مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

القضية التي ناضل من اجلها عرفات باقية

كان شارون يريده ميتاً، مقتولاً، خاسراً مع قضيته. لكن عرفات حتى في ايامه الاخيرة، حتى في البناية الاخيرة التي سجن فيها، كان هو نفسه، قوياً، صامداً، يحمل قضيته العادلة، ويحظى بتأييد شعبه.

لم ينهزم عرفات حتى وهو مطوق، هو الذي خبر التطويق والحصار في بيروت وطرابلس. لقد ظل يكافح ويرفع اسم فلسطين الذي رفعه منذ الخمسينيات حين اسس في مصر اتحاد طلبة فلسطين، وحين ابلى بمعركة الكرامة بقوة صغيرة، وحين خاض معارك لا تعد ولا تحصى في ممرات مليئة بالاحقاد والكراهية والتآمر استطاع ان ينفذ منها ويبقى متمسكاً بالراية الفلسطينية المكافحة.

لم ينهزم عرفات، بل غادرنا مغادرة انسان، والمهم ان قضيته ظلت بعده، وشعب الجبارين ما زال يسير على الدرب الذي اختطه عرفات. ما زال الاسم يلتصق بالقضية، وما زال هذا الشعب الصلب المراس يصر على قضيته، ويفديها بدمه.

ان جميع اخطاء عرفات هي امتداد لأخطاء محيطه العربي. لكن يجب التذكير هنا انه بينما هزمت جيوش العرب تجاه حزيران 1967 كان الفلسطينيون وحدهم بقيادة عرفات من تمسك براية الكفاح، ومنحوا المعركة التحرر العربي الامل.

ما من قضية ظلمت في التاريخ المعاصر مثلما ظلمت القضية الفلسطينية، وما من قضية استغلت استغلالاً سيئاً مثلما استغلت، وما من تآمر واساليب خسيسة اتبعت ضد قضية كفاحية مثلما اتبعت ضد القضية الفلسطينية. كان عرفات يعرف هذا المأزق، وكان يناور، ويرسم تكتيكات بدت احياناً خطرة جداً من اجل ان ينفذ بالقضية من اضيق الممرات لكي يعبر بها الى فضاء الحرية والنصر.

غادرنا عرفات والقضية الفلسطينية في مأزق.. لكنها لم تعد قضية مهاجرة.. فهي هناك على ارضها الحقيقية، تناضل وتعيد تقييم نفسها، وبإمكان رفاق عرفات ان يستلهموا روحه القوية لمواصلة معركة التحرر الوطني وتحقيق هدف قيام دولة فلسطين الديمقراطية.

 


 

عرفات وتركته الثقيلة

بقلم/ سام كيلي

راقب (سام كيلي) المعلق المخضرم في شؤون الشرق الأوسط سير عمل وأداء ياسر عرفات عن كثب وهو الآن يلقي نظرة إلى الوراء على مدى السنوات الماضية من المناورات مثار الجدل التي قام بها كبير العائلة الفلسطينية.

ليس ذلك ما تمناه ياسر عرفات كنهاية له بل كان يبغي أن يموت شهيداً في قلب معركة ليصنع منها فلسطينه.

لقد جسد عرفات الكفاح الفلسطيني على مدى أربعة عقود فقد استلم القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية وشن الكفاح المسلح ضد إسرائيل وعاد بشعبه من المنفى إلى حافة أبواب القدس. وفي النهاية على كل حال يعتقد الكثير من الفلسطينيين الآن أنه ما كان سيخدم قضية إسرائيل أفضل لو إنه كان مجرد عضو يحمل بطاقة حزب الليكود الذي يتزعمه (ارييل شارون).

اعتاد ياسر عرفات أن يتبجح أنه الجنرال العربي الوحيد الذي لم يخسر أمام الإسرائيليين أي معركة على الإطلاق وإنه شاهد ستاً من الرؤساء الأمريكان في ولايتهم وعدداً لا يحصى من رؤساء الوزراء الإسرائيليين. وكان في سنواته المبكرة من رجال الميليشيات الشجعان الفريدين ونداً قوياً لأفضل رجال الكوماندوز الإسرائيليين في حين رفضه نفس شعبه لنظرته العلمانية والذي يفضل المقاومة الإسلامية.

يزعم عرفات إنه ولد في القدس غير إن معظم الدلائل تشير إلى ودلاته في القاهرة أو في غزة التي كانت آنذاك جزءاً من مصر، ومع ذلك فإن محمد عبد الرؤوف العودة الحسيني الملقب بياسر مباشرة بعد ولادته في الرابع من آب عام 1929 يفتخر بارتباطه بفخذ قبيلة الحسيني القدسية التي ما زال يحمل صفة القرب منها.

وأثناء فترة الصبا هرّب أسلحة إلى الفلطسينيين أثناء فترة الحرب العربية الإسرائيلية الأولى ثم ذهب للدراسة في مصر كسائر العديد من أبناء جيله حيث درس الهندسة وبعد أن تخرج سافر إلى الكويت حيث أصيب بخيبة أمل نتيجة الخمود الواضح للمجموعات الفلسطينية الأخرى.

وفي عام 1959 أسس حركة (فتح) بمشاركة منفيين آخرين وبدأ يخطط للكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي. وفي عام 1967 نال ثانية الثناء على قيادته ولشجاعته في قتاله ضد القوات اليهودية في واد الأردن. وكانت قصص شجاعته يتناقلها شهود عيان وتحدث رفاق له عن روحه المرحة وشجاعته وهو تحت النيران كما إن شجاعته في شن غارات خلف الخطوط الإسرائيلية رفع من سمعته حتى مكنه من استلام قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969.

وعندما أصبح عرفات رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية أخذ يجسد أحلام الفلسطينيين حتى إنه سيطر أيضاً على التمويل. وحين لا يضمن الولاء يلجأ إلى شرائه. ولم يسمح لعسكرييه أبداً بالبقاء مدة طويلة بما يكفي لبناء قاعدة تأييد لهم فقد تطلعوا إلى الرئيس على إنه راعيهم المالي وكانت جميع القرارات تنساب منه ولم يكن بإمكان أي أحد اتخاذ أية مبادرة.

وهكذا استمر نمط قيادته طيلة فترة حياته فقاد الفلسطينيين إلى الحالة البائسة التي هم فيها الآن وتحت القيادة المؤقتة المشتركة لمحمود عباس وأحمد قريع وهما رجلان كبيران في السن غائبان عن المسرح بصورة بارزة.

لقد جاء ازدهار عرفات وسط الكوارث حين كان يضع بقاءه السياسي والشخصي فوق متطلبات شعبه والمضيفين العرب لقوات حركة فتح التابعة له. وفي الواقع تتمتع منظمة التحرير الفلسطينية بما تستحقه من سمعة سيئة كأسوأ ضيف في العالم العربي.

وفي عام 1970 انقلب اللاجئون الفلسطينيون ضد مضيفيهم الأدرنيين وهو ما أرغم الملك حسين على طرد منظمة التحرير الفلسطينية.

انتقل عرفات إلى لبنان حيث فرض سيطرته على جنوب البلاد الذي يقطنه الشيعة بصورة رئيسة والذي أطلق عليه (أرض الفتح). لقد استفز ذلك الإسرائيليين فقاموا بغزو الجنوب وهو ما أدى إلى طرده إلى تونس عام 1982.

وعلى الرغم من هذه الإخفاقات المطلقة إلا أن سمعته كقائد عسكري تزايدت وأصبح لباسه الخاكي والمسدس في خاصرته رمزاً للتحدي ضد إسرائيل وداعمتها الولايات المتحدة.

وكشخص، كان دافئاً وجذاباً. كان يعجب زواره بحبه لراحتهم وقد عاش حياة تقشفية وبسيطة وانعزالية وكان العسل هو الكمالية الوحيدة والذي يستهلكه بكميات كبيرة أما الضيوف فقد كان يعاملهم بحفاوة من البذخ.

وفي الوجبات كان يقرب الزوار، وكان يردد وهو يبتسم "كلوا كلوا كلوا!" ثم يعرض قطعة من الكيك أو زيتونة على معظم ضيوفه الأوروبيين الجامدين ويقول أحد الدبلوماسيين البريطانيين (من العصب جداً أن تغادر عرفات بدون أن يضع لقمة في فمك بيده).

وفي عام 1990 مزج الجاذبية بالقبضة السليمة للدبلوماسية العصرية ليسمح بـ(قنوات خلفية) للمحادثات في (أوسلو) في نفس الوقت الذي يجري فيه تفاوضاً مباشراً مع إسرائيل تحت هداية (جورج بوش الأب) و(بيل كلنتون). وقد بلغ ذروته حيث وقع اتفاق السلام في (أسلو) عام 1993 وما تلاه من مصافحة لـ(إسحاق رابين) في حديقة البيت الأبيض ثم منحه جائزة نوبل للسلام. إن دورة تحول عرفات من فدائي إلى رجل دولة بدت كاملة غير منقوصة.

ثم قاد منظمة التحرير الفلسطينية عائداً بها إلى الأراضي الفلسطينية وأقام السلطة الفلسطينية. وفي عام 1996 انتخب رئيساً لها بأغلبية 83%.

ثم سارت الأمور على نحو خاطئ، فقد زعم أنه أبرم اتفاقاً مع إسرائيل بأن يتوقف بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وغزة. لقد قام بالاعتراف بـ(الكيان الصهيوني) وحقه في الوجود باسم إسرائيل على ما نسبته 88% مما كان يعرف بفلسطين. وكل الذي تبقى هو مفاوضات الوضع النهائي.

لقد كان مخطئاً فلم تقم إسرائيل بأي نوع من الالتزام المكتوب حول المستوطنين وفي السنوات السبع ارتفع عدد اليهود الذين انتقلوا إلى مساكن تدعمها الحكومة إلى أكثر من الضعف ليصل إلى 250.000.

وخلال (سنوات أوسلو) والانتفاضة أصبح عرفات بصورة متزايدة غير قادر على استيعاب الأمر الواقع. وفي اجتماعه مع الشخصيات البارزة كان على (تيري رود لارسون) المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى الشرق الأوسط أن يدون لعرفات خطاباته. وقد أثار ارتجاف فم عرفات الشكوك بأنه مصاب بمرض (باركنسون) غير إن دعابته كانت تثير الدهشة. وقبل مدة قصيرة من محاصرته في مقاطعته في رام الله من قبل الجيش الإسرائيلي. تشكى عرفات من الجنود الإسرائيليين الذين يقتلعون أشجار الزيتون لتدمير مصدر رزق الفلاحين الفلسطينيين. وقال: "إننا نعاني ما لم يعانِ غيرنا. إن ذلك عذاب جديد ومرعب لم يره أحد من قبل". (أتقلعون أشجار الزيتون؟) وفي كينيا؟ حيث صوب سهمه إلى الوراء حين دمر المستعمرون مزارع الشاي في كينيا أثناء انتفاضة (مومو).

وفي الوقت الذي تعثر فيه مفاوضو عرفات على امتداد التسعينات قامت المستوطنات بتقطيع أوصال الضفة الغربية، ملتهمة 40% من غزة. وفي هذه الأثناء لاحظ المحكومون من قبل عرفات أن زعماءهم متورطون في فساد مستشرٍ.

فهذا أحمد قريع رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي المعروف أيضاً بأبي علاء وقد ذكرت الأخبار عنه فوزه لتجهيز مواد البناء إلى مستوطنة (حار حوما) التي تفصل بيت لحم عن القدس.

إن استغلال السلطة والنفوذ تسبب في جمع عرفات ثروة طائلة تقدر ببليون جنيه استرليني في حين شيد وزراؤه وعوائلهم قصوراً فارهة واقتنوا السيارات الفخمة. وقد أبلغني مروان البرغوثي الذي يقضي سجناً مدى الحياة الآن وهو زعيم لفتح في آيار إنه توقع أن تنفجر في وجه عرفات انتفاضة وشيكة.

وفي ضوء هذه الخلفية ذهب عرفات إلى (كامب ديفيد) لمفاوضات الوضع النهائي مع (أيهود براك) باستضافة (بيل كلينتون) عام 2000. لقد رفض عرفات الخطط الإسرائيلية والأمريكية دون أن يطرح هو الآخر شيئاً. لقد دخل في مفاوضات مع المحامين الإسرائيليين وخبراء الخرائط في إسرائيل دون أن يعرض خرائط من عنده لأنه لا يريد لأبناء شعبه أن يصبحوا خبراء.

وفي أيلول 2000 تفجرت شرارة الانتفاضة الثانية بسبب زيارة (شارون) لباحة المسجد الأقصى، وفي الأشهر الثلاثة الأولى قتل الإسرائيليون بنيرانهم العشرات من الفلسطينيين. وأخذت المشاعر تغلي دون أن يتنازل لا (كلينتون) ولا (براك) وفي كانون الأول عادوا للمفاوضات في طابا في مصر. وفي (كامب ديفيد) عرض على عرفات ما يشبه (البانتوستان) في جنوب أفريقيا. أما في طابا فقد عرض عليه تقريباً معظم الضفة الغربية والقدس الشرقية وفرصته مشاطرة السيادة على المسجد الأقصى وجميع غزة.

وبالمقابل كان مطلوب منه أن يتخلى عن حق عودة اللاجئين. وليس هناك من أحد في المعسكر الفلسطيني لا سابقاً ولا الآن يؤمن حقيقة أن حق العودة سيمنح. غير إنه والدماء تسيل والفلسطينيون يتطلعون إلى الجهاد الإسلامي وحماس لتقمص القيادة فقدْ فقد عرفات رشده وثارت ثائرته، فما كان منه إلا أن رفض العرض الإسرائيلي وهو أفضل صفقة يحصل عليها الفلسطينيون على الإطلاق لأنه اعتقد أن شعبه سينقلب ضده فاختار الفوضى على الحل الوسط. وقال مسؤول فلسطيني كان حاضراً في المفاوضات: (لقد خيب آمالنا كثيراً عند تلك النقطة. كنت أستطيع مشاهدة الخوف في عينيه عندما عرض عليه الإسرائيليون والأمريكان تقريباً كل شيء ثم تأمل في عرضها على شعبه فارتعش).

وعندما تواصلت الانتفاضة دون التنبؤ بنهايتها وراح ضحيتها 3500 فلسطيني و1000 إسرائيلي أثبت عرفات عدم قدرته على الحكم وسط المجموعات الإرهابية حتى وإن أراد ذلك. وهناك دليل كبير على إنه مول مقاتلين وانتحاريين في الوقت نفسه الذي عاهد أمريكا وإسرائيل على قضائه على جميع ألوان العنف. وهناك مصادر من التنظيم Tanzim وكتائب شهداء الأقصى (وكلاهما منظمتان مرتبطتان بفتح ومواليتان لعرفات من حيث المبدأ) تقول إنها تأخذ أموالاً من حيث أتتها. ويقول أحد زعماء التنظيم في رام الله "إننا نطلب أموالاً ونحصل عليها من السلطة الفلسطينية ومن جماعة عرفات - غير إنهم لا سيطرة لهم علينا، إنهم يخشوننا".

واليوم أصبحت (فتح) مقسمة بعد أن كانت متراصة. وغالباً ما تنفذ الهجمات الإرهابية من قبل لجان المقاومة المؤلفة من كوادر فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومتطوعين غير منحازين إلى جهة. لقد جمدت المحادثات مع إسرائيل. إن عدم قدرة عرفات على وقف الإرهاب يعني إن تساند الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رفض شارون لقبول العودة إلى طاولة المفاوضات. وفي هذه الأثناء تبني إسرائيل جدار الفصل ملتهمة الكثير من الضفة الغربية وضمه إلى السيطرة الإسرائيلية وتستمر المستوطنات في التوسع.

لقد أصبحت الحياة لا تطاق بالنسبة للفلسطينيين لدرجة أن معظم الـ200.000 من المسيحيين المتبقين وكثير غيرهم يهجرون الأراضي المحتلة. أما شارون فإنه ينظر باطمئنان إلى تحقيق رؤيته لـ(دولة فلسطينية) على ما نسبته 42% من الضفة الغربية وغزة وبدون حدود دولية مع خضوعها للهيمنة الاقتصادية الإسرائيلية.

وباختصار فإن منظمة (فتح) بزعامة عرفات قلما توجد الآن كياناً عسكرياً أو سياسياً فأعضاؤها منقسمون إلى فروع عديدة من جهاز الأمن الوطني الفلسطيني مثل القوة 17 الحرس الشخصي لعرفات والمخابرات البحرية التي مقرها أريحا. ومن غير المحتمل أن يستطيع عباس وقريع السيطرة على الشارع الفلسطيني دون أن تمتد يدهم إلى حماس.

لقد طالبت حماس وما زالت بالاشتراك في تسيير الأمور سياسياً ودعت - باستمرار - الفلسطينيين إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية كما قالت إنها ستشارك في حكومة تتفاوض مباشرة مع إسرائيل. أما (المقاومة الإسلامية) فإنها تحاول أن تدخل على الخط ليتم الاعتراف بها وقبولها في وقت تستطيع فيه أن تشعل فتيل النار في الأراضي الفلسطينية.

وقال إسماعيل هنيه أحد زعماء حماس في غزة إن القيادة الجماعية تمثل أكثر من مجرد خيار. إنها "مطلب فلسطيني ملح". وأضاف قائلاً: "لن نسمح لأي فوضى أو تفكك أن يحصل وأفضل طريقة لتحقيق هذا الهدف هو تشكيل قيادة فلسطينية موحدة تقود الفلسطينيين إلى ساحل الأمان وتهيئهم للانتخابات التي سيشارك فيها جميع الفلسطينيين.

غير إنه حذر من محاولة (تصيد إسرائيل في الماء العكر) بتوجيه الفصائل بعضها ضد الآخر. وسيكون ذلك أصعب بعد أن ولت العقبة الرئيسة أمام السلام.

ترجمة/ كاطع الحلفي

عن صحيفة الغارديان

 

 

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة