هيئة التحرير
كنا نأمل أن يسبق مؤتمر شرم الشيخ مؤتمر موسع للمصالحة
الوطنية، تؤكد فيه جميع القوى السياسية على الثوابت الوطنية
العامة، منها اقامة انتخابات حرة ينبثق عنها برلمان قوي يضع
دستوراً دائماً للبلاد، ويضع اللبنات الاساسية لبناء دولة
وطنية ديمقراطية فدرالية تحقق السيادة الوطنية.
هذا الأمل لم يتحقق مثل الكثير من الاشياء التي املنا فيها
وأكدنا عليها. وقد عقد المؤتمر في ظل ظروف عراقية صعبة تضغط
عليه، كما يضغط عليه التوقيت الغريب جداً للانتخابات القادمة
الذي رأى فيه البعض أمراً لا يقبل التأجيل.
-إن احد المشكلات الاساسية في الوضع السياسي العراقي ليست
مشكلة الأمن العاجلة والمباشرة، بل كيف تحل هذه المشكلة على
اساس من مشروع وطني للمصالحة، فمشروع كهذا وحده قادر على عزل
الارهاب وتوضيح معالم القوى السياسية، ليس بوصفها جماعات
سياسية وحسب، بل جماعات اجتماعية معترف بأنها تمثل مصالح
ولها برامج محددة، إلا أن العملية السياسية التي جرت في
بلدنا جاءت من البداية وهي تحمل الكثير من الانقسامات التي
لم يجر رؤيتها جيداً ولم تفحص على نحو يعيد تقييم المسيرة
السياسية عبّر مؤتمر شرم الشيخ عن توازن للقوى محاصرة بين
الضغوط والتردد والانتظار وألاعيب السياسة التي لم تفتح
مغاليقها بعد أو لا نعرف أفقها تماماً. ويجب الاعتراف أن
العراق كان في هذا المؤتمر موضوعاً للبحث أكثر مما هو لاعب
قوي، ونحن نعتقد أن مرحلة ما بعد هذا المؤتمر تعتبر ثمينة
جداً على نحو يجب عدم تركها للمصادفات والاخطاء السياسية
السابقة، إذ لابد للقوى السياسية بالتعاون مع الحكومة
المؤقتة أن تركز اهتمامها على الوضع الداخلي، وقبل كل شيء
على ترسيخ الوحدة الوطنية بواسطة خلق اجواء من المساومة
السياسية الاجتماعية القابلة للحياة والتطور وفتحها على افق
بناء دولة عراقية ديمقراطية مستقلة.
ومن المؤكد أن هذا الطريق إذ يؤكد على السلوك الديمقراطي في
الحوار والعمل يستطيع في الوقت نفسه السماح للمعارضة أن
تتكون وهي مطمئنة على مستقبلها السياسي، فضلاً عن عزل
الارهاب سياسياً وثقافياً واجتماعياً
على اساس من المصالح الوطنية العليا. لقد رأينا دائماً وجود
نقص في تحليل الوضع العراقي المعقد لمصلحة توزيع سياسي مثله
مجلس الحكم واستمر هذا التوزيع حتى الآن.
من المؤكد ان العراق يحتاج الآخرين في بناء دولته الجديدة
ومشروعه الديمقراطي، ونقصد بالآخرين الاشقاء العرب، ودول
الجوار الاقليمي، والدول الكبرى وعلى رأسها الولايات
المتحدة، إلا أن العراق يحتاج قبل كل شيء إلى نفسه، إلى
وحدته الداخلية، إلى تماسكه الداخلي، إلى قواه كلها، لعبور
محنة الاحتلال، وبناء وحدة وطنية كاملة. فبهذا الطريق يصبح
بالامكان مخاطبة الآخرين من موقع قوي يحظى بالاعتراف من
الحلفاء والاعداء والمترددين.
|