استراحة المدى

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

اضاءة : الناخب العراقي

علي حسين عبيد

ليس ثمة شيء جديد في الرأي الذي يذهب الى ان الانتخابات السياسية الناجحة هي المعيار الاول لمعرفة مدى تقدم شعب عن غيره من الشعوب، فبقدر نزاهة هذه الانتخابات وشفافيتها تحسب درجة هذا الشعب في الرقي والانتماء لحضارة العصر التي يفترض بها (وكما يشاع عنها) ان تحترم الانسان وتضعه في المرتبة الاكى دائماً.

وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية جرب الناخب العراقي ضرباً من طقوس الانتخابات التي لا تمت بصلة لمعنى واجراءات هذه المفردة المقدسة لدى الشعوب الواعية، ولم يفهم فحواها او اهميتها وقداستها بسبب ما تعرض له من قهر وقمع واجبارٍ على اختيار ما يقف ضد خياراته الحقيقية. لذلك لم يعِ الناخب العراقي سوى الشكل الخارجي لفعالية الانتخابات وهدفها المفبرك (سلفاً ابان) النظام السابق، بحيث ان كلمة (نعم) وعلامة الـ (صح) هما الخياران الوحيدان المسموحان في بطاقة الانتخاب. وكانت النتائج معروفة قبل فرز الاصوات بل حتى قبل بدء الانتخاب حيث النسبة المئوية الشهيرة التي تكون بين 100% و 99.96 % من مجموع الناخبين.

ولن نخوض في الاسباب التي طبعت تلك الانتخابات بهذا الطابع، فهي معروفة للجميع، لكن سنؤثر فقط ما تهم الاشارة اليه وهي سيطرة الحزب الواحد على كل مرافق الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها. والآن بعد ان قوِّضت سطوة الحزب الاوحد.. نتساءل .. ما الذي يجب عمله من الآن، على الناخب العراقي؟ هل يتنازل عن حقه بإهماله المعيار الذي ينسبه الى حضارة الانسان الحق وهل يعيد الكرة ويهمل حقه الصادق في الاختيار وهل يعمل  على تكريس سلطة الحزب الواحد او يعاون على ترويج الدكتاتورية ومفاهيمها وتوجهاتها ولا يبالي بخطورة دمج السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في يدٍ واحدة؟

ان الصلة بين التعددية الحزبية والانتخابات قوية جداً وان الطريق الى نبذ العنف السياسي والانقلابات العسكرية هو طريق صناديق الاقتراع.

ولذلك فإن مهمة الناخب العراقي تتحدد بفهمه مسؤولياته الجسام ازاء نفسه وعليه ان يعي فرصته الجديدة ويستنفذها في اختيار من يمثله فعلاً لأن هذه الفرصة لا تتعلق بالكبار وحاضرهم فحسب، بل ما هي الا مرحلة تأسيسية لديمقراطية عصرية تكفل الحياة الحرة المرفهة لنا ولأطفالنا في الراهن والمستقبل.


بين قوسين: الطريق الى الكتابة!!

علي دنيف حسن

اعترف بأني ضربت اخماساً بأسداس حين لم تنشر لي الصحف كتاباتي الاولى قبل عقدين من الزمن. حتى اني تصورت ان المحررين في تلك الصحف يناصبونني العداء. وان كتاباتي هي افضل من كتاباتهم، واني الوحيد الذي املك قلماً رشيقاً قادراً على السباحة في محيط الافكار والكلمات. كما اني تصورت ايضاً ان النشر في الصحف يعتمد على جانب الصداقة فقط. ووفقاً لهذا التصور ارسلت كتاباتي بيد الكثير من اصدقائي الذين كانوا يعملون في تلك الصحف في ذلك الوقت.

ولكن هؤلاء الاصدقاء اعادوا اليّ هذه الكتابات وهم يقولون لي بأنها غير صالحة للنشر ايضاً. وازدادت تصوراتي وهماً وعنفاً، حتى اني اعتقدت وبشكل جازم أن اسمي قد وزع على جميع الصحف ومن جهة مجهولة تطلب فيها عدم نشر كتاباتي مهما كانت درجتها الابداعية.

وبعد اكثر من عشر سنوات، وحين وقع في يدي عن طريق المصادفة ملف عتيق احتفظ فيه بكتاباتي الاولى، ادركت وبشكل قاطع لا يقبل الجدل أن تلك الكتابات كانت مملوءة بعشرات الاخطاء، وانها كتابات فطرية بائسة لا تملك مقومات النشر لهشاشتها وبلادة طروحاتها وضيق آفاقها ان كانت لها آفاق معينة.

وعندها فقط عرفت كم كانت تصوراتي غير صحيحة في ذلك الوقت. وان غضبي وتحاملي كان في غير محله. ويبدو ان الكثير ممن يرسلون اعمالهم الكتابية الى الصحف في هذه الايام لغرض النشر يعانون فورة غضب عارمة تماثل فورة غضبي تلك. اذ ان غالبية هؤلاء الاخوة والاصدقاء غير راضين مطلقاً عن عدم نشر كتاباتهم في زحمة عالم الكتابة اليوم. ومازال هؤلاء الاخوة يرسلون كتاباتهم بأيدي الكثير من الاصدقاء، متصورين ان هؤلاء الاصدقاء قادرون على نشر كتاباتهم قسراً، متناسين أن الاعمال الجيدة لها القدرة المدهشة على نشر نفسها بنفسها، وان الكثير من المحررين المخلصين لعملهم المهني في الصفحات الثقافية وغيرها من الصفحات الاخرى يزدادون فرحاً ونشوة حين تصل اليهم كتابات عالية الجودة. وان هؤلاء المحررين سينشرون هذه الكتابات تباعاً وحسب اهميتها واهمية الظروف الفنية المتعلقة بتلك الكتابات اضافة الى الظروف الخاصة بالصفحة نفسها.

وكل ما علينا ادراكه هو ان طريق الكتابة ليس طريقاً محفوفاً بالزهور ابداً. وان الكتاب المشهورين لم يصلوا الى اوج عطائهم الابداعي الا بشق الانفس وبذل الغالي والنفيس. وان هؤلاء قد عانوا عدم نشر كتاباتهم في بداية حياتهم الادبية الكثير. نذكر منهم على سبيل المثال (آرنست همنغواي) و (ادغار الن بو) و (اجاثا كريستي) التي كتبت في بداية حياتها الادبية الكثير من القصص الفاشلة التي لم ينشرها امد لها. واعيد كذلك الكثير من كتابات (همنغواي) و (بو) اليهم وهي مذيلة بإعتذار الصحف عن نشرها. ولكن هؤلاء وغيرهم استطاعوا ان يصبحوا كتاباً يشار لهم بالبنان بالكثير من الجهد والاصرار.

حتى ان الصحف ودور النشر كانت تتعاقد معهم على نشر اعمالهم التي لم يكتبوها بعد. واستناداً لما تقدم فإن طريق الكتابة هو طريق طويل تكتنفه الصعوبات من كل الجهات. وانه يحتاج اولاً الى القليل من الغضب والكثير من الجهد والاصرار.


المكتبة المركزية في الرمادي توصد ابوابها

احمد عبد القادر

في السبعينيات من القرن الماضي، كانت هنالك بنايةٌ جميلة مكتوبٌ على واجهتها (المكتبة المركزية في الرمادي) يدخل اليها افرادٌ من مختلف الاعمار والاجناس، يقف على بابها حارسٌ في منتصف العمر تبين على ملامحه الطيبة والوقار. كنّا يومها طلاباً في المتوسطة، كان هاجس المعرفة مسيطراً على اكثرنا، فقراءة الكتب الخارجية اي غير المدرسية، حلمٌ يراودنا، لكن من اي السبل نستطيع الحصول عليها؟ فما عدا بعض القصص الشعبية المطبوعة بشكل سيء على ورق رخيص لم تكن بمتناول ايدينا كتب اخرى. كانت قصص عنترة والسندباد البحري، والميّاسة والمقداد الكندي والحمّال والسبع بنات تباع في مكتبة اهلية يملكها شيخ في السبعين من عمره، كان سعر الكتاب خمسين فلساً وهو مبلغ كبير على امثالنا فكنّا حريصين على اقتطاع من مصروفنا اليومي من اجل شراء قصّة نذهب بها فرحين الى بيوتنا، لنقضي ساعاتٍ ممتعة معها، نقوم بإعارتها الى احد الاصدقاء الذي يفعل المثل حال شرائه احدى القصص.

في المتوسطة، كان مدرس اللغة العربية (الاستاذ ماهر) ذا باع طويل في الادب، كان يحدثنا عن قصص وروايات ومؤلفين لم نسمع بهم من قبل. جبران خليل جبران، محمد عبد الحليم عبد الله، نجيب محفوظ، حين سألناه: كيف نحصل على هذه الكتب اجاب: ان المكتبة العامة فيها الآلاف من الاصناف، وتستطيعون استعارة ما يحلو لكم منها وغداً سوف نذهب معاً لتتعلّموا كيفية الاستعارة وبعدها يستطيع اي منكم ان يذهب وحده او مع اصدقائه للقراءة او الاستعارة.

دخلنا المكتبة فإذا بآلاف الكتب وعشرات المجلات والجرائد، قاعة المطالعة هادئة مضاءة بعشرات المصابيح الكهربائية، برّاد الماء في مدخل القاعة، الموظفون على درجة عالية من الكياسة وحسن التعامل، مدير المكتبة رجلٌ حازم يدير مملكته بثبات ولا يسمح لأحد ان يخرق قانون الهدوء واحترام الآخرين.

كان فهرست الكتب يضم الآلاف منها مرتبة بطريقة فنية فما ان يسجل طالب الكتاب رقمه ويأخذه الى الموظف المسؤول عن تسليمه حتى يخرجه بدقائق معدودة، في هذه المكتبة قرأنا المئات من الكتب، ادبٍ حديثٍ مترجمٍ، روايات دواوين شعر لشعراء على مرّ العصور من امرئ القيس الى السياب، كانت الامور تجري بدقة ونادراً ما كان الكتاب يفقد بعد استعارته. فالعناوين مثبتة في دفاتر الاستعارة، وامين المكتبة مستعد لإرسال تبليغ عن طريق الشرطة الى من تسول له نفسه سرقة كتاب.

استمرت الامور هكذا الى بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث حَلّ في المكتبة موظفون غير جديرين بإدارتها. بدأت الكتب الثمينة تتسرب، عمّت الفوضى قاعة المطالعة. بدأت الارضة تنخر الجدران، الكراسي تحطمت ارجلها. برّاد الماء ركامٌ من الحديد الصدئ كثيراً ما كنت الج المكتبة باحثاً عن كتاب كنت قد قرأته بالامس فيكون الجواب انه مفقود حتى الكتب التي لاتزال على رفوف المكتبة، تمزقت جلودها نتيجة الاهمال، وغطى التراب اوراقها.

كل هذا لا يقاس بما آلت اليه الامور بعد سقوط النظام وعموم الفوضى من نهب وحرق ودمار، فقد اقتحم اللصوص بناية المكتبة ونهبوا اغلب ما تبقى فيها، ليست رغبة في الافادة من هذه الكتب، انما ظناً انها يمكن ان تباع بأثمان عالية. هكذا اصبح هذا الصرح الثقافي الذي كان يوماً موئلاً عظيماً لطالبي المعرفة، خاوياً على عروشه، وكلّ ما تبقى منه جدران منزوعة الطلاء، وكتب عديمة النفع، كمؤلفات القائد وتنظيرات رفاقه التي لم يطمع احد بسرقتها، فحتى اللصوص ينأون بأنفسهم عن سرقة هذه التفاهات.

حين يمر الانسان من امام هذه المكتبة يراها موصدة الابواب جدرانها مثقوبة بالرصاص لكثر ما دارت امامها من المعارك، فهل يا ترى تقوم من رمادها ثانية مكتبة الرمادي المركزية ام يلفّها الخراب مثل معالم المدينة الاخرى؟


الغريب والعجيب عند الاطباء

احمد مهدي الصالح

عندما تفحصته وجدته الذروة في المعقد الصعب، والمضيء في البديع المدهش خرائط عن بدايات لا تعد بنهايات جيوش من علماء تجوب الفسيولوجي واخرى تتورط في البايولوجي ومثلهما اخرى تصل الى السايكولوجي.

و (لوجي) هذا يواصل جهده في التقدم لاكتشاف مواقع بكر في الثنائي بين الروح والجسد. وهو (لوجي) عندما تحدث قال:  ان غراماً واحداً من جسم الانسان يحتوي على تسعين الف مليون مليون مليون ذرة. بمعنى اذا اراد الفرد ان يحسب ويعد ذرات جسمه بإفتراض انه يستطيع عدّ الف وزة في الدقيقة الواحدة، فإنه يحتاج الى (17) الف مليون مليون سنة. دون .. توقف كذلك فإن هذا الـ (لوجي) هو الذي اخبرنا ان في دماغ الانسان (13) مليار خلية عصبية وفي جدار المعدة (35) مليون غدة معوية تفرز العصارة. وبمقدار ما يذهب العلم الى حيث الكشف والاتضاح يذهب الجهل الى حيث الظلمة والخراب، وهذه المعادلة تخرج دائماً من بين اصابع الطبيب ومشرطه الفاعل داخل صالة الاضواء الفاضحة (العمليات) محروسة من دون تردد بـ (النيدل هوردر) و (البليد) و (الآرتري) و (الردكتر) و (السوجرز) و (البنس) وكلها تعمل بإمرة (السيرجي نايف) او ما نسميه (المشرط الجراح) فما حكاية الرجل الذي ابتلع (68) اطلاقة و (29) (برغياً) (21) مسماراً هي مع مسند مرآة ولم يمت!!

يقول الطبيب الجراح (علي صيهود الربيعي) الاختصاصي في مستشفى بعقوبة العام.

- سبق ان راجعني مريض يبلغ من العمر (32) عاماً وهو يشكو من آلاماً في اعلى البطن، وبعد اجراء الفحص السريري احسست بوجود ورم مع انتفاخ قمت على اثرها بإحالة المريض الى الفحص الشعاعي فتبين وجود اجسام غريبة متعددة مما ادى الى انسداد بوابة المعدة مما اضطرني الى اجراء عملية فتح البطن تحت التخدير العام ومن ثم فتح المعدة لافاجأ بهذا الكم الهائل من بضاعة (سوق الجمعة) (68) اطلاقة مختلفة العيار مع مسند مرآة و (29) (برغياً) و (21) مسماراً وكلها مختلفة الاحجام.

حيث قمت بإستخراجها جميعاً وذلك بعد قيام المصاب بإرتكاب فعلته تلك بـ (17) ساعة.

* ولماذا ارتكب المريض هذا الفعل؟

- محاولاً الانتحار.

* وماذا كان سيحدث لو لم تجر العملية؟

- يستطيع ان يعيش - بافضل تقدير- لمدة ثلاثة ايام وبعدها ستكون نتائج هذا الفعل الجفاف والصدمة الوعائية و(هبوط ضغط الدم) والتسمم وشلل المعدة التام مع شلل الامعاء ومن ثم الموت حتماً.

* وسبب مثل هذه الحالات؟

- السبب نفسي خاصة عند النساء.

* وهل صادفتك حالات اخرى؟

- مرة راجعني فتى يبلغ من العمر (13) عاماً ويعمل بقالاً بعربة، كان يشكو انتفاخاً في اعلى البطن يسبب له آلاماً مؤرقة فأجريت له الفحص السريري والسونار فلاحظت وجود كيس كبير يبلغ حجمه ضعف حجم كرة القدم. وهنا ترتب عليّ اجراء عملية فتح البطن الاستكشافي وتحت التخدير العام لأجد كيساً كبيراً ضاغطاً على الوريد الاجوف الاسفل البطني وبمساندة ست قناني دم وبحدود ساعتين ونصف الساعة تمكنت مع فريق العمل من رفع الكيس لنجد في داخله (2.5 كغم) من مادة جيلاتينية تشبه معجون الاسنان وثدي امرأة بحلمة وعظام متعددة واربعة اسنان وضفيرة بطول (5 سم).

* ومن اين كل هذه العجائب؟

- تتشكل من ثلاث طبقات هي (الميزوديرم) وتنتج الكارتلج والعضلات الملس و (اندوديرم) وتنتج مكونات الجهاز التنفسي و (الادكتوديرم) وتحتوي على خلايا مكعبة. فهي اذن خلايا متعددة الطاقة تتشكل من الجنين، ومن النادر، ان تكون خبيثة ولكن سوء التغذية يعمل على اظهارها.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة