الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

مدينة الصدر بين الحرب والسلام

كتابه وتصوير:آمنه عبد العزيز

في مدينة تجاوز عدد نفوسها ثلاثة ملايين نسمة والتي طالما وقف ابنائها بوجه اعتى طاغية عرفة العراقيون في العصر الحديث، لم تكن تهدأ يوماً حتى تصحوا على يوم اخر مشحون بالتوتر.

غالبية سكانها من جنوب العراق، فيها طابع عشائري يعتمد على التقارب والالتحام مع بعضهم البعض.

بعد ثلاثة اشهر من المواجهات المسلحةن والقصف المستمر بين مليشيات جيش المهدي والقوات الامريكية تستعيد هدؤها الذي جاءبعد اتفاق بين وجهاء المدينه ومندوب عن جيش المهدي والحكومة لتسليم الاسلحة واعاده الحياة الطبيعية لهذه المدينة.

من خلال تجوالنا فيها وقفنا على الوضع المتردي لها من عدم وجود خدمات بلديه وانسانية ومايسود المدينة من بؤس نتيجة عدم وجود فرص عمل للشباب فيها، توجهنا بالسؤال الى احد سكان المدينة رياض جبار لازم عن الوضع بصوره عامة فاجاب: بعد اتمام عملية تسليم الاسلحة ووقف القتال الذي كان يحدث بشكل يومي اصبح الحال افضل من السابق، فقبل الاتفاق توقفت الحياة المعيشية وكنا في شبه بطاله ولم يكن باستطاعتنا ان نبقى بعد الساعة السادسة مساء بسبب القتال.

الان نشعر بالامان والاستقرار ونتمنى ان يستمر الحال على هذا المنوال، وعن تسليم الاسلحة وهل كان لديه سلاح ليسلمه قال: لم يكن لدي سلاح ولكن الكثير هنا سلموا اسلحتهم مقابل مبالغ نقديه فالرشاشة 75دولاراً والعبوة 50 دولاراً والرمانة اليدويه 15 دولاراً اما القاذفة 250 دولاراً والصاروخ 500 دولار.

ام عادل التي كانت في سوق الحي لشراء الخضروات سالتها هل تؤيد تسليم الاسلحة ووقف القتال في المدينة؟

-ياابنتي اعطيت من اولادي ثلاثة في الحروب التي شنها صدام وفقدت اجزاء من قلبي بسببهم، نحن لانرغب بالقتال ونزف الدماء وقبل شهر جاءت لزيارتي اختي من منطقة البياع وماتت برصاصة امريكية دون ذنب وبطريقة الرمي العشوائي، لذلك نتمنى ان يكون تسليم الاسلحة بشكل يحد من نزف هذه الدماء الغزيرة.

وكلما توغلت في عمق المدينة تصطدم بواقع سيء  ومزرٍ ابتداءاً من الاهمال في الخدمات وليس انتهاء بالبطاله التي تتفشى بين الشباب الامر الذي يجعلك تتساءل هل هذه مدينة تعيش على اعقاب القرن الواحد والعشرين؟.

في حي الجوادر سالت ام ضياء التي تبيع السمك على شكل اكوام (وبالكوتره) كيف هي احوال السمك؟

-بعد تسليم الاسلحة نحن يخير وامان والناس هنا يستبشرون بالخير والسمك حاله جيد وطازج.

ولكن ارى بعضة قديماً فردت علي بهذه الكلمات الجنوبية.

-(عالوبيك يل منك تجي العيله)

وسالت ام ضياء وماقصدها فقالت اسالي عنها بعدين!

-وقلت لام ضياء الم تسلمي سلاحك؟ تنهدت قبل ان تقول: لو كنت اعلم من قبل انه سياتي يوم يعطون مبالغ كبيرة مقابل الاسلحة لكنت جمعت بعض الرمانات والصواريخ التي كانت في مكان، مرمية بعد سقوط النظام، وسلمتها مقابل المال بدل هذا الحال الذي اتعبني.

وفي صيدلية الامان سألنا السيد جبار خزعل.

-ماهي اكثر الادوية المطلوبة في الصيدلية؟

-اجاب بسبب انتشار النفايات وبشكل ملفت للنظر وانعدام المتابعة لجمعها وطفح مجاري الصرف الصحي وكذلك تلوث مياه الشرب، كل هذا جعل انتشار امراض الحساسية المختلفة (والجذام) وامراض الاسهال عند الاطفال والالتهاب المعوي الحاد بشكل لايصدق.

لذلك فان الادوية الخاصة بهذه الامراض هي المطلوبه.

-وماهو رايك بحاله الامن في المدينة وتسليم الاسلحة؟

-انا اعتبر خطوة تسليم السلام والاتفاق الذي تم بين الحكومة والسيد مقتدى الصدر هي خطوة نحو السلام وتعميم الامن ولاسيما انها جاءت قبل العملية الانتخابية المرتقبة والتي سيكون هناك دور لكل اطياف الشعب العراقي في المشاركة الجديه وبروح ديمقراطية.

أما في اكثر الاسواق شهرة في هذه المدينة والذي يسمى سوق مريدي كل ماتريده موجود، ومباح ابتداءً من الحديد والنحاس والخروف والدجاج وجوازات السفر وانتهاءً بمحركات الطائرات، ومع قلة تواجد النساء في هذا السوق استفسرت من ام حسين عن سعر (مكواه) كهربائية، فاجابتني سعرها مناسب واذا رغبتي بالشراء سابيعها لك بسعر يرضيك وقلت لها هنالك من يقول ان اغلب المعروض في هذا السوق (مسروق) اجابت: هذا غير صحيح انما هناك في سوق الحرامية توجد حاجيات مسروقة تباع فيه وليس هنا فاسواق (الحلال) كثيرة مثل سوق (الكيارة) وسوق (الكرامة) وسوق (الفلاح)وسوق (العورة) وسوق (الدجاج).

اما الحاج حسين تعبان فقال الاشهر الماضيه اتعبتنا بسبب حالة القتال الذي راح ضحيته الكثير من اهل المدينة، اليوم نشعر بالرضى للهدوء الذي يسود ارجاء المدينة، وعن عمله في السوق قال: جئت الى السوق لشراء (الجت) وهو طعام للخروف الذي امتلكه واتسلى به فانا رجل متقاعد وكنت اعمل في وزارة الاسكان وقد كان راتبي التقاعدي (7) الاف دينار ولايكفي لشراء دجاجه اما اليوم فراتبي التقاعد (250) الف لكل ثلاثة اشهر وهذه نعمة احمد الله عليها، وسالته عن الانتخابات القادمة ولمن سيصوت؟ فاجابني

-للذي يستحق ونراه يحب العراق والعراقيين ويحدوبنا نحو مستقبل خال من الحروب التي ارجعتنا الى الوراء.

بعد هذه الجوله في مدينة الصدر والتي يعاني اهلها من تدني ملحوظة في الخدمات، وفي كافة مجالات حياتهم اليوميه، التفاؤل يعم اجواء المدينة، واهلها يستبشرون خيراً في نزع السلاح هنالك عمليات متابعة وتفتيش من قبل الشرطة العراقية وقوات الحرس الوطني لمصادرة الاسلحة التي لم يتم تسليمها، ولكن الذي لايطمئن له اهالي هذه المدينة وجودة القوات الامريكية والتي يعتبرها اغلبهم استفزازاً لهم.

 


سراي بعقوبة

سعد محمد رحيم

هناك تأكيد من قبل الباحثين على أن أصل تسمية بعقوبة آرامي، وتعني حسب بعضهم بيت الحارس، وحسب بعضهم الآخر بيت العقوبة لأنها كانت مكاناً للسجن في تلك العهود السحيقة، وعلى الرغم من أن البشر استوطنوها منذ قيام الحضارات القديمة فهي تفتقر إلى الشواهد العمرانية الشاخصة التي يمكن الاستدلال من خلالها على الفعل الحضاري للذين سكنوها عبر الحقب والقرون. ولقد بقيت قرية كبيرة تشتهر بزراعة الليمون،كما وصفها ياقوت الحموي في كتابه (معجم البلدان). وخلال العهد العثماني لم تطرأ عليها تغيرات كبيرة، ولم تشيد فيها أية بناية ذات مواصفات هندسية وعمرانية تجعلها تصمد أمام العاديات الزمان، فبعقوبة بقيت مهملة، وما شيده السكان بوساطة الطين تكفلت به الفيضانات وعوامل الطبيعة الأخرى. ولذا فإن أقدم بناية فيها اليوم، قائمة وشاخصة هي السراي القديم، والتي بحسب الباحثين أيضاً شيدت في بدايات القرن العشرين لتكون مقراً للحاكم التركي في المدينة، ولتصبح من ثم، بعد تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 مقر متصرفية ديالى إذ أصبحت مدينة بعقوبة عاصمة لواء ديالى بعد تنازع مع مدينة أخرى على هذا الامتياز، وهي شهربان، ولقد احتلها رجال ثورة العشرين على وفق بعض الروايات لأيام قبل أن يزيحهم منها الإنكليز المحتلون.

بني السراي القديم بطابقين، يمكن الصعود إلى الطابق الأعلى منه بوساطة سلمين، وبأضلاع ثلاثة من الطابوق الأصفر المفخور والجص، وكانت ثمة نافورة تتوسط باحة البناية تستدير حولها عربة الحاكم التركي ـ بعد هبـوط الحاكم من العربة ـ قبل أن تخرج من بابه الخشبي العالي.. وخلال السنين المنصرمة ألحق به جناح كبير من طرفه المفتوح وهدم سياجه من تلك الناحية وأزيلت النافورة والحديقة لتصب أرضيته بالإسمنت، فضلاً عن تغيرات أخرى شوهت معالمه في الغالب بدلاً من أن تزيده جمالاً وفتنة.

هذه البناية بقيت بعهدة دائرة الآثار العامة التابعة لوزارة الثقافة في العهد السابق قبل أن تؤول ملكيتها إلى إدارة المحافظة، وهي اليوم مقر للمنظمات الجماهيرية، ففيها يعقد الأدباء أماسيهم وندواتهم الأسبوعية، وفيها يقيم بيت المقام العراقي احتفالاته، وفيها أيضاً مقرات فروع ديالى للجمعية العراقية للتصوير، والجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان وجمعية الشعراء الشعبيين، وغيرها من المنظمات والجمعيات. وهؤلاء جميعاً يضفون عليها بحضورهم اليومي وفعالياتهم المستمرة نكهة ثقافية آسرة.

بناية السراي القديم، اليوم، تبدو وكأنها لحظة معلقة على عروة التاريخ.. لحظة منتزعة من نسيج الزمن الهارب، تنطوي على سرها الخاص، وتبعث عبقها الغامض، فيجد فيها مثقفو المحافظة والناشطون في مجال عمل مؤسسات المجتمع المدني موئلاً وحاضنة للإبداع.

وعلى الحكومة الآن أن تلتفت إليها بعدِّها معلماً حضارياً، وأن تعيدها إلى مالكها الشرعي؛ وزارة الثقافة لتبقى بعهدة المثقفين يمنحونها طابعها وهويتها وشخصيتها المميزة. وهي أيضاً بحاجة إلى إعادة ترميم وتأهيل كي لا تضيع مثلما ضاعت سابقاتها.


صانعة التنانير

عبد اللطيف الراشد

وقفت امام ":صانعة التنانير" وهي تجلس في ساحة جنوب بغداد مشغولة بمزج مادة تبنية مع التراب والماء "نفاش البردي" يتطاير من خميرة عجينة الطين وبدأت بوضع أولى لمساتها على ضلع أول طوف لتنور آخر جديد.. كتل طينية لينة على ارض ملساء.

انتبهت المرأة إلى فضولي وانا ارقبها واجيل النظر اعجاباً وهي تسحب اناملها من "خميرة الطين".

قالت المرأة صانعة التنانير بلكنة ريفية طيبة:

-تفضل يمة..

قلت لها:

-من اين جئت بكل هذه الخبرة والمهارة؟

-رمضان مبارك.. قالت صانعة التنانير.

قلت:

-تذكريني بأمي وهي تصنع لنا رغيف الخبز من تنور مثل هذا.

اين تعلمت هذه الحرفه؟

- الخبز الطازج من ثمرات مبتكرات حاجة الانسان إلى الطين "الحري" بعد اضافة بعض مواد عناصر الطبيعة من قصب وبردي ونبات اهوارنا "التبن اليابس" التي من شأنها ان تجعل الطين متماسكاً، فخبز التنور له مذاقه ونكهته وطقوسه.

قلت مقاطعاً:

*اعرف ولكننا في القرن الواحد والعشرين وثمة تقنيات تجاوزت هذه الحرفه؟!

-قالت لي: إن الافران الحديثه وتنور الغاز وكل تقنيات التطور لم تتجاوزتنور الطين رغم إن تنور الغاز قد دخل اغلب بيوت المدينة.

*ولكن الصفيح طغى على الطين اليس كذلك؟

-صحيح لأن الحطب متوفر في القرى والارياف بينما طرأ اليوم تغير طبيعي على وسائل المعيشة. وصارت المرأة في المدينة موظفة لذلك تراها تسعى إلى ابسط الحلول وهو شراء الخبز والصمون من المخابز والافران لتوفير الوقت.

*من هم زبائنك؟

-اغلبهم من النساء، ربات البيوت المتفرغات اللواتي لا يتذوقن الخبز الحار إلا من تنور الطين.

*منذ متى وانت تمتهنين هذه الحرفه؟

-هذه المهنة، توارثتها منذ الصغر إذ تعلمتها من عائلتي منذ مايربو على خمسين عاماً وما زلت اصنع "التنانير" لانها مصدر عيشي.

*كم يستغرق العمل في صناعة التنور؟

-حسب القدرة والخبره والمهارة والطقس. فعندما يكون الجو حاراً لا تستغرق صناعته سوى ثلاثة ايام بعد ذلك يكون صالحاً للعمل بعد الطلاء الاخير، أما في فصل الشتاء. فقد يستغرق اكثر من عشرة ايام. هل تفضل تناول خبز التنور الطيني أم خبز التنور الغازي ام الكهربائي؟

لم أجبها على السؤال إذ تذكرت امي وهي تدعك قطع العجين في "الانجانه" ثم تضعه في طبق مصنوع من الخوص على نحو مستدير يسمونه الشنكة. وتفرشها على راحة يديها وتلصقها على جدار التنور الاحمر الملتهب وتخرجها خبزة سمراء حارة لذيذة تفتح الشهية.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة