تركيا
والمشاكل المرتقبة
ترجمة فاروق السعد
عن الايكونومست
قد
تكون هنالك نتائج خطيرة تترتب على العلاقات السيئة لتركيا
التي تربطها حاليا بكل من الاتحاد الاوربي وامريكا. فهذه
الايام يدور هنالك الكثير من الكلام عن سلسلة من المشاكل
التي ستظهر في وقت لاحق من هذا العام والتي ستسبب تعثرا في
مباحثات تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوربي. فهل توجد
مبالغة في هذا الكلام؟ ام انها مجرد امور هامشية؟ اخشى انه
لاهذا و لا ذاك. فالخطر حقيقي.
"ان
تلك الكلمات الوداعية التي صدرت عن سفير بريطانيا المنتهية
مهمته، السير بيتر ويستماكوت، تعكس قلقا متزايدا حول
علاقات تركيا مع الاتحاد الاوربي. ان ما يسبب تلك المشاكل
التي تلوح في الافق هي قبرص، التي انضمت الى الاتحاد
الاوربي كبلد مجزأ عام 2004. فالاتحاد الاوربي يصر على
وجوب ايفاء تركيا بالتزاماتها بفتح موانئها امام سفن و
طائرات الجزء اليوناني من قبرص . و تجيب تركيا بان ذلك
الجزء من الصفقة كان يهدف الى انهاء العزلة الاقتصادية على
القبارصة الاتراك. وانها لن تتحرك باتجاه الموانيء الى ان
يتم رفع الحصار المفروض على شمال قبرص المحتل من قبل تركيا.
وان لم يتم حل ذلك الجدل خلال نهاية العام، فان مباحثات
انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي قد يتم تعليقها. ولكونها
بلدا حليفا قديما، ولاهميتها الاستراتيجية و لحجمها فان
خللا في علاقات تركيا مع الاتحاد الاوربي سيكون له
انعكاسات تتعدى حدودها. فهذا سيعزز الشكوك في العالم
الاسلامي من ان الاتحاد عبارة عن ناد مسيحي. ونتيجة لادراك
هذه المخاطر، فان فنلندا ، التي تترأس الاتحاد، كانت قد
تقدمت بخطة يسمح بموجبها للقبارصة اليونانيين باستخدام
الموانيء التركية و القبارصة الاتراك بتصدير بضائعهم، تحت
اشراف الاتحاد، من الميناء الواقع تحت السيطرة التركية،
فاماكوستا. و في هذا الاسبوع قال كل من عبدالله كول، وزير
الخارجية التركي، و علي باباكان، و زير الاقتصاد و كبير
المفاوضين مع الاتحاد الاوربي، بانهما كانا ياملان بالتوصل
الى اتفاق قبل ان تصدر المفوضية الاوربية تقريرها عن دخول
تركيا في 8 تشرين الثاني. يقول المسؤولون الاتراك ،على
انفراد، بان اية صفقة يجب ان تشمل اعادة فتح شمال قبرص
امام حركة الطائرات التجارية، لان السياحة هي الطريقة
الوحيدة لانهاء اعتمادها المساعدات التركية. و يقول
القبارصة الاتراك بان ذلك امر مستبعد طالما ان تركيا ترفض
الاعتراف بحكومتهم على اعتبار انها الحكومة الشرعية
الوحيدة في الجزيرة. فاذا لم تحدث معجزة في اللحظة الاخيرة
حول قبرص، فان افضل الامال تدور حول السماح باستمرار
المفاوضات حول فصول لا تتعلق بالتجارة او المسائل الاخرى
التي تؤثر بشكل مباشر على القبارصة اليونانيين. و لكن ذلك
يعني اقناع القبارصة اليونانيين على رفعهم حق النقض امام
فتح فصول جديدة. كما ان الشكوك في انقرة تشير في كل
الاحوال الى ان بلدانا مثل النمسا و فرنسا، حيث يوجد هناك
معارضة شعبية قوية امام انضمام تركيا، ستكون سعيدة جدا في
رؤية تعليق المباحثات. والا ، كما يقول الاتراك، كيف يمكن
تفسير تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على لائحة تعتبر
انكار حدوث الابادة الجماعية للارمن على يد الامبراطورية
العثمانية جريمة؟ او مطالبات الساسة الفرنسييون باعتبار
الاعتراف بالابادة الجماعية شرطا امام عضوية تركيا، رغم
تاكيد عضو المفوضية، اولي رين، بعدم وجوب ذلك؟ واذا ما
اخذنا بنظر الاعتبار رد الفعل الشعبي في تركيا على ما
اعتبر ازدراءاً اوربيا، فان البعض يعتقد الان بان اول من
سيترك المباحثات هو رجب طيب اردوكان، رئيس الوزراء التركي.
وبوجود انخفاض في نسبة التاييد لعضوية الاتحاد الاوربي الى
ما دون 50% ، فان وقفة تحد قوية قد تكون طريقة جيدة للحصول
على اصوات الوطنيين لحزب السيد اردوكان الاسلامي المعتدل
في الانتخابات البرلمانية المقرر اجراؤها في كانون الاول
القادم. وكما هو الحال دوما، فان الاتراك المؤيدين لانضمام
تركيا يعلقون امالهم على امريكا لانقاذ الموقف.
فالاضطرابات الاقتصادية و السياسية التي يخشى العديد انها
ستعقب تعليق مباحثات حصول تركيا على عضوية الاتحاد
الاوروبي قد تدفع امريكا الى استخدام نفوذها على ذوي
الاوزان الثقيلة من امثال مستشارة المانيا، انجيلا ميركل،
التي من المتوقع ان تتولى رئاسة الاتحاد في كانون الثاني.
ان المشكلة تتمثل الان في انه لم يتبق للسيد اردوكان الا
القليل من الاصدقاء في واشنطن. ففشله في تحقيق وعوده في
تسهيل الغزو الامريكي للعراق و مفاوضاته مع ايران و سوريا
جعلته يبدو شريكا لا يعتمد عليه. وهذه المسائل كما تفكر
امريكا هي الرد الامثل على طموحات ايران النووية. وفي
الداخل، ايضا، يواجه السيد اردوكان مشاكل مع صقر البلاد
الجديد رئيس الاركان، الجنرال ياسر بويوكانيت. فمنذ توليه
منصبه في آب، صعد الجنرال واعوانه من حجم الخطاب الذي
يستهدفون به كلاً من الحكومة والاتحاد الاوربي. فعندما صرح
"مهمة اغار"، قائد الحزب المعارض "حزب الطريق الصحيح"،
الاسبوع الماضي بانه سوف لن يسمح للجنرالات بالكلام عندما
يتسلم السلطة، رد الجنرال بويوكانيت بانه سيستمر في الكلام
" حتى لو كنت مسؤولا." تهدف مواقف الجيش جزئيا الى اجبار
السيد اردوكان على التراجع عن طموحاته المزعومة في خلافة
العلماني احمد نجاد سيزار كرئيس عندما تنتهي ولايته في
مايو. لقد امضى السيد سيزار السنوات الثلاث الماضية في
عرقلة اي تشريع مقترح من قبل السيد اردوكان الذي كان
يعتبره يشكل تهديدا للخيام العلمانية للدستور. فبالنسبة
الى العلمانيين تمثل الرئاسة الصرح الاخير المتبقي؛ فاذا
ما تغلب عليها السيد اردوكان التقي الاسلامي، فانهم يخشون
بان ذلك يعني نهاية لجمهورية اتاتورك. وان حركات مناهضة
السامية التي عرضت من قبل زملاء السيد اردوكان لم تساعده.
قد يتم اغراء الجنرال بويوكانيت للتعبير عن تلك الاهتمامات
عندما يزور واشنطن في وقت قريب. وان وجهات نظره حول ايران(
حيث وصف في يوم ما ثيوقراطية ايران على انها "النقيض"
لجمهورية اتاتورك) سوف تثير بالتاكيد اعجاب مضيفيه. فاذا
ما انهارت مباحثات الاتحاد الاوربي، فان الجيش قد يحصل على
حرية التصرف. هناك كلام غير مؤكد حول تكرار ما يسمى انقلاب
الجنرالات الابيض لعام 1997، عندما نجحوا في ازاحة اول
حكومة تركية بقيادة اسلامية عن السلطة. و مع ذلك بالرغم من
ان البعض في امريكا قد يرحب بتلك النتيجة، الا ان فرص
حدوثها تبقى صغيرة. فعلى العكس من 1997، ان احزاب المعارضة
تفتقد الى القوة البرلمانية اللازمة لتشكيل حكومة. وان
المستثمرين الاجانب، المهمين في قوة الاقتصاد، قد يصابون
بالفزع اذا ما تحرك الجيش. وهنالك خطر آخر و هو ان
المعارضة للحكومة المسنودة من قبل الجيش سوف لن تاتي فقط
من الاحزاب الكردية و الاسلامية الرئيسة فحسب ، بل من
المليشيا، التي يشك بامتلاكها علاقات مع ارهابيين اسلاميين.
ان مثل هذه السيناريوهات التي ينظر إليها الان بجد تبين ان
عضوية الاتحاد الاوربي، مع كل نواقصها، هي الضمانة
الافضل-وربما الوحيدة- لتحقيق حلم اتاتورك في بناء
ديمقراطية قوية على النمط الغربي. و بنظرة صحيحة ونكران
ذات فان السيد اردوكان ما زال قادرا على دخول التاريخ
باعتباره الرجل الذي جعل من ذلك الحلم يتحول الى حقيقة.
ولكن عليه ان يثبت كونه رجل دولة- وسيتوجب على الاتحاد
الاوربي(وامريكا) ان يقدما له يد العون خلال ذلك.
|