مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

المخاوف والاعراف القديمة تموت بصعوبة في اوكرانيا

بقلم- سايمون تسيدال

مترجمة عن الغارديان

ترجمة: احسان عبد الهادي

 

كانت الاولوية في الانتخبات الرئاسية الاوكرانية للعديد من المصوتين للمواضيع الاقتصادية مثل مستوى المعيشة والاجور، فما زالت الرواتب الشهرية للسكان البالغ تعدادهم 48 مليوناً كمعدل نمطي 32 باونداً استرلينياً او اقل. يأتي ترتيب اوكرانيا في المرتبة الوضيعة الـ (128) في العالم بالنسبة الى حصة الفرد من الناتج القومي الكلي، وبالرغم من النمو الاقتصادي الاخير فإن البطالة تقدر بنسبة 12 بالمئة من مجموع القوى العاملة والاقتصاد ذو التخطيط المركزي وهو من بقايا تراث الحكم السوفيتي، يعاني من قلة الاستثمارات والديون. لكن بالنسبة للآخرين كانت الانتخابات معركة من اجل قلوب وارواح الاوكرانيين اضافة الى كونها صراعاً حول ثرواتها، صراعاً اساسياً من  اجل مكانة وقيمة اوكرانيا في العالم.

يقف الوطنيون المناصرون للغرب تحت شعار الديمقراطية، الاصلاح والحكومة والحكومة الكفوءة في احد الجوانب بينما يتراصف في الجانب الآخر وبصورة طبيعية المؤيدون للمبادئ السلطوية (اخضاع الفرد وحقوقه لمصلحة الدولة اخضاعاً كاملاً: المترجم) والمناصرون للمصالح السياسية والتجارية لموسكو، قوى ترى في روسيا وهي الشريك التجاري الرئيس لاوكرانيا  ومصدرها الرئيس من الطاقة، والى درجة ما مستعمريها منذ زمن القياصرة، ترى في روسيا الكفيل الضامن لأمنها وازدهارها المستقبلي. كيفما يتحقق النجاح لرئيس الوزراء فكتور يانكوفيتش المحب لروسيا فإنه امر مشكوك في نتيجته وسوف يفسر كخطوة الى الامام للرئيس فلاديمير بوتين في محاولاته المتسارعة لإعادة فرض سلطة موسكو في كل مكان على (الدول القريبة) من روسيا. بينما كان مرشح المعارضة فكتور يوشنكو والذي كان يكافح في مواجهة تزوير مستفحل منسق من قبل الحكومة، كان بإمكانه ان يحول التوجه الجيوبوليتيكي لكييف بصورة حاسمة نحو الغرب فهو يساند عضوية بلاده في الاتحاد الاوربي وحلف شمال الاطلسي مما يتلاءم مع توجهات الولايات المتحدة التي تعتبر اوكرانيا جسراً استراتيجياً بين الشرق والغرب، والان من دون وقوع نوع من التمرد الشعبي فإن ذلك يبدو امراً بعيد الاحتمال، دعا مؤيدو السيد يوشنكو الى اضراب عام وحملة من العصيان المدني لكن بالرغم مما يمكن ان يحدث في الشارع فإن الصراع الجيوبوليتيكي العنيف والشامل سوف يستمر بالتأكيد مترادفاً مع الصراع الداخلي.

يمكن توقع فترات من التوترات العميقة بين الزمر او الاوليفاركية (حكم تهيمن عليه جماعات صغيرة هدفها تحقيق المنافع الذاتية: المترجم) على الطراز الروسي والتي تسيطر على الكثير من القواعد الصناعية الاوكرانية وبين الجيل الاصغر سناً من سكان المدن الذي يصر على التغيير. وربماسوف تكون النتيجة عدم استقرار طويل الامد وصعوبات اقتصادية مستمرة.

حاولت الولايات المتحدة وبمساندة الدول الاوربية التأثير في الاقتراع وذلك بإرسال مبعوثين رفيعي المستوى قاموا بإنفاق 13 مليون دولار (سبعة ملايين باوند استرليني) لصالح صندوق حملات (مؤيدي الديمقراطية) وقاموا بالتهديد بفرض العقوبات اذا تم التلاعب بنتائج الاقتراع. كانت واشنطن تأمل في تكرار نجاحها في التسهيل بالاطاحة بالنظام المتخندق في الصرب عام 2000 وفي جورجيا في العام الماضي، ساندت واشنطن الجماعة الطلابية الناشطة (بوار) التي كانت اساليبها تقتدي بأساليب حركة الشباب الصربية (اوتوبور)، ولكن منزلة الولايات المتحدة قد تدهورت في عيون الاوكرانيين بسبب هجومها على اخوانهم السلافيين في الصرب، كما ان قرار ارسال قوات الى العراق من قبل الرئيس المنصرف ليونيد كوجما كاسترضاء لواشنطن (بعد الادعاء بأن اوكرانيا قد باعت اسلحة  لصدام حسين في السابق) لم يحظ بالموافقة الشعبية.

يقدر الاوكرانيون ولاسباب تاريخية بديهية العلاقات الحسنة مع روسيا ويعتبرونها من الاولويات القصوى، تم استغلال التقاليد والمخاوف القديمة مقرونة بازدواجية مشاعر الاوكرانيين نحو الولايات المتحدة من قبل السيد بوتين، لقد تدخل بصورة فعالة في الحملة الانتخابية لصالح السيد يانكوفيتش، سافر الى كييف وشارك في برامج للحوار في الراديو، ملوحاً بالفوائد الاقتصادية التي ستجنيها اوكرانيا من التعاون مع روسيا، تثير سمعة القائد الروسي بالاستقامة الشخصية والحسم الاعجاب لدى الاوكرانيين التي هي على النقيض من تصرفات قادتهم، حسب لغة المعركة بين القوى العظمى حول اوكرانيا، اذا لم تكن الانتخابات بذاتها فإن بوتين هو الذي جعل الفوز ممكناً.


 الانتخابات الاوكرانية- نتيجة مشكوك فيها

ترجمة فاروق السعد عن الايكونومست

خرج ما يزيد على 200000 اوكراني في مسيرات عارمة في العاصمة الاوكرانية وسط دلائل تشير ان الفائز المتوقع في الانتخابات الرئاسية، فكتور يوشجنكو، كان قد سرق منه النصر عن طريق الخداع. هل تسحق السلطات هذه الاحتجاجات او تندلع ثورة بيضاء ام تسفك الدماء؟

طبقا لنتائج الانتخابات، فان قائد المعارضة الاوكرانية المؤيد للغرب، فكتور يوشنكوف، كان متقدما في الجولة النهائية لانتخابات رئيس للجمهورية، التي اجريت يوم الاحد 21 تشرين الثاني. فقد كانت النتيجة 54% لصالح السيد يوشجنكو مقابل 43% الى فكتور يانوكوفيش، رئيس وزراء اوكرانيا الحالي، الذي يحظى سعيه للحصول على الرئاسة دعما من الرئيس السابق، ليونيد كوجما، والرئيس الروسي، فلاديمير بوتن. على الرغم من استمرار فرز الاصوات مؤخراً، تحول تفوق قائد المعارضة الواضح الى فوز هامشي لمصلحة المرشح الرسمي. وفي يوم الاثنين، قالت اللجنة الانتخابية ان، وبعد فرز 99% من الاصوات، السيد يانوكوفيش قد حصل على فارق لا يمكن تجاوزه يبلغ ثلاث نقاط.

خشية تكرار المخالفات الواسعة الانتشار التي لوحظت في الجولة الاولى من انتخابات الشهر الماضي، احتشد آلاف من المؤيدين للسيد يوشجنكو، مرتدين البرتقالي، لون حملته الانتخابية، في درجة حرارة ما دون الصفر في الساحة الرئيسة للعاصمة، كييف، ليلة يوم الاحد. طالبوا الحكومة بالاعتراف بفوزه، و في صباح يوم الاثنين، عندما بدأت اللجنة الانتخابية باعلان بيانات تظهر تقدم السيد يانوكوفيش، ازدادت اعدادهم الى ما يقارب 50000. " الزموا اماكنكم" هكذا طلب قائد المعارضة من اتباعه، واعدا اياهم بان عشرات الآلاف هم في الطريق اليهم، "بالعربات، والسيارات، والقطارات، والطائرات"، للتظاهر احتجاجا على تزييف الانتخابات. بدأ الكثير من المحتجين بنصب الخيم على امتداد الشارع الرئيسي لكييف. "انها ليست الا البداية" ، هكذا قال السيد يوشجنكو. وفي المساء، قيل بان اعدادهم ارتفعت الى ما يزيد على 200000.

ادان المراقبون الغربيون الانتخابات مباشرة. فالسيناتور ريجارد لوكار، الذي ارسل من قبل الرئيس جورج بوش لمراقبة عمليات التصويت، اتهم الحكومة الاوكرانية بتبني" برنامج منسق وفعال من التزييف والمخالفات الانتخابية"، في حين قال مراقب رسمي روسي بان الانتخابات شرعية. وقال الاتحاد الاوربي ان كل البلدان الاعضاء الـ(25) سيستدعون سفراءهم في أوكرانيا ليسجلوا احتجاجا رسميا. ولكن مدير حملة السيد يوشجنكو الانتخابية ، سيرهي تاهابكو اصر على ان السيد يوشجنكو قد فاز، موضحا بان نتائج صناديق الاقتراع ليست مضمونة. هنأ السيد بوتين السيد يوشجنكو بمناسبة نصره.

كانت جميع وسائل الاعلام الاوكرانية تميل كثيرا لمصلحة السيد يوشجنكو، وقلما تتطرق الى قائد المعارضة. و قبيل الجولة الاولى من الانتخابات، اتهم مؤيدو المرشح الرسمي بارعاب موظفي اللجنة الانتخابية في محاولة لتوجيه الانتخابات لمصلحته. حتى ان السيد يوشجنكو اتهمهم بأنهم كانوا وراء محاولة تسميمه، مما احال وجهه منتفخا ومتقرحا. وفي الجولة الثانية التي جرت يوم الاحد، تركزت الشكوك على احتمال حدوث خداع في التصويت عن طريق الادلاء بالاصوات لعدة مرات في الجزء الشرقي من البلاد الذي يتحدث الروسية، حيث يكون مساندو يانوكوفيش الاقوى. وطبقا لما ذكره مسؤلو اللجنة الانتخابية، فان النتائج هناك كانت عالية بشكل لا يصدق، الى نسبة 96%.

يمتلك السيد يانوكوفيش اوراقا رابحة في الحملة الانتخابية: فقد منح المتقاعدين والقطاع العام زيادة كبيرة في الرواتب؛ كما ان الاقتصاد الاوكراني في حالة من الانتعاش، بوجود محصول حبوب جيد و ارتفاع في حجم صادرات الفولاذ والمواد الكيماوية. ومع ذلك، فقد عبر حتى اصدقاؤه الغربيون عن امتعاضهم من نظامه وطريقة ادارة الاعمال المستندة الى طغمة عشائرية تقدم له الدعم.

اهتم المراقبون الاجانب كثيرا في الانتخابات الاوكرانية، ليس بسبب كونها واحدة من اكبر بلدان اوربا الشرقية فحسب، بعدد سكانها البالغ 49 مليون نسمة، بل لان النتيجة قد يكون لها تبعات مهمة على المنطقة برمتها. قدم السيد يوشجنكو نفسه كمساند للغرب، وكمصلح للسوق الحر والذي سيحاول الحصول على عضوية الاتحاد الاوربي وحلف الناتو الذي تقوده امريكا، في الوقت الذي يكافح فيه الفساد ويفرض سلطة القانون. لقد كسب السيد يوشجنكو الرئاسة وقاد اوكرانيا الى ان تصبح ديمقراطية غربية بافاق اوربية الطابع، ربما يكون الناخبون الروس وفي اماكن اخرى قد بدءوا يطالبون بنفس الشيء.

قد يشكل فوز السيد يوشجنكو صفعة قوية الى السيد بوتين، الذي زار اوكرانيا مرتين خلال الحملة الانتخابية لدعم السيد يانوكوفيش ( برغم انكاره من ان يكون هذا هو سبب الزيارتين). ان محاولات الرئيس الروسي للسيطرة على دول الاتحاد السوفيتي السابق قد تتقلص لو ان ثاني اكبر بلد منها تخلص من قبضته و انضم الى الغرب.

ثم ما ذا الان؟ القسم الاكبر يعتمد على تصميم انصار يوشجنكو. يدور حديث الآن عن اضراب عام. ورفض مجلس مدينة كييف والمدينة الكبيرة الاخرى ، لفيف الاعتراف بالنتيجة الرسمية للانتخابات. هل يكون هناك تصاعد في الاحتجاجات وعصيانات مدنية الى ان تصل الامور الى مرحلة لا يملك معها السيد يانوكوفيش الا ان يستقيل؟ ومع ذلك، فلقد حدث شيء مشابه تقريبا لهذه الحالة السنة الماضية في احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، جورجيا، عندما اجبرت القوة الشعبية الرئيس السابق، ادوارد شيفاردنازدة، على الاستقالة بعد انتخابات برلمانية مشكوك بنزاهتها.

كان السيد شيفاردنازدة قد اجبر على الاستقالة بعد ان اصبح من المشكوك فيه ان تقوم القوات المسلحة بتنفيذ اية اوامر لسحق المتظاهرين.المسالة الان هو هل قوات الامن الاوكرانية تتصرف بنفس الطريقة: ففي مساء يوم الاثنين، اصدروا بيانا يعد بقمع أي تصرف خارج عن القانون "بسرعة وحزم".

رغم ان السيد يوشجنكو يأمل الان بثورة بيضاء على الطريقة الجورجية، الا انه يوجد هنالك ايضا سابقة غير واعدة في دول الاتحاد السوفيتي السابق: فقبل شهرين فقط، "فاز" رئيس بيلوروسيا، الاسكندر لوكاشنكا في استفتاء مزيف يسمح له في انتخابات المرحلة الثانية. قال الاتحاد الاوربي بأنه يخطط لتشديد المقاطعة ضد حكومته و لكن لا يوجد ما يشير، لغاية هذا التاريخ، على انه سيزاح من السلطة. اجريت انتخابات غير نزيهة في كل من اذربيجان و ارمينيا السنة الماضية: في اذربيجان، كان هنالك اعمال شغب بعد ان فاز ابن الرئيس المفروض في ضل انتشار واسع للتهديد والرشوة ولكنها قمعت بقسوة: وفي ارمينيا، كان رد الناخبين يائسا تماما على اعادة انتخاب رئيسهم في ضل عمليات تزوير في صناديق الاقتراع. لو ان اوكرانيا اتبعت هاتين الدولتين السابقتين، فان امل التغيير سينهار


في حرب مع مبدأ التدخل الحر

بقلم-فيليب ستيفنز

ترجمة-كاطع الحلفي

عن: الفايننشال تايمز

سيتحدد مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية على مدى السنوات القادمة في ضوء ما يتمخض عنه الصراع بين مبدأ التدخل الحر ومبدأ الواقعية عنيدة الارادة- أي بين معانقة (جورج بوش) للتحولات الديمقراطية واحتضانها في الشرق الاوسط والحقائق الاستراتيجية الاكثر قساوة التي تواجه قوة امريكا في المنطقة.

لقد بدأ (بوش) واقعياً، فبقدر ما كان يهتم بصورة وثيقة بالعرقلاات الدولية قبل انتخابات 2000 ركزت خطته التأسيسية على نشر قوي لقوة امريكية في مجال المصلحة الذاتية الوطنية وانسحاب من اختناقات بناء الامة والامور الانسانية. وحتى بعد ايلول عام 2001 فقد كان هناك شك بخصوص تحول الادارة نحو جناح المحافظين الجدد وانما كان ذلك مجرد بلاغة كلامية أكثر منه حقيقة أو عباءة تتخفى تحتها لاستكمال ما هو غير منجز في العراق.

ولم تعد المسألة هكذا فمنذ اعادة انتخابه في الثاني من تشرين اول ازال الرئيس كل الشكوك وفي مؤتمره الصحفي الذي عقده في البيت الابيض مع (توني بلير) رئيس الوزراء البريطاني عاد الرئيس بوش ثانية وثانية إلى نشر الحرية ركيزة ثابتة للسياسة الخارجية الأمريكية من افغانستان حتى فلسطين كانت الكلمات متعمدة وغير قابلة للتخطئة حين قال: ان السبب الذي دعاني إلى ان اتشدد في مسألة الديمقراطية هو ان الديمقراطيات لا تدخل في حروب فيما بينها. انني متيقن عظيم التيقن ان الالتصاق بالديمقراطيات ترويج للسلام وهذا هو الذي يجعلني مؤمناً شديد التشبث بالاعتقاد ان طريق السير نحو الامام في الشرق الاوسط وفي شرق اوسط اوسع انما هو السير نحو الديمقراطية فإن كانت هناك عملية عدم تيقن تلوح هنا أو هناك فإن الرئيس (بوش) قد بددها بالكامل حين عين (كونداليزا رايس) في هذا الموقع المحصن وهو وزارة الخارجية. والسيدة (رايس) كانت ذات مرة واقعية-بمعنى ايمانها بنظرية العلاقات الدولية التي تقول ان القوة هي الاول والاخير في تحقيق الامم لمصالحها الذاتية الانانية و (كونداليزا رايس) استمدت خبرتها من (برنت سكاوكروفت) الذي كان مستشار الامن القومي للرئيس الاول (جورج بوش الاب) وقد كان متصلب التفكير كبراغماتي (أي يجمع بين الواقع والعقل) بما لم يعرف له نظير منذ (هنري كيسينجر)، غير ان ذلك كان قبل سقوط البرجين التوأمين وقبل الانطلاق نحو بغداد.ان تبشير ودفاع (بوش) عن التحول الديمقراطي يفسر قوة علاقته بـ (بلير) فرئيس الوزراء البريطاني آمن منذ فترة طويلة بأن واجب الغرب هو فعل الخير تجاه العالم. وبكلمات (بلير) حرفياً في البيت الابيض: (انني اعتقد اننا نتعلم حقيقة انه لا استقرار هناك من النوع طويل الامد دون حقوق ديمقراطية يختار بها الناس الاحرار حكومتهم). وهو يعتقد ان الترويج للحرية يجب ان يكون مشروعاً مشتركاً لتضميد جراح حلف ما وراء الاطلسي. وكما ذكر ذلك في خطاب له هذا الاسبوع في (مانشين هاوس) في لندن، فإن الديمقراطية هي نقطة التقاء اوربا وامريكا، اما فرنسا (جاك شيراك) وهو من الواقعيين الاوربيين فإنها تجنح نحو الافتراق والاختلاف.

ومن وجهة نظر (بلير) فإن قضية الديمقراطية المشتركة التي تجمع بين الرئيس الجمهوري في (واشنطن) وزعيم حزب العمال في (لندن) تتجاوز الحد السياسي الطبيعي الفاصل بينهما. صحيح ان المسميات السياسية مختلفة غير انها تبدو عند مراقبة الرجلين وكأن (ودرو ويلسون) قد التقى بـ (وليم غلادستون).

وهذه وجهة نظر العالم التي اتفق معها بصورة غريزية، فالخبرة التاريخية لاوربا تتحدث عن النتائج المفزعة التي جرّتها الانظمة الشمولية وسياسة ميزان القوى. وبقدر ما يثير اعجابي النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية فإن المسألة المركزية الواضحة هي ان الدول التي تغتصب حقوق المواطنين لم تعد قائمة.والواقعية في السياسة الخارجية تستطيع ان تسجل لنفسها بعض احدث النجاحات. فدعم طالبان في افغانستان واعطاء الاذن الصماء لما يجري في المملكة العربية السعودية جلب لنا ابن لادن. والواقعية ادارت ظهرها لانتشار اسلحة الدمار الشامل في باكستان كما انها قامت بتسليح صدام حسين ضد ايران، فالتعامل مع الاستبداد لم يجعلنا آمنين.

ومع ذلك فهناك تدخل ليبرالي ثم تدخل ليبرالي فالسيد (بلير) يبدو معترفاً بذلك حين اكد للحضور في (مانشين هاوس) قائلاً ( لا ادعو واكرر لا ادعو الى سلسلة من الحلول العسكرية لتحقيقها -أي الديمقراطية). وكان الهدف هو لفت النظر الى الاختلاف والتميز عن المحافظين الجدد في وشانطن. والسياسات الخارجية الليبرالية يمكن ان تنقلب مهمات مسلحة-طالما ان الهدف نبيل فجميع الوسائل مبررة.

هذا هو الحد الفاصل بين الليبرالية الاوربية التي تقول ان الديمقراطية يجب ان تنتشر عبر انزال حكم القانون على المسرح الدولي وعبر تبني نواميس مشتركة والترويج للمؤسسات متعددة الاطراف وبين مبدأ المحافظين الجدد الذي يدعو الى قوة لامريكا لا تضاهى يتم نشرها لتأمر الامم بـ " اختاروا الديقراطية والا".

كما انه ليس بمقدور الليبرالية الهروب كلياً من العالم الواقعي، فهناك عدم صفاء وتلوث آتٍ من الواقعية وهكذا فإن (بوش) حين يعلن (في غير الاوان) انتصار الديمقراطية في افغانستان تقوم ادارته بصورة متزامنة بدعم الحكام المستبدين في اوزبكستان المجاورة. والحريات تحاصر بدلاً من ان توسع في ورسيا (فلاديمير بويتن) في حين تظل الديمقراطية نشيداً في الصين ومع ذلك يتبجح بوش ويتباهى في اقامة علاقات اوثق مع موسكو وبيجين اكثر من أي رئيس سابق. وفي هذه الاثناء يبدو الطلب من الفلسطينيين احتضان الديمقراطية ثمناً لانخراط الولايات المتحدة في الشرق الاوسط طريقاً مشكوكاً في ملاءمته لتجنب وضع ضغط على الحكومة الاسرائيلية.

واشك بأن تُقلق مثل هذه التناقضات (جورج بوش) غير ان هناك تحدياً اكثر آنية امام مهمة المحافظين الجدد فلا انتصار (بوش) في الانتخابات ولا التهدئة العسكرية في الفلوجة استطاعا تبديد التشاؤم في واشنطن حول آفاق الانتقال الى الديمقراطية ولا يتأتى هذه الحزن والكآبة من الديمقراطيين الذين خابوا بل ان الجمهوريين الواقعيين وهم لا يزالون قوة في حزب (بوش) يشكون علناً بفرص دحر التمرد الحالي. فالديمقراطية ليست الرد على السنة الذين يقاتلون من اجل استعادة احتكار السلطة في العراق. ان الزائر لواشنطن ليصاب بالدهشة لرؤيته ذلك الكم الكبير من المؤيدين للادارة الذين اصبحوا يرون خلق عراق ديمقراطي حلماً بعيد المنال. لقد وصلت المناقشات الى حدود بعيدة، فالقضية التي يثيرها الواقعيون وهي ان الانتصار العسكري مستحيل وان الناخبين الامريكان لا يمتلكون الارادة ولا الصبر على احتلال امريكي طويل الامد اصبحت تجد لها آذاناً صاغية، اما (بوش) فإنه يصر على خلاف ذلك غير ان سياسته في العراق اصبحت مسألة ايمان ومعتقد. فالرئيس يكتشف الحقيقة الخاصة به، الديمقراطية والحرب خليطان غير سعيدين.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة