لمناسبة
بدء العام الدراسي الجديد ..
مسح
ميدانـي للمخـاوف المدرســية لـدى أطفال بغــداد
*أشد ما يخافه
تلاميذنا هو الضرب والشتائم من معلميهم.
*تشكل البيئة المدرسية
أقوى مصادر الخوف لدى أطفالنا.
*الإناث أكثر تحسساً
للعقوبات والإهانات من الذكور.
د.
أحمد لطيف جاسم
تعد المدرسة مؤسسة
اجتماعية تربوية لتنشئة الطفل. وهي بالنسبة له بيئة جديدة
بقوانينها ونظمها والعلاقات الاجتماعية السائدة فيها.
وتسهم الأسرة بدور يتكامل وينسجم مع الدور الذي تضطلع به
المدرسة ذاتها، وإن الاتصال الودي والمباشر بينهما يساعد
في تعزيز الجوانب الإيجابية وإزالة النواحي السلبية.
وفي
مقدمة ما يحتاجه الطفل في بيئته الجديدة أن يشعر بالألفة
والطمأنينة، لذا ينبغي ان يكون الاهتمام منصباً على
الناحيتين الانفعالية والاجتماعية في شخصية الطفل، غير أن
الكثير من تلاميذ المرحلة الابتدائية يشكون اضطرابات نفسية
عديدة، تخلق خللاً في توازنهم العام، وتدعو إلى ارتباك
الأهل. ومن أهم هذه الاضطرابات ما يصطلح عليه بـ(المخاوف
المدرسية) School
phobia، التي تؤدي
دوراً سلبياً في أغلب جوانب شخصية التلميذ وتكيفه المدرسي،
وبالتالي تحصيله وانجازاته الدراسية. فالخوف يعدّ من أكثر
الانفعالات مجلبة للانقباض والاكتئاب، ويتخذ أساليب غير
سوية متنوعة للتعبير عنه، إذ يمارس تأثيراً سيئاً على
النمو الفزيولوجي والعقلي والاجتماعي للطفل، فضلاً عن إن
الكثير من العقد النفسية يرجع سببها إلى الخوف.
وتعرّف (المخاوف المدرسية) بأنها (انفعالات دائمية أو
مؤقتة تثيرها المواقف أو الأوضاع أو الأشخاص أو الموضوعات
أو الأماكن أو الأفعال المتعلقة بالحياة المدرسية). إن هذه
المخاوف التي يتعرض لها التلميذ قد تكون بسيطة في تأثيرها
في باديء الأمر، الا أنها قد تتعقد ويصعب معالجتها في
المستقبل، الأمر الذي قد تتمخض عنه مشكلات نفسية تعيق
مسيرته الدراسية، إذ تترك فيه آثاراً غير تكيفية قد تؤدي
إلى هروبه من المدرسة أو تركها نهائياً، مما يتطلب التصدي
لها والوقوف على مصادرها وتشخيصها والعمل على التحرر منها.
كما إن الكشف عن المخاوف المدرسية ومصادرها يمكن أن يؤدي
إلى تغيير العلاقات الاجتماعية بين التلاميذ من جهة،
والقائمين على تربيتهم وتعليمهم في البيت والمدرسة من جهة
أخرى، تغييراً نحو الأفضل، وذلك بتصحيح مواقفهم وعلاقاتهم
بطريقة لا يكونون فيها مصدراً من مصادر مخاوفهم المدرسية؛
فضلاً عن إن دراستها دراسة علمية ستكون عوناً في إعطاء
صورة شاملة لواقع هذه المخاوف ومصادرها، مما يساعد الجهات
المشرفة للقيام بإجراءاتها ضمن مسؤولياتها بصورة سليمة،
وعلى الأخص في مجال التوجيه والإرشاد النفسي.
وهذا ما سعت الدراسة الحالية لتناوله وبحثه، عبر التعرف
على المواقف المخيفة للتلاميذ، والناتجة عن تفاعلاتهم مع
بيئة المدرسة تحديداً،دون الخوض في المخاوف الأخرى الناجمة
عن صدمات الحرب وتدهور الحالة الأمنية. وعلى هذا الأساس تم
التعرف على:
1- أنواع المخاوف المدرسية لتلاميذ المرحلة الابتدائية.
2- الفروق في المخاوف المدرسية لدى التلاميذ تبعاً لجنسهم
(ذكور/ إناث).
إجراءات الدراسة
تألف مجتمع
الدراسة من تلاميذ المرحلة الابتدائية، إذ اختير منهم عينة
مكونة من (60) تلميذاً من الصفين الخامس والسادس موزعين
على (3) مدارس ابتدائية في بغداد بالتساوي، طـُبِق عليهم
مقياس سابق متخصص بالمخاوف المدرسية، بعد تعديله والتحقق
من شروطه الموضوعية، وبثلاثة بدائل للاستجابة، هي: (أخاف
كثيراً، أخاف قليلاً، لا أخاف). واستعمل (الوسط المرجح)
لكل فقرة كوسيلة إحصائية للتعرف على نسبة الإجابة عن كل
فقرة في المقياس وحسب متغير الجنس.
النتائج
أظهر التحليل
الإحصائي لبيانات الدراسة، وحسب هدفها الأول، أن المخاوف
المدرسية التي يعانيها التلاميذ، هي الآتية، مرتبة تسلسلياً
من أشدها إلى أقلها انتشاراً:
1-الخوف من الألفاظ غير اللائقة التي يوجهها المعلم أمام
التلاميذ.
2-(الخوف من الرسوب في آخر السنة)، و(الخوف من ضرب المعلم
على أصابع اليد بالعصا).
3-الخوف من مادة الرياضيات.
4-الخوف من مدير المدرسة.
5-الخوف من العقاب عند ترك المدرسة أثناء الدوام الرسمي.
6-(الخوف من مادة اللغة الإنكليزية)، و(الخوف من أخذ درجة
غير جيدة)، و(الخوف من التأخر عند حضور الامتحانات).
8- (الخوف من الامتحانات اليومية)، و(الخوف من امتحانات
نصف السنة ونهاية السنة).
9-الخوف أثناء توزيع الشهادات المدرسية.
10-الخوف عند التأخر عن الدوام الرسمي.
11-الخوف من مشرف المدرسة.
12الخوف من طرح الأسئلة الشفهية على المعلم.
13الخوف من الأسئلة الشفهية التي توجه في الصف.
14(الخوف من الامتحانات التحريرية اليومية)، و(الخوف من
الامتحانات الشهرية).
15-الخوف من معاون المدرسة.
16-الخوف من الطبيب عند زيارته المدرسة.
17-الخوف من اعتداء بعض الزملاء عند الخروج من المدرسة.
18-الخوف من مادة المحفوظات.
19-(الخوف من الاشتراك في الفعاليات والأنشطة خارج المدرسة)،
و(الخوف من الجلوس في الصف الأمامي).
20-الخوف من درس الدين.
21-الخوف من القاء كلمة أو قصيدة في الساحة أمام المعلمين
والتلاميذ.
22-الخوف من التجمع في الساحة "الاصطفاف".
23-(الخوف من مراقب الصف)، و(الخوف من القراءة بصوت مسموع
داخل الصف).
24-الخوف من عاملات المدرسة.
أما بخصوص الهدف الثاني، فأظهرت النتائج مؤشرات لفروق بين
مخاوف الإناث والذكور، إذ اتضح تفوق الوسط الحسابي للإناث
على الوسط الحسابي للذكور تفوقاً ذا دلالة إحصائية. كما
تفوقت الإناث على الذكور في معظم المخاوف، ومن بينها: (الخوف
من الألفاظ غير اللائقة التي يوجهها المعلم أمام التلاميذ)،
و(الخوف من ضرب المعلم على أصابع اليد بالعصا)، و(الخوف من
الرسوب آخر السنة)، و(الخوف من معاون المدرسة)، و(الخوف من
الجلوس في الصف الأمامي)، و(الخوف من أخذ درجة غير جيدة)،
و(الخوف من التجمع في الساحة "الاصطفاف")، و(الخوف من
عاملات المدرسة).
توضح هذه النتائج بجلاء أن مخاوف أطفالنا مصدرها بالدرجة
الأولى توجسهم من العقوبات والأفعال العدوانية التي قد
يتعرضون لها من الآخرين (أي البيئة). فيما يشكل قلقهم من
أنفسهم (أي بعض مظاهر القصور لديهم) مصدراً ثانوياً لهذه
المخاوف.
ويمكن تفسير ذلك على أساس أن النقد الزائد للأطفال أو
شتمهم وعقابهم (في البيت والمدرسة) يؤدي إلى تنمية شعورهم
بالخوف، وتوقعهم أن استجاباتهم ستكون سلبية على الدوام،
فتظهر لديهم سلوكيات الانسحاب والتجنب، ومشاعر الذنب
والقلق والانتقاص من الذات. وقد يتعلم الأطفال الخوف عن
طريق التقليد عندما يكون أحد الوالدين مصاباً بمخاوف
شديدة.
أما عن النتيجة الثانية القائلة بمعاناة الإناث من المخاوف
بدرجة أكبر من الذكور، فتنسجم مع فروقات التنميط الاجتماعي
لسلوك الجنسين، إذ غالباً ما تتيح التنشئة الاجتماعية
التقليدية الفرصة للإناث، بل تشجعهن، على التعبير والبوح
الصريح بمخاوفهن بوصفهن الجنس الأضعف، فضلاً عن المؤشرات
الموضوعية الكثيرة الدالة على أن حصة الإناث من العنف
الاجتماعي تفوق حصة الذكور.
توصيات
في ضوء نتائج هذا
المسح الميداني، نوصي بالآتي:
1- ضرورة اعتماد أساليب تربوية وتعليمية قائمة على أسس
علمية صحيحة في تربية وتنشئة الأطفال في مدارسنا، وتجنب
الأساليب العقابية البدنية أو اللفظية نحوهم
2- اعتماد المعلمين ومديري المدارس خططاً عادلة ومتوازنة
في مكافأة التلاميذ ومحاسبتهم، على أسس علمية وإنسانية.
3- تحبيب المدرسة للأطفال، وهذا من مسؤولية عوائل
التلاميذ، إلى جانب الهيئة التعليمية في المدرسة من خلال
التوعية والإرشاد المستمر.
4- زرع ثقة الأطفال بأنفسهم وبكفايتهم وبقدراتهم، وتشجيعهم
باستمرار على العطاء والإنجاز الدراسي يوماً بيوم.
|