الاخيرة

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تأريخ جديد

علي ياسين

الانتخابات في عراق ما بعد الدكتاتورية، وشيكة، بل هي، قادمة لا محالة، على الرغم من كل المستجدات والظروف الصعبة والمعقدة في الساحة السياسية العراقية. وتقع على جميع العراقيين بمختلف انتماءاتهم القومية والعرقية والاثنية والدينية، مسؤولية المشاركة بالتوجه الى صناديق الاقتراع للبدء في تدوين تأريخ سياسي عراقي جديد، بعيداً عن اية صراعات او خصومات لا تأخذ بالمنهج الديمقراطي، اسلوباً في معالجة وادارة اشكاليات ومظاهر الحياة، في ظل فضاء مجتمعي سياسي ديمقراطي، ان المشاركة الجماعية في الاستفتاء والادلاء بالصوت. تعد مهمة وطنية حقيقية واعترافاً من الناخب ذاته بأحقية ارادته الانسانية والوطنية في اختيار من سيمثله او من ينوب عنه في الجمعية الوطنية التي ستتكفل بتشكيل الحكومة واقرار الدستور العام. غير ان نجاح التجربة الانتخابية، لا يعتمد على التصويت فحسب، بل يتطلب الى جانب ذلك، تحقيق مصداقية عالية المسؤولية تتكفلها الكيانات السياسية كافة. اضافة الى المنظمات المهنية الاخرى، في بناء مجتمع عراقي تسوده التعددية السياسية واطلاق الحريات العامة في الحياة والرأي والتعبير والمعتقد وترسيخ مفهوم مواطنة ابعد بكثير من ان يكون، دينياً او مذهبياً او اثنياً او عرقياً، او قومياً انما هو انتماء عراقي قبل كل ذلك فيما مضى ابتلع النظام الشمولي ارادة الجميع مراداً واحزاباً، تحت سلطة سيف الحزب الواحد وسلطة ثقافة (نعم) القسرية في استفتاءات مهازلية، مخلفاً وراءه مآسي وكوارث اجتماعية واقتصادية وفكرية لم يألفها العراقيون من قبل. وضارباً عليهم، عزلة معرفية وحضارية مما ادى الى ارتفاع نسبة الامية بنوعيها: الابجدية والمعرفية، لذلك فإن المنظمات غير الحكومية والنقابات والكيانات السياسية الى جانب وسائل الاعلام السمعية منها والمقروءة. كل تلك الجهات، معنية وبقوة في اشاعة برامج تثقيفية في مفردان: الانتخابات والديمقراطية والنظام الدستوري بين اوساط شرائح المجتمع العراقي - الذي عانى تهميشاً وتغييباً لارادته، طوال اكثر من اربعين عاماً - من خلال لغة تخاطب يفهمها الجميع، وعبر انشطة وفعاليات مكثفة وسريعة تهييء الناخب العراقي ليوم ارادته، وتحثه على أن لا يخون هذه الارادة والا يخاف الجناة والسفاحون مرة اخرى. ومن اولويات التهيّؤ معالجة الوضع الامني وتهيئته بفتح ابواب ثلاثين الف محطة انتخابية في مختلف ارجاء العراق، لكي يصوّت من خلالها اكثر من اربعة عشر مليون ناخب وناخبة، اذا اخذنا بعين الاعتبار، مشاركة العراقيين الذين يعيشون في المنافي والمهاجر.

بقي ان نقول: لنسع بلا تردد او خوف الى الفيصل الحق والعدل، في اختيارممثلينا من خلال صناديق الاقتراع في يوم الارادة القادم، حيث نضع الخطى في الطريق الصحيح، في ترسيخ تجربة الديمقراطية وبناء مؤسسات المجتمع المدني الحديث.

 

 

 


 

 

كيف اعدموا النخيل!!

بابل/ مكتب المدى

كتابة وتصوير/ اقبال محمد

احتلت النخلة مكاناً مهماً في حياة الانسان العراقي قديماً وحديثاً، واضفى عليها قداسة كلية، وصارت معبوداً وصاغ العقل الجمعي، كجمعي عدداً مهماً من العقائد والطقوس حولها كما كان لها عدد من الاساطير، وتمتعت بمجال ثقافي مقدس، وحازت عناصر لم تتوفر لغيرها من الاشجار. وتتبدّى اهميتها الدينية من وجودها المباشر مع الآلهة في العراق القديم وكذلك في ديانات الشرق، لذا ظهرت عدد من الاختام الاسطوانية والمنحوتات، وكانت النخلة مركزاً لأسطورة الخصب والانبعاث المعروفة من خلال الفينيق. وظلت النخلة معبوداً مرتحلاً، ساحباً معه قدسيته و منتجاً عقائد جديدة وحصراً في الديانة المسيحية، حيث ولادة يسوع تحت النخلة ومن قبل كانت ولادة الاله ابولو والأله نبتون.

اشتهر العراق بنخيله، وصارت النخلة رمزاً للعراق، ووجودها كافِ للاشارة اليه، فالنخلة  سيدة الشجر وهي مصدر العطاء ويقال أن عدد النخيل في العراق اكثر من 30 مليون نخلة، مكونة من مئات الانواع. وهي من الاشجار المعمرة القادرة على مقاومة الظروف الطبيعية المعقدة.

قمع الانتفاضة

بعد فشل الانتفاضة الشعبية عام 1991 وتصاعد حملات القتل الجماعي للعراقيين الذين غيبتهم المقابر الجماعية، اصدر المجرم صدام حسين امراً بتنظيف الشوارع الرئيسة في المدن من اشجارها، بحيث توفر فضاء آمناً لجيشه واعوان حزبه وفعلاً، اشرف القاتل المشهور طالع ارحيم الدوري، محافظ بابل آنذاك على عملية منظمة لإعدام النخيل وبساتين الفاكهة على جانبي الشارع السياحي 30 كم الممتد بين الحلة وناحية المدحتية وتتوزع على جانبيه عشرات القرى واصبح الشارع كئيباً، معلناً عن حداده وصاغ المواطنون عدداً من الحكايات والاساطير بشأن مذبحة النخيل التي اندثر معها تاريخ طويل، امتد عشرات السنين، وكانت العيون تراقب المشهد الوحشي والقلوب تنزف دماً للخسارة الكبيرة وضياع الارث الممتد عبر اجيال عديدة. لقد حكم الفاشي طالع الدوري على عمتنا النخلة بالاعدام، ومثلما حصل لها في معركة قادسية صدام، وكلنا نتذكر مشاهد النخيل مجزوز الرأس، ونعرف حكايات عن موت النخيل، مماثلة لحكايات موت الانسان. غرائبية ومعقولية اخفاهما العقل الجمعي على النخلة والانسان، ايحاء بوجود ما هو مشترك بينهما.

الذاكرة تستعيد مشهد المجزرة

وبعد ثلاث عشرة سنة من تاريخ مجزرة الاعدام، زرنا الشارع السياحي والتقينا بعدد من المزارعين والفلاحين وقال الفلاح احمد محمد: احمد الله لأني عشت وشهدت اليوم الذي سقط فيه الظلم وصارت الجحور مكاناً للفئران..

انا اتذكر مشهد الجرافات وهي تتقدم زاحفة على بساتين النخيل واشجار الفاكهة، وصوت النسوة والاطفال والشباب وهم يبكون بصمت. لقد شهدت عائلتي قتل النخل وحدثني الحاج حسين مؤكداً كلام المجرم طالع الدوري قائلاً: ما زالت كلماته ترن في اذني الى الآن وستظل الى الابد وهو يصرخ اقلعوا (اقطعوا كل نخلة موجودة، وسأقوم بمطابقة المسافة المحددة واعاقب من يخرق ذلك).

اغرورقت عينا الحاج حسين فتدفق الدمع من عينيه رثاء لبساتين النخيل والفاكهة وقال بصوت متحشرج: كان سواق البلدوزرات اكثر رعباً لذا توسعوا في الجرف خوفاً من وعيد الدوري، لأن اخباره انتشرت في المحافظة بوصفه مجرماً محترفاً ومارس قتلاً بشعاً للنساء والرجال والاطفال. وقتل النخيل والاشجار واحدة من التهم ضد صدام حسين.

اما المواطن (ابو علي) فقد قال متحسراً:

خسرت ثروة كبيرة، وكما ترى ابتدأنا في العام الماضي تعويض ما خسرنا وزرعنا نخلاً جديداً واشجاراً جديدة.

وقلت له متسائلاً: هل تتوقع اثمارها قريباً؟

قال ضاحكاً: نعم.. وسنأكل من تمرها.

ما قاله (ابو علي) تحدِ للظلم وتأكيد معاودة الحياة نسقها الخاص وبقاء الخصوبة والانبعاث بوصفها نظاماً ازلياً في العراق قديماً وحديثاً.


 

متسولون

مها عادل العزي

بعد الحرب انتشرت هذه الظاهرة بشكل لافت للنظر، فنادراً ما نمر من اشارة مرورية تخلو من عائلة او جماعة تحترف التسول) وهم في ذلك يبتكرون ما يبتكرونه من اساليب وحيل. الهدف في كل ذلك هو استدرار العطف.. بين هؤلاء من يتبع اساليب غير انسانية، كأن تحمل امرأة شابة طفلاً صغيراً، تحمله تحت الشمس، ومع الساعات الطويلة يذبل وجهه ويخور جسده الضئيل من الجوع.. حينذاك  يتم المراد، فلا افضل من وجه بريء.. وجه يوصي بالمرض، ومن غير اية رحمة يستغل للاستجداء.. هذه القصة وغيرها كثير مما نشاهده في شوارع اليوم... واليكم بعض مما صدناه في استطلاع اليوم.

في احدى اشارات المرور، وفي احد التقاطعات القريبة من جريدة الزمان، ثمة شاب متسول يدفع عربة للمعوقين وقد وضع فيها طفلة صغيرة لم تتجاوز الثامنة ، كانت الطفلة متعبة منهكة القوى، حتى ان عينيها كانتا تغوران عميقاً، فتتقلبان من غير ان تسيطر عليهما، بدت الفتاة كأنها قد شربت دواء منوماً او حتى مخدراً، .. نستوقف الرجل.. نسأله عن الفتاة يقول بصوت غليظ:

- انها ابنتي..

* لو كانت ابنتك، افلا نشفق عليها؟!

- انا حر.. ثم ان عليها ان تخرج معي لتكسب لقمتها..

بعد هذا الحوار القصير تركنا المتسول ومشى.. مشى من غير ان يسمع ما نريد ان نقوله، لكن هل حقاً هو والد الفتاة؟ ام انه يستعملها لغرض الاستجداء.

- هل من المعقول ان يوجد اب بهذه القسوة.. ثم ماذا فعل لها لكي تبدو بتلك الصورة المزرية؟!!

في الاشارة التي تقع نهاية الخط السريع المؤدي الى الباب المعظم، كان هناك صبية، بنين وبنات انتشروا بين السيارات المارة.. يلتقطون رزقهم، وبسبب الازحام كانت السيارات شبه متوقفة، لذا فإن فرصة مراقبتهم اتت بصورة طبيعية..

تعلم هؤلاء الصغار ان للتسول شروطاً اولها المسكنة ولا بأس من تصنع الإعاقة.. الشيء الذي كنا نتوقعه، لم يطل انتظارنا له، ما كان يجمعه هؤلاء الاطفال كانوا يذهبون به الى رجل في نحو الاربعين من عمره كان الرجل ممداً بإسترخاء تحت فيء احد الاشجار، فهو يدرك مهمته وما  عليه سوى الانتظار، وفي نهاية المطاف يجمع المحصول، ويعطي كلاً من الصغار نسبته، اما هو فلا بد له من حصة الاسد.

القصة الثالثة في عالم التسول الغريب.. ان صبياً في نحو الثالثة من عمره  ارتدى ربطة على رأسه ولبس ملابس الفتيات وهو يدور بين الارصفة مع اهله.. يطرق زجاج النوافذ.. ويعارك السائقين.. فهؤلاء هم من افشلوا بسره، السؤال الذي نطرحه.. ماذا نتوقع من هذا الصبي حين يكبر؟ ماذا يتبقى له من كرامته ورجولته؟!

فنون وتصاريف، فلكل متسول طريقته، وما يلاحظ ان احدهم لا يدخر جهداً نحو غايته.. عالم غاية في القسوة، امرأة تضع طفلاً رضيعاً على الرصيف لتستجدي به.. رجل ضخم يتعكز  على ولد صغير.. وغير ذلك الكثير من الحكايات.

بالتأكيد نحن لا ندعو لقطع سبيل المعروف.. لكن المعروف لمن يستحقه.. والا فما بال الرجل الشاب او المرأة القوية يتخذان هذا الطريق، ام انه الاستسهال وشيء من المهانة وقطرة من الجبين سقطت.

قبل ان ننتهي نذكر قصة امرأة عجوز تقف في ساحة الاندلس، هذه المرأة تبيع الصحف.. تتحرك بصعوبة تحت ثقل السنوات التي غضنت وجهها، ما حدث ان احدهم اشترى منها صحيفة، وبقي من الثمن الذي اعطاه اياها (750) ديناراً، استوقفته.. نادت عليه بصوتها الضعيف، هذا الباقي.

هذه المرأة العجوز تعطي مثالاً مشرفاً لكفاح الانسان وعزة نفسه، هي ترفض ان تأخذ ما لا تستحقه بتعبها.. ترفض ان تأكل الا بعرق جبينها.. فأين هذه المرأة من هؤلاء؟!!

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة