اعداد الباحث
الاقتصادي/ ابراهيم حسين
(1-2)
تناول هذا
البحث الخطط الاقتصادية التي تم اعتمادها من قبل الانظمة
المختلفة وفي ضوء مدى نجاح وفشل هذه الخطط والعوامل المؤثرة
في ذلك تم اعداد بحثنا حول الاطار العام للخطة الاقتصادية
المقبلة للعراق الجديد مسترشدين بأحدث الافكار والمبادئ
الاقتصادية الملائمة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في
العراق.
المحتويات
الفصل الاول:
تعريف التخطيط واساليب التخطيط في الدول ذات الانظمة
المختلفة.
الفصل
الثاني: الخطة الاقتصادية الاولى في العراق بعد قيام ثورة 14
تموز 1958.
الفصل
الثالث: المبادئ العامة المقترحة للاطار العام للخطة
الاقتصادية المقبلة للعراق الجديد.
الفصل الاول
التخطيط
الاقتصادي ليس مجرد مصفوفة من المشاريع تقابلها مجموعة من
المبالغ المخصصة لتلك المشاريع، وانما هي عملية فنية وعلمية
شاملة قائمة على اسس اقتصادية ورياضية ودراسات وبحوث ترمي
الى تطوير المجتمع اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً خلال فترة
زمنية معينة. وقد تسمى بالخطة الخمسية وهي التي امدها خمس
سنوات كما تكون الخطة بعيدة المدى وهي التي امدها اكثر من
عشر سنوات.
والتخطيط
الاقتصادي لكي يحقق اهدافه يشترط ان يكون شاملاً لكافة
القطاعات والانشطة الاقتصادية والاجتماعية والخدمية مع
امكانية اعطاء الاهمية النسبية لقطاع من هذه القطاعات وفقاً
لظروف وحاجة البلد الملحة. كما لا يجب اهمال اي قطاع والا
ادى ذلك الى حصول اختناقات تؤدي الى نتائج خطيرة على عموم
عملية التنمية والتطور، وقد وقعت بعض الدول بأخطاء عرضتها
لكوارث اقتصادية عندما اعطت اهمية خاصة لقطاع على حساب
القطاعات الاخرى ومثال ذلك جمهورية كوريا الاشتراكية حيث
وجهت نسبة كبيرة من استثماراتها نحو الانتاج العسكري خاصة
السلاح النووي على حساب انتاج السلع الغذائية والاستهلاكية
مما ادى الى تعرضها الى كارثة نقص الغذاء وطلب المساعدة من
الدول الاجنبية لتقديم العون الغذائي لشعبها.
وقبل الحديث
عن التخطيط في العراق خاصة خلال المرحلة الراهنة نستعرض
وبصورة موجزة اساليب ومبادئ التخطيط وتطبيقاته من قبل
الانظمة المختلفة الاشتراكية والرأسمالية ودول العالم الثالث
وعوامل نجاحها وفشلها في تحقيق خططها التنموية وذلك لكي
نستخلص الدروس والعبر من هذه التجارب.
قبل الحرب
العالمية الثانية لم تكن عملية التخطيط الاقتصادي معروفة كما
هي في نهاية القرن العشرين، حيث كان مبدأ الاقتصاد الحر هو
السائد في دول اوربا الغربية والولايات المتحدة وكانت عمليات
الانتاج يتم اقرارها من قبل المؤسسات والشركات الخاصة وفقاً
لنظام المنافسة والعرض والطلب والاسعار والتجارة الخارجية
مما ادى الى حدوث الازمات الاقتصادية العالمية في سنوات
الثلاثينيات من القرن الماضي.
وعند قيام
الحرب العالمية الثانية وسقوط دول المحور وانتصار جبهة
الحلفاء تم تحرير دول اوربا الشرقية وكذلك مجموعة دول اوربا
الغربية ومن ضمنها المانيا وايطاليا وهناك في الشرق البعيد
ثم اسقاط النظام العسكري الياباني وتحرير دول جنوب شرقي آسيا
من النفوذ العسكري لليابان.
ان جميع هذه
الدول والمناطق كانت ساحات حروب وقد اصاب الدمار كافة
انشطتها ومرافقها الاقتصادية والانسانية مع ملايين من
الضحايا من القوى العاملة. كان لا بد من معالجة هذه الكارثة
الانسانية خلال فترة وجيزة وذلك بوضع برامج مكثفة لإعادة
اعمار هذه المناطق وفقاً لظروف كل بلد وامكانياته المادية
والبشرية.
ونستطيع ان
نصنف هذه الدول واساليب التخطيط التي اعتمدتها في اعادة
اعمار بلدانها كالآتي:
اولاً: مجموعة الدول الاشتراكية
اعتمدت
الدول الاشتراكية التخطيط المركزي الشامل لجميع الانشطة
الاقتصادية والاجتماعية بما فيها السكن والتعليم والصحة
والخدمات الاخرى، وذلك بالاعتماد على مواردها المتاحة مع
تقديم المساعدات من الاتحاد السوفياتي في حين على شكل سلع
انتاج وخدمات فنية.
وكان العامل
الاكثر اهمية وفاعلية في نجاح عملية اعمار دول اوربا الشرقية
الاشتراكية وبوقت قياسي هو وعي شعوبها وتعبئتها ضد الفاشية
والحرب والتقدم الى الامام نحو بناء دولها على اسس
الاشتراكية والديمقراطية.
ثانياً: مجموعة دول غرب اوربا
هذه المجموعة
وتشمل المانيا الغربية وايطاليا وفرنسا وبقية دول غرب اوربا
ولغرض اعادة اعمار ما خلفته الحرب وبناء هياكل اقتصادياتها
فقد اعتمدت مبدأ الاقتصاد الليبرالي المتطور وهو يختلف عن
مبدأ الاقتصاد الحر المطلق، حيث حدد النظام الليبرالي
بتشريعات ومبادئ اقتصادية متأثرة بالافكار والتيارات
الاشتراكية وحركات نقابات العمال التي ظهرت في اوربا بعد
الحرب العالمية الثانية.
وكان لمشروع
المقدم من قبل الولايات المتحدة مع توفر القاعدة العلمية
الصناعية والمستوى الثقافي والاجتماعي لشعوب هذه المنطقة،
كان من العوامل المهمة في نجاح عملية اعادة اعمارها بفترة
قياسية.
ونستطيع ان
نستخلص ان العامل الاول في نجاح عملية اعادة الاعمار لدول
شرق اوربا وغربها هو وعي شعوبها ونبذها للدكتاتورية الفاشية
والتصميم على بناء اوطانها على اسس من الحرية والديمقراطية
والاشتراكية نؤكد ان هذا العامل يوازي الموارد المالية بل
يتقدمها احياناً.
ثالثاً: اليابان
لقد استطاعت
اليابان ان تجتاز المرحلة القاسية التي مرت عليها نظراً
لتعرض اكبر مدنها الصناعية هي هيروشيما ونكازاكي لضربتين
ذريتين حولتهما الى اكوام من الرماد والمواد المشعة وآلاف
الضحايا.
لقد اعادت
اليابان بناء اقتصادها بكل حزم واصرار وفقاً للنظام
الليبرالي المبرمج وان العوامل التي ساعدت على نجاح تجربة
اليابان بحيث اصبحت ثاني دولة في العالم بعد الولايات
المتحدة من الناحية الاقتصادية بل منافسة كبيرة لها في
التجارة الخارجية يمكن ايجازها بما يلي:
1- توفر
القاعدة العلمية والصناعية مع خزين من التجارب والخبرات
والمعلومات الموروثة من النهضة الصناعية الاولى لليابان.
2- توفر
الايدي العاملة الوطنية الماهرة والرخيصة.
3-
الاستثمارات الاجنبية الغربية وخاصة الامريكية.
4- نشر الوعي
الثقافي والديمقراطي بين الشعب الياباني ونبذه للحكم العسكري
القائم على الجذور الاقطاعية والقيم والمفاهيم الموروثة عن
القرون الوسطى مثل نظام الفرسان والاشراف.
رابعاً: مجموعة دول العالم الثالث
اطلق عليها
تسمية الدول المتخلفة او النامية حسب تصنيف منظمة الامم
المتحدة والوكالات التابعة لها وذلك تبعاً لدرجة تقدم
اقتصاديات هذه الدول ومستوى معيشة سكانها.
وبصورة عامة
تتسم هذه الدول بإنخفاض مواردها وتدني مستوى دخل الفرد
وانتشار الامية وزيادة نسبة الولادات والوفيات، وتشمل معظم
دول افريقيا وآسيا وجنوب شرق آسيا وبعض دول امريكا
اللاتينية، وتعتمد اقتصاديات هذه الدول بصورة رئيسة على
الزراعة المتخلفة وتصدير المواد الاولية الزراعية والمعادن
والنفط الى دول اوربا الصناعية وبعد الحرب العالمية الثانية
، ونظراً لتصاعد حركات التحرر الوطني في هذه البلدان فقد
نالت استقلالها السياسي والاقتصادي وبدرجات متفاوتة وكانت
جمعيتها طموحة الى تطوير وضعها واللحاق بركب الحضارة
والمدنية. لقد حققت بعض هذه البلدان نجاحاً في تحقيق مستوى
التطور كما فشلت غيرها وتعثرت عمليات التنمية بالرغم من توفر
الموارد لديها. خاصة النفط وذلك بسبب الانظمة الدكتاتورية
المسيطرة على الحكم فيها وغياب الحرية والديمقراطية
وانشغالها بالانقلابات العسكرية والحروب الخارجية والداخلية.
ويمكن تصنيف
دول العالم الثالث من حيث اساليب التنمية التي اعتمدتها الى
مجموعتين.
المجموعة الاولى
الدول التي
توفرت لديها الموارد المالية الضخمة بسبب ارتفاع اسعار النفط
عالمياً الا ان هذه الدول لم تحقق التقدم المطلوب لشعوبها
وبدرجة تتناسب مع هذه الموارد. بل ابقت شعوبها متخلفة مقارنة
بالدول التي قطعت شوطاً بعيداً في التقدم الحضاري، والسبب
الرئيس يعود الى سيطرة الانظمة الدكتاتورية الشمولية على
انظمة هذه الدول وقيامها بمصادرة المشاريع الاقتصادية
والموارد المالية بدعوى الاشتراكية المزيفة، وذلك لفرض احكام
سيطرتها على الحكم واستغلال الموارد لمصلحتها ومصلحة كبار
العسكريين والاقطاعيين والبرجوازية الانتهازية كما جرى ذلك
في بعض الدول العربية، كما ان هذه الانظمة قد وجهت مليارات
الدولارات في الاستثمارات العسكرية خاصة في مجال انتاج
الاسلحة الكيمياوية والنووية واهملت الانشطة الاخرى، عند اول
كارثة تصيبها يظهر عجزها وتخلفها عن معالجة الكوارث الطبيعية
مثل الفيضانات والزلازل ونقص الغذاء مثل كوريا الشمالية
وباكستان وايران، وتطلب المساعدة من دول العالم.
وهنا لنا
وقفة نود ان نوضح ان المبادئ الاشتراكية العلمية المتطورة
متناقضة مع النظام الدكتاتوري بل على الضد منه، وان
الاشتراكية العلمية ما هي الا احدى السبل لتحقيق الرفاهية
والديمقراطية لمجموع الشعب بعيداً عن الدكتاتوريات والانظمة
الشمولية وقهر الشعوب.
المجموعة الثانية
الدول التي
انتهجت سياسة الاقتصاد الليبرالي وسمحت للاستثمارات
الاجنبية من راسيل وتكنولوجيا متطورة بالعمل داخل بلدانها،
خاصة عندما وجدت هذه الاستثمارات توفر الايدي العاملة
الرخيصة في هذه البلدان.
ان هذا
الاتجاه ساعد هذه البلدان على بناء قاعدة صناعية متطورة
وتحقيق تطور اقتصادي واجتماعي احداث تغيير في اقتصاديات هذه
الدول من الطابع الزراعي المتخلف الى دول صناعية، وتجارية
وظهور طبقة برجوازية صناعية كبيرة مع نشوء طبقة عمالية عريضة
وهذه الدول: كوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وتايوان ولكن
على حساب استقلالها الاقتصادي والسياسي.
|