مواقف

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

تركيا والمشاكل المرتقبة
 

ترجمة فاروق السعد
عن الايكونومست

قد تكون هنالك نتائج خطيرة تترتب على العلاقات السيئة لتركيا التي تربطها حاليا بكل من الاتحاد الاوربي وامريكا. فهذه الايام يدور هنالك الكثير من الكلام عن سلسلة من المشاكل التي ستظهر في وقت لاحق من هذا العام والتي ستسبب تعثرا في مباحثات تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوربي. فهل توجد مبالغة في هذا الكلام؟ ام انها مجرد امور هامشية؟ اخشى انه لاهذا و لا ذاك. فالخطر حقيقي.

"ان تلك الكلمات الوداعية التي صدرت عن سفير بريطانيا المنتهية مهمته، السير بيتر ويستماكوت، تعكس قلقا متزايدا حول علاقات تركيا مع الاتحاد الاوربي. ان ما يسبب تلك المشاكل التي تلوح في الافق هي قبرص، التي انضمت الى الاتحاد الاوربي كبلد مجزأ عام 2004. فالاتحاد الاوربي يصر على وجوب ايفاء تركيا بالتزاماتها بفتح موانئها امام سفن و طائرات الجزء اليوناني من قبرص . و تجيب تركيا بان ذلك الجزء من الصفقة كان يهدف الى انهاء العزلة الاقتصادية على القبارصة الاتراك. وانها لن تتحرك باتجاه الموانيء الى ان يتم رفع الحصار المفروض على شمال قبرص المحتل من قبل تركيا. وان لم يتم حل ذلك الجدل خلال نهاية العام، فان مباحثات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي قد يتم تعليقها. ولكونها بلدا حليفا قديما، ولاهميتها الاستراتيجية و لحجمها فان خللا في علاقات تركيا مع الاتحاد الاوربي سيكون له انعكاسات تتعدى حدودها. فهذا سيعزز الشكوك في العالم الاسلامي من ان الاتحاد عبارة عن ناد مسيحي. ونتيجة لادراك هذه المخاطر، فان فنلندا ، التي تترأس الاتحاد، كانت قد تقدمت بخطة يسمح بموجبها للقبارصة اليونانيين باستخدام الموانيء التركية و القبارصة الاتراك بتصدير بضائعهم، تحت اشراف الاتحاد، من الميناء الواقع تحت السيطرة التركية، فاماكوستا. و في هذا الاسبوع قال كل من عبدالله كول، وزير الخارجية التركي، و علي باباكان، و زير الاقتصاد و كبير المفاوضين مع الاتحاد الاوربي، بانهما كانا ياملان بالتوصل الى اتفاق قبل ان تصدر المفوضية الاوربية تقريرها عن دخول تركيا في 8 تشرين الثاني. يقول المسؤولون الاتراك ،على انفراد، بان اية صفقة يجب ان تشمل اعادة فتح شمال قبرص امام حركة الطائرات التجارية، لان السياحة هي الطريقة الوحيدة لانهاء اعتمادها المساعدات التركية. و يقول القبارصة الاتراك بان ذلك امر مستبعد طالما ان تركيا ترفض الاعتراف بحكومتهم على اعتبار انها الحكومة الشرعية الوحيدة في الجزيرة. فاذا لم تحدث معجزة في اللحظة الاخيرة حول قبرص، فان افضل الامال تدور حول السماح باستمرار المفاوضات حول فصول لا تتعلق بالتجارة او المسائل الاخرى التي تؤثر بشكل مباشر على القبارصة اليونانيين. و لكن ذلك يعني اقناع القبارصة اليونانيين على رفعهم حق النقض امام فتح فصول جديدة. كما ان الشكوك في انقرة تشير في كل الاحوال الى ان بلدانا مثل النمسا و فرنسا، حيث يوجد هناك معارضة شعبية قوية امام انضمام تركيا، ستكون سعيدة جدا في رؤية تعليق المباحثات. والا ، كما يقول الاتراك، كيف يمكن تفسير تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على لائحة تعتبر انكار حدوث الابادة الجماعية للارمن على يد الامبراطورية العثمانية جريمة؟ او مطالبات الساسة الفرنسييون باعتبار الاعتراف بالابادة الجماعية شرطا امام عضوية تركيا، رغم تاكيد عضو المفوضية، اولي رين، بعدم وجوب ذلك؟ واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار رد الفعل الشعبي في تركيا على ما اعتبر ازدراءاً اوربيا، فان البعض يعتقد الان بان اول من سيترك المباحثات هو رجب طيب اردوكان، رئيس الوزراء التركي. وبوجود انخفاض في نسبة التاييد لعضوية الاتحاد الاوربي الى ما دون 50% ، فان وقفة تحد قوية قد تكون طريقة جيدة للحصول على اصوات الوطنيين لحزب السيد اردوكان الاسلامي المعتدل في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في كانون الاول القادم. وكما هو الحال دوما، فان الاتراك المؤيدين لانضمام تركيا يعلقون امالهم على امريكا لانقاذ الموقف. فالاضطرابات الاقتصادية و السياسية التي يخشى العديد انها ستعقب تعليق مباحثات حصول تركيا على عضوية الاتحاد الاوروبي قد تدفع امريكا الى استخدام نفوذها على ذوي الاوزان الثقيلة من امثال مستشارة المانيا، انجيلا ميركل، التي من المتوقع ان تتولى رئاسة الاتحاد في كانون الثاني. ان المشكلة تتمثل الان في انه لم يتبق للسيد اردوكان الا القليل من الاصدقاء في واشنطن. ففشله في تحقيق وعوده في تسهيل الغزو الامريكي للعراق و مفاوضاته مع ايران و سوريا جعلته يبدو شريكا لا يعتمد عليه. وهذه المسائل كما تفكر امريكا هي الرد الامثل على طموحات ايران النووية. وفي الداخل، ايضا، يواجه السيد اردوكان مشاكل مع صقر البلاد الجديد رئيس الاركان، الجنرال ياسر بويوكانيت. فمنذ توليه منصبه في آب، صعد الجنرال واعوانه من حجم الخطاب الذي يستهدفون به كلاً من الحكومة والاتحاد الاوربي. فعندما صرح "مهمة اغار"، قائد الحزب المعارض "حزب الطريق الصحيح"، الاسبوع الماضي بانه سوف لن يسمح للجنرالات بالكلام عندما يتسلم السلطة، رد الجنرال بويوكانيت بانه سيستمر في الكلام " حتى لو كنت مسؤولا." تهدف مواقف الجيش جزئيا الى اجبار السيد اردوكان على التراجع عن طموحاته المزعومة في خلافة العلماني احمد نجاد سيزار كرئيس عندما تنتهي ولايته في مايو. لقد امضى السيد سيزار السنوات الثلاث الماضية في عرقلة اي تشريع مقترح من قبل السيد اردوكان الذي كان يعتبره يشكل تهديدا للخيام العلمانية للدستور. فبالنسبة الى العلمانيين تمثل الرئاسة الصرح الاخير المتبقي؛ فاذا ما تغلب عليها السيد اردوكان التقي الاسلامي، فانهم يخشون بان ذلك يعني نهاية لجمهورية اتاتورك. وان حركات مناهضة السامية التي عرضت من قبل زملاء السيد اردوكان لم تساعده. قد يتم اغراء الجنرال بويوكانيت للتعبير عن تلك الاهتمامات عندما يزور واشنطن في وقت قريب. وان وجهات نظره حول ايران( حيث وصف في يوم ما ثيوقراطية ايران على انها "النقيض" لجمهورية اتاتورك) سوف تثير بالتاكيد اعجاب مضيفيه. فاذا ما انهارت مباحثات الاتحاد الاوربي، فان الجيش قد يحصل على حرية التصرف. هناك كلام غير مؤكد حول تكرار ما يسمى انقلاب الجنرالات الابيض لعام 1997، عندما نجحوا في ازاحة اول حكومة تركية بقيادة اسلامية عن السلطة. و مع ذلك بالرغم من ان البعض في امريكا قد يرحب بتلك النتيجة، الا ان فرص حدوثها تبقى صغيرة. فعلى العكس من 1997، ان احزاب المعارضة تفتقد الى القوة البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة. وان المستثمرين الاجانب، المهمين في قوة الاقتصاد، قد يصابون بالفزع اذا ما تحرك الجيش. وهنالك خطر آخر و هو ان المعارضة للحكومة المسنودة من قبل الجيش سوف لن تاتي فقط من الاحزاب الكردية و الاسلامية الرئيسة فحسب ، بل من المليشيا، التي يشك بامتلاكها علاقات مع ارهابيين اسلاميين. ان مثل هذه السيناريوهات التي ينظر إليها الان بجد تبين ان عضوية الاتحاد الاوربي، مع كل نواقصها، هي الضمانة الافضل-وربما الوحيدة- لتحقيق حلم اتاتورك في بناء ديمقراطية قوية على النمط الغربي. و بنظرة صحيحة ونكران ذات فان السيد اردوكان ما زال قادرا على دخول التاريخ باعتباره الرجل الذي جعل من ذلك الحلم يتحول الى حقيقة. ولكن عليه ان يثبت كونه رجل دولة- وسيتوجب على الاتحاد الاوربي(وامريكا) ان يقدما له يد العون خلال ذلك.


طريق الخروج الصعب من العراق
 

ترجمة: فؤاد عبدالجبار
عن: الواشنطن بوست

قبل بضعة اشهر شرح مستشار الامن القومي السابق زبينيغيو بريجينسكي لمسؤول كبير في ادارة بوش خطته لانسحاب منتظم للقوات الامريكية من العراق خلال 12 شهراً بعد التشاور مع العراقيين. و قد اكد له مسؤول الادارة قائلا: " سنقوم بالشيء نفسه "، ثم اسره " لكننا سنسميه نصرا ". و قد اصبح هذا الموضوع رسميا هذا الاسبوع. اذ ان سياسة ادارة بوش في العراق لم يعد في مقدورها الصمود و لكن ما ذكره توني سنو متحدث البيت الابيض: " الفكرة غير التنفيذ " فان ما استطيع ان اقوله من الحقيقة ان الادارة ليست متاكدة من السياسة التي ستتبعها بعد انتخابات تشرين الثاني المقبلة و لاحتى معظم منتقدي الادارة. ان معظم الصحف هذا الاسبوع حملت مقالات افتتاحية تعرض بعض الاراء (لتغير المسار) لكنها تبخرت عندما دخلت في التفاصيل. اذ ما هي البداية الصحيحة لانسحاب تدريجي في العراق؟ كيف تتمكن الولايات المتحدة و هي تبحث عن مخرج ان تتجنب الاخطاء المعقدة التي ارتكبتها عند غزو العراق؟
و لكشف الضوء عن الوسيلة فاننا ممتنون للدراسات التي قدمتها اللجنة المشتركة في الحزبين والتي تراسها وزير الخارجية الاسبق جيمس بيكر و عضو الكونغرس السابق لي هاملتون.ان نقطة البداية التي يشير اليها هذا التقرير هو ان نفهم ماذا تفعل الولايات المتحدة الان في العراق؟ استراتيجية الانسحاب على مراحل تاخذ مجراها و لكنها على الورق. و اخر تاكيد على هذه الاستراتيجية جاء امس بمقترحات السفير زلماي خليل زادة و الجنرال جورج كيسي بوضع جدول زمني لنقل السلطة إلى العراقيين بعد فترة تتراوح من 12-18 شهرا.
الا ان هذه الخطة تتخوف من حدوث حرب اهلية بين الفصائل العراقية. فعند نهاية هذا العام ، يتوجب على العراقيين القبول بحل المليشيات و توزيع عوائد النفط و التخفيف من معارضة عودة البعثيين، كل هذا يبدو منطقيا على الورق. لكن المشكلة ان هذه الطريقة لم تنجح. فمنذ كانون الثاني الماضي،يحاول زلماي خليل زادة حث القادة العراقيين في المنطقة الخضراء لتنفيذ هذا الاتفاق و لكن الامال قد فشلت لسبب بسيط ولكنه معقد. فالسنة و الشيعة في العراق قد وصلت بهم الحال إلى الاعتقاد باستحالة حصول اية تسوية بين الطرفيين، اذ كيف سيتم الانسحاب بوجود هذا الواقع من الكراهية بين الطوائف؟ و كان جواب الادارة في بناء قوة عسكرية في امكانها فرض سلطة قوية. و لكن ذلك لن ينجح ايضا. فالقوات العراقية و بكل بساطة لا تستطيع ان تجاري القسوة التي لدى المتمرديين و فرق الموت. القوات الامريكية باستطاعتها ذلك و لكن الثمن سيكون ارواح الامريكيين الذي لم يعد مقبولا. فاذا كنا جادين بجدولة الانسحاب من العراق فعلينا القبول بالحلول العراقية التي قد يرافقها العنف و الغضب.
بعد اسابيع من الانتخابات سيتركز الجدل في واشنطن على طريقتين للانسحاب، لكن من الضروري ان تعلق الامال على واحدة منها. الطريقة الاولى هي عراق اكثر فدرالية
مع تحويل السلطة إلى المناطق السنية و الشيعية و الكردية. لكن هذه الطريقة تفترض حكومة وطنية قوية قادرة على سن القوانيين و منها توزيع عوائد النفط، فلو حدث مثل هذا الاتفاق الوطني فسوف لن يكون العراق ساحة للفوضى. مشكلة اخرى مثيرة للمتاعب و هي فرض الاستقرار في المناطق السنية التي ربما ستكون ماوى للمتمردين. فاذا لم يتمكن الجيش العراقي من فرض سيطرته على هذه المناطق فلن يكون هنالك بديل الا وجود مليشيا سنية تتشكل من المتمردين انفسهم تقوم بالمهمة.
لقد التقى مسؤولون امريكان سرا في الخارج مع قادة من المتمردين في مسعى لدفعهم إلى الاشتراك في هذا الاطار من العمل. اما الحل الثاني فسيكون عن طريق سوريا و ايران. ان الحوار مع طهران و دمشق قد يكون مفيدا في استقرار العراق. و لكن يجب ان ندرك منذ البداية ان تاثيرها محدود و قد يكون ثمنه باهظا. قد يكون بمستطاع سوريا ان تحد من نشاط القاعدة في العراق لكن هذه الامكانيات محدودة و قد تؤثر على القدرات السورية كما بدا ذلك واضحا من احتلالها القاسي و الطويل للبنان.
الفرصة الحقيقية المتاحة هي التي قدمتها لجنة بيكر
هاملتون التي تمثل الحزبين الجمهوري و الديموقراطي. ان اخراج معظم القوات الامريكية من العراق خلال العام القادم يحتاج إلى مزيد من الصبر من امريكا و التقليل بكثرة من المواجهة مع المتمردين. كما ان على سياسيينا ان يتحلون بالصبر اكثر، اذ عليهم تدبير امر انسحاب يتسم بالقوة.و سيكون هنالك مخرج لهذه المحنة و لكننا سنكتب اننا سميناه نصرا.


ماتأخذه الصين من افريقيا لاتحصل عليه افريقيا من الصين

ترجمة: بغداد -المدى
عن الايكونومست

ان ماتعنية احرف "افريقيا" في لغة الماندرين هو " القارة الخطأ". ولكن الصينيين غالبا ما كانوا يتجاهلون هذا المعنى اللغوي. ففي القرن الخامس عشر ابحر مبعوثو الامبراطور حتى وصلوا موزمبيق، حاملين معهم الحرير وعادوا بزرافة. في الحرب الباردة قام الماويون بترصيع افريقيا بالمستشفيات، ملاعب كرة القدم و الافكار الكارثية. في الاسبوع القادم ستضيف الصين اكثر من 30 قائداً افريقيا من القارة الخطأ في بكين، ديون اغاثة، فيض من المعونات، اضافة إلى المزيد من المساعدات السخية في التجارة و الاستثمارات. فالصين تقوم الان بشراء عشر صادرات جنوب الصحراء الافريقية و لديها ما يقارب 1.2 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة في المنطقة. ربما يبلغ عدد الشتات الصيني الان في افريقيا 80000 بضمنهم العمال و رجال الاعمال، الذين يجلبون خبرات ومعارف إلى اماكن عادة ما يتم زيارتها من قبل لاندكروزرات وكالات المساعدات الدولية. فماذا يوجد فيها للصين؟ انها لم تعد ترغب في قلوب، عقول و زرافات الافارقة. في معظم الاحوال، انها لا ترغب سوى في نفطها، المواد الاولية والخشب- اضافة إلى دعمها في الامم المتحدة. و لهذا، فحتى لو ربح الصينيون حقوق التنجيم، اصلاح خطوط السكك الحديد و اقامة انابيب نقل النفط في القارة، فان الحكومات الافريقية تقوم بغلق سفاراتها في تايوان مراعاة لسياسة بكين القائمة على الصين الموحدة. وهذا يناسب الحكومات الافريقية. فالتهافت على المصادر يتجاوز بشكل ثابت المستوى الوزاري، حيث يتم بيع الامتيازات و جمع تراخيص الاختراع. تساعد الصين الحكومات الافريقية على تجاهل ازعاجات الغرب حول حقوق الانسان: فقد سمح دعمها للسودان بتجنب عقوبات الامم المتحدة بسبب دارفور. و ينظر بعض الافارقة إلى الصين كنموذج متطور، يستبدل اجماع واشنطن العسير بـ"اجماع بكين": ان التقدم الاقتصادي للصين يستشهد به من قبل من يؤمنون بسيطرة الدولة على النشاط الاقتصادي، ومساندي مبدأ الحماية الاقتصادية والسفاحين على حد سواء لغرض "اثبات" ان عملية المحافظة على سيطرة الدولة على الشركات، التجارة و الحريات السياسية لا يؤدي إلى وقف نمو البلاد الذي يزيد على 8% في العام. ان دور الصين في هذه الفزورة سهل التعامل معه: حتى وان لم تكن القوة الاولى المتعطشة للمصادر التي تتصرف بشكل هزيل في افريقيا، فان الصين ينبغي ان تدان في اي مكان تقدم فيه الرشى، التملق او (في حالة السودان) تسمح بالابادة الجماعية. ولكن ماذا بصدد امل الافارقة في ان تقدم الصين نموذجا اقتصاديا؟ من المؤسف ان نجاح الصين يشكل عقبة، اضافة إلى كونها الهاما. فنهوضا قد ادى إلى ارتفاع المواد الخام التقليدية في افريقيا، و إلى هبوط اسعار البضائع المصنعة. لذلك فان المصانع الافريقية و خطوط التجميع، تخسر في عملية المنافسة على مناجمها، مقالعها و حقول نفطها امام الاستثمار. وحتى ان كانت قوة العمل الافريقية رخيصة بما يكفي للتنافس مع الصين، الا ان طرقها، موانئها و نظمها هي ابعد من ان تكون جيدة بما يكفي. وان توجب عليها ان تقوم بتقديم فرص عمل لعمالها، و ليس فقط التاجير لحكوماتها، فان على الشركات الافريقية ان تجد مجالات اقل عرضة للمنافسة في عالم الاقتصاد، مثل السياحة و قطف الزهور. و عليها ألا تنظر إلى الصين، بل إلى الشيلي او بوتسوانا كنماذج عن كيفية تحويل الثروة الطبيعية إلى ازدهار عام. تقوم الصين بدورها في تحسين البنية التحتية، بناء الطرق و سكك الحديد. و لكن بامكانها القيام بالمزيد بفتح اسواقها ذاتها. ان الصين مفتوحة تماما امام الخيوط، و لكن ليس امام قماش الجيرزي؛ امام الماس، و لكن ليس امام المجوهرات. فان كان لديها الكثير من "التضامن" مع افريقيا كما تزعم، فان بامكانها ان تقدم تعريفة اقل على البضائع المعاملة. فلقد تجاهلت الشركات الصينية ايضا المبادرات الدولية حول "مباديء خط الاستواء" و جعل صناعة المناجم انظف "مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية". و حتى مع دعم الصين، فان تلك الجهود الخارجية قد لا تنجح: النزاهة و الخضرة تاتي من الداخل. فبدونها، سوف يفشلون بالتاكيد. من جانبهم، يمكن للقادة الافارقة ان يلعبوا دورا افضل من جانبهم. فعليهم التحدث إلى بعضهم البعض اضافة إلى مضيفيهم الصينيين. فاذا ما تفاوضوا ككتلة واحدة، فانهم قد يتمكنوا من ان يبرموا صفقة اقوى. تماما مثلما تصر الصين على ان الاجانب يدخلون في مشاريع مشتركة مع شركاتها، لذلك على الأفارقة ان يتاكدوا من انهم سيحصلون على الخبرات الصينية، و ليس على نقودها فقط.


التعذيب لماذا يريد البعض استخدامه؟
 

ترجمة: بغداد-المدى
عن الايكونومست

من المفيد ان يشكك المرء في استطلاعات الرأي. فطبقا للأسئلة التي يطرحها القائمون على الاستطلاع، وكيفية طرحها، فانه يمكن الحصول على أكثر النتائج سخفا وإثارة للدهشة. ولكن بعض الاستطلاعات تخرج بمعلومات مقلقة حقا. فطبقا لاستطلاع اجري من قبل "BBC "، صدر في يوم الخميس 19 تشرين الأول، اعتبر ما يقارب ثلث المساهمين في الاستطلاع (شارك فيه 27000 شخص في 25 بلداً) بان التعذيب مقبول ضمن ظروف معينة. و وجد استطلاع آخر نشر في تشرين الثاني الماضي قام به مركز بيو للأبحاث بان ما يقارب النصف من الامريكان يعتقدون بان تعذيب المشتبه بانتمائهم للارهاب يمكن، في بعض الأحيان، ان يبرر. ان تلك النتائج تتطابق مع استطلاعات بيو الأخرى التي أجريت في السنوات القليلة السابقة. ان تقسيم الأهمية التي تتسم بها هذه المعطيات ليس بالأمر السهل. من الواضح بان مختلف العاملين في الاستطلاعات، على سبيل المثال، قد تركوا الأمر على عاتق المستجيبين لتحديد ما يعنونه بالتعذيب. و لكن النتائج تكون فاتنة بشكل خبيث و تعطي دلالات عن سبب كون بعض الأشخاص أكثر ميلا للتفكير في التعذيب من الآخرين. و رغم ان هنالك أغلبية واضحة، على امتداد العالم، تعارض استخدام التعذيب حتى في المناسبات، إلا ان هنالك مجموعات كبيرة ترغب في القول بأنهم يفضلون استخدامه. لذلك فان 53% من يهود اسرائيل، طبقا لاستطلاع BBC، قد يسمحون بتعذيب المشتبه بكونهم ارهابيين لغرض محاولة الحصول على معلومات ربما تنقذ ارواحاً بريئة. (لم يوافق على ذلك سوى 16% من المسلمين الاسرائيليين). اما الجاليات الكبيرة في الفليبين، اندونيسيا، كينيا و روسيا- حيث ادت الهجمات الارهابية إلى ازهاق ارواح- قد يتحملون مسالة استخدامه. و لكن الخوف من الارهابيين ليس هو العامل الاوحد. فالمواقف العامة من حقوق الانسان تلعب دورا ايضا. ففي عدد من الاماكن التي تمنع فيها عقوبة الاعدام، كما هو الحال في الاتحاد الاوربي، لا يوجد الا القلة ممن يقبلون استخدام التعذيب حتى في الحالات المتطرفة. في بريطانيا، و اسبانيا، و كلاهما كانا يمثلان مسرحا لهجمات ارهابية كبيرة خلال السنوات الماضية، لا يوجد الا نسبة صغيرة تفكر في استخدامه. في المقابل في الصين البعيدة عن الارهاب، حيث تستخدم السلطات عقوبة الاعدام بحماس، قال ما يزيد على ثلث الذين استجوبوا بانهم يوافقون على استخدام التعذيب. كما ان الجهل له علاقة بالامر ايضا. فقد بين استطلاع بيو الاخير بان عامة الناس في امريكا هم اكثر حماسا حول استخدام التعذيب في المناسبات من الخبراء الامنيين، الاكاديميين او القادة العسكريين. من المغري ان نستنتج بان الخبراء الذين قد يمتلكون فكرة افضل عن فائدة استخدام التعذيب هم اقل ميلا لتاييد استخدامه. و لكن من الجلي، بان البعض يعتقدون بالفعل، او ما شابه ذلك، قد يكون التعذيب نافعا للدول التي تقاتل الارهاب. يقول مسؤولو الامن الاسرائيليون بانهم منعوا حدوث هجمات ارهابية من المعلومات التي تم الحصول عليها من "عمليات الاستجواب القهرية" للمشتبه بهم. في 17 تشرين الأول وقع جورج بوش على قانون اللجان العسكرية الذي يسمح(رغم انه ينكر من ان ذلك يقر التعذيب) لمحققي المخابرات المركزية الامريكية باستخدام طرق استجواب، جسدية، قاسية ضد المشتبه بكونهم من الارهابيين. وطبقا لمنظمة العفو الدولية، فان التعذيب وسوء معاملة السجناء ما زال يمارس في بلدان عديدة. ان كل اولئك الذين يؤمنون باسخدامه يعتقدون بانه قد ينفع، لذلك، لا يمكن أن تثنيهم بالجدل الاخلاقي و القانوني. ان جميع الاتفاقيات الكبيرة حول حقوق الانسان و التي ابرمت بعد الحرب العالمية الثانية تتضمن تحريما مطلقا للتعذيب، و بدون استثناءات. و لا يوجد نظام محلي يسمح به رسميا. كما لا يمكن لاي انسان بان يكون متاكدا من انه يقوم بتعذيب المذنبين فقط. فالمجلس السياسي في الارجنتين، على سبيل المثال، برر استخدام التعذيب ضد المجموعات اليسارية التي ادت إلى مقتل آلاف الابرياء بين عامي 1976 و 1983. و هنالك محاججة اكثر دلالة، بدلا من ذلك، وهي انه غالبا ما يكون للتعذيب نتائج معاكسة. فالسجين اليائس قد يقول اي شيء لكي يضع حدا لآلامه، تاركا للمحققين معلومات غير نافعة او مشوشة. بالاضافة إلى ذلك، فان الحكومات التي تستخدم التعذيب من المرجح ان تثير سخطا شعبيا و المزيد من المعارضين الناقمين. ان الطرق الفرنسية القاسية التي استخدمت ضد اولئك الذين يقاتلون من اجل الاستقلال في الجزائر قد ادت إلى انقسام الراي العام المحلي في فرنسا و إلى تقوية اعدائها. كما ان الاساءات المنظمة ضد السجناء الفلسطينيين على يد اجهزة الامن الاسرائيلية، شين بيت، لم تفعل شيئا لثني المقاتلين الفلسطينيين و الانتحاريين. و حتى ان اقرب حلفاء امريكا يقولون بانهم قد صدموا بالمعاملة التي يتلقاها المشتبه بانتمائهم للارهاب و التي، غالبا ما ترقى إلى مصاف شيء يقترب من التعذيب. و في حالات كثيرة جدا، على ما يبدو، يتعرض المشتبة بانتماهم للارهاب إلى معاملة قاسية ليس من اجل الحصول على معلومات، بل لاغراض انتقامية او للاذلال.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة