الانسان والمجتمع

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

لمناسبة بدء العام الدراسي الجديد  .. مسح ميدانـي للمخـاوف المدرســية لـدى أطفال بغــداد
 

*أشد ما يخافه تلاميذنا هو الضرب والشتائم من معلميهم.

*تشكل البيئة المدرسية أقوى مصادر الخوف لدى أطفالنا.

*الإناث أكثر تحسساً للعقوبات والإهانات من الذكور.
 

د. أحمد لطيف جاسم
تعد المدرسة مؤسسة اجتماعية تربوية لتنشئة الطفل. وهي بالنسبة له بيئة جديدة بقوانينها ونظمها والعلاقات الاجتماعية السائدة فيها. وتسهم الأسرة بدور يتكامل وينسجم مع الدور الذي تضطلع به المدرسة ذاتها، وإن الاتصال الودي والمباشر بينهما يساعد في تعزيز الجوانب الإيجابية وإزالة النواحي السلبية.

وفي مقدمة ما يحتاجه الطفل في بيئته الجديدة أن يشعر بالألفة والطمأنينة، لذا ينبغي ان يكون الاهتمام منصباً على الناحيتين الانفعالية والاجتماعية في شخصية الطفل، غير أن الكثير من تلاميذ المرحلة الابتدائية يشكون اضطرابات نفسية عديدة، تخلق خللاً في توازنهم العام، وتدعو إلى ارتباك الأهل. ومن أهم هذه الاضطرابات ما يصطلح عليه بـ(المخاوف المدرسية) School phobia، التي تؤدي دوراً سلبياً في أغلب جوانب شخصية التلميذ وتكيفه المدرسي، وبالتالي تحصيله وانجازاته الدراسية. فالخوف يعدّ من أكثر الانفعالات مجلبة للانقباض والاكتئاب، ويتخذ أساليب غير سوية متنوعة للتعبير عنه، إذ يمارس تأثيراً سيئاً على النمو الفزيولوجي والعقلي والاجتماعي للطفل، فضلاً عن إن الكثير من العقد النفسية يرجع سببها إلى الخوف.
وتعرّف (المخاوف المدرسية) بأنها (انفعالات دائمية أو مؤقتة تثيرها المواقف أو الأوضاع أو الأشخاص أو الموضوعات أو الأماكن أو الأفعال المتعلقة بالحياة المدرسية). إن هذه المخاوف التي يتعرض لها التلميذ قد تكون بسيطة في تأثيرها في باديء الأمر، الا أنها قد تتعقد ويصعب معالجتها في المستقبل، الأمر الذي قد تتمخض عنه مشكلات نفسية تعيق مسيرته الدراسية، إذ تترك فيه آثاراً غير تكيفية قد تؤدي إلى هروبه من المدرسة أو تركها نهائياً، مما يتطلب التصدي لها والوقوف على مصادرها وتشخيصها والعمل على التحرر منها.
كما إن الكشف عن المخاوف المدرسية ومصادرها يمكن أن يؤدي إلى تغيير العلاقات الاجتماعية بين التلاميذ من جهة، والقائمين على تربيتهم وتعليمهم في البيت والمدرسة من جهة أخرى، تغييراً نحو الأفضل، وذلك بتصحيح مواقفهم وعلاقاتهم بطريقة لا يكونون فيها مصدراً من مصادر مخاوفهم المدرسية؛ فضلاً عن إن دراستها دراسة علمية ستكون عوناً في إعطاء صورة شاملة لواقع هذه المخاوف ومصادرها، مما يساعد الجهات المشرفة للقيام بإجراءاتها ضمن مسؤولياتها بصورة سليمة، وعلى الأخص في مجال التوجيه والإرشاد النفسي.
وهذا ما سعت الدراسة الحالية لتناوله وبحثه، عبر التعرف على المواقف المخيفة للتلاميذ، والناتجة عن تفاعلاتهم مع بيئة المدرسة تحديداً،دون الخوض في المخاوف الأخرى الناجمة عن صدمات الحرب وتدهور الحالة الأمنية. وعلى هذا الأساس تم التعرف على:
1- أنواع المخاوف المدرسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية.
2- الفروق في المخاوف المدرسية لدى التلاميذ تبعاً لجنسهم (ذكور/ إناث).
إجراءات الدراسة
تألف مجتمع الدراسة من تلاميذ المرحلة الابتدائية، إذ اختير منهم عينة مكونة من (60) تلميذاً من الصفين الخامس والسادس موزعين على (3) مدارس ابتدائية في بغداد بالتساوي، طـُبِق عليهم مقياس سابق متخصص بالمخاوف المدرسية، بعد تعديله والتحقق من شروطه الموضوعية، وبثلاثة بدائل للاستجابة، هي: (أخاف كثيراً، أخاف قليلاً، لا أخاف). واستعمل (الوسط المرجح) لكل فقرة كوسيلة إحصائية للتعرف على نسبة الإجابة عن كل فقرة في المقياس وحسب متغير الجنس.
النتائج
أظهر التحليل الإحصائي لبيانات الدراسة، وحسب هدفها الأول، أن المخاوف المدرسية التي يعانيها التلاميذ، هي الآتية، مرتبة تسلسلياً من أشدها إلى أقلها انتشاراً:
1-الخوف من الألفاظ غير اللائقة التي يوجهها المعلم أمام التلاميذ.
2-(الخوف من الرسوب في آخر السنة)، و(الخوف من ضرب المعلم على أصابع اليد بالعصا).
3-الخوف من مادة الرياضيات.
4-الخوف من مدير المدرسة.
5-الخوف من العقاب عند ترك المدرسة أثناء الدوام الرسمي.
6-(الخوف من مادة اللغة الإنكليزية)، و(الخوف من أخذ درجة غير جيدة)، و(الخوف من التأخر عند حضور الامتحانات).
8- (الخوف من الامتحانات اليومية)، و(الخوف من امتحانات نصف السنة ونهاية السنة).
9-الخوف أثناء توزيع الشهادات المدرسية.
10-الخوف عند التأخر عن الدوام الرسمي.
11-الخوف من مشرف المدرسة.
12الخوف من طرح الأسئلة الشفهية على المعلم.
13الخوف من الأسئلة الشفهية التي توجه في الصف.
14(الخوف من الامتحانات التحريرية اليومية)، و(الخوف من الامتحانات الشهرية).
15-الخوف من معاون المدرسة.
16-الخوف من الطبيب عند زيارته المدرسة.
17-الخوف من اعتداء بعض الزملاء عند الخروج من المدرسة.
18-الخوف من مادة المحفوظات.
19-(الخوف من الاشتراك في الفعاليات والأنشطة خارج المدرسة)، و(الخوف من الجلوس في الصف الأمامي).
20-الخوف من درس الدين.
21-الخوف من القاء كلمة أو قصيدة في الساحة أمام المعلمين والتلاميذ.
22-الخوف من التجمع في الساحة "الاصطفاف".
23-(الخوف من مراقب الصف)، و(الخوف من القراءة بصوت مسموع داخل الصف).
24-الخوف من عاملات المدرسة.
أما بخصوص الهدف الثاني، فأظهرت النتائج مؤشرات لفروق بين مخاوف الإناث والذكور، إذ اتضح تفوق الوسط الحسابي للإناث على الوسط الحسابي للذكور تفوقاً ذا دلالة إحصائية. كما تفوقت الإناث على الذكور في معظم المخاوف، ومن بينها: (الخوف من الألفاظ غير اللائقة التي يوجهها المعلم أمام التلاميذ)، و(الخوف من ضرب المعلم على أصابع اليد بالعصا)، و(الخوف من الرسوب آخر السنة)، و(الخوف من معاون المدرسة)، و(الخوف من الجلوس في الصف الأمامي)، و(الخوف من أخذ درجة غير جيدة)، و(الخوف من التجمع في الساحة "الاصطفاف")، و(الخوف من عاملات المدرسة).
توضح هذه النتائج بجلاء أن مخاوف أطفالنا مصدرها بالدرجة الأولى توجسهم من العقوبات والأفعال العدوانية التي قد يتعرضون لها من الآخرين (أي البيئة). فيما يشكل قلقهم من أنفسهم (أي بعض مظاهر القصور لديهم) مصدراً ثانوياً لهذه المخاوف.
ويمكن تفسير ذلك على أساس أن النقد الزائد للأطفال أو شتمهم وعقابهم (في البيت والمدرسة) يؤدي إلى تنمية شعورهم بالخوف، وتوقعهم أن استجاباتهم ستكون سلبية على الدوام، فتظهر لديهم سلوكيات الانسحاب والتجنب، ومشاعر الذنب والقلق والانتقاص من الذات. وقد يتعلم الأطفال الخوف عن طريق التقليد عندما يكون أحد الوالدين مصاباً بمخاوف شديدة.
أما عن النتيجة الثانية القائلة بمعاناة الإناث من المخاوف بدرجة أكبر من الذكور، فتنسجم مع فروقات التنميط الاجتماعي لسلوك الجنسين، إذ غالباً ما تتيح التنشئة الاجتماعية التقليدية الفرصة للإناث، بل تشجعهن، على التعبير والبوح الصريح بمخاوفهن بوصفهن الجنس الأضعف، فضلاً عن المؤشرات الموضوعية الكثيرة الدالة على أن حصة الإناث من العنف الاجتماعي تفوق حصة الذكور.
توصيات
في ضوء نتائج هذا المسح الميداني، نوصي بالآتي:
1- ضرورة اعتماد أساليب تربوية وتعليمية قائمة على أسس علمية صحيحة في تربية وتنشئة الأطفال في مدارسنا، وتجنب الأساليب العقابية البدنية أو اللفظية نحوهم
2- اعتماد المعلمين ومديري المدارس خططاً عادلة ومتوازنة في مكافأة التلاميذ ومحاسبتهم، على أسس علمية وإنسانية.
3- تحبيب المدرسة للأطفال، وهذا من مسؤولية عوائل التلاميذ، إلى جانب الهيئة التعليمية في المدرسة من خلال التوعية والإرشاد المستمر.
4- زرع ثقة الأطفال بأنفسهم وبكفايتهم وبقدراتهم، وتشجيعهم باستمرار على العطاء والإنجاز الدراسي يوماً بيوم.


في مقابلات مع مواطنين من محافظة واسط .. نظرة الرجـــل إلى المرأة لا تـزال مثقلة بالشـك والاستصغــار وضعـــف الثقـة
 

علي كاظم الشمري
من البديهيات ان الجنس البشري مؤلف من نوعين بيولوجيين: الذكر والأنثى. وهذا يشمل جميع الكائنات الحية من حيوان ونبات، باستثناء حالات خنثية محدودة. وعلى الصعيد السوسيولوجي، يرى علماء الاجتماع أن هذا التقسيم البيولوجي الثنائي للجنس البشري كان من بين أبرزالعوامل أثراً في نشأة المجتمعات وصيرورتها، إذ تبدى ذلك في مظاهرإعتبارية وسلوكية وإجتماعية عدة. فأصبح الرجل تارة رمزاً للقوة ومصدراً للسلطة والهيمنة، وتارة يظهر بشكل يوحي بالخضوع للمرأة لكونها عنصر إشتهاء جنسي لديه لايمكن مقاومته. أما المرأة فقدمتها الرسوم الآثارية تارة في صورة إله يُعبَد، وتارة بصورة قربان يقدم للآلهة، وثالثة بصورة كلاسيكية في دورها كربة بيت، حتى نصل إلى الصورة الأخيرة الحديثة التي تعكس تطورأً في الوعي إذ يظهرالشريكان بمنزلة واحدة في المسؤوليات والأعمال.
ومع بداية تأسيس علم النفس في العصرالحديث، كان موضوع الدورالاجتماعي للجنسين في جوهر المناقشات، وأصبح المسلمة الواجب الإنتباه إليها في جميع الدراسات الأمبريقية. وقدم بعض علماء النفس تفسيرهم تلك الإختلافات في السلوك والشخصية بين الرجل والمرأة، بأنها أولاً نتيجة لفروق بايولوجية، تنعكس موضوعياً في عملية توزيع الأدوارعلى كلا الجنسين وفقاً لما يتناسب وبايولوجيتهما، يضاف إلى ذلك ثانياً العوامل الاجتماعية (المنظومات القيمية والتقاليدية) والتي في ضوئها تتحدد أفعال وحركة ومكانة ودور كل من الرجل والمرأة في المجتمع.
إن اهتمامنا بهذه المسألة، دفعنا إلى القيام بإستطلاع شمل بعض مناطق محافظة واسط، بهدف الوقوف على واقع نظرة مجتمعنا للجنسين ونوع الدور المعطى لكل منهما من جهة،وكيف تتباين تلك النظرة حسب تباين فئات المجتمع.
*ابتدأنا بالمواطن (كريم صبيح)، يعمل سائق تكسي، بسؤاله عن طبيعة نظرته للمرأة. فأجاب: (لايمكن ان استوعب المرأة أكثر من كائن ينام في فراشي ويغسل لي ملابسي ليس أكثر).
*أما المواطن (مشاري شنان) ويعمل فلاحاً، فأجاب بشأن نظرته للمرأة بالقول: (إنها أم أولادي والمعاونة لي في امورالزراعة وتربية الماشية، وهي نفسها لاترضى اوتقبل غيرذلك).
*وأجاب (باسل غنام) ويعمل مدرساً، بأنه يجد صراعاً لديه بين ما تربى عليه من نظرة سابقة للمرأة ضمن بيئته بأنها مُحَدَدة بدورالبيت والعائلة، ولايجب أن تعطى أكثر من ذلك لأنها عرضة للشطط والزلل، وبين ما صادفه في حياته الجامعية وبعدها المهنية مع زميلاته المدرسات بأن المرأة قادرة على التفاعل الايجابي والعمل المنتج في المجتمع، ويعتقد إن الأصل في تلك النظرة الدونية للمرأة هو محاولة إقصائها عن مفاصل الحياة وقصرها على الرجال.
*وحاورنا المواطن (محمد غالي) صاحب محل، فأجاب إن مجرد خروج المرأة إلى الشارع أو حتى خروجها إلى الباب عند بعض العوائل يعدّ خرقاً، ويرى إن السبب في ذلك هو شعور من ضعف ثقة عام لدى المجتمع تجاه المرأة.
*وعلـّق المواطن(كامل جواد) وهو معلم متقاعد، بالقول (إن هذا الأمر قد تختلف حدته بين الريف والمدينة، وهذا يعود للاختلاف في طبيعة المنطقة وموروثها الثقافي والاجتماعي، وهو يفضل شخصياً أن ّ تكون النظرة واقعية للمرأة وهي أن يترك لها المجال في أنّ تعبر عن ما لديها من قدرات من خلال التعليم والوظيفة، وهي التي ستحدد بعد ذلك لعائلتها ومجتمعها مدى فشلها أو نجاحها)، أيّ انها وجهة نظر أقرب للإمتحان الذي ينبغي أن تواجهه المرأة لإثبات وجودها.
*وفي اطار آخر حاورنا المواطن (سعود فيصل) ويعمل ملاحظاً في ميدان زراعي، إذ قال (إنَّ المسألة أولاً واخيراً هي عرف إجتماعي جبلنا عليه، ونحن كأمة اسلامية لدينا رأي واضح وصريح في المرأة وتقسيم متكامل لحقوقها ودورها في المجتمع تضمنته الشريعة، ولكن مايلاحظ ميدانياً لدى الناس تغافل أو عدم تطبيق لتلك التعاليم تجاه النساء، فالشريعة مثلاً تؤكد وجوب أخذ رأي المرأة في مسألة زواجها وأتساءل كم نسبة العوائل التي تقوم بذلك، فالعكس هو الذي يحصل في الغالب أي الفرض والقهر والإجبار خصوصا في الريف، في حين نرى إستخدام الأحكام الشرعية التي تصب في مصلحة الرجال بضد المرأة. إذن هناك إستخدام للشريعة من طرف واحد مع إغفال وتجاهل للطرف الآخر).
*وكان أحد الأفراد قريباً يستمع إلى الحوار مع الشخص السابق ويدعى (جاسم كعود) صاحب(جمبر)، فردّ (إن هذه دعوة للتمرد،.. ماذا تريد المرأة؟ وهل هي احرص واعرف بحقوقها من اخيها وابيها حتى تعطي رأيها الذي قد يكون خاطئاً فيضعها ويضع عائلتها امام مشكلة؟ ثم بخصوص الميراث، فالمرأة ستتزوج وتنقل هذا الميراث إلى زوجها وقد يكون غريباً عن العائلة، فهل تقبلون أن يهب الشخص ماله للغريب؟!).
وإختتمنا مقابلاتنا مع الدكتور(سعيد شخير) من قسم التأريخ بجامعة واسط حول رأيه في الموضوع وما قيل، فأجاب: (إن نظرة مجتمعنا للمرأة هي حصيلة لتراكمات حوادث تأريخية حصلت، ولكن ضخمت إلى حد إنها خلقت هاجساً من الشك وعدم الثقة في الجنس الآخر. ولعل المروجين لهذه النظرة قديماً وحديثاً، ساقوها لعلمهم بما يمثل الموضوع من ضرب على وتر حساس في الوسط الإجتماعي العربي ذي الطابع القبلي وما يتسم به من اندفاعات في تبني إتجاه مشوش من دون فرز أو تمحيص. ولكن لا نعني بذلك إن تقاليد المحافظة والحرص على عفاف المرأة هو الخطأ هنا بل لعلها من أهم ما يميزالمجتمعات العربية الإسلامية عن غيرها، ولكن المشكلة هي في استغلال تلك الدعوى في تهميش المرأة وسلب دورها وإقصائها من فعاليات الحياة التي لابد من وجودها فيها).
في ضوء هذه الحوارات، يتضح أن اموراً كثيراً متجذرة في الذات الاجتماعية العراقية، منها النظرة السلبية للمرأة والتعامل الفوقي معها، إذ يلاحظ إلى الآن وجود نظرة خوف وشك وريبة ازاءها وكأنها كائن لايمتلك إلا الغريزة، وإن رفع القيد عنها سيجعلها تتجه إلى الانحراف مباشرة. إن الوضع البايولوجي للمرأة كأنثى يحتم ان يُرافق بوضع نفسي يتضمن رعاية وإحتضاناً يوفرهما لها الرجل، وليس أن ينظر لوضعها البيولوجي كخاصية ضعف لديها ويجعلها عرضة للعنف والاسترقاق العائلي والعشائري. فمفاهيم مثل النهوة والزواج المتقابل المعروف دارجاً (راس براس) ما تزال للأسف سائدة في مجتمعنا العراقي اليوم. إن وجهاء المناطق وشيوخ العشائر مدعوون لإشاعة ثقافة احترام المرأة في مناطقهم. كما يجدر بخطباء المساجد والمرجعيات الدينية أن يوضحوا للجمهور ما موجود في الشريعة من احكام وحقوق للمرأة، وكيف ان مجتمعنا تخطى البعض منها ولم يعد يلتزم بها. ولمنظمات المجتمع المدني دور أساسي في تكثيف المحاضرات والدورات التي تعرض سمات المرأة وما لديها من طاقات وقدرات في المجالات المهنية المختلفة، وان يشملوا بمحاضراتهم تلك المناطق الريفية النائية. وتضطلع اجهزة الاعلام المسموعة والمرئية بمهمة عقد ندوات ولقاءات يحضرها مختصون في العلوم النفسية والاجتماعية لتنمية ثقافة علمية ووعي متطور بدور المرأة ومكانتها في اذهان الناس من مختلف الفئات، مما يصب في مصلحة تغيير النظرة الاجتماعية السائدة ازاءها، ويمنحها الفرصة للإسهام في بناء المجتمع. فمجتمع من دون امرأة يبقى قاصراً مهما كابر الرجال بغير ذلك.


إشكاليــة (الهــوية) في العلــوم الإنسـانيـة
 

عزيز مشواط
باحث مغربي

شهد مفهوم (الهوية) خلال ستينيات القرن الماضي تضخماً شديداً بفعل الكم الهائل من الدراسات العلمية التي اتخذت منه مفهوماً مركزياً، فصار خطاب موضة مما جعل المؤرخ (الفرد كروسر) Grosser Alfred يقول: (القليل من المفاهيم هي التي حظيت بالتضخم الذي عرفه مفهوم الهوية)، إذ أصبحت الهوية (شعاراً طوطمياً و أصبح بديهياً أن يحل كل الإشكاليات المطروحة).
لقد اقتحم المفهوم جميع المجالات، وصار موضة علمية بمواصفات الحل السحري لجميع الإشكاليات، إذ تدافعت العلوم الإنسانية من انثروبولوجيا و سوسيولوجيا وسيكولوجيا وعلوم سياسية لاستلهام المفهوم رغبة في الظفر بنصيب من النجاح الذي حققه في مقاربة آليات التغيير وميكانيزمات حل المشاكل. فما الذي أعطى للمفهوم هذه الهالة؟
تقدم الاستراتيجية السياسية إضاءة مهمة في مدى فعالية (الهوية). فبنظرة بسيطة على امتداد مناطق الصراع العالمي، يمكن أن نستشف حضور النزعة الهوياتية كمعطى فاعل. وسواء تعلق الامر بمناطق البلقان أو القوقاز أو بصراعات افريقيا أو البحيرات الكبرى أو بالجزائر، فإن الملاحظة الاساسية التي يوردها علماء السياسة تنصب في اتجاه (تمركز الصراعات حول الهوية)، إذ أن(القوة المدمرة للمفهوم مستمدة من الاعتقاد بتماثل الهوية الثقافية و نظيرتها السياسية). إن هذا الاعتقاد لا يلبث ان يتحول إلى وهم، بل إلى عامل انفجار الصراعات الدامية. بيد إن المفارقة تنبع من تلك الثنائية التي تحكم العالم منذ منتصف القرن الماضي والمستمرة مع بدايات الالف الثالث: إنها مفارقة الرغبة في التوحيد و التنميط إلى جانب انبثاق مطالب الهوية الاثنية و القومية المنادية بالخصوصية. (إن العولمة الاقتصادية و الاعلامية وتدويل القانون وتنميط العالم اقتصادياً، لم يؤدِ إلى إقصاء التوجهات الكبرى للهوية والمتمظهرة في مختلف أشكال التعصب القومي والوطني والإثني)، لكن ما الذي يعطي للأبعاد الهوياتية في الحياة الانسانية هذه القوة؟ و كيف تقارب مختلف التخصصات هذا المفهوم؟
الهوية مفهوم تقاطع التخصصات
يحدد معجم (روبير) الهوية بأنها (الميزة الثابتة في الذات). ويختزن هذا التحديد معنيين يعمل على توضيحهما معجم المفاهيم الفلسفية على الشكل الآتي: (إنها ميزة ما هو متماثل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد ما مع ذاته أو من جهة العلاقات التي يقيمها مع الوقائع على اختلاف أشكالها).
ومن ثم تصبح الهوية الثقافية هي (الفعل الذي يجعل من واقع ما مساوياً أو شبيهاً بواقع آخر من خلال الاشتراك في الجوهر). ويستعمل المفهوم سواء في الانثروبولوجيا أو في علم النفس، إذ يحدده عالم النفس الاجتماعي (بيير تاب) بالقول: (الاحساس بالهوية هو الامر الذي يجعل شخصاً ما يشعر بكونه هو، ويبقى كذلك في الزمن). وبمعنى أكثر اتساعا يضيف (إنه نسق من الاحاسيس و التمثلات التي يستطيع بواسطتها فرد ما الاحساس بتميزه، وبهذا المعنى فهويتي هي ما يجعلني مماثلاً لنفسي و مختلفاً عن الاخرين).ويحضر مفهوم الهوية انثروبولوجياً كعلامة غير منفصلة عن مسلسل الفردنة، أي كشكل من اشكال التمايز بين الطبقات نفسها. يقول (نيكول ساندزنيكر): (لا تنفصل الهوية عن الفردنة، أي عن مسلسل الفردنة. فمن اجل إعطاء هوية لشخص ما أو لمجموعة من الأفراد، يبدو لزاماً التمييز بين ما ليسوا هم، وبالمقابل ينبغي فهم الفرد في خصوصيته، كما يجب أخذ هويته التاريخية بعين الاعتبار).
تتقاطع إذن أبعاد المفهوم ما بين مختلف التخصصات. إنها مفهوم يمكـّن من تحديد الأنشطة التي يبني بواسطتها الفرد أناه، وتمتد لتشمل مختلف المؤثرات الزمانية والمكانية ومختلف استراتيجيات بناء الذات من خلال العلاقات الاجتماعية ذاتها.
يطرح إذن البعد المزدوج للهوية إشكالاً أساسياً ما بين تلك الرغبة في التميز كفرد وكأنا مستقلة، ومابين امتداد الهوية في نسق مبني من الرموز والقيم الممتدة في قيم الجماعة وأدوارها، ومن ثم تصبح الهوية في بعدها الفردي غير قادرة على تقديم رؤى واضحة، وبالتالي يصبح الانتقال إلى الهوية الجماعية معبراً رئيسياً حاولت السوسيولوجيا القيام به بيد أنها وبفعل التعقيد الذي تعانيه سرعان ما أفسحت المجال لعلم النفس الاجتماعي كتخصص هوياتي بامتياز.
مفهوم (الهوية) مثل معظم مفاهيم العلوم الانسانية، هلامي وواسع يحتمل الكثير من المعاني والتفسيرات، وكثيراً ما يتم خلطه مع (الثقافة)، التي هي بالحقيقة تشكل جزءاً من مفهوم الهوية وليس كله.
الهوية ومآزق الذاتي والجماعي
يطرح البعد المزدوج للهوية مأزقاً حقيقياً بفعل ازدواجيتها ما بين المكون الفردي والجماعي. فالنظر إلى الهوية من خلال ابعادها الفردية يقود إلى القول بوجود كائن مطلق غير متغير في الزمان، مع ما يعنيه هذا الموقف من ملابسات. أما في حالة النظر إليها من جهة دلالتها الاجتماعية، فإن الإشكال يصبح من درجة اعقد (فمن المستحيل أن يكون أفراد مجموعة ما متماثلين كلية و يتوافرون على نفس الهوية) يقول (تاب بيير) Pierre Tap. وفي نفس السياق يعترف (لابلاتين) laplatine بحقيقة ضبابية مفهوم الهوية، إذ يقول: (إنها من أكثر المفاهيم الفلسفية فقراً على المستوى الابستيمولوجي، ولكنه بالمقابل يتمتع بفعالية إيديولوجية كبرى). ويذكـّر (كروسر) بالتعريف الذي منحه (فولتير) للهوية في معجمه الفلسفي: (يدل مصطلح الهوية على الشيء ذاته حيث يمكن استبداله بـ mémete،ومن ثم فإن الذاكرة هي التي تحدد الهوية)، غير ان استمرارالثبات تقابله الحكمة الهيراقليطية (إننا لا ننزل في النهر مرتين)، إذ أن التغيير وعدم الثبات يقف في وجه ثبات الهوية و اطلاقيتها. وترتبط بما وصفه (الان تورين) في مداخلته بالوجه المزدوج للهوية، فهي من جهة ذات بعد فردي، ومن جهة اخرى تعبير عن انتماء لخصائص جماعية. من هذا المنطلق يقف السوسيولوجي (كلاود دوبارد) Claude Dubardعلى مفارقة أساسية تواجه ما يسمى بالهويات الجمعية، إنه البعد المميز والاحادي والبعد المشترك (وكيفية الفصل بينهما بمعنى آخر). إن جماعة ما، لا تعترف بالوجود المتميز لأفرادها إلا من جهة تماثلهم، وهذا ما يفترض عملية مزدوجة تتجه من جهة إلى تقليص التمايزات الداخلية للجماعة ومن جهة أخرى تعميق الخصائص المميزة لها عن الآخرين.
إن الاندفاعات نحو الهوية كامنة في كل الافراد و الشعوب، إنها متجذرة بدرجات تكاد تكون متساوية بين الشعوب، لأنها وببساطة وبالرغم من طابع التعصب الذي يمكن ان تؤدي اليه يبقى، حسب عالم الاجتماع (مانويل كاستلس)
Manuel Castells ضرورة بفعل وظائفها الحيوية، إذ يركز على بعدها الايجابي: (أعني بالهوية مسلسل انبناء معنى فعل معين انطلاقاً من معطى ثقافي أو من مجموعة منسجمة من المعطيات التي تحظى بالاولوية بالمقارنة مع باقي المصادر). و بهذا المعنى فإن توترات الهوية لا يمكنها ان تؤذي الفرد او الجماعة.
غير إن المجتمعات الانسانية سواء المسماة متقدمة او متخلفة تشهد في النصف الثاني من القرن العشرين ومطلع الالف الثالث أزمات متعددة الاشكال مرتبطة بتمثلها لذاتها. وكما يلا حظ ذلك (دوبارد)
Dubar، فسواء تعلق الأمر بالأسرة أو العمل أو الدين أو السياسة، فإن انماط الهوية التقليدية ماضية إلى الاندثار.
لقد أكد (بيير تاب) في المقدمة التي تصدر بها المداخلات التي شهدها الملتقى الدولي حول الهوية، على الابعاد المتناقضة لها، ومن ثم فإن تعدد التخصصات وتكاملها لايمكن الا أن يكون الحل الامثل لتفادي القلق والمآزق التي يخلقها المفهوم. يقول في هذا الصدد: (إن محاولة دراسة الصيرورات التي تعمد إليها المجموعات أثناء بناء هويتها يقتضي افتراضاً أن أعضاء الجماعة يحاولون التماثل فيما بينهم، مع ما يقتضي ذلك من إدراك البعد الدينامي للهوية بوصفها ذات محددات داخلية وخارجية، ونوعاً من الانزياح يتجاوز البعد الأحادي التخصصي إلى مجالات معرفية متعددة الأبعاد،وهو ما سعى الملتقى الدولي المنعقد تحت اسم "إنتاج وإثبات الهوية" إلى تحقيقه).

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة