد حمزة غنايم، كتبها في فترة محنته، فترة صراعه مع المرض، تحت عنوان "إِسحَب غطائي إلى أعلى جسدي". يلي الأشعار مقالة تحليليّة، فيها من الدراسة المقارنة والرأي الشخصيّ، كتبها الشّاعر فوزي كريم، الذي قارن بين الأشعار الأخيرة للراحل وما فيها من موتيف المأساة، وبين ذلك في أشعار كلّ من الشّاعرين محمود البريكان وبدر شاكر السّياب. أَتَمَّ فوزي كريم المقارنة على أساس أن المأساة والمحنة تهيّج الروح الكامنة في الشّاعر، فتعلي قامتها وترفعها إلى أبعد حدود.


شيرمان الكسي (1966)

ترجمة: عمار كاظم محمد

كاتب وصانع افلام من سكان امريكا الاصليين (الهنود الحمر) ولد جوزيف شيرمان الكسي في واشنطن عام 1966 من ابوين يرجعان في النسب الى احدى القبائل الهندية وقد نما وترعرع في محمية (ويلبنت) في واشنطن.

كان الكسي يعاني من وجود اكياس مائية في دماغه لذلك نما وحيداً وقارئاً متحمساً. قبل في احدى الكليات في جامعة كونزاكا وهناك وقع في حب الشعر كذلك درس الكتابة الادبية في كلية نيربي في جامعة واشنطن، بعد تخرجه بفترة قصيرة بدأت كتاباته  تحوز على الاهتمام وقد نشر مجاميع من الاشعار والقصص القصيرة لعدة اعوام تتضمن : (الرقصة الرسمية) عام 1993 (انا سرقت الخيول) مجموعة شعرية عام 1992 (اول هندي على القمر) عام 1993 وديواني شعر (الصراع بين المتسابق الوحيد والمعالج الجاهل في السماء) عام 1993 وهناك مختارات من قصص قصيرة حول حياة المحميات فازت بجائزة همنغواي عن افضل كتاب ادبي.

نشر الكسي روايته الاولى (المحميات الزرقاء) عام 1995 تبعتها روايته الثانية (القاتل الهندي) عام 1996. استمر الكسي بالكتابة فقد نشرمجموعته الشعرية (الرجل الذي يحب السلمون) عام 1998 ومجموعة قصصية (اقسى هندي في العالم) عام 2000.

وجد شيرمان الكسي مجالاً آخر لتجسيد اعماله حينما مثل فلم (اشارات الدخان) عام 1998 اعتماداً على مجموعته (الصراع بين المتسابق الوحيد والمعالج الجاهل في السماء) بانتاج مستقل والذي يشابه معظم اعمال الكسي المعتمدة على الحوادث والناس من حياته وقد فاز بجائزتين في مهرجان (السن دانس) حيث وزع هذا الفلم داخل الولايات المتحدة كذلك فاز فلمه الثاني (الرقصة الرسمية) بجائزة (السن دانس) لعام 2002.

يمزج الكسي ما بين تكنيك القصص المحلية وبين صور مأخوذة من ثقافة الناس المعاصرين  والتاريخ الحديث للسكان الاصليين. كتاباته تستكشف الواقع المعقد الذي يواجه السكان الاصليين كالانهيار المريع في الثقافة المحلية والمشاكل العميقة المتعلقة بالحياة في المحمية.

سمي شيرمان الكسي كواحد من افضل الروائيين الشباب في اميركا وقد فاز بجائزة ما قبل كولومبس لافضل كتاب وجائزة موري مورغان عن روايته (المحميات الزرقاء) كذلك حازت روايته (القاتل الهندي) على جائزة افضل رواية شعبية في استفتاء اجرته جريدة نيويورك تايمز عام 1996.

 


عيد البوقات مناحات تموز

خالد خضير

ان الاشتغال من خلال اللغة هو احدى نعم الكتابة التشكيلية ومآسيها في الوقت ذاته،  وهو امر يتلمسه النقاد المهتمون بالفن التشكيلي و بالشعر معاً، فقد اكد الناقد التشكيلي سهيل سامي نادر مرة " ان لا وجود للنقد الفني بوصفه حركة مستقلة، انه نص يختلط بنصوص اخرى..انه لا ينفصل عن التقاليد الادبية، فخطته ادبية، اوصافه وتعابيره ولا سيما لغته كلها، وطريقته في الحكم".

ولأننا كنا قد بدأنا علاقتنا بالثقافة مثل آلاف قبلنا بمحاولات في كتابة الشعر وقراءته باعتباره حاضنة اولية للثقافة، فقد وجدنا في انفسنا هوى لقراءة الشعر وقراءة النقد الذي ينشر عنه ودراسة اليات ذلك النقد الا ان الصلة الوثيقة التي تربطنا بالرسم ونقد الرسم جعلتنا نبحث معظم الوقت، في تخوم العلاقة بين هذين النمطين الابداعيين على الرغم من انهما من طبيعتين مختلفتين : طبيعة لغوية واخرى بصرية، الا انني اشعر اننا نتلمس وشائجهما قوية بشكل محسوس وهذه هي وجهة نظرنا التي نزعم انها خبرت كلا الفنين بدرجة لا بأس بها وهو ما يجعلنا وما زلنا، نحاول التعامل مع الجوانب البصرية للقصيدة او ما تسميه هناء مال الله (العناصر التكوينية) بشكل يجعلها امامنا وكأنها لوحة، باحثين فيها عن الجوانب البصرية وعن ما يربطها بالرسم من الناحية البنائية.

 ان اهم التزاماتنا التي نحرص على الوفاء لها هي ان لا نفسر النص او نقوله ليتسع لرؤانا المسبقة بل نترك للنص حرية ان يقودنا الى حيث يشاء "أي البحث عما يمكن ان يقوله مما هو غير متاح على سطحه ومما لا تعطيه ابنيته اللفظية للقراءة الاولى على الرغم من  وجوده ضمن جوهره المتخفي وراء ظاهره"- كما يقول الناقد د. حاتم العسكر- وبذلك نحن نمتثل لما يبثه النص باعتباره الوثيقة الوحيدة المطروحة للقراءة ومن ثم التأويل هنا، فتكمن مركزية القراءة في النصوص التي هي تعبير لا يقتصر على (المدونة) اللغوية، فإن (نص كتاب) ديوان (نار القطرب) يشكل برأينا من صورة الغلاف ولونه الاسود(النيجاتيف) والعنوان وعناوين القصائد ونصوصها، ثم التصديرات والاهداءات والهوامش أي (العمل) الذي يشغل حيزاً في المكتبة. واذا كان نقاد الادب يبتدأون بالعنوان باعتباره بوابة النص، وهو هنا يتوفر على بنية صورية ورمزية دالة بعمق، فنحن نبتدئ مما يهمله اولئك النقاد وهو الغلاف، باعتباره بوابة الديوان القرائية الاهم، ونحن نزعم اننا اكثر معرفة بأهمية الغلاف باعتباره دالة قرائية مهمة وبؤرة لامة بسبب كوننا من قام بتصميم ورسم الغلاف وهو تخطيط بالحبر الصيني مصوراً بطريقة الصورة السلبية (النيجاتيف)، ويمثل واحداً من مجموعة من اقدم الدمى والتماثيل الحجرية المجسمة العراقية القديمة التي ارتفعت فوق مستوى الحرفة الصرف الى مرتبة الفن الحقيقي ومنها مجموعة من التماثيل الكلسية بحالة غير جيدة وقد وصلت الينا من الوركاء ولم تلاق في حينه أي اهتمام لكونها مهشمة فاعتبرت فرثية خطأ بسبب الموقع الذي وجدت فيه لذا فقد استبعدت من تاريخ الفن التشكيلي السومري، وان واحداً منها يمكن تمييزه على الرغم من حالته المحطمة- كرجل ذي لحية كثة غريبة على شكل قرص تغطي ذقنه وخديه وهو يعود الى عصر فجر التاريخ في بلاد سومر، وان حال شعر الرأس واللحية يوحي بإنه شعر امير، لأن الإكليل السميك هو لباس الرأس لدى الامراء في عصري الطبقة الرابعة في الوركاء وجمرة نصر. وقد اعتبره الدكتور فوزي رشيد تمثالاً للاله تموز في مقالٍ له في مجلة (الرواق) التي كانت مهتمة بالفن وانتقد التشكيليين وهو النموذج الذي شكل مرجعيتنا البصرية والدلالية عند انجازنا الغلاف.

نحن نعتقد ان الشاعر حسين عبد اللطيف قد بث في ثنايا نصه (ديوان نار القطرب) شظايا من المناحات التي يطلقها الشاعر بكاء على تموز (الشاعر ذاته) وبذلك يتحول هذا الديوان، الى ما يشبه المراثي الذاتية مبثوثة في عقد من الديوان منها الهامش الاهم الذي وضعه الشاعر لقصيدته (عيد البوقات) في نهاية الديوان، ويقول فيه : "يرى السير جيمس فريزر، صاحب الغصن الذهبي) ان تموز يمثل حياة النبات ورمزه هو القمح ويستدل على ذلك بنص او مقتطف يأخذه عن كاتب عربي من القرن العاشر من دون تسمية الكاتب او المصدر - يصف فيه الطقوس التي كان اهل (حران) يمارسونها في شهر تموز..لإلههم (تاوز).. والكاتب العربي هو ابن النديم صاحب كتاب (الفهرست) الذي يقتبس منه (فريزر) هذا النص: في النصف الاول منه عيد البوقات -يعني النساء الباكيات- وهو عيد يعمل (لتاوز) او (تاموز) الاله.. وتبكي فيه النساء عليه، كيف قتله ربه وطحن عظامه في (الرحى) ثم ذرها في الرياح، والنساء اللواتي يندبنه في هذا العيد لا يأكلن شيئاً طحن في رحى بل حنطة منقوعة وحمصاً وتمراً او زبيباً وما اشبه".

وكلمة (البوقات) اما محرفة عن (بكاة) جمع باك او انها تعني الآلات الموسيقية التي ربما كانت تصاحب النادبات في مثل هذه الطقوس وهي جمع ما لا يعقل قيس على ما سمع عن العرب كحمامات وسرادقات وسجلات واجازه ابن جني في (المحتسب 2/ 153) وابن عصفور في (شرح الجمل 1/ 149). ومن عاب جمعه بالالف والتاء لانه اسم جنس مذكر، الحريري في (درة الغواص ج 1) مشيراً الى بيت المتنبي:

اذا كان بعض الناس سيفاً لدولة

                        ففي الناس بوقات لها وطبول

وتنظر قصيدتي السياب (ام البروم) و (ها..ها..هوه)

ان ما تسميه هناء مال الله (الوحدات الصغرى) التي يبني الرسام لوحته منها وهي تسميها (العناصر التكوينية للوحة) نجدها عند حسين عبد اللطيف مستمدة من مناحات تموز: الحنطة والريح وحبال القنب والكثبان والنار والافعى بتنويعاتها المختلفة فقد استعارها حسين عبد اللطيف في قصيدته المهمة (في عيد البوقات) كما استعرت في رسمي لصورة الغلاف هيأة تلك الدمى موثقة الايدي بالحبال:

" قدماي مفلطحتان، وفمي اعجف، ويداي ..يداي بحبال القنب موثقتان..آدم..ذا وسط عراء منبوذ.. غربان..وملائكة سودْ..تتضاحك ..وتعابث اعضاءه" " في عيد البوقات" .

وآدم قد تعني هنا (ابن آدم) وهو يقصد به الشاعر ذاته (الاله تموز) الموثق بالحبال وهو الشاعر ذاته الذي اوثقت حبال الحياة ايديه (مصيره) وهي تقتاده كأحد عميان بروجل الى حيث تشاء انه ذاته التمثال موثق اليدين (تموز).

" وقلت: أانت !..فحلي اذن..من وثاقي"

(وثاق)

انه يبني قصيدته هذه (في عيد البوقات) من ثلاثة مقاطع حيث تتمثل للبناء الكلاسيكي (البداية-الوسط- النهاية) حيث تهيمن على المقطع الاوسط لفظة (المخلب) وزمجرة النمر فأي عالم متوحش قد القي فيه الشاعر بينما يأتي المقطع الاخير (النهاية) وهو(خلاصة الحكمة) في القصيدة، حيث يتماهى الشاعر تماماً في مناحة تموز:

" لم آكل (خرشنة) او قمحاً مبلولاً ما رجلت الشعر بزيت .. ما خبأت دموعي..في خابية..في قبو البيت..بل..في (عيد البوقات) بكيت".

وهو يؤكد شكل مصيره الذي وصفه في المقطع الاول الذي ذكرنا بقصيدته (انا شيد من الاوبانثياد سفينا سيفاترا):

" وانا مركوز في نقطة..يتجمهر حولي الناس..لم يأت القافز.. فوق الظل.. ولم يعرف وجهي الحراس.."

وبذلك فهو يزيح لسان النص ليفرض هيمنته على لسان الخطاب على الرغم من المصير المحزن الذي يصوره.

ان اهم اللقى التي يؤكد حسين عبد اللطيف فقدانها من (يديه) هي الحنطة، وهي رمز من رموز تموز..

" لا تظلموا الحبة..في ذمة الكثبان" (ادراج الرياح)

" وها انا..ها انا لا حنطة..في يدي..على .. شكواي..عندي شهود"

( لا حنطة في يدي..عند ليب الاسى)

" يظن بي الطير حبة قمح"

(الدريئة)

" اضرب..بعصاك..فيافي الارض..لتجد في حبة حنطة..او حبة رمل مدفوناً قلبي".

(قلبي من ذهب ابريز)

وفي قصيدة (ودائع) التي درستها سابقاً بصورة مستقلة وهي خطاب موجه الى امرأة هي (خ) التي ثبت اهداء القصيدة لها في ديوانه الاخير (لم يعد يجدي النظر) وهي عنده عشتار التي تسببت في نزول تموز رهينة في العالم الاخر. ويتتبع حسين عبد اللطيف الاسطورة منذ البذار " احملي قمحنا وانثريه.. في وهاد القرى" وهو تحقق الموت الاول للبذرة " هدهد ميت في الخزانة بين الثياب..وردة..وتصاوير مغبرةو..لقى" وكلها يأتي النماء المعمد بالتضحية " ودمي قطرات" ومن خلال المطر والحياة الجديدة "فارسلي المطرا علناً نمنح الشجرا.لونه الاخضر.. وننال الثمار"، التي ستعاود الموت، ثم الحياة وهكذا.

يدعو الشاعر الناس الى التجمهر حوله ليديهم ما عنده، ربما هي (نار القطرب) ذاتها التي اتخذها عنواناً للقيته الاهم (النار):

" اقبلوا..اقبلوا.. فالنهار انتصف اقبلوا ..اقبلوا".

(سوق)

انه حسين عبد اللطيف الشاعر -الانسان الذي ما زال يشعر بآثام آدم متسربة اليه:

" حقيقة عارية..ام انها : افعى..جائية..تسعى..الي بالتفاح"!

(قناع)

انه يبحث عن مخرج له من هذه المحنة الوجودية:

" في قبضة العزلة..ابحث عن مصباح..ابحث عن مفتاح"

(قناع)

لكنه ايضاً يمارس فعلاً ماسوشياً مناقضاً له حين يلف حباله كالشرنقة لينبه نفسه التي تختلق الاعذار دائماً:

" الف حبلٍ وحبل..القي على الغارب.. اقول: يا نفسي.. اخيفها من سطوة الابريق والكرسي.. اياك ..يا نفسي..اياك ان تجلسي .. يا نفسي..اراه مثقوباً هو الكرسي ..لكنها..نفسي

جرياً على عادتها..تعزو.. رداءة الحال الى الطقس!"

(قناع)

ويبقى الندم (قدم) الزلة الاولى يلاحق حسين عبد اللطيف ليخرجه من جنة الشعر الى جحيم الحياة:

" كانت ها هنا افعى..وكان القمح مطحوناً..وتلك النار في التنور ..كانت لا تني ..تهذي ..هي الاخرى".

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة