المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

في الدراما التلفزيونية  .. مناوي باشا
 

عبد العزيز لازم
جاء عرض الجزء الثالث من (مناوي باشا) في رمضان وهو ليس مسلسلا رمضانيا حصرا، ليس لأنة جاء امتدادا لقسميه الآخرين فحسب بل لأن القضية التي سعى إلى إبرازها والدفاع عنها لا تنحصر بشهر واحد أو تتحدد بمناسبة معينة. فالوطن العراقي تحت مجهر الديمقراطية، قضية حملتها السومرية على محمل الصبر اليقظ الذي تحول هو الآخر إلى إبداع تمارسه القناة كل يوم. إن (مناوي باشا) قد اطل علينا في سياق الجهد الى إعادة تنشيط الموهبة العراقية على نطاق شعبي، أي تغذية هيكل الإبداع العراقي المتصاعد بالمزيد من القدرات المخزونة في الوجدان الجمعي الواسع. حمل ذلك كل من المؤلف والمخرج وجمهرة الوجوه الجديدة التي دخلت ضيوفا رائعين على العين والقلب العراقيين (إيمان علاء و باسل الشبيبجلال ومناضل داوود-النقيب جمال ومحمد هاشم شلال - و ناصر الشطري و ديزدمونة حياة - وسولاف ومجموعة الضباط الأحرار من بينهم طة المشهداني عبد الكريم قاسم)وغيرهم.ٍ
إن هؤلاء يقدمون وعودا بريادة جديدة، وبنفس إبداعي يضيف المزيد من اللبنات الشرعية لبناء الموهبة العراقية. مارس هؤلاء أدوارهم سوية مع زملاء يمثلون جيلين أو ثلاثة من المبدعين ممن تآلف معهم المشاهد العراقي عبر عقود ثلاثة، فقدم راسم الجميلي وخليل الرفاعي وفوزية حسن وآسيا كمال وزهرة بدن ورياض شهيد عطاءهم المألوف في إغناء الذاكرة الشعبية واذكاء روح التآلف المخلص لدى المشاهد مع رموز اجتماعية كانت تجسد أدوارا اجتماعية في اللحمة الشعبية بما يثير اعتزاز المشاهد بأبناء بيئته. أما مجموعة الجيل التالي لهؤلاء : غانم حميد
زامل ومحمد الصكر وزهرة بدن وبتول عزيز وهيثم عبد الرزاق وبشرى اسماعيل وهند طالب وغيرهم فقد احسنوا الاغتراف من تجارب من سبقوهم وأضافوا من ثقافتهم وموهبتهم الخاصة ما يؤسس ألوانا جديدة لا غنى عنها في إقامة الأعمال الكبيرة وإدامة تألقها. ويشار هنا إلى المساحة الرائعة التي احتلتها الأم العراقية في تلقيها شواغل المحن التي ضربت كيان المجتمع. زهرة بدن (أم علاء)قدمت أطروحة باهرة في تجسيد هموم الأم في تلك الفترة. فقد تسلحت بأداتين وجدانيتين هما طيبة قلبها الفطرية وحبها الجنوني لأبنها (علاء) قام بالدور حسين عجاج- المناضل السياسي، فهي رغم أميتها وبساطتها استوعبت العبء السياسي الثقيل الذي يحمله ابنها ليس بفضل ثقافتها السياسية أو تجربتها المباشرة في هذا النشاط بل بالحب الذي استقر في حشاشتها. بالحب وحدة اكتسبت كل فطنتها وشجاعتها. وبه واجهت الأزمة وفهمت ما يجري حولها وتصرفت. ذلك الحب الذي تمكن من النسيج الداخلي للوجدان العراقي قد ترادف دائماً مع الجنون، وقد عرفنا أمهات هججن في البراري أو رمين أنفسهن في تيارات الرافدين حزنا على فقدان أبنائهن وكانت أم علاء من هذا النوع مجسدة الذاكرة العاطفية للمرأة العراقية. أما الأم قسمة (بتول عزيز) فقد واجهت سوء طالعها مع زوجها الجاهل المتعجرف(زامل / غانم حميد) الذي مارس الاستغلال بابشع صورة بحق العمال والفلاحين العاملين في أملاكه متنكرا لمسؤولياته إزاء زوجته وبناته وسائر اقربائه، واجهت كل ذلك بالاصطفاف إلي جانب أصالتها الساطعة متسامية على معاناتها فوقفت إلى جانب زوجها في محنته بعد أن ذهب طغيانه إلى الخسران والخيبة. بتول عزيز الممثلة التي قدمتها لنا الشاشة الصغيرة لأول مرة في السبعينيات شابة صغيرة في سن الدراسة الثانوية محملة بوعود مضيئة بطاقة إبداعية باهرة عادت إلينا اليوم لتلقي علينا بيانها الفني الجميل بعد قطيعة قسرية في الظروف السابقة.عادت إلينا أما تحمل في سلتها المزيد من الهدايا معبأة بكل تقاليد الأمومة العراقية العريقة لتعبر عن شديد وفائها لموقفها الجمالي المتميز.
إن العمل برمته مرآة مزدوجة الوجهين، الوجه الأول يمثل المجتمع العراقي في تلك الفترة بقواه الفاعلة التي تحكمت في مجريات الأحداث وأوصلتها إلى النهاية المفتوحة التي تتطلب في رأينا عملا فنيا آخر يواصل تصويره لمسيرة التطورات والتفاصيل التي تفسر الأحداث الكبرى في المجتمع وفي الحكم.استطاع المسلسل إضفاء الألوان المميزة لثلاث قوى اجتماعية ذات مصالح مختلفة، تلك المصالح التي نشأت رغم التناسج العائلي فحركت منطق الصراع وتحكمت باتجاه الأحداث. فهناك أقطاب ممثلة بشخصية (زامل/ غانم حميد) ومعه (جلال /باسل الشبيب) في موقع طبقي واحد، وشخصية (علاء/حسين عجاج) وشخصية (جمال / مناضل داود)، كل منها يمثل موقعا اجتماعيا واقتصاديا وموقفا سياسيا ويرتبط بآخرين من حلفائه. تتمحور الأحداث الرئيسية حول نتائج الصراع بين هؤلاء وغيرهم من الشخصيات ذات التأثير الفني على مسيرة العمل. إن (زامل) هو من الملاكين ذوي الجذور الفلاحية يمارس طغيانه على المحيطين به انطلاقا من مصالحه المادية وجهله ومن عقدته كفلاح سابق صار من الأثرياء، أما جلال فهو سليل أسرة ثرية من المدينة عائد من خارج الوطن لكن ظروف علاقته بأبيه واخيه الكبير والظلم الذي حاق به في طفولته قد ساعدت على تكوين وعي جديد لديه أسس تعاطفا إنسانيا مع المظلومين ومع محيطه العائلي، فكان متحررا من عقدة الاستبداد التي يمكن أن تخلقها الثروة والمصالح المادية. أما علاء فهو المناضل اليساري / الشيوعي الذي تعرض للاضطهاد في سجون نوري السعيد وما يمثله من الشرائح الأجتماعية المسحوقة التي تسعى إلي رفع الحيف عن حياتها والاعتراف بها كأغلبية فاعلة في المجتمع، تستطيع أن تلعب دورها في تطوير حياته واغنائها. ونرى علاء رغم انتمائه للطبقة الوسطى (مدرس) يمتلك أفقا خصبا يمكنه من إقامة علاقات تفهم وتضامن مع جميع الطيبين من مختلف الشرائح الاجتماعية، فينصر المظلومين واصحاب الحق أينما وجدوا، ونراه مثلا لا يتوانى عن تحريض الفلاحين والعمال على الإضراب ضد خاله (زامل).أما القطب الثالث (جمال) ووالده من بقايا النظام الملكي، فقد مارس دوره في خدمة النظام البائد من خلال عمله ضابطا في الأمن العامة _ القسم السياسي (كانت تسمى التحريات الجنائية). وكان معروفا في ابتكار وسائل دموية في تعذيب الموقوفين السياسيين لانتزاع الاعترافات ويمتلك حقده الخاص والشخصي ضدهم، وقد وقع (علاء) وغيره ضحية لهذا الحقد فأرسلوا إلى سجن نقرة السلمان شديد القسوة. بعد اندلاع ثورة الرابع عشر من تموز، وجد جمال الجلاد ملاذا له في البصرة هربا من محكمة الشعب التي باتت تطلبه، حيث وجد بيئة حاضنة له في اقاربه. إن جمال لم يتخل عن طبيعته الإجرامية فراح يؤسس له قاعدة مادية لاستئناف دور ما، مرتكبا شتى الجرائم ومنها جرائم القتل أيضا،فقتل أحد الفلاحين المطالبين بحقوقهم للإيقاع بصهره (زامل) كي يمهد للاستيلاء على ثروته بالتعاون مع اخته. ثم قتل جلال الطيب كي يتمكن من الزواج من أرملة أخ جلال الثرية... وبذلك ألقى الرعب في روح التشكيلة الاجتماعية الفقيرة التي تلمست فرحها بمنجزات الثورة لصالحهم.
أما الوجه الثاني من اوجه المرآة فيعرض إرهاصات ثورة 14 تموز وتفاعلاتها وحركة الضباط الأحرار يقودهم ضابطان (عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف) كانا قد تعاهدا على قيادة البلاد نحو أقدارها المشرقة، وكانت نار صداقتهما الشخصية عاملا مهماً في إنضاج العهد ذاك. إلا أن التدخل الخارجي من قبل الأنظمة العربية المجاورة آنذاك (عرض المسلسل عملية محاولة اغتيال قائد الثورة عبد الكريم قاسم بتنسيق مع نظام الجمهورية العربية المتحدة في تلك الفترة) قد تفاعل مع النزوع إلى الرؤية العسكرية الديكتاتورية لدى ضباط الثورة عموما والنزعة الفردية للاستئثار بالحكم لدى القائدين قد عجلا في إنهاء العهد وكذا الصداقة بين الضابطين، فكان أن بدأ مسلسل المآسي التي ناء بها ظهر الشعب بعد ذلك. وقد أظهر العمل على أية حال إن الصداقة الشخصية بين رجال المسؤولية العليا عندما ترتفع فوق مصالح الناس والمصالح العليا للبلاد ومصائرها تصبح جزءا من عوامل الكوارث الوطنية.
إن مجريات الصراع بين الأقطاب الثلاثة والمصطفين حولهم قد تأثرت طبعا بروح الثورة ومنجزاتها (في الفترة الزمنية التي جرت فيها أحداث المسلسل)، فكان صدور قانون الإصلاح الزراعي وتوزيع الدور السكنية على المحتاجين من الفقراء وحلفائهم مجانا قد أنعش آمال هؤلاء بأن التغيير الإيجابي في حياتهم أمر ممكن، وان وحدة الشعب كفيلة بتأمين مسيرة الثورة إلى الأمام من اجل ذلك. لكن نذرا مقلقة ظهرت في الأفق أجهضت تلك الأحلام تمثلت بظهور قوى مرتبطة بالأنظمة المجاورة أتبعت أسلوب التآمر الدموي ضد الثورة مستهدفة قائدها ومنجزاتها وكان وقوع حادث محاولة اغتيال الزعيم إضافة إلى جرائم القتل التي بدأتها بقايا النظام البائد في نهاية الفترة التي يغطيها المسلسل (عام محاولة الاغتيال).إن الأحداث الأخيرة للمسلسل تترك المشاهد فريسة للظنون المقلقة حول مستقبل الثورة والبلاد برمتها.
لقد حرص القائمون على(مناوي باشا-الثالث) أن ينفذوا عملا ذا مضمون اجتما-سياسي، والاقتصادي يدخل في الأجتماعي في عرض تاريخي درامي لمرحلة حرجة وتأسيسية لما بعدها. وبذلك يكون العمل امتدادا لأعمال سبقت مجموعته خاصة مجموعة (عيون المدينة)للمبدع عادل كاظم. لكن كاتب النص والسيناريو والحوار علي صبري تعامل مع أحداث شديدة الواقعية ومازالت طرية في الذاكرة، بل إن الجيل الذي عاشها مازال على قيد الحياة ويستطيع أن يبدي ملاحظاته المقنعة التي تتسم بالمصداقية، ولابد من إن هذا يحرك نقاشا نشيطا بين أوساط هذا الجيل قد تسبّب بعض الحرج للقائمين على العمل باعتبارهم شهود عيان موثوقين على ما حصل بالقياس إلى سلمّ الحوادث التي عرضها المسلسل. لكن الواضح إن الكاتب قد استمد معلوماته من مصادر مختلفة خاصة حول العلاقة التي كانت سائدة داخل مجموعة ضباط الثورة وادوارهم في التخطيط والتنفيذ، ومعلوم إن هذه المصادر قد تنافست على إسناد أدوار مفضلة لمن تؤيدهم من رجال الثورة العسكريين. كما إن هناك غياباً كاملاً لدور القوى الوطنية المدنية والعسكرية في الإعداد والتنفيذ خاصة قوى جبهة الاتحاد الوطني التي تشكلت عام 1957 ومنها الحزب الذي يمثله (علاء) في المسلسل (الحزب الشيوعي). ويجب القول رغم كل ذلك إن العمل بشكله العام يعتبر محاولة جريئة لتوثيق تاريخ العراق السياسي والاجتماعي، بل هو باعتباره جهدا دراميا يؤرخ للعاطفة المميزة للعراقيين التي طالما أسست وشائج عميقة بين الناس شكلت دائما وحتى اليوم جذورا متينة لوحدة اللحمة العراقية.


متابعات .. ندوة عن التراث العلمي السرياني في قاعة اتحاد الأدباء والكتاب
 

علي ياسين
بغداد
بحضور عدد كبير من الادباء والمثقفين ضيف اتحاد الادباء والكتاب في العراق، الدكتور بشير الطوري ليلقي محاضرة تحت عنوان "نظرة في التراث العلمي السرياني"، ابتدأها بتقديم لمحة سريعة عن المستوى العلمي الذي امتاز به العراقيون خلال عصورهم الحضارية المعروفة، ثم انتقل الطوري الى محور ندوته متحدثاً عن السريان وتراثهم العلمي بالقول:
إن السريان هو ورثة البابليين والاشوريين لمدة عشرة قرون او ما يزيد. وقد اصابوا جانباً كبيرا من هذا الارث لحضاري وطوروه، ورغم شحة المصادر المتوفرة في هذا الموضوع فاننا نجد الكثير من التفصيلات العلمية مبثوثة في قصائد مار أفرام ومار يعقوب السروجي، وغيرهما، ولا يمكن لاحد ان ينكر دور ابن ديصان في الفلك والشعر، واسباب شحة هذه المصادر يعزوها الباحثون الى عدم وضوح مفهوم العلم، والى افتكار السريان بانها (علوم وثنية)، فيها الكثير من الالحاد والسحر والشعوذة، لا سيما في علوم الفلك والتنجيم والكيمياء. وكذلك اهمال الباحثين المحدثين هذا الجانب من التراث.
تعرف العلوم الطبيعية عند السريان الطبيعيات. وقد نشر المستشرقون بعضا من تلك الفصول ونقلوها الى لغاتهم.
ولقد عنى السريان بعلم الطب ومارسوه مدة تقرب من الف عام او اكثر وقد اداروا المستشفيات، ونقلوا من اليونانية الى السريانية والعربية أجَلّ الكتب وافضلها بعد غربلتها وتلخيصها، وتفسيرها، وعادوا يؤلفون فيها ويتناقلون هذه المهنة والعلم جيلاً بعد جيل، بحيث يمكننا القول بحق ان فضل السريانية وعلمائها واطبائها على الطب العالمي كبير، خصوصاً في عصر التكوين الحضاري العربي والعهد الذهبي للحضارة العربية الاسلامية في بغداد، واخيراً في كليات اوروبا في العصر الوسيط.
هذا وقد ذكر ابن النديم في كتابه (الفهرست) نحو ثلاثين طبيباً جلهم من السريان، وذكر البطريرك افرام برصوم (55) طبيباً في اللؤلؤ المنثور، وموسى يونان غزال في حركة الترجمة والنقل في العصر العباسي (29) طبيباً.
ولا يمكن ان ننسى آل بختيشوع وآل ماسويه والطبيب الالمعي حنين ابن اسحق ودوره في اغناء المكتبة السريانية والعربية بنقوله وتأليفه التي اتسمت بالدقة العلمية المقارنة.
وقد نشرت مجموعات من الكتب السريانية في الادوية في اوروبا.
فقد نشر ادوارد ساخو شذرات من الصناعة الطبية، وكذلك من كتاب "قوى الاغذية" من ترجمة سرجيس الراسعيني.
واصلح حنين بن اسحق (ت 873) ترجمات سرجيس، بل قام بترجمتها من جديد، كما صرح في رسالة الى ابن ملكي، ورغم فقدان معظم ترجمات حنين السريانية فان الحسن بن بهلول قد حفظ لنا في معجمه مادة لا يستهان بها، اهمها اسماء النباتات والحشائش ونشرها عمانوئيل لوف.
ونشر جوتهيل مجموعا صغيرا لادوية ترجع الى جالينوس، ارفق النص السرياني بترجمة انجليزية وذلك سنة 1890م.
وفي مادة الموسوعة العلمية ذكر الطوري: هنالك مادة علمية دسمة في دوائر المعارف والموسوعات السريانية التي كثيراً ما اتخذت عناوين مثيرة، وهي مناجم معطيات فكرية، من امثال ما اطلق عليها اسم كتب (الهكساميرون) اي الايام الستة، اذ قد لجأ علماء ومفكرون كثيرون الى هذه المجاميع لتدبيج ما تسلموه او توصلوا اليه من معارف وعلوم تحت غطاء الشرح والتفسير لايام الخلق الالهي الستة.
ان في مقدمة هؤلاء مار افرام السرياني (ت 373م) ومار نرساي (503م) ومار يعقوب السروجي (ت 521م) وغيرهم.
نورد هنا نصا من ميمر السروجي على مركبة حزقيال، اذ يقول: اذا رميت حجرا بيدك في الهواء، من يحمل ذلك الحجر إلا قوتك؟ فمن الذي يسير الحجر في الهواء التي خرجت معه من يمينك؟ طالما طلت طاقة ذراعك معه سوف يتطاير تطايراً ليس ذاتيا بل بواسطة طاقتك التي تجعله يطير، وعندما تنفد الطاقة منه يستمر لانه لن يتحرك متطايرا بدونها. هذه نظرية فيزياوية صحيحة تتحدث عن الطاقة المكتسبة وبكل وضوح وبدون اي لبس.
تقع موسوعة مار يعقوب الرهاوي (ت 708م) الايام الستة (
Hexa Meron) في سبعة ابواب، وهي الخلقة العقلية الاولى غير المحسوسة، وعن القوات السماوية والملائكية، السماء والارض وما فيهما والعناصر الاربعة: الارض والماء والهواء والنار، وفي الثالث الارض والبحار والجزر والبحيرات والانهار والجبال والزروع والجذور والاشجار، وفي الرابع الانوار في فلك السماء والكواكب، وفي الخامس الحيوانات والزحافات والطيور المائية، وفي السادس البهائم ووحوش الارض، واما الباب السابع فالانسان كعالم صغير والعالم الكبير العجيب.
واشار المحاضر الى ان ايوب الابرش الرهاوي عاش (مطلع القرن التاسع الميلادي)، واشتغل في بغداد، وكان طبيباً ومترجما ومؤلفا، ووضع عدة مصنفات اهمها كتاب الكنوز. اشبه بموسوعة في الفلسفة والعلوم الطبيعية، وضعها في بغداد نحو سنة 817م. وقد نشره منجنا مشفوعا بترجمة انجليزية عام 1935م في مكبردج، ويقع في ست مقالات، واهم المقالات المقالة الرابعة والتي تتالف من 18 باباً في المعادن والذهب والفضة والنحاس والحديد والقصدير والكبريت والزرنيخ والقير والشب، وفي الجبال والصخور والسهول والبلدان الشمالية والجنوبية والعيون والثلوج وفصول السنة، وحركة الارض، والرياح والبحار، والحمامات.
وهناك مؤلف آخر هو مار موسى بن كيفا (ت 903م) له مؤلف بعنوان تفسير الايام الستة، وفيه ايضا دراسات حول الخلقة والشمس والقمر والكواكب والطير السابح والماشي والهوام وفي العناصر الاربعة وفي ما هو موجود ويفعل في منطقتي الجو في منطقتي الجو في المنطقتين العليا والوسطى.
وألف عمانوئيل بار شهاري (اواسط القرن العاشر الميلادي) الاستاذ في مدرسة ام الفضائل بالدير الاعلى (الموصل) موسوعة (هكساميرون) تتكون من 28 مقالة، فيها ما هو منظوم على الوزنين السباعي والاثني عشري، والكتاب محفوظ في فاتيكانية رقم 182، ولندنية رقم 1300، وبرلينية رقم 61 و62، ودير الرهبان الكلدان في بغداد، الدورة (فهرس فوستي 33)، وقد نشرت منه اجزاء في الكنز الثمين للقرداحي وكتاب الفئات والمروج النزهية للمطران يعقوب اوجين منا، وقد ترجم فصل في النباتات الاستاذ بنيامين حداد وعلق عليه ونشره في مجلة المجمع العلمي، العدد الخاص بهيأة اللغة السريانية المجلد الثامن.
وطوى صاحب كتاب "علة كل العلل" الباب الثاني منه على اربعة فصول في شتى العلوم فيها تعريفات اصلية ونقلية، حسبما كان معروفا منها في بلاد المشرق في المائة العاشرة، وعلى بعضها رسوم توضح المتن.
ولا ننسى كتاب الدلائل للحسن ابن بهلول من القرن العاشر صاحب المعجم الشهير وقد وضع هذه الموسوعة الشاملة في بغداد فهو اذن يعكس وجها من اوجه الحضارة المشرقة في ذلك الوقت ، ويتكون من 49 بابا ويبحث فيه الدلائل العامة في فصول السنة وفي سائر الشهور ثم دلائل السموم وعلاماتها وعلاجها، علامات الامراض، دوائر الخيل وشيء من امراضها، ويذكر الكتب السريانية التي اخذ منها دون ذكر المؤلفين ومصادر عربية شتى جمعها ولخصها وصنفها باحكام فكانت موسوعته دليلا علميا نافعا.
ولديونيسيوس يعقوب ابن الصليبي موسوعة على غرار الايام الستة تقع في 770 صفحة تنتهي بعد كتاب الحيوان بقطعة هندسية.
وعن العلوم الطبيعية تحدث المحاضر قائلاً:
بقدر ما شاعت كتب الطب السريانية شحت كتب العلوم الاخرى، وخير ما نبدأ به هذا القسم من موضوعنا هو فقرة من بحث طريف نشر في المجلد الاول من مجلة مجمع اللغة السريانية بعنوان "الفيزياء والكيمياء في المؤلفات السريانية" للمطران مار غريغوريوس بولس بهنام (ت 199م) وقد اختار الباحث ابن العبري باعتباره احد عمالقة الادب والعلوم في السريانية ونوى العلوم الطبيعية مبثوثة في مؤلفاته زبدة الحكم ومنارة الاقداس والاشعة، فاشبع هذه المواضيع درسا وتحقيقاً.
فقد درس في مؤلفه الاول "زبدة الحكم" العلوم الطبيعية دراسة عالية دقيقة فاطلعنا على كيفية دراسة هذه العلوم، وبحث القوة والطبيعة، ومواضيع العلم الطبيعي ومبادئه، الاجسام والذرة وتجزئتها او "تحطيمها حسب التعبير الحديث" وقوتها، والحركة الطبيعية والجاذبية والانجذاب".
وفي نهاية الندوة اجاب المحاضر على اسئلة ومداخلات بعض من الادباء والحضور.


رسالة المحافظات



ميسان تحتفي بعدد من المثقفين

ميسان/المدى

اعلن علي حسن هذيلي رئيس اللجنة الثقافية في مجلس محافظة ميسان عن تخصيص مبلغ 250 الف دينار لبعض المجلات الثقافية التي تصدر في المحافظة واكد (هذيلي) بان هذه المجلات التي تصدر عن منتديات ثقافية تسهم في تثقيف عدد كبير من الناس ولكنها في الفترة الاخيرة تعرض بعضها الى ازمات مادية وتاتي هذه المبادرة لخلق روح التعاون بين المنظمات والروابط الثقافية وادارة المحافظة. وكذلك اقام مجلس محافظة ميسان حفلا لتكريم رئيس نادي السينما في العمارة الناقد السينمائي صلاح النوري لأسهاماته في عرض افلام نادرة وتفعيل النقد السينمائي في المحافظة. واكد صلاح النوري في حديث للمدى بان هذا التكريم من ادراة المحافظة سيكون له تأثيره في خلق جو ثقافي مثالي.وسبق لمجلس محافظة ميسان ان أقام مسابقة ثقافية باسم جائزة ميسان فاز بها عدد من الأدباء الشباب وقام محافظ ميسان عادل مهودر راضي بتكريم مراسل جريدة المدى في العمارة محمد الحمراني والناقد صادق ناصر الصكر والشاعر نصير الشيخ، لجهودهم الثقافية المتميزة. في حفل اقيم بهذه المناسبة.

دعوة أدباء من دول الجوار لحضور ملتقى السياب الثاني الذي تقيمه جامعة البصرة

البصرة/ عبد الحسين الغراوي

تواصل اللجنة التحضيرية العليا لملتقى السياب الثاني الذي تنظمه جامعة البصرة للفترة من 3- 5 / 1/ 2007 اجتماعاتها لمناقشة منهاجها الثقافي الذي سيتضمن الفعاليات الأدبية والبحوث والدراسات النقدية والأنشطة الثقافية التي تشمل عدة محاور في المشهد الثقافي العراقي- وكان الاجتماع الاخير الذي عقد يوم الخميس 2/ 11/ 2006 وترأسه الأستاذ الدكتور علي عباس علوان رئيس جامعة البصرة رئيس اللجنة التحضيرية العليا قد استمع الى السيد عبد المحسن عبد الحسين سكرتير اللجنة حول زيارته الى بغداد التي قام من خلالها بتقديم الدعوات الداعمة لانجاح هذه التظاهرة الثقافية الإبداعية الى الوزراء والمؤسسات الثقافية مؤكداً ان كل من التفاهم كانوا حريصين على اقامة الملتقى كما ان مؤسسة المدى للثقافة والفنون أبدت تعاونها ودعمها المادي واقامة معرض للكتاب.. وكانت اللجنة التحضيرية قد ناقشت الأسماء الأدبية والثقافية التي ستتم دعوتها لحضور فعاليات الملتقى من اقليم كردستان الى جانب ادباء ومثقفي المحافظات وقررت اللجنة ولاول مرة توجيه الدعوة لأدباء ومثقفين من بعض دول الجوار- وسيتم على هامش الملتقى تقديم عروض مسرحية ومعارض للفنون التشكيلية ومعرض للكتاب اضافة الى فعاليات فنية ومعرض للصور الفوتوغرافية.


مئة باحث عربي وأجنبي في مؤتمر (نجيب محفوظ والرواية العربية) بالقاهرة
 

المدى الثقافي
يفتتح بمقر جامعة الدول العربية في القاهرة هذا الشهر مؤتمر (نجيب محفوظ والرواية العربية) الذي ينظمه اتحاد كتاب مصر بمشاركة أكثر من 100 باحث عربي وأجنبي.
وقال رئيس اتحاد الكتاب المصريين محمد سلماوي ان المؤتمر الذي يبدأ في الحادي والعشرين من هذا الشهر يحتفي بأعمال محفوظ وهو العربي الوحيد الفائز بجائزة نوبل في الاداب ويكتسب أهمية لانه يعقد ضمن أنشطة "أول مؤتمر للاتحاد العام للادباء والكتاب العرب (في القاهرة) منذ أبعدت مصر عنه لاسباب سياسية نعرفها جميعا" في اشارة الى تعليق عضوية مصر في الاتحاد منذ توقيعها معاهدة السلام مع اسرائيل عام 1979.
وقال سلماوي في مؤتمر صحفي بمقر الاتحاد يوم الاثنين ان المؤتمر الذي يستمر أسبوعا يعقد تحت رعاية الرئيس المصري ويتضمن كلمة له في الافتتاح الذي يحضره عمرو موسى الامين العام لجامعة الدول العربية ويشارك في جلساته باحثون عرب وأجانب منهم رؤساء اتحادات كتاب روسيا والهند وايطاليا وقبرص ورئيسة المكتبة الوطنية الاسبانية.
وأشار الى أن المؤتمر يتزامن مع طرح دار الشروق في القاهرة طبعة جديدة من الاعمال الكاملة لمحفوظ.
ويناقش المؤتمر مسيرة محفوظ الذي توفي في أغسطس اب الماضي عن 94 عاما منذ رواياته المبكرة في مطلع الاربعينيات والتي تناول فيها جانبا من تاريخ مصر القديمة وصولا الى اخر كتابين له وهما (أصداء السيرة الذاتية) و(أحلام فترة النقاهة).
ومن محاور المؤتمر (تأثير محفوظ على الرواية العربية) و(هل كان محفوظ مؤرخا أم مستخدما للتاريخ) و(الشكل الفني في أعمال محفوظ التاريخية) و(الثوابت والمتغيرات السياسية في أدب محفوظ) اضافة الى مائدة مستديرة عنوانها (محفوظ في عيون العالم).
كما يضم المؤتمر أيضا محور (نجيب محفوظ والسينما) يتناول أثر الافلام التي كتبها محفوظ على تطور السينما العربية حيث شارك في كتابة 25 فيلما وأنتجت السينما من ابداعه 40 فيلما واختار النقاد 18 فيلما له ضمن قائمة أفضل 100 فيلم مصري بمناسبة مئوية السينما في عام 1996 ومنها (بداية ونهاية) و(القاهرة 30) و(اللص والكلاب) و(ميرامار) و(الكرنك) و(الحب فوق هضبة الهرم) و(أهل القمة).
وقال سلماوي ان مؤتمر (نجيب محفوظ والرواية العربية) يتزامن مع (مهرجان الشعر العربي) الذي يعقد كل ثلاث سنوات مصاحبا انعقاد دورات المؤتمر العام للادباء والكتاب العرب.
ويحمل مهرجان الشعر في دورته الجديدة عنوان (التجريب الشعري المعاصر في الوطن العربي) ويناقش الاتجاهات الجديدة في الشعر العربي من القصيدة العمودية الى القصيدة النثرية ومكانة القصيدة العربية في مشهد الشعر العالمي المعاصر.
ويشارك في مهرجان الشعر الذي تقام امسياته بين القاهرة ومكتبة الاسكندرية ومدينة المنيا في صعيد مصر حوالي 30 شاعرا منهم الفلسطيني سميح القاسم واللبنانيان محمد علي شمس الدين وهدى ميقاتي والاردني ابراهيم نصر الله.


صدر عن (المدى) .. ثأر الأفاعي
 


رواية -فقير بايقورت
تعريب
عبد القادر عبد اللي
مراجعة
باسم عبد الحميد حمودي

تعد رواية (ثأر الافاعي) للكاتب التركي فقير بايقورت واحدة من اهم روايات الريف في الادب التركي الحديث وقد حصلت على جائزة (يونس نادي) للرواية عام 1958.
وبقدر ما كان لهذه الرواية من اثر في الادب الروائي الحديث في تركيا اضافة لروايات يشار كمال، كانت لها تأثيراتها السياسية والفنية، فقد نوقشت افكار هذه الرواية في مجلسي الشيوخ والنواب عام 1962 لاجتراحها "الساكن" و"الخارج" ودخولها الجريء في عالم المسكوت عنه، عالم جريمة السلطة تجاه الفلاح ونهبها الدائم لعرقه وتسلطها على شخوص المأمور والقائممقام والمختار ورجال الدرك عليه.
طالب حينذاك اعضاء المجلسين التشريعيين بمنعها من واجهات المكتبات وعدم طبعها مرة اخرى، لكن ذلك لم يحصل لوجود قوى اخرى وقفت ضد هذا الاتجاه القمعي ووجود قوى فنية في تركيا قامت بـ(نشر) الرواية باشكال اخرى عن طريق المسرح والاذاعة والشريط السينمائي لتؤثر في هذه المسارب على الناس وتستأثر باهتمامهم حيث توالت طبقاتها المتعددة.
ولد فقير بايقورت- كما تقول مقدمة المعرب عبد القادر عبد اللي، في احدى قرى محافظة بورضور عام 1929 ودرس في معهد للمعلمين وعمل خمس سنوات في القرى ثم اكمل دراسته في كلية التربية وانشغل في العمل النقابي حيث اصبح رئيسا للاتحاد القومي لروابط المعلمين في تركيا ليزج به في السجن عام 1971 ويتعرض الى محاكمات عسكرية طويلة حتى حصل على البراءة فهاجر الى المانيا واقام في مدينة دويسبورغ حتى وفاته عام 1999.
بدأ (فقير) شاعرا ثم انتقل الى كتابه القصة والرواية فصدرت له اربع عشرة مجموعة قصصية واثنتا عشرة رواية وعدة مجموعات قصصية للاطفال، لكن رواية (ثأر الافاعي) تعد اهم عمل لهذا الكاتب.
***
ان جماليات رواية (ثأر الافاعي) لا تقتصر على توظيف الاسطورة الخاصة بثأر الافعى ممن قتل زوجها او خدينها بل في قدرة (فقير بايقورت) على تحريك الشخصيات ضمن صراع درامي متصل ابطاله اساسا العجوز اراظجة وابنها بيرم وزوجته خدوج وابنهما احمد مقابل هاجلي وزوجته فاطمة وشخصية مختار قرية (قره طاش) الذي يمثل الحكومة وكيانها الديمقراطي ويقول شارحا للاهالي طريقة عمله:
(المختار ينفذ القوانين التي تعطيه اياه الحكومة.. اول امس شرحت لكم ما تعنيه الديمقراطية، الديمقراطية ليست انفصالية، الديمقراطية تعني ان تكون حيث الجميع، الامة تقول بالجملة نحن جيدون وهذا يعني انك جيد.. كيف نكون ديمقراطيين اذا لم نكن جيدين؟ وبما ان القائممقام يأتي حتى اقدامنا فهذه تعني ديمقراطية، واذا نادى القائممقام احدكم وسأله فالجواب جيدون) وهكذا يفلسف المختار طريقة الحكم الديمقراطي التي تتلخص في اطاعة (أُولي الامر) ابتداء منه وعدم التذمر من شيء وتنفيذ كل الواجبات التي تفرضها الدولة ومنها تبرعات مواطني القرية لعمل تمثال خاص للديمقراطية.
انها فكاهة مرة يصورها (بايقورت) تتداخل فيها صراعات متعددة داخل قرية قره طاش الجبلية الفقيرة حيث يعطي الفلاح هاجلي مبلغا كبيرا للمختار كتبرع ليسمح له ببناء بيت وسط القرية في مواجهة بيت اراظجة، بيرم خدوج ويحفر هاجلي الاساس دون رضا اراظجة (أم بيرم) التي تهدده وتعمل على افساد عمله بتكسير قرميده ليلا وجعله طحينا وملء اساساته بالوسخ الناتج عن الامعاء الغليظة وتهديده المستمر بل والعمل على اغواء زوجته فاطمة وتيسير السبيل لبيرم ليقضي معها وقتا طيبا برضاها.
كل ذلك يدفع هاجلي للغضب الشديد والهجوم على بيت اراظجة اثناء غيابه وضرب زوجته خدوج ضربا يؤدي بها الى الادماء والتهديد باسقاط مبكر لجنين في الشهر الثالث.
وتتكاثف خيوط الرواية متعددة الحواف فالقائممقام قادم للقرية والمختار يجمع الاموال لشراء خروف وعرق وضرائب التمثال وعراك العائلتين مستمر والمختار منحاز لهاجلي الذي يدفع كثيرا وينفذ أوامره فيأمر زبانيته بتقييد بيرم وضربه ضربا مبرحا ويتم ذلك فيما يقوم المختار خشية قدوم قائممقام المدينة بارسال من يطلب ممرض خاص هو شاكر افندي لمداواة خدوج المدماة فيما تتم سرقة خروف بيرم وذبحه استعدادا لعشاء القائممقام المنتظر قدومه بعد ان لم يتبرع احد بثمنه.
وتتطور الاحداث في القرية وتمتد صراعات مواطنيها الذين انقسموا بين هاجلي وبيرم فيما يستمر بحث احمد الصغير ابن بيرم عن الافاعي وقتلها وهو يبحث عن زوج الافعى الاولى التي قتلها خشية هياج كل الافاعي وتحقيقا لاسطورة القرية عن (شاهمران) ملكة الافاعي التي قتلها (قره شالي) والد بيرم قبل سنوات فقررت الافاعي الانتقام من اهل القرية الذين توجب عليهم قتل أي افعى قبيل انتقامها خصوصا انها تهجم دفعة واحدة كل ثلاث سنوات لقتل كل من تصادفه.
من ذرى فصول الرواية الفصل المسمى (عرض حال) حيث يقدمه المؤلف كنسيج مونودرامي بطلته اراظجة التي تقف خارج القرية منتظرة قدوم القائممقام لتوضح له معاناة اسرتها من المختار (حنو) الذي باع ارضا وسط القرية لبيرم وتشكو سوء حال القرية واهلها وفساد الذمم وتقول كمثال:
"انه سر القرية.. ثلاثة بيوت جيدة موجودة بين بيوت قره طاش الثمانين كلها واذا جاء القاضي كل يوم عليها يمكنها ان تضيفه، فيها سمنها وملحها وحليبها وسبعة بيوتها نصف على نصف ويوجد خمسون بيتا تحت هذه السبعة يلبس فيها الحذاء اربعة اشخاص تتحمل حتى حدود الموت وتأكل كي لا تموت "وتستمر في شرح تفاصيل حياة القرية وسكانها فتقول:
"كارثة ان تكون فقيرا وعدوا للمختار ونحن في هذه الكارثة" فقد حفروا اساسا امام باب بيتها وضربوا زوجة ابنها وسرقوا خروفها وهي تطالب بالانصاف.
وحين يصل القائممقام الى القرية يكون قد فهم حقيقة ما جرى، فلا ينزل في بيت المختار ولا يأكل لحم الخروف المسروق ولا يشرب العرق ويأمر بترك هاجلي أساسات البيت الذي كان موضع النزاع والسماح له بالبناء في خرائب القرية وتعويض بيرم عن خسارته ثم يغادر القائممقام القرية.
وتبدأ فصول جديدة واخيرة من الرواية حيث يجابه القروي (منجل) المختار (حنو) بافعاله ويستدعى بيرم الى بيت المختار للتفاهم حول التعويض دون ان يحصل على شيء سوى مغادرة هاجلي الارض المواجهة لداره الى مكان آخر فيما يقدم نجيب بك صاحب القرية ليقام له احتفال كبير ترقص فيه كل القرية عدا بيت بيرم حيث تقف اراظجة بباب بيتها مراقبة ذلك الحفل الراقص الذي نسي فيه الناس الامهات حيث تكون الافاعي امامها راقصة غير عابئة بالذي حدث من سوء ومنذرة بالسوء القادم.
ان (ثأر الافاعي) رواية مشحونة بالمشاهد وصراع الارادات وكاشفة عن حرب الفقير وسوء حياته وضياع القيم وتقشير الاهداف النبيلة من بنيانها وجعلها مستباحة لارادة القوي مثلما تستباح ارادة الانسان المحتمي بفقره وعذاباته كل يوم.


في معرضه الشخصي الثاني: هادي ماهود يزاوج ما بين الواقع والحلم عبر ثمان وثلاثين لوحة
 

محمد درويش علي
(ناحلٌ كالكرة يسري) تولد لدي هذا الانطباع عن هادي ماهود، الفنان التشكيلي وانا أرنو اليه، وهو يتحدث عن معرضه الشخصي الثاني، الذي هو موضوع كتابتي، تحدث بطريقة انفعالية مستترة وكأن لديه كلاماً آخر، اكبر من اللوحات الثماني والثلاثين التي ضمها المعرض، لم استطع ان اقف امام هذا الخراب الذي طال كل مكان، حتى كاد يصل الى ارواحنا، لولا ذلك النقاء والاصرار اللذان يحركان سواكننا. أردت ان اقول شيئا، وكانت هذه اللوحات".
هذا ما قاله هادي ماهود، وما يقوله في معارضه القادمة اكثر من هذا.

جسد هادي ماهود في لوحاته، جزءا مهما من البيئة الجنوبية المتمثلة بالاهوار، وطبيعة الحياة فيها، ليس بالطريقة الفوتوغرافية في التعبير، وانما من خلال ابراز، الجوانب المثيرة فيها، واعادة صياغتها وفق رؤية فنية ومنح الجوانب تلك طاقة للحلم يرنو اليها المتلقي من خلالها، وبرغم وجود تصريح مباشر في بعض اللوحات، الا انه جعل المتلقي يأخذ بأكثر من خيار في تفسيره لها، وعمل وفق ثنائية الخراب، الجمال، البناء، الهدم.
حملت اللوحات ابعادا ودلالات ومنحت المتلقي فسحة من خيال باتجاه تحريك الواقع الى منطقة الامل، يجعله يشعر بتفاؤله، وان الخراب مصيره الزوال، وبديله الجمال، والهدم لا يبقى على حاله، بل يطوله البناء، وان الموت ببعده المعروف هو حالة طبيعية، ولكن حينما يأتي بفعل فاعل لتعطيل حركة الحياة، فان ذلك يحل محله الميلاد بكل معانيه وابتهاجاته.
ومثلما يحصل تباين في الواقع، حصل التباين في اللوحات وهو تباين كان محسوبا لمصلحة اللوحة او اللوحات التي عكست هذا التباين.
ففي احدى اللوحات التي اعدها افضل ما موجود في المعرض، كان السواد يؤطر كل شيء، ويلقي بحزنه وقتامته على جو اللوحة، العام.
اسماك، جذور، ممتدة في الماء، أي ماء الهور، كلها كانت تعاني الضياع، وتبحث عن الالفة، وسط ركام الخراب.
المتلقي لهذه اللوحة، او ما تلقيته انا، هو الجو العام الذي يغلفنا، منذ ما يقرب الاربع سنوات، السواد في اللوحة كان اشبه بدخان بناية محترقة، والاسماك هي اجساد تبحث عن خلاصها من الموت، والجذور، ربما هي الخلاص الذي يأتينا عبرها، وهي تمتد الى اعماق سحيقة لتولد الخضار.
فضلا عن اللود الاسود، كان هنالك اللون الاحمر الذي أطر عدداً آخر من اللوحات، وكان طاغيا بشكل واضح.
"هنالك لوحات كتبتها في الحلم" حينما دققت في اللوحات وجدت لوحة فيها رجال ونساء ينتظرون في طوابير، تغلفهم الحيرة، من يرنو اليهم يشعر بأنهم بانتظار مجهول معلوم وكان كل واحد من هؤلاء المنتظرين هو عالم خاص، من الخيبة والاندثار والبحث عن الخلاص، او ان كل واحد كان بانتظار (غودو) عائداً اليه.
جسد هذا الحلم اللوحة خرابا وجوديا عاما، تمثل في لحظة، الانتظار، والانتظار هنا يكلف ما تكلفه الحروب، كما يقول الشاعر عبد الرحمن طهمازي في احدى قصائده، اذا المنتظر مجهول فإن المنتظر هنا، برغم معلوميته، مجهول هو الاخر، انه يعاني محاطا بالضباب والاحمر، ربما بالموت الضمني وهو يتقدم صوب مجهوله.
ثمة لوحة اخرى، كانت فيها، "جاموسة"، بقرنين كبيرين مهيمنة عليها، وكانت رمزا لاستمرارية ما، في البيئة التي تهاجر منها، وتأتي اليها طيور، وتسكنها مشاحيف واسماك ومياه، وطيبة وغربة، ووحشة وفظاظة ان في اللوحة هذه نوعاً من المخاتلة الفنية تتمثل في بساطة الطرح للوهلة الاولى، لانها تجعل البيئة وما فيها، تمنح نفسها للمتلقي، ولكن المشكلة ليست هنا، بقدر ما هي بعد اللوحة، أي ما وراء النص كما يقول امبرتو ايكو في قراءته السينمائية أي العلاماتية، للنص الادبي، ان ما وراء اللوحة، يختبئ الكثير من المضامين، والافكار التي هي تجسيد للهم، وتجفيف الحياة الذي ما زال مستمرا، برغم التغيير.
فاللوحة تقول ان الحياة ليست في الهور حسب، وانما في مفاصلنا الكثيرة التي ما زالت جافة، جفاف الهور ايام زمان!
ثلاثة كولاجات
ثلاث لوحات كولاجية، ضمها المعرض، لم تخرج عن الاطار العام الذي رسمه الفنان هادي ماهود، فكان الابيض والاصفر والاحمر، وصور وضعت بطرق مغايرة، تروم ايصال فكرة التباين الى المتلقي.
ان هذه المغايرة والتباين لم يستطيعا ان يغيرا الجمالية التي كانت عليها الكولاجات، فالوجوه برغم تقطعها، واندثارها تحت الوان اخرى، وربما لون رمادي فاتح، كانت تومض بحياة من نوع آخر، حياة منكسرة تحاول اعادة الوجود اليها. مثلما فعل هادي ماهود مع لوحاته الاخرى، فعل مع لوحاته هذه (كولاجاته) ومنحها ذلك البعد الذي كان يدنو ويقترب منا.
ملاحظات عامة
لقد كانت المهيمنات على اللوحات الثماني والثلاثين هي الماء والاسماك،والغرابة المتجسدة في كل شيء منها، غرابة اللون وغرابة الثيمة، وغرابة الشكل، وغرابة التفاؤل، ولم تستطع غير لوحتين او ثلاث من الخلاص من هيمنة الاسماك التي كان يجد فيها الفنان ماهود، بعدا سومريا ومثالا حياة للحياة عبر العصور، وكانت رسوماته هذه هي استدعاء لمعايشة كان يقوم بها باللا شعور في طفولته، وتمركزت لديه، حتى طفحت، وخرجت الى متلقيه بهذه الصورة التي كان عليها عبر معرضه الشخصي الثاني، الذي احتضنته قاعة مدارات في الوزيرية.
شهادة الفنان هادي ماهود
العب في طفولة مرحة ابصق الرتابة والنظام، اتصعلك في طرقات الفكر المعلقة على باب المنفى، ذلك التيه الابدي الذي لازم الكثيرين، اجمل وجه امرأة جعلها سومرية، انحت فيها الاف المشاحيف أصف فيها شعرها القصبي اللون، وبرديها في ميسانه ثكلا. استدارة الوجه كخبزة السياح، لا أقول كالقمر.
ربما أداعب قلقي بقرن جاموس وحشي او اترك ضالتي لبقايا زواج عبثي بين قصة جنوبية وبردي سومري هناك حيث تلد الاسماك تلد الطيور المهاجرة تبحث وتبحث عن وطن للغربة عن مياه لا تشبهها زرقة ولا تشبهها خضرة.
احلم بك كل مساء وكل فجر.. رائحة الحطب المحمول على رؤوس النسوة صباح مساء.


متابعة من ايطاليا .. مهرجان الشمس والقمر للأفلام الوثائقية
 

- فلسطين تفوز بجائزة المهرجان الكبرى
- محمد بكري: فيلم مهدى إلى كل فلسطين والعراق ولبنان


فراس الشاروط
باليرمو
في مدينة باليرمو الإيطالية وللفترة من 26 تشرين الأول إلى 1 تشرين الثاني 2006، أقيم مهرجان ( الشمس والقمر) للفيلم الوثائقي، وقد عقدت هذه الدورة الأولى في مدينة باليرمو الجنوبية كونها تشكل جسرا بين العالم الإسلامي ومدن حوض البحر المتوسط ، ولتأكيد ضرورة التبادل الثقافي بين شعوب العالم الإسلامي والعالم الغربي.
شارك في المهرجان أكثر من (39) فيلما داخل المسابقة و(12) فيلما خارج المسابقة ولأكثر من (16) دولة تنافست على جوائز المهرجان الكبرى، وقد توزعت الأفلام المنافسة بين أفلام طويلة وأخرى قصيرة وتحت (3) فروع، الأفلام الثقافية والفنية، وأفلام حوض البحر المتوسط ، وأفلام الإسلام، ومن دول ( ألمانيا، البرازيل، ايطاليا، ايرلندا، فلسطين، لبنان، إيران، النمسا، أسبانيا، النمسا، هولندا، اليونان، الولايات المتحدة، إسرائيل، ...... وغيرها)
وأقيم على ضوء المهرجان معرضان للصور الفوتوغرافية، الأول للفنانة (آنا كورتون) تحت عنوان ( أسلام) والثاني للفنان ( ستيفانو زارديني) تحت عنوان ( ذاكرة جذور)، كما أقيمت على ضوء المهرجان أيضا دورة تأهيلية لفنانين وإعلاميين عراقيين، من أجل تزويدهم بالمعلومات في مجال تطوير وصناعة الأفلام الوثائقية.
كانت الحلقة الدراسية الأولى عن (تأريخ الفيلم الوثائقي) للأستاذ (تومازو كزيني) أستاذ تاريخ السينما، وكانت الحلقة الدراسية الثانية عن ( التوزيع) للصحفي ( كارلو فوسكاني)، أما الحلقة الدراسية الثالثة فقد كانت عن (المونتاج) للأستاذ ( جوفاني أوبيديزانو)، وكانت الحلقة الدراسية الأخيرة مع الأستاذ ( روبينو روبيني) وهي عن الإخراج ومناقشة مواضيع الدورة ، وقد كان للوفد العراقي المشارك في الدورة التأهيلية فرصة رائعة وجميلة للإطلاع على المنجز السينمائي الوثائقي العربي والعالمي، ورغم الكم الهائل من الأفلام إلا إنها كانت مشاركة حقيقية للإفادة من تجارب السينمات المتعددة سواء على صعيد البناء الفني أو المونتاج أو الإخراج.
وقد اختارت لجنة التحكيم الأفلام التالية للفوز بجوائز المهرجان الكبرى والتي وزعها على الفائزين السيد رئيس إقليم صقلية:

- جائزة التجديد في الفيلم الوثائقي - لفيلم ( الفيلم المفقود) وهو من إنتاج لبناني فرنسي مشترك ومن إخراج: خليل جورجي وجوانا حاج توماس.
- جائزة الثقافات المشتركة لفيلم ( بداية معرفة دانيال برو) من إنتاج ألمانيا وإخراج: بول سميزني .
- جائزة أفضل مونتاج لفيلم ( لمحة لرؤية رجل واحد) من إنتاج البرازيل وإخراج: الكس غاباسي .
- جائزة أفضل تصوير لفيلم ( كالشمس عندما تغرب) من إخراج: جولي موغان .
- جائزة الأفلام الإسلامية لفيلم ( بدال) من إنتاج لبنان ومن إخراج: ابتسام مارعيني .
- جائزة أفلام حوض البحر المتوسط لفيلم (يوميات رجال على حافة صيادي الأسماك) إنتاج إسرائيل ومن إخراج: افرام مانغوليرنت وميكابيت ابرامزون
- جائزة الأفلام الفنية والثقافية لفيلم ( مسافر) انتاج فرنسا ومن إخراج : سيدرك دوبرية
- جائزة خاصة لفيلم ( قاسمي) من أخراج: روبرت ميدمي وجيو ماغريني .
- جائزة المهرجان الكبرى للفيلم الفلسطيني (من يوم ما رحت) للفنان الكبير (محمد بكري).
وقد سعت مدينة باليرمو واللجنة المنظمة للمهرجان بكل إمكانياتها لإنجاح هذه التجربة الأولى الجميلة.
في نهاية المهرجان تحدث المخرج الكبير محمد بكري قائلا ((إن هذا الفيلم يتحدث عن ما يجري الآن في فلسطين، نعم إني أتحدث الإسرائيلية، والشجر إسرائيلي، والناس حولي إسرائيليون، وأكلي إسرائيلي وشرابي، ولكني بكل شيء فلسطيني وسأبقى، قلبي فلسطيني، وهذا الفيلم مهدى لكل فلسطيني وعراقي ولبناني)).

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة