معالم المأساة المتجددة في
دارفور
ترجمة:
عادل العامل
عن/
The Independent
هذا هو ما يبدو عليه
العالم عندما يذهب الامل. فقد أستكن أكثر من مليوني مواطن
من أهل دارفور في مخيمات النزوح عبر هذه الأرض الصحراوية
القاحلة في غرب السودان، وما من فارس بدرعه اللامع يوشك ان
يمتطي الافق، وهؤلاء هم الناس المحظوظون:
اولئك الذين نجوا من سياسة الأرض المحروقة لحكومة السودان
ورنوا الى بيوتهم تتحول الى هشيم محترق، اما الآن،
فالمحظوظون يعيشون في خوف دائم من ان تكون كل ليلة هي
ليلتهم الاخيرة.
ان أزمة دارفور، وهو إقليم بحجم فرنسا، تتعمق بمرور الوقت،
وبينما يلعب حاكم السودان عمر البشير، لعبة سياسية حافة
الهاوية مع الأمم المتحدة، وبوجه خاص، مع الولايات المتحدة
وبريطانيا، ينطرح ملايين الافارقة السود لوحدهم معرضين
للخطر.
وكان هناك على مدى الشهرين الماضيين في الإقليم بناء لقوات
سودانية وهجمات لميليشيا خائفة تمتطي الخيول السود، وتعرف
بالجانجاويد، وهي في حالة ازدياد.
ولقد تسبب الوضع الامني الهش، الذي شهد مقتل العديد من
عمال الاغاثة منذ شهر آيار، في ارغام الكثير من وكالات
الاغاثة على الرحيل، وبينما يدعو قادة غربيون لدخول قوة من
الأمم المتحدة الى الإقليم بأسرع ما يمكن، يترك امر الحفاظ
على السلام للاتحاد الافريقي، وقد تخلى جنود هذا الاتحاد
المنخفضو العدد والتمويل عن محاولة منع المزيد من الوفيات
تقريباً. وبدلاً من هذا تجدهم يعدون هنا، وهناك قدر ما
تسعفهم عرباتهم السيئة ليسجلوا ما يقع من حوادث، وكل ما
يستطيعون فعله تدوين ملاحظات والامل في ان شخصاً مان في
يومٍ ما ، سيعتبر مسؤولاً عن ذلك.
وقد كان للنقص في المعدات العسكرية الاكثر اساسيةً تأثيرات
مدمرة في هذا الاطار، فمن دون أية مناظير للرؤية الليلية،
تكون قوات الاتحاد الأفريقي عاجزة عن الخفارة بعد الظلام،
وهو الوقت الذي تحدث فيه معظم هجمات الجانجويد.
ومع هذا، فحتى هذه القوات التي لا تقدم ولا تؤخر، وفقاً
لعمال الاغاثة في الإقليم، يمكن ان تغادر دارفور سريعاً،
وقد انذرت الحكومة السودانية في الشهر الماضي بطردهم خارجاً،
وأرجات ذلك في آخر الأمر حتى نهاية السنة، ثم ستتولى
المهمة، كما تأمل الأمم المتحدة، قوة من القبعات الزرق
قوامها 20600 رجل.
غير ان قرار الأمم المتحدة يتسم بتوضيح مائع، ذلك ان
الجنود لا يمكنهم دخول السودان الا اذا اعطت الحكومة
موافقتها على ذلك، ولهذا فليس من المدهش انه قرار غير حاسم،
وهذا القرار، وهو صرخة بائسة من اغنى امم العالم الى "شخص
ما" كي " يفعل شيئاً ما"، قد أخفق ايضاً في الحصول على
الاجماع، فقد امتنعت الصين وروسيا عن التصويت، احتراساً من
اتخاذ الجانب الخطأ من حليف اقتصادي مهم.
وقد شبه الرئيس البشير، الذي جاء الى السلطة في اعقاب
انقلاب عسكري في عام 1989، أية قوة للأمم المتحدة بـ (استعمار
غربي) بل انه حذر في الشهر الماضي بان يقود شخصياً "الجهاد"
ضد الغربيين الغزاة.
ومع هذا، فاذا ما وصلت بالفعل قوات الأمم المتحدة الى
دارفور، فانها ستبدو مماثلة جداً لجنود الاتحاد الافريقي،
فبالرغم من الخطاب الشديد الذي وجهه كل من بوش وبلير، فلن
يتم ارسال جنود أمريكيين أو بريطانيين الى دارفور. وبدلاً
من ذلك ستكون القوة مكونة من هنود، وباكستانيين،
وبنغلاديشيين ونيباليين، وجنوب أفريقيين، ومن اورغواي- وهو
التكوين المعتاد لقوات الأمم المتحدة في الاماكن النائية.
وما سيجدونه في دارفور لم يعد القصة الواضحة المعالم
للابادة الجماعية التي يقوم بها عرب ضد سود، ففي اعقاب
اتفاقية سلام تم توقيعها في ايار، اصبح النزاع أكثر دموية
وتعقيداً.
وكانت ميليشيات من ثلاث قبائل رئيسة غير عربية في دارفور،
هي الفور، والمساليت والزغاوة، قد بدأت في الاصل تمرداً ضد
الحكومة السودانية ذات القيادة العربية في عام 2003، بزعم
التمييز ونقص الموارد، وقد شعر الرئيس البشير بانه غير
قادر على الاستعانة بالجيش، الذي جاء الكثيرون من افراده
من نفس هذه القبائل، وبدلاً من ذلك، استخدم قوة قريبة اليه:
ميليشيا عربية تعرف بالجانجاويد.
وقد وفرت الخرطوم الدعم العسكري من الجو، قاصفة القرى قبل
ان تذهب الجانجاويد لتطهيرها، فلم يكن المتمردون هم
المستهدفين، وانما مدنيون من القبيلة نفسها، ومنذ عام
2003، قتل أكثر من 85000 شخص، ومات 200000 آخرون من أمراض
ناجمة عن الحرب، ونزح مليونان من الناس.
ولكن ما بدأ كتمردٍ من قبائل مقموعة ضد نظام حكم وحشي قد
انحل سريعاً، وشرعت جماعتا التمرد الرئيستان، جبهة تحرير
السودان وحركة العدل والمساواة، في محادثات سلام مع
الحكومة السودانية في اوائل هذا العام، وفي الوقت الذي
عقدت فيه الاتفاقية، انشقت جبهة تحرير السودان الى فصيلين،
واحد يقوده ميني ميناوي، وقد وقع على اتفاق السلام، والآخر
رفض ذلك، مثلما فعلت حركة العدل والمساواة، وأعلنت
الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ان التوقيع الجزئي خطوة
الى الامام بالنسبة لدارفور.
غير ان العنف أزداد منذ آيار، فليس الجانجاويد وحدهم الذين
ظلوا يهاجمون معسكرات النازحين داخلياً، إذ ان هناك الآن
حلفاء لهم يقاتلون الى جنبهم، وهم فصيل ميناوي الذي راح
يساعد قوات الحكومة في مهاجمة الجماعات المتمردة المعارضة
لاتفاق السلام.
وقد شكل المتمردون الرئيسون جماعة مظلة لهم، هي جبهة
الإعتاق الوطني، غير ان هناك الآن، وفقاً لمبعوث الأمم
المتحدة الى السودان، جان برونك، ما يقرب من ثماني جماعات
تمرد منفصلة تنشط في دارفور.
|