استراحة المدى

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

 

العجوز والفيضان و(الكيا)

محمد درويش علي

في حديث عابر لإمرأة عجوز، عقبت على ما يجري في البلد، من أمور غير طبيعية، وتصرفات لا تليق بمجتمعنا، وتفجيرات هنا، واختطاف هناك.

قالت هذه المرأة بحكمة: ان ما يجري الآن في بلدنا هو أشبه بالفيضان الذي يجرف معه كل شيء، بدءاً بالافاعي ومروراً بالحيوانات النافعة، وانتهاءً بالويلات. وأضافت: عندما ينتهي الفيضان، يحمل كل مناً (مكناسة) وينظف الطرقات والشوارع وعندها كل شيء يعود نظيفاً!

لقد كانت العجوز تتحدث رداً على احاديث تدور في سيارة الكيا التي كنا فيها، والتي كانت تشرق وتغرب دون علم من متكلميها، لان غايتهم الكلام فقط، دون ان يعوا حقيقة واحدة، وهي ان الكلام مسؤولية، المسؤولية كبيرة، لكن المرأة اختصرت الموضوع، واختصرت الحالة التي نحن فيها، وكانت دقيقة، كأي ناقد ادبي يعي حقيقة ما يقول، أو محلل سياسي ينطلق من رؤية موضوعية، عندما وصفت الحالة بالفيضان، وهي حقاً فيضان ولا تليق بها تسمية أخرى. وإلا ليس من المعقول ان يبدل مجتمع بكامله حاله دون تضحيات أو خسائر. فالتبديل لا يأتي بقرار أو بأي نوع من انواع التغيير، فالتغيير هذه ضريبته.

والضريبة هذه مؤقتة، وليست دائمية، ويأتي بعدها الصفو، ونعيش ما نراه صحيحاً، ونحفظ كرامة اولادنا في عيش بلا دكتاتوريات ولا ضغوط. صحيح ان كل ما يجري الآن هو تداخل في الخطوط، ولكن علينا ان نميّز الخط الصحيح من الخط غير الصحيح، لنسير عبر رحلة قد تكون شاقة، لكنها صحيحة إلى دروب الوطن.

 

لقد بدأنا حياتنا على شكل خطوات، خطوة تتبعها خطوة، حصل التغيير، وانتهت الدكتاتورية والى الأبد، ثم جاء مجلس الحكم، والآن الحكومة المؤقتة، وحلت الشرطة في الشوارع، وبدأت الأمور تتوضح شيئاً فشيئاً وبعد شهور تبدأ الانتخابات الحرة، وتكون الحكومة الدائمية المنتخبة من قبل أبناء الشعب، وهي الخطوة الأهم في عملية التغيير التي بدأت في التاسع من نيسان عام 2003.

وهذه الخطوة ستكون ممارسة حقيقية لنا باتجاه الديمقراطية التي نريد.

 


الاسئلة

صافي الياسري

مسآل .. ملحاح، لو كففت لهنئت، لكني اعلم ان الاسئلة هي حياتك، فامض إليها، هكذا تكلم والدي، ذلك الكاهن السومري، أو رجل الدين الجنوبي المضمخ بالشعر قبل الفقه.

وحين وعيت اني فقدته، واني يتيمٌ، عددت الأمر ميزة فقد كنت شاهداً على قسوة الآباء، وانسحاق بشخصية الاولاد في دوامة الخوف والممنوعات تلك التي كنت اباري نفسي في تجربتها ونبذها اختياراً.

ولم يكن بامكاني قبول أمر حول أي موضوع، مهما كانت صفة الأمر وصلته بي، ولا الرضا بجواب عن أي سؤال يخطر ببالي، فقد كنت ابتدع اسئلتي واتفنن في خلق اجاباتها، خالقاً من حولي عالماً مدهشاً مختلفاً، انضم إليه الكثير من لداتي اطفالاً، ثم صبياناً.

حتى بدات في مرحلة لاحقة اجبر على اجراء تعديلات يفرضها واقع لا املك له تغييراً، ولا خيار لدي في القفز عليه، وفي كل مرة كان عالمي يفقد بعض لمعانه، وكان الصبية ينفضون من حولي فرادى كلما فقد عالمي بعض مدهشاته، لذلك فجرته تماماً وقلبته رأساً على عقب في بناء جديد يحوي أسئلة لا تبتدع اجاباتها وإنما تكتشف، وبدلاً من ان يجتمع الصبية حول عالمي الخيالي كما كان يحصل، صرنا نجتمع شباباً، تواقين، باحثين عن إجابات واقعية لاسئلة لا تنقصها الحكمة، نلتقطها من افواه الناس ومعاناتنا ومعاناتهم، ونتحرى اجاباتهم في احاديث العقلاء والصحف والكتب، والاحزاب، لنفترق مجدداً في مسالك المراجع والمناهج والنظريات، بانين قناعاتنا وافكارنا وعقائدنا على أسس مختلفة، عائدين من جديد إلى رحلتنا الاولى، نخلق عوالمنا الخاصة ونجري نحوها، ولم تكن أكثر من عوالم طوباوية مستحيلة لا تختلف في جوهرها عن فنتازيا ذلك العالم الذي رسمته طفلاً وصبياً، سوى أنها معقلنة عالمياً، باطار نظري يضمن لها التعادل المنطقي، بينما كان عالمي، لا عقلانياً مدهشاً يكمن سحره في سرياليته الجذابة.

وفجأة.. بدأت الاسئلة تنطفئ، والمراجع تختفي، والاحزاب تنزوي والعقلاء والصحف والكتب، تغير فهارسها ولا تطرح إلا سؤالاً واحداً، ولا تعطي إلا اجابة واحدة لا تملك سواها، ولم يعد بامكاني ان ارى سوى عالم واحد، بسؤال واحد، واجابة واحدة، وعلى الرغم من السهولة الخارجية للوضع، إلا اني كنت اتلمس فقراً مدقعاً رهيباً في (الفكر والمشهد والسؤال والاجابة والحلم)و.. غير ان القسر بدأ يمد رقعته لاعتماد هذا الفقر حلاً، كان السؤال (اليوم) يطرح خارج عقولنا، والاجابات تأتي من خارج اذهاننا، وكنا محكومين به (السؤال)، سواء أكنا من المهتمين بالاجابة عليه أم لم نكن. وبالتكرار لم يعد مهماً ان ندرك أو نفهم انه كان سؤال (الأمس) أم انه سؤال (الغد)، فالاجابة واحدة ولم تكن تهدف إلا لجعلنا قطعانا طيعة، وهكذا وجدنا انفسنا في اتون حروب لا تنتهي، بعد زمن يسير من البرمجة.

وهنا.. حاولت ان استعيد عالمي الخاص، بعد ان فقدت كل وسيلة لصياغة سؤال مختلف عما يطرح، لكنني فشلت.. فالعالم الذي رسمته أثار سخرية حشد الجنود الموزعين في المزاغل والخنادق يترقبون ساعة الفناء في حوادث الاخرس والثقيل والارض ارض وصواريخ وقنابل الطائرات والكيمياوي، و..

لقد كبر الصبيان وتجمدت الاسئلة ولم يعد ثمة إلا عالم واحد، هو ذلك الذي نعيش دقائقه في الخندق حتى اننا صرنا نتخيل الماضي الذي عشناه، مجرد غلطة ارتكبتها آلة الزمن في غفلة من حاكمنا، وانه سيشطبها من سجل اعمارنا ذات يوم، ولم اقنع بفشلي، فالسؤال هو وجودي، واجابته ممارسة لهذا الوجود، والافان احساسي بالحياة يتبدد، عندها لجأت إلى حيلة جديدة.. بدأت اكتب اسئلتي شعراً واقرأها مستمتعاً حتى باخطائها وسطحيتها، فقد كانت تحمل دفقات رغبتي العارمة في استعادة عالم يجهد حاكمنا في اقناعي بانه مجرد اكذوبة.

وحين نقصتني متعة المشاركة، لم يمنعني الخوف من كثرة (كتاب التقارير) من المغامرة بقراءتها لبعض رفاقي الجنود في اللحظات التي كانت تنطفئ فيها فوانيس القذائف، وتصمت الخنادق، فكنا كمن يمارس طقساً سرياً مقدساً، تتناسل عقبه القراءة.. قراءات في اماكن أخرى، بنفس الهمس والنفس والروح، حتى انطفأت الحرب على الحدود، واشتعلت فيما بعد في المدن والقرى والبيوت، عندها بدأ ضجيج الاسئلة يشتد مرة أخرى.

وكنا نحاور بعضنا في المجالس، وعبر الطرقات.. ماشين، وسجناء، ومعتقلين، وجثثاً، واخطاء فاتها الدفن في المقابر الجماعية، وناجين، حتى سقط الموت.. والسؤال الواحد وجوابه وطوطمهُ، ويكاد ينفتح العالم امامنا على عوالم لا تنتهي، فلماذا يحاول بعضهم اقفال أبواب اسئلتي المدهشة ليعيد لي تلك الاسئلة المرة التي حصدت عمري واريد تجنيب اولادي وبقية اهلي وناسي حرارة تكرارها.. !؟ لماذا يريدون ان استمر في الصراخ.. على الطرقات.. ومن خلال المآذن.!؟


إنسان عصر المتحجرات

أصبح التاريخ المعقد والمتعلق بجذور الإنسان أكثر تعقيداً بعد اكتشاف أعداد جديدة واستثنائية من العوائل البشرية - لأناس ذوي حجم صغير جداً.

(أقزام) كانوا يعيشون في عزلة تامة قبل نحو 13.000 سنة على الأقل. وقد بلغ طول هذه المتحجرات نحو 3 أقدام وبلغ حجم الدماغ ما يقارب حبة العنب، ولكن الجانب الأكثر ترويعاً في هذا الاكتشاف إن هذه الأصناف البشرية قد بقيت لمدة طويلة من الزمن عندما كنا مشغولين باستعمار كل ركن من أركان كوكبنا.

وبالعثور على أجزاء من الهياكل العظمية الأنثوية في كهف كلسي في جزيرة بعيدة في أندونيسيا (فلورس) ثم قلب الكثير من الأفكار المترسخة في كيفية تمكن الإنسان أن يكون الصنف البشري الوحيد الذي يسيطر على الأرض.

إن الكائن الحي الشبيه بنا، إلى حد كبير، هو ليس كائناً بشرياً على الإطلاق، وإنما هو في الحقيقة عبارة عن قرد. ونحن نشترك بخصل وراثية مشتركة مع الشمبانزي قبل 7 - 8 مليون سنة وهذا النوع من القردة موجود بالفعل في مكان ما في افريقيا.

وفي نقاط مختلفة في التاريخ اللاحق، بدأت خصلنا الوراثية بالتطور إلى المشي على القدمين وأخذت العقول بالتطور وبدأ الإنسان بالسيطرة على النيران وقام بصنع الأدوات وتطورت اللغة، وصولاً إلى الثقافة المعقدة وجميع الأجزاء والتفاصيل المهمة التي تجعلنا كائنات بشرية. وقد حدث الجزء الأكبر من التحول البشري في أفريقيا، مما أدى إلى تقدم أنواع كبيرة من الأنسال المثيرة المدهشة وأن الكثير منها ليس عن الخط المباشر والتي أدت إلى الوصول إلى الحياة المعاصرة.

إن المشي على القدمين - وضع الأدوات الحجرية - واللغة البدائية كلها حدثت في أفريقيا قبل 2 مليون سنه عندما هاجر الإنسان الأول من القارة ليسيطر على أراض شاسعة من آسيا.

وقد كان هناك أعداد من الكائنات البشرية المنتصبة القامة، حيث ترك أسلافهم آثارهم في كل من جورجيا والصين وجاوة وعلى ما يبدو فإنهم تمكنوا من تأسيس مستعمرات ناجحة ولكن من وجهة النظر الحالية ترى بأنهم ماتوا قبل مئات السنين، قبل أو مباشرةً بعد بدء الموجه الكبيرة من المستعمرات التي حدثت خارج أفريقيا.

قام الإنسان القديم قبل 100.000 سنة بالهجرة وهذا الصنف من البشر كان ذا عقلية أوسع ولغة أفضل ومهارات عالية ومع معدات متطورة حيث كان يعتقد بأن هذا الإنسان هو الذي حل محل أجدادنا القدماء.

ومن المحتمل أن يكون حجم الإنسان القديم بحجم الغول وبعقل أكبر بقليل من عقل الشمبانزي، ولكنه كان من الذكاء، بحيث أنه استطاع اصطياد صغار الفيلة وقدرته العالية على البقاء في الجزر المنعزلة لمئات الآلاف من السنين.

واعتقد فريق من العلماء الاستراليين والاندونسيين المرتبطين بهذا الاكتشاف بأن إنسان عصر المتحجرات قد انحدر من مجموعات أكبر بكثير من الإنسان ذي القامة المنتصبة، حيث إن هذه المجموعات هي التي وجدت طريقها إلى تلك الجزر وهنا يكمن السؤال في كيفية تمكن هذه المجموعات من الوصول إلى ذلك الجزر، لأن إنسان عصر المتحجرات لم يكن ذا ارتباط بالمناطق الشاسعة من آسيا. ومن المحتمل أن يكون الإنسان ذو القامة المنتصبة أكثر ذكاءً بحيث مكنه من بناء طوافات خيزرانية.

وقال بدت روبرت من جامعة وليلنكنوك في نيوساوث ويلز والذي دون هذه البقايا العظيمة: إن الجانب الأكثر دهشة أن إنسان عصر المتحجرات ربما قام بسرد بعض الحكايات الشعبية عن الإنسان القرد (القزم) وقد أضاف بروفسور روبرت:

"تحتوي هذه الحكايات على تفاصيل رائعة - مفصلة بشكل كبير ونستطيع أن نتصور بأنها قد تشكل النواة الأولى لحقيقة هذا الإنسان".

ويوجد نموذج "يدى يبو كيكو" والذي يعني "الجدة" والذي بإمكانه أن يأكل كل شيء، ويشبه إلى حد كبير إنسان عصر المتحجرات.

وقال البروفسور روبرت: "كانت التفاصيل التركيبية لهذه الأصناف مدهشة حيث امتاز هذا النوع بقصر قامته والتي بلغت متراً واحداً، وبشعر طويل وبطن كبيرة الحجم واذنين بارزتين وذي مشية ثقيلة الحركة وذراعين وأصابع طويلة. وهذا ما يعزز اكتشافنا". وقد أضاف هذا البروفسور: كان هذا النوع من الجنس البشري يدمدم فيما بينه ويستطيع أن يعيد لفظ الكلمات ولكن خالية المعنى ويستطيع أن يتسلق الأشجار الرفيعة المتشابكة ولكننا لم نلحظه يمسك أدوات حجرية وعلى أية حال، لدينا الكثير من الحقائق الشديدة التعقيد المتحلقة بمستويات عالم المتحجرات في "لنك بو".

وقد أضاف: "إن هذا هو التناقض الوحيد".

ترجمة: تغريد محمد

عن: الاندبيندت

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة