عمارة وتشكيل

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في حوار مع الخزاف ماهر السامرائي ان اعمالي تحمل الارث الروحي لمدينة سامراء

حاوره/ خالدة حامد

يقول هانز كوبر أن السيراميك معني بتقطير الخبرة . ويمكن لنا أن نلمس مصداقية هذه المقولة حالما ندخل عالم الخزاف ماهر السامرائي ؛ فمع الجهد البارز الذي يبذله في أعماله ، تبدو هذه الاعمال كما لو أنها لم تمس ، وإن الطبيعة تركت بصماتها عليها . التصدعات والتشققات عند الجلد؛ السطح منتهك والتصديع ظاهر .. انه دال على معنى قوي يوحي بالتقدم ، ومن خلاله طور الفنان لغة قادرة على إثارة جملة من المضامين . تبدو تلك المعالجات أشبه بشبكه من العروق والأوردة في جلد العمل ، وقد يطال الحرق بعض أطراف العمل ليبدو كما لو انه مخطوط بانحناءاته والتواءاته …

له طريقة خاصة في التقنية ومنها يبدأ حوارنا:

* ألا يمكن القول إن عملك قائم على التجميع أو الإدماج طالما انه يتضمن عناصر عدة ؟

- من خلال عدة قطع خزفية يلاحظ المشاهد أن هناك وحدة وإنتاج العمل الخزفي تمتد من بداية السبعينات وحتى الآن . هذه الوحدة هي الأسلوب المميز لجل أعمالي الفنية حيث أن أغلب من كتبوا عن أعمالي الخزفية قالوا بذلك .

والمتتبع لأعمالي يرى ان هناك سلسلة تربط الأعمال سواء المبكرة في الإنتاج أو المتأخرة . الذي يميز أعمالي من فترة لأخرى هو التقنية مرة والتجريد العميق مرة أخرى . التجريد عندي عفوي فلم أكلف نفسي لكي أؤسس مدرسة في هذا العمق من التجريد أو الرجوع إلى الواقعية الرمزية أو حتى القصدية والطرح المباشر . المعاني خلف القطع الخزفية واضحة وان رسالتي في الخزف مقروءة للمشاهد .

الإمتاع للآخرين لم يكن هدفي بقدر ما أريد أن أكوِّن جداراً قوياً لخزفنا العراقي لكي يكوّن مع الآخرين  البناء المتين لمدرسة الخزف المحلية .

إن إدخال النحت أو الرسم على سطح العمل الفني هو إشباع رغبات وفي الوقت نفسه هي تأثيرات الزخارف الإسلامية " الأرابسك "حيث تعودت عيناي على مشاهدة هذا الكم الهائل من الزخارف وتشابكها وتعريقها كل هذا ترك الكثير في مخزون الذاكرة .هنالك أعمال لا تتحمل الإضافة على سطح العمل الفني حيث ان الشكل يجدد ذلك فالعمل الخزفي ينقسم إلى فخار ونحت فخاري  والاخير لا يتحمل ان يضاف إلى سطحه عناصر أخرى حيث ان الإضافة على السطح تربك العمل الخزفي .

* هل تسيطر على الظروف الفيزيائية والكيميائية عند الفخر ؟ بمعنى آخر كيف تحقق الموازنة بين السيطرة على العمل وحدوث اللامتوقع ؟ هل ثمة نزاع بين الاثنين ؟

- من خلال ثلاثين سنة ماضية في ممارسة الإنتاج الخزفي الفني تمكنت من مهنتي جداً إلى حد السيطرة على الألوان وملمس السطوح في الزجاج بمتناول يدي وتمكنت من تقنيات التلوين، واستخدم الأكاسيد في التلوين إلى درجة مقبولة جداً . هذا الفن الصعب أخذ جهداً كبيراً وصبراً قلما يوجد اختصاص يحتاج الى هذا الصبر. إن حدوث اللامتوقع هو حقيقة عند كل من يشتغل في هذا المجال حيث ان للفرن حصة في التغيير في دقة اللون والملمس وظروف الحرق لها حصة أيضاً ولكن الخبرة المتراكمة والذكاء له فعله . يبقى الفن ومناخه ـ طريقة الحرق وسلوك بعض أكاسيد الفلزات له فعله أيضاً . وتتناسب قلة التراكم عند الفنان بقلة الممارسة والعكس صحيح .

* ثمة فرق واضح بين داخل القطعة وخارجها ، كيف يتأتى ذلك ؟

- العمل الخزفي واضح للمشاهد وسهل الاستيعاب ولا مجال.. بل ولا نجاح لتحميل العمل الخزفي اكثر من طاقته، فعلى مر العصور نشاهد العمل الخزفي النفعي والتزييني جنباً إلى جنب . لكن .. في العقود الأربعة الأخيرة حدثت ثورة في عالم الخزف الفني الخالص  حيث نجد ان الخزف ومهرجانات عرضه الدولية دفعت مستوى الفن الخالص الى ان يقفز قفزات واسعة وان تكون له حظوة كالرسم والنحت، لقد مرّ فن الخزف بتطور واسع من شرق الصين واليابان إلى غرب الولايات المتحدة مروراً بأوربا حيث نجد المدرسة الشرقية (الصين واليابان) ثم المدرسة الأوربية بزعامة  المدرسة الإنكليزية ثم المدرسة الأمريكية بزعامة معهد اوتس للخزف .

* هل يمكن القول عن أعمالك إنها تطورية ، بمعنى إنها بدأت بأشكال محددة ثم أخذت تنمو بمراحل حتى وصلت إلى ما هي عليه الان؟

- تطور أسلوبي الفني في طرح أعمالي الخزفية كفن خالص لأني ومنذ أول ألاعمال المبكرة تناولت الفن الخالص، فلا نفعية في طرحي الفني ولا استعمالية في قطعي الخزفية. ان المشاهد لأعمالي يمكن ان يميز مدى التطور الحاصل في شكل وموضوع العمل الخزفي لو كان هناك الأسلوب المميز الذي ظل يحمل خصوصية الفنان.

لقد تناولت أشكالاً وكتلاً في أعمالي الفنية متفردة واستطعت ، بالتجريب الذي مارسته خلال العشرين سنة الأخيرة ، أن أفرز خزفاً فنياً متميزاً في الشرق الأوسط ومتفرداً . وهذه خطوة تضاف الى خطوات اختطها زملاء خزافون سبقنا بها أساتذة في هذا المجال خاصة سعد شاكر والمرحومة سهام السعودي وطارق إبراهيم وجيلنا الثري بهذا الفن مثل شنيار عبد الله واكرم ناجي وتركي حسين ونهى الراضي ومنى ناجي وبعدهم جاء قاسم نايف وجماعته .

* وما مصدر إلهامك الأول ؟

- المتتبع لأعمالي الفنية يلاحظ ان المتحف العراقي هو ملهمي الأول ولكن لا يختلف اثنان على إن البيئة الخصبة الثرية بالفن التي عشتها أيام الطفولة في سامراء وما حولها كان لها الأثر الأكبر في خلق هذا الثراء في الإنتاج . وان انعكاس المفردات العظيمة في هذا المدينة الثرية بتاريخها حيث المئذنة الملوية الكبيرة وجامعها وجمالية الطابوق الذي كوّنه الزمن وقصور خلفاء بني العباس حيث قصر المعشوق وقصر المعتصم وقصر الجوسق الخاقاني والأسوار العملاقة والبرك والحمامات التي تغنى بها البحتري ، اضافة إلى ذلك الضريح الجميل والقبة الذهبية الكبيرة لمرقد الإمام علي الهادي والقبة الخزفية المتناهية في الجمال والدقة التنفيذية لجامع سامراء الكبير وكثير من دوارس القصور العباسية وقبل هذا تل الصوان وشراؤه بالفخار المرسوم بالأكاسيد كل هذا له الأثر الكبير في إلهامي ودفعي لإنتاج الخزف الذي يحمل روح هذه البيضة .

* هل كان لسفرك إلى الولايات المتحدة ودراستك هناك أثر في عملك ؟

- نعم كان لسفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية ودراستي العليا واختلاطي بفنانين هناك والاطلاع على خزف الأمريكان أثر واضح في التقنية ولكن ليس في الجوهر . ففي أعمال معينة استخدمت الألوان في طينة الفخار قبل الحرق في الفرن والأكاسيد السود أو بلا زجاج وكانت هذه الأعمال بهذه الفترة فرصة لاستعراض تقنياتي التي تواصلت مع تجارب  دراستي في الولايات المتحدة . ففي عملي الذي يحمل عنوان العمر والزمن الذي أجسد فيه صياد سمك مات من الشيخوخة والتعب من الصيد بنوع خاص من الشبك . أنا وثقت الحادثة بهذا العمل الذي يحوي ساعة وعقاربها المكسرة ويدي الصياد اللتين تتحركان نحو السقوط عن قلبه. وكذلك عملي " السمكة المأكولة التي تعبر عن قسوة السلطة أو البيئة . وعملي الآخر " السمكة مقفولة الفم " حيث جسدت فيه سمكة من نوع الشبوط الذي يعجبني بسبب سرعته الشديدة وصعوبة صيده وحذره . أغلقت فمها بقفل تعبيراً عما كان يدور بخلد الفنان الذي شبهته بسمكة مقفولة الفم . وأخيراً تلاحظين عملي الذي أسميته " طائر لم يُذبح بعد " وهو عمل تجريدي .

* هل معيارك في الحكم على دقة الخزفة هو اللمس والنظر والحدس أم التحليل المنطقي؟

- الحكم على العمل الخزفي الناجح هو الشكل واللون، فالطرح الخزفي الذي يثير عندي المتعة هو العمل الذي لم أكن قد رأيته سابقاً ويحمل تقنيات متميزة ونضجاً لونياً بتقنيات لونية محترفة . العمل الفني يجب أن يكون وراءه فنان ؛ فالجرادة لا تنتج عسلاً .

* كيف تصنف أعمالك ، تاريخية الطابع أم حديثة ؟

- أنا أصنف أعمالي بالحداثة المتناهية في الشكل وتحمل روح التاريخ العربي الإسلامي مفعمة بتاريخ بلاد الرافدين .

* وكيف تنظر اليها؟

- أنظر إلى أعمالي بوصفها الركيزة الأساسية للخزف العراقي ما بعد الرواد . وإن كثيراً من النقاد يطلقون على أعمالي تسمية الـ" مدرسة " . لكني اعتبر أعمالي طابوقة في جدار الخزف الشرق أوسطي . لقد أضفت الى الخزف تقنيات خاصة زادت من ثراء العمل الخزفي حيث اللون الذي يحمل العتق والشكل الذي يحمل المعاصرة والنحت والرسم . إن خزفي هو فن خالص وأسلوبي متفرد . فن السيراميك مربوط بخيط رفيع جداً بالحرفة ؛ وبين السيراميك التطبيقي والفني خيط آخر، فلا يوجد خزف فني ما لم يوجد فنان خزاف وراءه .

* وهل ثمة صلة قربى إبداعية بأساتذة مثل سعد شاكر أو طارق إبراهيم ؟

- إن فن الأستاذ سعد شاكر يمتعني كثيراً والتزم كثيراً بمتابعة إنتاجه وأعماله عالية المستوى وهناك خصوصية بأعماله خاصة في الآونة الأخيرة وهو في رأيي متفرد في معاصرته في الطرح ومتفرد في خصوصية ألوانه . ولا توجد صلة بين أعمالي وأعماله  حيث أني أميل إلى إظهار خصوصية الطين كثيراً ومتشبث بيئي المحلية. أما طارق إبراهيم فله خصوصيته وألوانه الجميلة ولا نلتقي في أساليبنا وطروحاتنا ولكن هذا الاختلاف له إيجابية كبيرة للخزف العراقي المعاصر . أنا أتناغم مع خزف اكرم ناجي اكثر لأني من جيل اكرم واختلاطي به واسع جداً .


ما بعد الحرب...

المعرض الشخصي للنحات (علي رسن)رغبت بإبلاغ الفنانين والمثقفين لكي يعملوا من اجل العراق

قدم النحات "علي رسن 963" تجربته الفنية النحتية منذ التسعينيات، التي اظهرته كأحد الفنانين المجددين، والمكرسين في المشهد التشكيلي المعاصر، شارك في المعارض الجماعية للفن العراقي في الداخل والخارج "عمان وقطر ودمشق وبيروت". كما حاز على العديد من الجوائز الفنية. التقه (المدى) للحوار بشأن معرضه الشخصي الثاني والذي أقيم في قاعة "حوار".

لماذا هذه الوجوه التي استعارت شكل القناع في جميع اعمالك؟

بعد أشهر من الاحتلال، لم يكن بمقدوري مزاولة النحت بسبب غياب الدافع لممارسة العمل الفني، كنت مهموماً بمتابعة الاخبار الملتبسة كما كنت ارى بمرارة القتل العشوائي للانسان العراقي وتهديم ممتلكاته، واستمع إلى تلك الحكايات عن سرقة المتاحف.

كانت القاعات الفنية مغلقة، والوسط الفني منكفئاً، تساءلت حينها، ماذا عليّ ان افعل، هل انحت عمارات متحرقة وشوارع مخربة ومتاحف منهوبة، ودبابات وجنود احتلال؟

ولكني ادركت ان "الوجه البشري" هو القيمة التعبيرية الشاملة، للدلالة على ما يحدث.

لذا انجزت "32" عملاً نحتياً، وكانت بصفة الاقنعه، انها تمثل وجوهاً عراقية شوهتها آلة الحرب، ووجوه اشخاص ارعبها دوي انفجار بالقرب منها، وجوهاً لجنود الاحتلال، وكذلك وجوه مشوهة تعرض على شاشات التلفاز نتيجة القصف بالطائرات، ووجه ذاك العراقي الذي ألبس كيساً وتعرض للتحقيق بواسطة كلاب مدربة. نحت وجوه اشخاص اعرفهم، ولكني لا اعرف ما تحمل في داخلها،.. ربما سوف اكتشف ذلك مستقبلاً.

*هل تجد ان معرضك هذا، يدعو باتجاه موقف منا؟

-نعم، انه يمثل بالنسبة لي رفضاً للاحتلال، رفضاً للدمار الذي اصاب بلدي، رفضاً لتلك الشعارات الزائفة، رفضاً لتلك الافكار التي لا تحمل اية معنى لحرية الانسان وحقه في الوجود وحرية الوطن ايضاً، وهو ايضاً رسالة إلى العالم الحر، لابلاغهم عمل حصل من تدمير للعراق وقتل للانسان العراقي، وأخيراً رغبت في ان اخبر اصدقائي من الفنانين والمثقفين على العمل بصدق من اجل العراق.

افترض ان هذا المعرض قد لاقى اصداء جيدة من قبل الفنانين والمثقفين، ووكالات الانباء وقنوات التلفزة، وقد عرضت العديد من الاعمال المعروضة على مواقع مختلفة للانترنيت.

*نفذت جميع اعمال المعرض من مادة البرونز، هل تجدها مادة ملائمة لجميع هذه الافكار؟

-المرحلة الاولى التي نفذت بها الاعمال كانت من مادة الطين، الذي اجدني في شديد الارتباط بها، كونها المادة الاولى التي تعاملت معها حينما بدأت ممارسة النحت، كما انها المادة الوحيدة التي لازمتني طوال حياتي، اذ اراها عالقة دائماً في ملابسي واناملي منذ طفولتي، بعدها تم صب هذه الاعمال بمادة البرونز، كونها تمنح ديمومة العمل الفني، وكما تعلم انها مادة تم استخدامها منذ زمن طويل، اضافة لذلك تراتي اجدها اكثر طواعية للحفاظ على النتائج الفنية والتعبيرية التي توصلت اليها بالمادة الاولية "الطين"، حيث استطيع معها مشاهدة حتى آثار اناملي على العمل المنجز.

اجد ان المعرض هو اضافة متقدمة في مسيرتي الفنية، وهذا الرأي اخبرني به العديد من الفنانين والنقاد وحتى جمهور المتلقين، ولكني اشعر يأسف لعدم حضور اساتذة الفن في كلية الفنون، حينما كنت طالباً فيها، كان استاذي الراحل "اسماعيل فتاح الترك" يلقي المحاضرة التدريسية كي يذهب بنا لمشاهدة المعارض الفنية، كون هذه الممارسة في نظره اكثر اهمية من المحاضرة ذاتها".

فيما تحدث الفنان قاسم السبتي صاحب قاعة "حواء" عن هذا المعرض قائلاً: "حينما تم الاتفاق مع الفنان "علي رسن" لتنظيم المعرض، كان الامر اشبه بمغامرة قد تذهب ادراج الريح، خشية عدم الانتباهة لها. فالظروف السائدة كفيلة بأفشال أي مشروع فني، فكيف الامر بمعرض للنحت يحمل هذا القدر الكبير من التجريب.

اجد ان هذا المعرض، وثيقة عن زمن ما بعد الاحتلال، لقد كانت المنحوتات قد نفذت بصيغة "الاقنعة". واعتبر ان تجربة كهذه بمثابة رسالة تدعو إلى مواجهة الشرور التي تحيط بنا. حيث استعرضت ايضاً وجوه الاحتلال من اللحظة التي ارتسمت عليها باتجاه ايذاء الانسان العراقي وقتله.

لقد كانت تجربة لمعرض متميز انجزه نحات ماهر.


علي عبد الجليل هاجس العاطفة والانسان

حامد الهيتي

يمكن للمرء في اكثر من حالة يعتريها فعل  الدهشة، وامام عمل فني يمتلك صدقه ورؤيته وابعاده ان يستشف ارتكاز عالم الفنان الذي خلق ذلك بكل جهده ومثابرته وابداعه بالدرجة الاساس على ما يوحي لهذا الفنان من انفعالات غامضة ومن تأثره بالمرئيات الاخرى للحياة والخاصيات الاخرى التي تحيط عالمه الغريب.

من هنا تبدأ عملية الخلق.. من هنا تبدأ عملية بحث الفنان المضنية عن كل ما يمكن ان يجلب فعل الدهشة..

هذا الاحساس يضعنا امام الانطباعات الاولى التي تولدها اعمال الفنان التشكيلي العراقي: (علي عبد الجليل)لدى الملتقى في اعطاء احكامه النقدية، ان هذا الاحساس يعكس كم كان ولم يزل مديناً للمدارس الحديثة لفن الرسم وعالمه الجميل.. (الصعب المراس في ذات الوقت..

من الممكن النظر في اعمال (علي عبد الجليل) من جانبين مختلفين تماماً.. الجانب الذي تحققت فيه مسألة الاصرار على تناول موضوعة الغموض والقدرة على طرح الموضوع بهيئته التي اصر على ان تكون ذات مساس مباشر بعالم الجمال الحسي، وانقياد الفنان لموضوع التناول الشكلي..

منذ بداية الفترة التي إحتظنها (علي عبد الجليل) لنفسه، يجد المتتبع لاعماله اتجاهه تدريجياً نحو عالم التجريد، او هذا الميل الذي سوف يزداد قوة ورسوخاً خلال تطوره الفني اللاحق.. لقد ظل يحاول دائماً ان يتجاوز نفسه في اعماله.. ظل ينظم وعيه ضمن حدود واشتراطات خاصة ومتقلبة حتى وصل اخيراً إلى مرحلة النضج الفني الواعي..

ان اعماله الحاضرة تطرح نفسها تماماً بمعزل عن اعماله الاولى السابقة.. ففي هذه الاعمال نرى تعميق العذابات والهموم في اللون والموضوع ليس الا لعرض وجهه على الاخرين الذي يكتفي برسمه في حياد تام.

صور.. لوحات.. مساحات لونية متشابكة بين الظل والنور، تحمل اوجه الحياة  وديمومة الوجد وكذلك انتباهة اليقظة، لوحات مكتظة بالروح، الصورة هنا تاريخ محبة للبشر وتوهج فريد من نوع خاص باللوحة، يؤرخ نبض الحياة واشراقاتها البهية، ولتحمل كل شيء جميل ومتحرك وتلقائي وغير مشوه او زائف في الكون؟ ماذا يقول المرء في نموذج الانسان العاشق لكل الاشياء النبيلة المستطابة.. التي تستطيع تمنحنا ضوءها السرمدي الخالد

فاللوحة عند الفنان هي نوع من التأمل يعكس موقفه من الانسان!

وعبر اعمدة الضوء المحصورة فوق هالة سوداء خفيفة في لوحة (علي عبد الجليل) يمكن استثمار  الضوء والظل لتكريس حالة من حالات الزهو الانساني الرصين حيث تتشكل اللوحة من مجموعة اعمدة تفصلها مساحات متوازية مضاءة هي عالم الوحدة الشعرية في اللوحة فالاحساس بالرصانة يستكشف ويصبح شكلاً آخر لهذا التجانس القائم بين الخطوط وتشابكاتها المختلفة وقد يتحول إلى حركة غامضة غير مكتشفة.

الشناشيل بهيئتها العراقية الاجسام المغلفة بضوء خفيف وهي تتحرك إلى الامام لتكسر الحاضر المستمر، انه حضور دائم بالخطوط والتدرجات المحصورة بين الظل والنور متأت من اختراق الخطوط الافقية والعمودية لأطراق اللوحة وباقي اجزائها والمحكومة دائماً بهاجسها العاطفي.

ان المزج بين صيغ تشكيل مادة الرسم وبين الانطباعات الشعرية العذبة التي تمتلك ابداً خصوصيتها المتفردة وعذوبتها هي محاولة لخلق تلك الوحدة المتماسكة بين الحالة الشعرية وبين مضمون اللوحة وفحواها، لإيجاد الرابطة بين الشعر والرسم من خلال وحدة الفعل المشترك.

اننا وامام اشراقات لوحات الفنان (علي عبد الجليل) محاولة للسفر معاً في رحلة قطباها الانسان والكون.

 

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة