اراء وافكار

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في دراسة ميدانية تناولت إشكالية الانتماء والهوية الاغتراب الثقافي بات شعوراً سائداً لدى الأستاذ الجامعي في العراق

أ.د. خليل ابراهيم رسول

نائب رئيس الجمعية النفسية العراقية

أ.د. شذى عبد الباقي العجيلي

وحدة الارشاد التربوي والنفسي بجامعة بغداد

•اغتراب الاستاذ الجامعي حلقة متصلة بالاغتراب الشامل للمثقف العراقي

•الاحساس بالعجز والانسحاب من المجتمع والتشاؤم والاستئناس بالوحدة والاعتياد على الصمت وغياب جدوى الحياة كلها من علامات الاغتراب الثقافي

•الاغتراب النفسي يهدد الانتماء الوطني والمجتمعي ويهدد مشاريع التنمية ويمهد لسيادة الشخصية الازدواجية

الاغتراب لغة ً هو التباعد عن الآخرين أو البعد والنأي عن المجتمع والوطن؛واصطلاحاً،على الرغم من تشتت الأفكار والمفاهيم في موضوع الاغتراب،الا أنه يعني الشعور بانعدام السيطرة والتحكم فيما يؤديه الفرد من أدوار،فضلاً عن العزلة عن المنظومة القيمية للمجتمع وصعوبة التوقع للسلوك وفقدان المعايير وعدم الالتزام بها.

والاغتراب لازم الانسان منذ خلقه،إذ تجلى في صورته المثلى عندما أمر الله تعالى آدم وحواء بالهبوط من الجنة الى الأرض تصديقاً لقوله عز وجل في سورة البقرة-الآية 36((اهبطوا بعضُكم لبعضٍ عدوُّ ولكم في الأرض مستقرُ ومتاعٌ الى حينٍ)).وقد تنازع مفهوم الاغتراب كثير من الفلاسفة والمفكرين توزعوا بين  الشرق والغرب،وأخذته مناحي شتى في الحياة الانسانية في جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية.فمن الأصالة والمعاصرة الى الحداثة والتقليد فالتحرر والهيمنة.

وقد برزت أهمية الجامعات والمؤسسات التربوية في هذا الميدان من خلال بحثها المطلوب عن فلسفة تربوية واجتماعية عليا تعمل على المحافظة على الهوية الثقافية لدى تدريسييها وتدفع للتمسك بالأصالة والتراث والتواصل مع الثقافات الأخرى.ولعل هذا هو المطلوب اليوم في الجامعات العراقية خاصة‘إذ أن أساتذة الجامعات العراقية يشعرون اليوم بفقدان الهوية الثقافية،ومضمونهم الاجتماعي،وضعف قدرتهم على التأثير في حركة المجتمع،والعجز امام صرامة التغيرات في نظام الحياة الاجتماعية،وشعورهم بالهوة الواسعة التي تفصلهم عن المجتمع الانساني في ضوء الثورة المعلوماتية الهائلة وواقعهم المتخلف البائس.وقد انعكس هذا بصورة واضحة على حجم الهجرة الى الخارج لدى أصحاب الكفاءات العالية،إذ تشير احدى الاحصائيات الى أن (90)% من المهاجرين هم من اصحاب الكفاءات العالية،وأن العراق ومصر وسوريا هي أكثر البلدان العربية خسارة  بسبب هذه الهجرة حسبما جاء في دراسة أخرى.

إن أحد أسباب اغتراب الأستاذ الجامعي هو اضطراره الى البحث عن مصادر أخرى خارج مهامه الجامعية،كالتوجه نحو البحث العلمي لا شغفاً بالعلم وتعزيزاً لمهنة التدريس وتطويرها،بل لتوفير المكاسب المادية الضرورية،مما جعل البحث العلمي لدى البعض وسيلة لكسب العيش،فانعكس ذلك على وجعل عملية التدريس روتينية جامدة قائمة على تلقين المعلومات.هذا فضلاً عن ضعف روح الانتماء لدى بعض التدريسيين الى المؤسسات التي يعملون فيها ،مما يعطي مؤشراً على انحراف تفكيرهم وتناقض قيمهم وفقدان هويتهم القومية،الأمر الذي جعلهم أرضاً خصبة للاغتراب.وهذا الاغتراب يهدد الانتماء الوطني والمجتمعي،ويهدد مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية،وذلك من خلال ضعف الحصانة تجاه الغزو الثقافي،وسيادة الشخصية الازدواجية،وغياب الواقعية والموضوعية،وغلبة العلاقات التي تتسم بالسطحية والمجاملة العابرة،والميل الى الرغبة في الوصول الى الهدف بأقصر الطرق وأسرعها،والميل الى العمل الفردي وايثاره على العمل الجمعي.

وعليه فالاغتراب اذن هو احساس الفرد بالعجز،والتذمر،وتهدم الجسور الاجتماعية،وعدم الولاء وعدم الألفة والانسحاب من المجتمع،والتشاؤم والاستئناس بالوحشة والوحدة،والاعتياد على الصمت،وغياب جدوى الحياة،وسهولة اختراق التفكير.وقد أجريت دراسات  عراقية عدة في هذا الميدان في العراق،منها دراسة (محمد الياس بكر) 1979،ودراسة (محمود شمال المحمداوي)1990،ودراسة (جميل مهدي محمد)1995،ودراسة (أريج عبد الرحمن)2002.وكل هذه الدراسات أظهرت نتائج سلبية أشارت الى أن أساتذة الجامعة وطلبتها يعانون من الاغتراب الثقافي.وهذا ما دفعنا الى اجراء دراسة في الميدان نفسه،استهدفت التعرف على مدى الاغتراب الثقافي الذي يعاني منه أساتذة الجامعات في بعض كليات جامعة بغداد.وقد أخذت عينة من (101) تدريسي،توزعت بين (51) أنثى و(50) ذكراً،من كليات الفنون الجميلة والآداب واللغات والصيدلة والتربية وكليات اخرى متفرقة.وأظهرت النتائج بعد تطبيق مقياس الاغتراب الثقافي الذي أعده (جميل مهدي محمد)1995 ،أن اساتذة الجامعة لا يزالون يعانون من الاغتراب الثقافي.كما لم تظهر النتائج وجود فروق بين الذكور والاناث في الاغتراب الثقافي.

إن هذه المعطيات ذات الدلالة السلبية تتطلب ما يأتي:

* العمل على رفع مستوى الدخل والمعيشة للأستاذ الجامعي،بما يتلاءم ومكانته العلمية والاجتماعية.

* إشاعة جو الاحترام والتقدير للعلم والعلماء،ومنحهم مكانة متميزة في سلم الدولة.

* العمل على نظام التفرغ العلمي للأستاذ الجامعي بوصفه رافداً علمياً وفرصة للتفاعل مع المؤسسات العلمية العربية والعالمية.

* توفير التسهيلات الصحية والعلاجية للأستاذ الجامعي في المؤسسات الصحية الرسمية وغير الرسمية.

* توفير مستلزمات البحث العلمي من أدوات وتقنيات ومساعدين باحثين.

* العمل على ربط المؤسسات العلمية ومؤهلاتها بحاجات المجتمع.

* السعي لإجراء انتخابات ديمقراطية لاختيار عمداء الكليات ورؤساء الاقسام،ضمن مدة معينة مناسبة.

* تسهيل وتوفير فرص حضور المؤتمرات العلمية والندوات والحلقات الدراسية خارج العراق وداخله.

* رفد الاستاذ الجامعي بكل جديد من اصدارات ودوريات في ميدان تخصصه.

* الاهتمام باعداد التدريسي وتدريبه على طرائق التدريس الحديثة عن طريق الدورات التأهيلية وما يستجد من تقنيات حديثة واستعمالاتها في العملية التربوية والتعليمية.

واستكمالاً للصورة،لابد من التذكير أن اغتراب الاستاذ الجامعي في العراق ليس حلقة منفصلة بحد ذاتها عن مجمل العملية الاجتماعية،بل هو امتداد موضوعي لاغتراب أوسع يشمل المثقف العراقي عامة ً.ولذلك فإن الطريق نحو استعادة الهوية الثقافية،وتلمس حدود الذات،وترصين معنى ايجابي للحياة،لدى النخب المثقفة في العراق،إنما هي مهمة جمعية لها مفاصلها المنتشرة في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وبمعنى أكثر تحديداُ: إن استعادة الاستاذ الجامعي العراقي لشعوره بالانتماء والهوية والفاعلية لن يتحقق إلا في لحظة موازية لتلك اللحظة التي يشعر بها المثقف العراقي بكل أطيافه واختصاصاته،أن له دوراً تنفيذياً واستشارياً لا غنى عنه في إدامة النبض اليومي والتأريخي للحركة الاجتماعية حوله.وقد تبدو هذه اللحظة خارج إطار المشهد العراقي الحالي،إلا أن علينا أن نتذكر أن هاجس (الاغتراب) على مر التأريخ ما كان له أن يكون لولا هاجس (الانتماء) الذي ظلّ كامناً في أعماق النفس البشرية،يحاول التعبير عن أحقية وجوده في كل عصر،وكأنه هوالأصل الدائم،وكل ما عداه ظلال مؤقتة.

 

 


 

 

في فلسفة علم النفس

الـدمـاغ والـعـقـل جدلية متجددة

فارس كمال نظمي

جامعة بغداد

كثيراً ما تتداخل مفردتا (الدماغ) و(العقل) في أحاديث عامة الناس،الى حد أن إحداهما قد تستخدم بدل الأخرى في مواقف كثيرة.لكن الأمر على صعيد الفلسفة وعلمي الأعصاب والنفس مختلف تماماً.

فالدماغBrain  عبارة عن قبضة من مادة رمادية اللون تحتوي على ما يتراوح بين (100) و (1000) مليار خلية عصبية.أما العقلMind  فنسيج تجريدي شفاف ينشط وفق مباديء لا تزال غامضة الى حد بعيد.وقد حاولت الفلسفة منذ بداياتها ايضاح ماهية العقل وعلاقته بالدماغ،فشاع منذ أيام (افلاطون) ( 427-347)ق.م الاعتقاد القائل بأن العقل والجسم مكونان من طبيعتين مختلفتين،وأن العقل يمكنه أن يؤثر في الجسم وكأنه مسيطر عليه.واستمر تأثير هذا الاعتقاد حتى عصر النهضة عندما تبنى (ديكارت)( 1596-1650)م المبدأ الفلسفي الثنائي،بقوله أن هناك ماهيتين منفصلتين في العالم:(المادة) وتعمل بموجب قوانين مادية يمكن كشفها بالطرائق العلمية التجريبية المألوفة،و(العقل) أو (الروح العاقلة) الذي هو لا مادي ولا أبعاد له،موجود في الغدة الصنوبرية في أعماق الدماغ،يتضمن الارادة والمشاعر والفهم والعواطف.وإن الجسم والعقل بالرغم من كونهما منفصلين عن بعضهما،وكل مسؤول عن وظائفه الخاصة،إلا أنهما يتفاعلان بإسلوب ميكانيكي بحت.

لكن هذه النظرة الديكارتية الميكانيكية لم تصمد أمام الرؤى الجدلية التي اكتسحت الفكر البشري تباعاً منذ بدايات القرن التاسع عشر في ميادين الفلسفة والبيولوجيا والطب وعلم الاجتماع ثم علم النفس.وهذا ما مهد السبيل لظهور الرأي القائل أن مصطلحات مثل ((الوعي)) و((العقل)) انما تدل على وظائف Functions وليس كيانات Entities ،وأن هذه العمليات العقلية تعتمد على عمليات تجري في الدماغ.وهذا ما صار يطلق عليه بـ((فرضيات التبعية للدماغ)) Brain-Dependence Hypotheses .ومن بينها فرضية عالم النفس (وليم جيمس) (1842-1910)،القائلة أن العمليات العقلية التي هي نتاج للعمليات الدماغية،حال وجودها يمكن أن تمارس تأثيرها بطريقة تعزز أو تثبط العمليات الدماغية،وبذلك فإنها تمارس ما صار يسمى لاحقاً في المصطلحات النفسية بـ((التغذية الاسترجاعية)) Feedback.وفي خطوة أكثر تطوراً،تقدم العالم (برود) بنظرية المظهر الثنائي Double-Aspect Theory القائلة بالتخلي عن الافتراض بأن العمليات اما أن تكون جسمية أو أن تكون عقلية،واقترح بدلاً عن ذلك تصوره عن أن العمليات الدماغية يمكن أن تكون ذات خصائص جسمية وعقلية في آن معاً؛بمعنى أن لدينا سلسلة مفردة من العمليات الدماغية،يتسم معظمها بخصائص جسمية صرفة،غير أن جزءاً منها يتسم بخصائص عقلية أيضاً.

وفي العام 1933،أدى تطور تقنيات علم الأعصاب الى تحقيق اثباتات تجريبية لفرضية التبعية للدماغ،إذ اكتشف عالم الأعصاب (بنفيلد) بمحض المصادفة أن تنبيه مناطق معينة في الدماغ بالكهرباء تنبيهاً خفيفاً يحدث استرجاعاً فجائياً للذاكرة عند المريض الواعي.فعندما لامس القطب الكهربائي قشرة المخ لشاب مستيقظ،تذكر هذا الشاب أنه كان جالساً يشاهد لعبة بيسبول في مدينة صغيرة.وكذلك حالة مريضة أخرى سمعت آلات موسيقية تعزف لحناً من الألحان بمجرد أن لامس القطب الكهربائي منطقة معينة في دماغها.كما لاحظ بنفيلد أن ملامسة المنطقة الخاصة بالنطق في الدماغ تؤدي الى فقد مؤقت للقدرة على الكلام (حبسة) عند المريض.وقد استطاع بنفيلد بعد ذلك أن يرسم خارطة كاملة تبين مناطق الدماغ المسؤولة عن النطق والحركة والذاكرة والعواطف والحواس الداخلية والخارجية،غير أنه لم يكن في المستطاع تحديد موقع العقل أو الارادة في أي جزء من الدماغ.وهذا ما قاده الى العودة للتمسك بالنظرية الديكارتية الثنائية،بقوله: ((ان العقل البشري والارادة البشرية ليس لهما أعضاء بشرية)).

إلا أن التوجهات العلمية في عالم اليوم صارت تتخذ منحى آخر مغايراً للرؤية الديكارتية.فباستثناء المدرسة السلوكية التي ظهرت بصيغتها المتطرفة على يد (واطسون)         (1878 - 1958)م في أمريكا في عشرينات القرن الماضي وأنكرت وجود العقل كلياً في سعيها لإرساء علم نفس يشبه في قواعده أي فرع من العلوم الطبيعية،فإن معظم علماء الأعصاب والنفس يرون في هذه النظرية الثنائية قضية يصعب الدفاع عنها أوتقديم تفسير مقنع لها لأنها تنطوي على فكرة أن العقل ظاهرة لا يمكن قياسها.ولذلك ازدهرت البحوث التي تحاول اثبات امكانية قياس العقل بالمعايير المادية منذ خمسينات القرن العشرين.كما انضم عدد متزايد من العلماء في مجالات أخرى الى هذه البحوث،كاللغات والحاسوب والهندسة والفيزياء،الأمر الذي أدى الى ظهور نظريات جديدة حول العلاقة بين الدماغ والعقل،يتوقع أن تؤدي الى تغييرات جذرية في معالجة الأمراض العقلية وفي التأثير في الأسس التي قامت عليها الفلسفات التقليدية.

ويبدو أن علماء الأعصاب قد أصبحوا واثقين من أنهم سيتمكنون في آخر المطاف من تكوين صورة شاملة للدماغ عن طريق استحداث وسائل متقدمة لدراسة كيف يقوم الدماغ بمعالجة الاشارات عبر مجموعة كبيرة من الخلايا العصبية في آن واحد،الأمر الذي سيبين أن العمليات العقلية ما هي الا نتاج لنشاط الدماغ.كما أن هناك فريقاً آخر يرى أن أفضل طريقة للغوص في طبيعة العقل وفهمها هي من خلال وصفه بالتعبيرات ذاتها التي يستخدمها هو،أي الرموز.وفي هذا الصدد،يقول أحد الباحثين من جامعة (وتشيستر)،ممن وظفوا اسلوب عمل الحاسوب الالكتروني لفهم اسلوب عمل الدماغ: ((إن لدينا لأول مرة في التأريخ علاقة ملموسة مماثلة للعلاقة بين الدماغ والعقل،فبإمكاننا أن نتطلع الى الحاسوب وحزم البرامج المستخدمة في تشغيله كي نفهم كيف يمكن للعقول المكونة من جملة بنى مجردة لا حسية أن تقبع فوق الأدمغة المكونة من المادة))،إذ توصلت الدراسات الى أن الرموز التي يكونها الدماغ أثناء عمله وتلقيه للمنبهات الحسية،تولّد نشاطاً مادياً وفق الطريقة التي تنتظم بها أجزاؤه الداخلية،وهذا يقود بدوره الى انتاج رموز أخرى.وقد عبّر عن هذه الجدلية بين مادة الدماغ ونشاطه الوظيفي (أي العقل) عالم النفس (ريشارد طومسون) Richard Thompson بقوله: ((القدرات والعمليات السلوكية المعقدة،وكذلك الوعي لا توجد في أجزاء معينة من الأنسجة العصبية.إنها النتيجة النهائية للأنشطة المترابطة للدماغ البشري،الآلة الأكثر تعقيداُ في الكون،والآلة الوحيدة فيما يبدو التي حاولت دائماً أن تفهم نفسها)).

إن أساليب التفكير يمكن أن تقود الى أمراض معينة،فالمشاعر التي لا تتاح لها الفرصة للتعبير عن ذاتها قد تترجم الى اختلالات جسمية مختلفة كارتفاع ضغط الدم،فضلاً عن أن أي خلل يصيب الدماغ في مرحلة مبكرة أو متأخرة من حياة الفرد،لا بد أن ينسحب على قواه العقلية بهذه الدرجة أو تلك.كما أن نوعية وكمية المنبهات الاجتماعية والطبيعية التي يتعامل معها الجهازالعصبي للفرد خلال حياته،تسهم بشكل حاسم برسم خارطته العقلية بجوانبها الادراكية والانفعالية والقيمية،التي تعود بدورها لتؤثر في حالته الجسمية سلباً أو ايجاباً.لقد أصبحت هذه الأفكار من بديهيات علم النفس المعاصر،فكيف يتسنى للعقل بعد ذلك أن يكون كياناً منفصلاً ومستقلاً عن عمل الدماغ.إن السؤال الذي بات يطرحه علماء الأعصاب والنفس الفزيولوجي اليوم هو: كيف استطاعت المادة أن (تريد)؟وكيف استطاع البناء البيولوجي للإنسان أن (يفكر) و(يعقل) ذاته والعالم؟!

العقل والجسد يوجدان معاً في وحدة غير قابلة للانفصال،على الرغم من انهما قابلان للتمييز.فالانسان كائن مفكر،وصانع،فضلاً عن كونه كائنا عاقلاً يعي وجوده،ويستخدم دماغه بطريقة لا تلجأ اليها الحيوانات لكي يعيد بناء كامل بيئته المادية على هيئة حياة متحضرة.يقول المفكر(جون لويس) في كتابه(الانسان ذلك الكائن الفريد): ((العقل يعني أن الكائن العضوي يفكر،ولا تصدر عنه ردود فعل فقط كما يفعل فأر مختبر تجاه قطعة من الجبن)).

 

 


 

في سيكولوجية الأسرة

 (التوحد)  اضطراب نفسي  قد يصيب الأطفال منذ الولادة

عادل صادق جبوري

اضطراب((التوحد))Autism هو إعاقة متعلقة بالنمو النفسي،تظهر في العادة خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل.وهي تنتج عن اضطراب في الجهاز العصبي مما يؤثر في وظائف المخ.ويقدر انتشار هذا الاضطراب مع الأعراض السلوكية المصاحبة له بنسبة (1) من بين كل (500) شخص.وتزداد نسبة الاصابة بين الأولاد عن البنات بنسبة (1) الى (4).ولا يرتبط هذا الاضطراب بأي عوامل عرقية أو اجتماعية،حيث لم يثبت أن لعرق الشخص أو طبقته الاجتماعية أو حالته التعليمية أو المالية أية علاقة بالإصابة بالتوحد.

أعراض التوحد

غالباً لا يمكن ملاحظة أعراض التوحد بشكل واضح حتى سن (24 – 30)شهراً،والتي تتضح في الجوانب الآتية:

* الإعاقة اللغوية: يكون تطور اللغة لدى الطفل بطيئاً.وقد لا تتطوراطلاقاً،إذ يتم استخدام الكلمات بمعان غير معتادة،ويكون التواصل عن طريق الإشارات بدلاً من الكلمات.

* قصور التفاعل الاجتماعي: يبدي الطفل اهتماماً أقل بتكوين صداقات مع الآخرين،وتكون استجابته أقل للإشارات الاجتماعية،مثل الابتسامة أو النظر للعيون.

* المشكلات الحسية: استجابةغير معتادة للإحساسات الجسدية لدى الطفل،مثل أن يكون حساساً أكثر من المعتاد للمس،أو أن يكون أقل حساسية من المعتاد للألم أو النظر أو السمع أو الشم.

* مشكلات اللعب: هناك نقص في اللعب التلقائي أو الابتكاري،إذ لا يقلد الطفل حركات الآخرين ولا يحاول أن يبدأ في ممارسة ألعاب خيالية أو مبتكرة.

* الاضطرابات السلوكية: قد يكون الطفل نشطا أو حركاً أكثر من المعتاد،أو تكون حركته أقل من المعتاد مع وجود نوبات من السلوك غير السوي(كأن يعض أو يضرب رأسه في الحائط) دون سبب واضح.وقد يصر على الاحتفاظ بشيء ما أو التفكير في فكرة بعينها.وقد يظهر سلوكاً عنيفاً أو مؤذياً للذات.

تشخيص التوحد

يعد تشخيص مرض التوحد من المهمات السريرية المعقدة،لاسيما في الدول العربية حيث يقل عدد الأشخاص المهيئين بطريقة علمية لتشخيص التوحد مما يؤدي الى حصول خطأ في التشخيص أو تجاهل التوحد في المراحل المبكرة من حياة الطفل،الأمر الذي يقود الى صعوبة التدخل في أوقات لاحقة.ومما يزيد من صعوبة التشخيص أن العديد من أعراض السلوك التوحدي توجد أيضاً في اضطرابات أخرى.ولذلك ينبغي في الظروف المثالية أن يتم تقييم حالة الطفل بواسطة فريق متكامل يضم تخصصات مختلفة: اختصاصي أعصاب،واختصاصي نفسي،وطبيب أطفال متخصص في النمو،واختصاصي علاج أمراض النطق،واختصاصي تعليمي.كما تم تطوير بعض الاختبارات التي يمكن للمختصين استخدامها للوصول الى تشخيص صحيح للتوحد،ومن بين أشهر هذه الاختبارات CARS-Rating Scale Childhood Autism.

أسباب التوحد

لم  تتوصل البحوث العلمية الى نتيجة قطعية حول السبب المباشر للتوحد،على الرغم من أن أكثر البحوث تشير الى وجود عامل جيني ذي تأثير مباشر في الاصابة بهذا الاضطراب،حيث تزداد نسبة الاصابة بين التوائم المتطابقة (من بويضة واحدة) أكثر من التوائم الأخوية (من بويضتين مختلفتين).وقد أظهرت بعض صور الاشعة الحديثة وجود بعض العلامات غير الطبيعية في تركيبة المخ مع وجود اختلافات واضحة في المخيخ،بما في ذلك حجم المخ،وفي عدد نوع معين من الخلايا المسماة خلايا (بيركنجي).

علاج التوحد

ليست هناك طريقة علاج واحدة يمكن أن تنجح مع كل الأطفال المصابين بالتوحد.كما يمكن استخدام أجزاء من طرائق علاج مختلفة لعلاج الطفل الواحد.ومن بين هذه الطرائق (العلاج االسلوكي) الذي يقوم على أساس أنه يمكن التحكم بالسلوك بدراسة البيئة التي يقع فيها،والتحكم في العوامل المثيرة لهذا السلوك،حيث تتم مكافأة الطفل على ما يبدر منه من سلوك مرغوب فيه،ويتم عقابه أو حجب المكافأة عنه عندما يبدر منه ما هو غير مرغوب فيه.وهناك طريقة (فاست فورفورد)،وهي عبارة عن برنامج الكتروني يعمل بالحاسوب لتحسين المستوى اللغوي للطفل المصاب بالتوحد.كما توجد برامج علاجية تقدم تأهيلاً متكاملاً للطفل تتضمن برنامجاً تعليمياً لتلبية متطلباته في تيسير التواصل مع الآخرين وتحقيق تكامله الحسي.وقد أظهرت البحوث والدراسات أن معظم الأشخاص المصابين بالتوحد يستجيبون بشكل جيد للبرامج العلاجية،إذ تتطور مهاراتهم اللغوية وقدراتهم الحسية واتصالاتهم الاجتماعية،على أن تدار هذه البرامج من اختصاصيين مدربين بشكل جيد.كما يجب أن تكون طريقة العلاج مرنة تتغير بتغير حالة الطفل،وأن تعتمد على تشجيع الطفل وتحفيزه.ويجب تقييمها بشكل منظم من أجل محاولة الانتقال بها من البيت الى المدرسة الى المجتمع.كما ينبغي عدم اهمال دور الوالدين،وضرورة تدريبهما للمساعدة في البرنامج وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي لهما.

 

 


 

دعوة الى الباحثين النفسانيين

يسر الجمعية النفسية العراقية أن تدعو كافة المختصين بالعلوم النفسية،لنشر بحوثهم ودراساتهم في مجلتها العلمية المحكمة (المجلة النفسية العراقية) التي من المؤمل صدور العدد الأول منها قريباً.إن مشاركتكم في إصدار هذه المجلة،هو إسهام فاعل في تأصيل الثقافة النفسية في بلادنا،وفي ترصين قواعد المنهجية العلمية بوصفهاالمرجع الذي ينبغي أن تستند اليه أساليب تحليل وعلاج المشكلات الاجتماعية العميقة التي يعاني منها مجتمعنا.

ولغرض الحصول على شروط وقواعد النشر،تتم مراجعة المقر المؤقت للجمعية: ((مجمع باب المعظم/كلية الآداب-جامعة بغداد/مبنى وحدة الارشاد التربوي والنفسي))،أو المراسلة على عنوانها الالكتروني: iraqipa@hotmail.com

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة