تطور نظرية التنمية وتزايد دور
المصارف الاسلامية فيها
باسم عبد الهادي حسن
تعد عملية التنمية احد اهم الاهداف التي سعت الدول النامية
ولازالت من اجل تحقيقها، الا ان الدول النامية وعلى الرغم من
كل الجهود التي بذلتها لم تحقق ماتطمح اليه حتى اليوم،
فلماذا هذا الاخفاق؟ وماهو الدور الذي تستطيع ان تلعبه
المصارف الاسلامية من اجل النهوض بعملية التنمية؟
بدءاً ذي بدء، لابد لنا من استعراض تطور نظرية التنمية من
الناحية التاريخية من اجل الوقوف على تطور مفهوم التنمية
وتحليل اهم التغيرات التي شهدها لمعرفة مدى اقترابه من
المفهوم الاسلامي للتنمية.
فالفكر التنموي الذي ساد خلال عقدي الخمسينيات والستينيات لم
يستطع تقديم آليات وسياسات فعالة لتحقيق عملية التنمية،
ويعود ذلك الى خطأ تفسير ظاهرة التخلف، فهو ينظر اليها على
انها مجرد ظاهرة اقتصادية يمكن تفسيرها بعوامل ذاتية او
داخلية تخص المجتمعات النامية ذاتها بعيدا عن العوامل
الخارجية والتاريخية الهامة والتي اسهمت بقوة في ايجاد
وتوظيف حالة التخلف منذ بداية الاستعمار الخارجية والتاريخية
الهامة والتي اسهمت بقوة في ايجاد وتوظيف حالة التخلف منذ
بداية الاستعمار المباشر حيث استطاعت الدول الراسمالية من
خلال العلاقات اللامتكافئة ان تخلق آلية لاستنزاف موارد
الدول النامية والتي ضمنت من خلالها تحقيق تراكمها الراسمالي
الاولي وبالتالي تطورها على حساب تخلف الدول النامية.
وعلى اساس الفهم غير الشامل للتنمية تم قياسها بمقاييس مادية
بحتة ركزت على نسب نمو الدخل القومي ومتوسط دخل الفرد ولم
تأخذ بعين الاعتبار التغييرات الهيكلية للاقتصاد وشكل توزيع
الدخل القومي وطبيعة الارتباطات مع السوق الدولية.
ولهذا السبب كانت نتائج التجارب التنموية في عقد الستينيات
(الذي سمته الامم المتحدة بالعقد الاول للتنمية) غير مشجعة
على الرغم من ان العديد من الدول حققت معدلات نمو مرتفعة
نسبيا، مما يعني ان عملية التنمية ليست مجرد عملية اقتصادية
فقط لان التخلف ليس حالة اقتصادية فحسب وانما هو وضع اقتصادي
فقط لان التخلف ليس حالة اقتصادية فحسب وانما هو وضع اقتصادي
اجتماعي سياسي مترابط يخضع في الوقت ذاته لعوامل خارجية
وداخلية معا.
وفي العقد الثاني للتنمية (السبعينيات) توفرت للدول النامية
ظروفاً مواتية نسبياً دعمت جهودها التنموية تمثلت في وفرة
الموارد المالية المعدة للاقراض في الاسواق المالية والنقدية
الدولية نتيجة للفوائض المالية التي ظهرت اثر تصحيح اسعار
النفط في بداية هذا العقد، الا ان السياسات التنموية التي
طبقت في معظم الدول النامية كانت خاطئة على الرغم من كل
الايجابيات التي حققتها ويعود ذلك الى رغبة الدول النامية في
تعجيل عملية التنمية الى الدرجة التي حققتها ويعود ذلك الى
رغبة الدول النامية في تعجيل عملية التنمية الى الدرجة التي
اعتقدت معها بامكانية (شراء التنمية) عن طريق استيراد
المكائن والمشاريع والخبرات الفنية الجاهزة وقد عزز هذا
الاعتقاد الخاطئ امكانية توسع الدول النامية في تقديم
خدماتها لمواطنيها خلال هذه الفترة وزيادة الدخول والاستيراد
ليخفي معه التقويم الحقيقي لهذه التجارب وتستفيق بعدها الدول
النامية في العقد الثالث للتنمية (الثمانينيات) على أزمة
التنمية الاقتصادية التي تمثل انعكاسا للركود الاقتصادي في
أغلب الدول الرأسمالية من جهة اضافة الى الانخفاض الشديد في
اسعار المواد الاولية التي تصدرها الدول النامية من جهة اخرى
مما أدى الى صعوبة حصول الدول النامية على التمويل الدولي
وظهور ما عرف بأزمة المديونية الخارجية التي ظهرت بوادرها في
عقد السبيعينات.
وكرد فعل على النتائج المحدودة لجهود التنمية في العقود
الثلاثة السابقة، ظهر خلال عقد التسعينيات توجه جديد في
سياسات التنمية عرف بـ(التنمية البشرية) والتي عرفها برنامج
الامم المتحدة الانمائي بأنها عملية تؤدي الى زيادة الخيرات
المتاحة أمام الناس في مستويات المعيشة المرتفعة واكتساب
المعارف والتمتع بنوعية حياة كريمة صحية.
ان مفهوم التنمية البشرية وعلى الرغم من كل الانتقادات التي
تعرض اليها نتيجة لارتباطه بالصيغ التي يقدمها صندوق النقد
الدولي، الا ان هذا المفهوم يركز بشكل مباشر ومهم على موضوعة
الانسان والنهوض به باعتباره اداة التنمية لما له من دور
فاعل في كل جوانب التنمية المادية منها والاجتماعية.
ان التطور الحديث في مفهوم التنمية يقترب كثيراً من مصطلح
(العمران) في الاقتصاد الاسلامي الذي يرادف مفهوم التنمية في
علم الاقتصاد الحديث، حيث يعني مصطلح (العمران) العمل بشرع
الله لتحقيق حد الكفاية للجميع وللوصول الى نمو مستمر
للطيبات، وذلك بالاستخدام الامثل لكل ماسخر الله لنا من
موارد.
كما ان النظرة الاسلامية للتنمية هي نظرة شاملة تتضمن الى
جانب النواحي المادية، والنواحي الروحية والخلقية وتركز على
بناء الانسان وتنمية بيئته المادية والاجتماعية والثقافية.
ونتيجة لتطور مفهوم التنمية على الصعيد الدولي واقترابه من
المفهوم الاسلامي فان السؤال الذي يطرح هنا يمكن صياغته
بالشكل الاتي: الى اي مدى يمكن ان تؤدي المصارف الاسلامية
دورها في عملية التنمية لاسيما بعد هذه التطورات؟
وللاجابة على هذا السؤال نقول، ان عملية التنمية بمفهومها
الحديث والمتضمن لابعاد اجتماعية وانسانية اضافة الى الابعاد
الاقتصادية، يفسح المجال وبصورة اكبر امام النشاط المصرفي
الاسلامي، فمن المعروف ان الهدف من نشاط المصارف الاسلامية
لايتوقف عند المردود المادي المجرد من كل تبعاته الاخرى
وانما يتسع ليشمل كل الابعاد المشار اليها آنفاً وتأثيراتها
على المجتمع وبالتالي فان المصارف الاسلامية تؤدي دورا رئيسا
في عملية التنمية.
ان تزايد اهمية الدور الذي تؤديه المصارف الاسلامية في عملية
التنمية يرتكز الى جملة عوامل اهمها ما يأتي:
أولاً –توفير الموارد المالية اللازمة لعملية التنمية
تؤدي المصارف الاسلامية دوراً تنموياً مهما ليس من خلال
الوظيفة الكلاسيكية للمصارف فقط والمتمثلة في دور الوساطة
المالية في تحويل الادخارات نحو الاستثمارات وانما في تشجيع
العادة المصرفية وحشد المزيد من ادخارات المجتمع وذلك نظرا
لاستقطاب المصارف الاسلامية لفئات جديدة من المودعين لم تكن
تتعامل اصلا مع المصارف التجارية التقليدية خوفا من الوقوع
في الحرام، وعليه فان المصارف الاسلامية تمتلك القدرة على
تعبئة قدر كبير من الاموال المكتنزة والمعطلة في المجتمع،
ومن ثم توفير تلك المدخرات من اجل مواجهة متطلبات عملية
التنمية.
ثانيا-زيادة الاستثمار على الصعيد الاقتصادي
ان التطورات المصرفية والاقتصادية الحديثة افرزت حقيقة
مفادها ان التعاملات النقدية وحركة رؤوس الاموال قد انفصلت
الى حد كبير عن التعاملات التجارية من السلع والخدمات مما
دعى البعض الى القول بان الاقتصاد الحقيقي يهدده خطر مايسمى
بالاقتصاد الرمزي والذي تكون فيه المضاربات المالية هي
الركيزة الاساس والتي تمر غالبا عن طريق المصارف.
ان الكلام السابق لاينطبق على المصارف الاسلامية لانها تنطلق
من فكرة اساسية هي ان النقود لاتنتج النقود قبل ان تمر
بعملية انتاجية، فالنقود من وجهة نظر الاقتصاد الاسلامي تعد
اداة للتبادل ومقياس للقيمة وهي ليست سلعة يمكن ان تستثمر
وتزيد قيمتها بحد ذاتها وبدون المشاركة في جهد العمل.
لذلك فان اساليب عمل المصارف الاسلامية تؤدي الى زيادة حجم
الاستثمار في الاقتصاد القومي ومن جانب آخر فان المصارف
الاسلامية وعن طريق دخولها شريكا في الارباح والخسائر في
المشروعات الممولة تضع نصب عينها اختيار المشاريع ذات الجدوى
العالية اقتصاديا واجتماعيا مما يزيد حجم الاستثمارات
الحقيقية فضلا عن زيادة الكفاءة الانتاجية لرؤوس الاموال
المستثمرة.
ثالثا- زيادة الاستقرار الاقتصادي
لقد جاءت احدث مفاهيم نظرية التنمية (التنمية البشرية)
مترافقة مع التطورات الاقتصادية الدولية المتمثلة بزيادة
التداخل والانفتاح الاقتصادي الدولي نتيجة لسياسات العولمة
التي ترتكز على تحرير الاقتصاد واعتماد آليات السوق وتحجيم
دور الدولة والقطاع العام، مما جعل الاقتصادات الدولية اكثر
عرضه وتأثرا بالازمات الاقتصادية والسياسية الدولية، لاسيما
الاقتصادات النامية وبالتالي غياب واحد من اهم متطلبات
التنمية والمتمثل بالاستقرار الاقتصادي.
ونظرا لارتباط معظم الازمات الاقتصادية التي شهدها العقد
الاخير بالجهاز المصرفي التقليدي القائم على سعر الفائدة،
لذا نستطيع القول ان المصارف الاسلامية لها دور مهم في عملية
الاستقرار الاقتصادية وبالتالي في عملية التنمية، حيث أن
المصرف الاسلامي وباستثناء الودائع تحت الطلب (التي يضمن
قيمتها باعتبارها امانة لديه) فانه يعامل الودائع الاخرى
(الادخارية والاستثمارية) والتي تشكل الجزء الاكبر من
الودائع، على انها اسهم تشارك في الربح والخسارة نتيجة
لاعمال المصرف، وعليه فان المصارف الاسلامية لاتقوم بضمان
القيمة الاسمية لهذه الودائع، مما يجعل الصدمات التي يتلقاها
جانب الموجودات في هذه المصارف تستوعب مباشرة في جانب
المطلوبات عن طريق تغير قيم الودائع بما ينسجم مع تغير قيم
الموجودات.
فالتمويل الاسلامي يربط الالتزامات المالية بما يحققه
المشروع فعلا، كما انه لايشجع تمويل نشاط المغامرة مما يجنب
الاقتصاد القومي حالات عدم الاستقرار الاقتصادي، وهذا
مااكدته الدراسات الحديثة الصادرة عن صندوق النقد الدولي.
رابعا-تقليل نسبة البطالة
ان نظرة الاسلام للنقود وعدم قبوله للزيادة الحاصلة في رأس
المال بدون ان يتم ذلك من خلال المشاركة في جهد العمل يعد من
اهم الاسس الاقتصادية والاجتماعية والذي تسعى المصارف
الاسلامية الى تحقيقه، من خلال اعتمادها على مشاركة الجهد
البشري كوسيلة للتمويل والاستثمار مما يؤدي حتما الى زيادة
التشغيل وتقليل نسب البطالة، ان زيادة التشغيل ستنعكس
بالنتيجة على زيادة الناتج القومي ومن ثم على عملية التنمية
بكل ابعادها الاقتصادية والاجتماعية.
تاسيسا على كل ماتقدم نستطيع القول ان مفهوم التنمية يعد من
المفاهيم الحركية نتيجة لحركية عملية التنمية ذاتها التي
تتأثر بعوامل (زماكانية) عديدة، الا ان التطورات الحديثة
لهذا المفهوم (التنمية البشرية) جعلته اكثر اقترابا من وجهة
النظر الاسلامية وبالتالي اتساع دور المصارف الاسلامية في
عملية التنمية من خلال جملة العوامل التي ترتكز اليها
الصيرفة الاسلامية (استبعاد سعر الفائدة، اتساع اهدافها
لتشمل جوانب اجتماعية، المرونة العالية في ابتكار صيغ
التمويل) في تحقيق غايتها النهائية.
|