المدى الثقافي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

قائمة شهر أيلول لمنح صندوق التنمية الثقافية

تنشر (المدى) قائمة بأسماء المشمولين بمنحة صندوق التنمية الثقافية لشهر أيلول وتدعو أصحاب الأسماء الواردة إلى مراجعة مقر مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون ابتداءً من يوم الأحد الموافق 12/11/2006 لغاية 22/11/2006 لتسلم مستحقاتهم.
وتنشر كذلك قائمة بأسماء المشمولين بمنحة الصندوق الذين لم يتسلموا منحتهم لشهري تموز وآب الماضيين وتدعوهم الى الحضور في التاريخ نفسه لتسلم منحهم.
ونشير إلى أن لجنة الصندوق ستمتنع عن تسلم قوائم المرشحين لهذه المنح من قبل المنظمات التي ينتمون إليها قبل الخامس عشر من كل شهر.. ونؤكد أن لجنة صندوق التنمية الثقافية غير مسؤولة عن اختيار الأسماء ولا عن تصنيفها بين (متغير وثابت) كون ذلك من اختصاص المنظمات والاتحادات والروابط المعنية.
وقد تلقت اللجنة مجموعة من الاعتراضات وتم النظر في بعض من تلك الاعتراضات التي استوفت شروط الشمول بالمنحة واتخذت الإجراءات بصددها وأحالت بقية الاعتراضات من التي لم تستوف الشروط إلى الاتحادات والمنظمات والروابط للنظر فيها.

ثابتة (150$)
صبيحة جاسم محمد، خالدة عبد الجليل ، كريكور بدروس سركيس، ياسين طه اسماعيل ، خزعل مهدي علي ، سلمان غلام علي ، قاسم عبد حسون ، عبد الحسن عمر شناوة ، رحيم كاظم صباح ، عباس حسين البصري ، قادر احمد كريم، ماجد حسين علي ، مصطفى عباس علوان ، قيس نجم الدين عبد الله ، ثامرابراهيم حسن، سلام يوسف كوركيس، عدنان عباس غيدان، عبدالرزاق العزاوي، علاء الدين عبد العزيز، كريم محمد حسين ، سعد عبد الغفار العاني، حبييب ظاهر العباس ، جمال عبد العزيز حسين، محمد خميس كاطع ، سامي عبد الاحد، نهاد محمد غريب ، باسم مطلب شميل ، يونس عباس صالح، سعدي حميد السعدي ، عباس جميل قمري، طه سالم ، يوسف العاني ، عزيز عبد الصاحب ، فاطمة الربيعي ، عبد الرزاق سكر ، عزيز خيون ، رحيم التكريتي ، عادل كوركيس، طارق شاكر ، احمد شفاء العمري، زهرة الربيعي ، كاظم فارس ، فاضل جاسم ، عبد المجيد عبد الحميد ، جياد كنيح ، جاسم وحيد ، نضال صبري ، حسن ناجي جساس ، ضياء عبد القهار ، قبيلة عبد العباس، كاظم النصار ، خضير محسن ساري ، حيدر منعثر ، مطشر السوداني ، احمد حسن موسى ، راسم عطية منصور ، منير راضي شاتي ، فتحي زين العابدين ، عباس عبد فجر ، جاسم محمد يوسف ، شاكر راضي عباس ، عبد الله جواد ، باسم محمد محمود، عبد الامير السماوي ، مكي البدري ، حكمت القيسي ، قاسم محمد سلمان ، شهاب احمد عويد ، حيدر جبار فهد ، صائب جواد عبد علي، كاظم فليح عزيز الزيدي ، محمد شكري جميل، ازادوهي صاموئيل، بان الامير، سعدي توفيق، مسلم عبيد صالح ، عبد الرزاق المرجاني، مؤيد نعمه، حنين مانع زوير ، عزيز علي، بسام الورد، خليل الرفاعي، شكري العقيدي، احمد عثمان فرحان الكرخي، نزيهه سليم، عفيفة اسكندر، فخري الزبيدي، امل قباني، فخري عمر ، عبد الجبار عباس، عبد الواحد طه، عز الدين طابو، طالب الفراتي، صبحي العزاوي، خليل عبد القادر، حاتم حسين، مهند العنبكي، سعد عبد الحسين علي، علاوي كاظم كشيش، اسعد محمد علي، يونس جلوب ضمد، قاسم صبحي حميد، عبد الستار علي هلال، محمد حسين محو، غازي عباس محسن، مالك سفر علي، تركي جبار شلتاغ، خزعل محمد ، نجم عبد عباس، عباس حسن مرهون، محمد ذهب عبد ، صادق الجلاد، محمد عبد الستار العنبكي، صادق سميسم، جاسم الذهبي، داوود هوبي، حمدي مخلف ، فائزة جاسم، مقهى حسن عجمي، مقهى الشاهبندر، مقهى المعقدين، مقهى ام كلثوم، مقهى الزهاوي، اسعد عبد الرزاق ، عبد الله جواد ، محمد جواد اموري ، حسين نعمة ، علاوي حسين ، حسين حسن سفيح، محسن الشيخ، كمال محمد، نوري الراوي ، فاضي محمد حياة ، محمد حسين جودي، عيدان الشيخلي، فريد حسين، هلال الهلالي ، رافع جاسم ، طالب مكي ، اوانيس بدروس ، حميد ياسين ، عبد الجبار البنا ، اكرم ناجي ، سعد الشمري، صادق ربيع ، عبلة العزاوي ، نعمت محمود حكمت، بهيجة الحكيم، بدري السامرائي ، اتحاد كريم ، سوزان الشيخلي ، ياسين شاكر ، نزار الهنداوي.


متغيرة (200$)

عامر عبد الجبار
عباس عزيز
فارس حميد ياسين
سامي نسيم
دريد فاضل الخفاجي
طارق عبد الرسول
صلاح عزيز
نجاح هاشم البغدادي
علي عباس علي
محمد عبد الرضا
علي جاسم كركاس
موفق عبد الهادي
ابتسام مهدي عبد الرزاق
عبد الواحد فرهود
عزت غفوري بابان
هويدا حنا يلدا
زينب صبحي
امال ابراهيم
ابتهال نجم عبدالله
جواد محسن خلف
علي طاهر بنيان
ضياء فاضل خماس
سعدي توفيق البغدادي
صباح هاشم
حسين سعد عيسى
حافظ خضير عباس
سالم ياسر
معن عبد الحمزة
محمد كاظم زغير
محمد زبون
حسين كشاش
فاروق محمد العبيدي
احمد عبود حنيش
تحسين خورشيد
ستار ناجي عمران
كاظم عبد الحلي
كامل محسن خلف
هادي سعدون جبر
نجم عبد احمد
ابراهيم خليل
مجيد رشيد صيهود
علي اسماعيل كاظم
سليم سالم
عماد كاظم غازي
عماد محمد غريب
ساطع محمد الجميلي
سعد عوض الزيدي
رائد محمد نوري
محمد علي سعيد
محمد زايد ابراهيم اللهيبي
فليحة حسن داخل
عبد الامير علي عبدالله جمال الدين
كاظم حمود محسن
رمزي نعمة حسن
يوخنا دانيال خاميس القس
محمد سهيل احمد
عبد الحسين احمد طاهر
باسم محمد القطراني
فوزي السعد
صفاء عبد العظيم خلف
معين عبد الصاحب عبد الحسين
ناصر قوطي ابو كذيلة
حسن البصام
بهجت مردان علي
عبد الهادي والي
عبد جبر الشنان
عبد الرحمن جمعة ذياب
كمال لطيف سالم
محمود الظاهر
مشتاق عبد الهادي
كاظم ناصر السعدي
وهاب رزاق حسن شريف
عبد الواحد فياض عمران
ليث كاظم العضاض
احمد عبد السادة
صباح اسعد نجم
شكرية سعيد صالح البرواري
شاكر مجيد سيفو
موسى علي موسى
سلمان الجبوري
امين جياد شهاب الخزرجي
مجيد جاسم حسن العلي
عمار علي كاصد
علي نوير عيسى
عبد الله رمضان العيادي
عبد المجيد سلمان محمد الموسوي
محمد سعدون السباهي
حاتم العقلي
علوان عبدالحسن العلوان
محمد علي الخفاجي
حميد حسن محسن الناعس
توفيق حنون العمري
جواد عبد الكاظم محسن
اسماعيل سكران ابراهيم
ابراهيم حسين علي
علي حسين علي الاسكندري
مظهر حسن كاطع
ركن الدين يونس
هاشم عبد الله معروف
جليل اسماعيل احمد
برهان احمد محمد
نجاة عبد الله
عبد الحسين شنشول صالح الغراوي
احمد ثامر جهاد
احمد الباقري
عدنان ثاني غانم الفضلي
عبد العزيز عسير ناصر
صبيح عمر نوري
خضر حسن خلف
سلام عبد الحسن ناصر
وليد حسين ميرولي
راسم قاسم موسى
سمير داود سلمان الجميلي
ضرغام عبدالصاحب عبد الهادي
عماد صباح عباس الحيدري
سعد صاحب عبود الشامي
حسين ناصر جبر
محمد تقي جون علي
خالد خضير خلف الصالحي
صفاء محمد عبد الكريم السلمان
سعيد حاشوش مرزوك
عبد الرزاق صالح علي
عبد الحليم مهودر حسن
مصطفى حميد جاسم
فاروق حسون خضير السامر
محسن العزاوي
راسم الجميلي
ربيع الشمري
فريال كريم
احمد طعمى التميمي
يحيى ابراهيم فليح
فكرت جاسم لطيف
عبد الكريم سلمان
عالية عبود كرم الله
صلاح عبد الرحمن
امير الحداد
محمد محمود العمر
احمد حمود النداوي
سمر احمد
عهود ابراهيم
حيدر جبر شلاكة
عدنان كريم محسن
جنان بدر ميدان
صادق والي سلمان
انتصار علي مجول
مهدي جبار حسن
قائد هادي عبود
طه درويش عبود
سامي حسين محمد
معتز عبد الكريم
حميد الرماحي
صلاح مونيكا
سمير خليل امين
اياد راضي مونس
مهند هادي
عصام محسن
محمود شنيشل حسن
نمير رشيد بيري
اسعد عامر
زحيم موسى حسن
عزيز جبر يوسف
جمال عبيد الشاطي
فريد زيدان مظهر
مهدي حمدان حسان
عبد الوهاب طه خليل
جعفر عزيز
عادل جبار فنجان
فيصل نجم ضايع
صلاح مهدي محمد صالح
سعد عبد اللطيف صالح
نضال فالح حسن
سهيلة كاظم قاسم
فرجينيا ياسين
منصور عبد القادر سلمان
منير شبر محمد نظام
حيدر زهراوي شاه
انتصار عبد كشيش
سمير عبد الصاحب كاظم
حسين علي سلمان
فلاح كامل فاضل العزاوي
صالح كاظم صالح
عبد الزهرة حسن عطية
فادية فاروق الدبوني
عباس كريم سهيل
نجيب صيلوة صيدو
سمير ذنون قاسم
احمد حسن خليفة
فارس عبد الكريم سعيد
علي حسين حمودي
حسين رشيد محمد/حسين التكريتي
مجيد حميد مجيد العبيدي
عادل داود سلمان
كرم عبود كاظم
باسم فاهم كاظم الفلاوتي
عادل علي حسين
مهدي عبد الصاحب حسون
كريم جلوب سوادي
محمد عطوان شريف
شاكر محمد عباس
جاسم فرهان صيوان
عرفان صديق دايلة
فائقة حسون هاشم الوعيل
علام سعيد محمد
فوزية توفيق فتح الله
سامي مرتضى جبر
هيفاء جاسم يوسف
حليمة فرمان صيوان
جنان بهنام فتحي بهنام
عبد العزيز هاشم محمد الخطاط
صباح داود حسين
عبد الغني مصطفى عبد الغني
محمد حسين ماقيلي الجادري
صادق هادي علي
حبيب عبد الرزاق كاظم
محمدين رشيد هارون
محمد ناجي خورشيد
رياض هاشم غائب
هاشم خضير حسن
حازم عباس نشعان
شاكر خالد شلش
حمدي ياسين نصيف
فتحي عبد الكريم عبد الرحمن
احمد مزهر داخل
وسام كامل عبد الامير
اكرم جرجيس نعمة
نصيف جاسم محمد
يحيى الغمام
ابراهيم عباس الفلاحي
محمد شيال
سعيد كوريا
احمد عثمان فرحان
صباح حسين دلي
محمد حسين ماقلي
هاشم عمر
فؤاد شاكر
علي عبد مناحي
عبد الله حسون محسن
علي ابراهيم عيسى
عدنان عبد المهدي هاتو
ناصر العساف
رسول طهيلو داغر
سمير حسين علوان
امري سليم
احمد عبد الله علي
فاتن شريف
عبد الباري العبودي
كارلو هارتيون
ساهر ميرزا
عادل الهاشمي
عبد الهادي مبارك
حسين التكريتي
عبد الرزاق عبد الوهاب رمضان
سلمان داوود البصام
احمد سلمان
احلام عبد الله علوان الحسناوي
احمد نعمه
ضياء الخالدي
اسعد عبد
متري العاني
ستار الشيخ
محمود فتحي
ظاهر نعمان عثمان الامام
خالد محمود حسين العيداني
جبار حسين صبري
سعد حسين صالح
اسماء غير المستلمين لشهري آب وتموز
نديم عبد الرحمن يونس ، صادق عباس علي ، ثابت رسول جواد ، فيصل جابر ، مهدي جيجان ، طارق الشبلي ، اسعد خضير احمد، قصي صبري ، اميرة جبار مهدي ، مالك مزهر جويد ، زيد اكرم حسن ، ازهر مسلم حسين ، سنان سمير وادي ، احمد محمد ابراهيم، سلمى جبار محمد حسن ، منهل جواد محمد حسن ، حيدر موسى دفار ، فؤاد رضى حسين ، فائز جواد كاظم ، غازي فيصل محمد ، حافظ مهدي ماجد ، محمد علي عبد الرزاق ، احمد علوان فارة ، ابراهيم الهنداوي ، فاتن شريف الاسدي ، علاوي حسين ، علي حمود حسين ، ياسين خير الله خنجر ، علي حسين سلطان ، محمد موسى عبد الصاحب ، بشار صبحي رعد ، سليم محمد عيدان ، توفيق حنون المعموري ، ركن الدين يونس ، صبيحة ابراهيم ، خالدة عبد الجليل، نوري الراوي، صادق ربيع، نعمت محمود حكمت، نزهت الخليفة، بدري السامرائي، سوزان الشيخلي، جميل ابراهيم حسن، سليم البصري، خليل الرفاعي، فخري الزبيدي، عبد الجبار عباس، طالب الفراتي، علاوي كاظم كشيش، عبد الستار علي هلال، امل طه، عمار سيف، عدنان مردان، هناء مهدي، جاسم محمد عبد الله، غازي نصوري، عباس جبر الذهبي، جمعه عبد العباس، عباس محمد يسر، بدر باسم، فردوس مدحت، اشور ملحم، سعدون محسن كاظم، شكر حاجم سلطان، محمد هادي حميد، قاسم عزيز رشيد، فؤاد جميل صديق، جبرائيل صاموئيل، جمال سليمان قاسم.


رحــلــة التــراجـيـديـــا الـعراقــيـة في رواية (عندما تستيقظ الرائحة)
 

محمد الحمراني

في رواية الكاتبة (دنى غالي) الصادرة مؤخرا عن دار المدى بـ (235) صفحة من القطع المتوسط،يسعى القارىء ومنذ اللحظة الأولى،الى البحث عن تلك الأفكار التي يدونها كتاب المنفى بعد زوال الدكتاتورية وانتهاء حواجز الخوف، والى أي مدى كان انصهار هؤلاء الكتاب في المجتمعات التي امضوا سنوات طويلة فيها ؟. كيف يقراون الواقع العراقي الان؟ او في أية زاوية يضعون انفسهم كفنانين؟...رواية (عندما تستيقظ الرائحة) توضح الكثير من هذه الاسئلة لمن يتوغل في أعماقها ويسعى لتجميع الموضوعات المتناثرة على أوراقها.
فالرواية ومنذ الفصل الاول توضح للقارىء بأنها رواية عن شخوص لديهم مشاكل نفسية واجتماعية،في المنفى الدنماركي ولكنها نتاج مشكلات اخرى حدثت في البلد الام (العراق) وفي زاوية قصية منه هي (البصرة)، لذا تسعى المؤلفة الى الهرب من تقنية الفلاش باك التي اصبحت مملة وغير مستساغة في كشف الماضي، فتلجأ الى تقنية الحوار وهذا الحوار ينبثق بين باحثة اجتماعية وبعض الشخصيات العراقية الموجودة في المنفى الدنماركي ومنهم (مروه البصري) و(رضا المولاني) و(نهلة صباح) واخريات يظهرن في الحكايات التي تروى على لسان هؤلاء، لذا تقول الباحثة : (غالبية اللاجئين بحاجة الى مساعدة وعلاج وان لم يكونوا واعين ذلك) ثم تقول : (اغلبية اللاجئين شغوفون جدا بسرد ادق تفاصيل حياتهم وذلك بلاشك محاولة منهم لا نصاف النفس التي ترزح تحت ضغط الشعور بالظلم).
سعت المؤلفة ومنذ الصفحات الأولى الى خلق خطة لمخادعة القارىء وتمرير مشكلات مواطنين عاشوا في ظل التراجيديا العراقية في حقبة حكم الدكتاتور وعاشوا التشرد و الضياع في بلدان المنفى. لذا كان تأسيس الخداع.هو لحظة بناء شخصية الباحثة الاجتماعية، التي يتضح مع تطور الرواية انها غير فاعلة داخل منظومة العلاقات المتشابكة في عالم الرواية وانها رسمت لتكون أداة لطرح الأسئلة المثيرة للشخصيات والمنمية لخطوطها، و لم تكن لهذه الباحثة استنتاجات معمقة وهي تغور في مشاكل بعض الشخصيات العراقية وكانت تسرد منلوجها ومن دون ان نعرف لمن توجه هذا الكلام ؟ وماهي فوائده في تطويرمفاصل الرواية ؟.
الشخصيات (رضا،مروة، نهلة) ومن خلال سردها لخطوط حياتها تتولد افاق لاكتشاف رؤيتها للحياة وعمق تاثير الواقع السياسي في ثمانينيات القرن الماضي عليها،اعدامات للاشقاء، مطاردة للسياسيين من الاحزاب المعارضة للدكتاتور،ضيق افق حرية التعبير وكارثة الحرب الايرانية وتحويل المدينة (البصرة) التي هربت منها الشخصيات الى ثكنة عسكرية،حين يشاهد شخوص الرواية القصف المدفعي الايراني الذي هجر الكثير من اهالي البصرة الى مدن اخرى ليصبحوا منفيين داخل الوطن ومنبوذين من السلطة. ونعرف من خلال سير الرواية الروابط التي تجمع الشخصيات التي انتخبتها المؤلفة والتي في الحقيقة لا تؤثر على سير المعلومات والأخبار حتى لوسعت الكاتبة الى الغاء العلاقات.خاصة في اللحظات التي يتحدث فيها الشخوص عن حياتهم الاولى..وهم في الحقيقة استعارة عن الشعب العراقي ومشاكلهم هي مشاكل الكثيرين من ابناء البلد وحين نعود الى العلاقات الاجتماعية التي تربط الشخصيات نجد بأنها تنير لنا مدى التفكك الذي يحيط العوائل المنفية وهي تعيش تحت ظل علاقات هجينة. لذا تركز الكاتبة (دنى غالي) ومن لحظة قراءة العنوان على الهموم السياسية والاجتماعية.فحين يسال القارىء: أي رائحة ممكن ان تستيقظ من رواية (عندما تستيقظ الرائحة). تأتي الاجابة: رائحة الوطن. التي لا يمكن للمنفي ان يبتعد عنها او لا يستنشقها. حسب منطلقات الافكار التي تحكم الرواية.
تنطلق المؤلفة في كتابة روايتها من خطوط مرسومة لشخوصها داخل اطار حكاية الباحثة الاجتماعية التي تبحث عن حلول لشخوصها وسرعان ما نجدها تغلب الخطوط على الاطار العام للحكاية. فيضمحل السرد الحكائي امام الاخبار والافكار والاحلام والهوسات والاسئلة في بعض الاحيان والتي تاخذ طابع التجاور في السرد. ومنها ما ورد على لسان مروة بصري :
(أي حياة يختارها العراقيون هنا ويزهون بها.انها محض اوهام. هل كنت مزهوة بنفسي لمشاركتي مجموع لاجئين ولاجئات بائسات ببضع لوحات في معرض ينتهي تأثيره في حينه؟) وتقول مروة بصري الفنانة التشكيلية في مكان اخر: (وما الحرب الا لون أضيفه الى تركيبة ألوان غير منسجمة في اللوحة فابرز قبحها) وفي بعض المناطق تتدخل الكاتبة لتدير حركة الشخصيات خاصة عندما تذكر شخصيات لفؤاد التكرلي ولجبرا ابراهيم جبرا وتسعى للتمرد على نمط الشخصية المستسلمة والخاضعه. وفي المقاطع الاخيرة من الرواية نجد بثاً لتقنية الرسائل والتي تكون ذات منحى عفوي يعزز من تسريع ايقاع الجملة والشد والمتعة في التلقي خاصة ان المشاهد الكابوسية والتراجيدية تأخذ مساحات واسعة من الرواية وتهمل الجوانب الانثربولوجية لمجتمع البصرة، فالقارىء يتعرف على الافكار ويتفاعل معها ولكن لايعرف اين تتحرك الشخصية في الاستذكار او حتى في لحظة اعادة الاستذكار و هذا طبعا يولد مزجاً يجعل القارىء يجد صعوبة في الفصل بين الشخصيات خاصة ان لغة الشخصيات كانت ذات وعي متقارب. وفي النهاية نقول ان الكاتبة كانت بارعة في رسم التفاصيل واعطاء صورة دقيقة عن حياة المنفيين ومشكلاتهم وكانت لروايتها خصوصية مميزة لأنها تمزج مابين عالمي المنفى والداخل وتسعى لتسير وفق ضوابط الرواية السياسية. لتكون هذه الرواية مكملة لصورة عراق الدكتاتور لدى من لم يتعرفوا عليها عن قرب. فتصف سعادة الناس بانتهاء حرب الخليج وهي تستيقظ من النوم في بيت دنماركي وكأنها تعيش وسط مشاهد الحياة السياسية التي طوقت البلد وهذه المشاهد تتجول في راسها مثل شريط سينمائي. فتكون عقبة لتغلغل الخفة والسخرية بين مفاصل الرواية. فتقول : (لااستطيع تلمس شيىء كابوسي أيقظني، وكانني في بغداد. صباح اعلان انتهاء الحرب وبداية يوم سلم،تغط المدينة في سبات بعد عصف الاحتفالات المجنونة الذي امتد حتى ساعات الفجر الاولى في ساحة الاحتفالات. الرشاشات والبنادق اشعلت السماء منتصف الليل بهستيريا فرحا بانتهاء حرب الخليج).
هكذا هو عالم (دنى غالي) ورائحة الوطن التي استيقظت عليها في رواية (عندما تستيقظ الرائحة) مثل كابوس يجمع متناقضات كثيرة من التراجيديا العراقية ويترك القارىء بلا اجوبة نهائية او حلول.


لماذا يقصر المجتمع في تثمينه الإبداع الفني؟!
 

تراسي روجرز
ترجمة/ عادل العامل
ان النموذج المكرر Cliché للفنان الميت من الجوع ليس بالشيء الجديد. ففي أوروبا القرون الوسطي وعصر النهضة، كان الفنانون معتمدين على مشجعيهم من اجل تامين مشجعيهم من اجل تأمين معيشتهم.
وفي حالة الافتقار الى مشجع أو نصير، كان الجوع أو وسائل عمل أخرى هما الخيارين الوحيدين آنذاك. وحتى لو ان فناناً كان محظوظاً بما يكفي لان يكون ميكائيل أنجلو أو ليوناردو دافنشي من الليوناردوات الذين وجدوا لهم راعياً، فان أولئك الفنانين كانوا عرضة لنزوات وتوهمات مستخدمهم، وعليهم ان يرسموا صوراً لجلفٍ أو احرق شاءت الصدفة ان يولد وسط المال أو يكلفوا بتصميم كنائس ومنشآت أخرى للاحتفاء بعظمة وشهامة الجلف المذكور.
وفي الحقيقة، فان القليل قد تغير. فهناك في الوقت الحاضر حشد من الإصدارات الدورية المطبوعة وعلى الانترنيت تريد مشاركين ولكنها غير قادرة على الدفع.
والمكان الوحيد الذي يحتفى فيه بالإبداع والإبداعية ويكافأ مالياً هو مجال الإعلان، حيث مازال يتم تكليف الفنانين والكتاب بما يشبه كثيراً الطريقة القديمة نفسها لبيع منتوج. فالذي تغير، فقط المنتوج الذي يجري الترويج له. وهكذا يبقى السؤال- لماذا تبخس قيمة الجهود الإبداعية الى درجة كبيرة ما لم تنطو على الطابع الاستهلاكي؟
ان طبيعة العمل الفني هي جزء واحد من المشكلة. اجل، ان الفنانين يستمتعون بعملهم، سواء كان رسماً، أم تصويراً، ام موسيقى، أم كتابةً. واجل، ان المساعي الفنية تلبي في العادة حاجة سايكولوجية لابداع ما ينطوي عليه معظم الفنانين. غير ان الفن عمل.
وهو ليس ذلك النوع من العمل الذي يقر بتعقيدات الزمن. فالفنانون بطرقٍ كثيرة هم في حالة عمل دائماً، يكافحون لتحقيق ارتفاعات إبداعية اعظم أو ينتظرون صابرين الالهام الذي يمكن ان يأتي ظهراً أو في منتصف الليل. كما ان الفن مختلف عن "الأعمال " الأخرى وهو في ذلك من بعض النواحي أكثر انهاكاً بصورة غير محددة، حتى لو لم يكن يتطلب جهداً بدنياً. فالفنانون يجب ان يصبوا اشتغالاتهم الداخلية- كل ما هو انفعال عاطفي، وفكري، وروحي مكوِّن لكينونتهم- في نتاجهم الفني، وفي الوقت الذي قد يعتبر فيه حوالي 8 مقابل 5 عمال ان ذلك يوازي أعمالهم الوظيفية، فان عمل الفنان أكثر استنزافاً بصورة غير متناهية، كما ان الفن عمل من دون إجازات ولا امكانية للتأجيل، فالفن هناك دائماً، يقطر في وعي الفنان ويظهر للوجود بطريقة ما، اجل، وهذا عائد جزئياً الى الإلزام المتمثل في ان كثيرين من الفنانين لابد من ان يبدعوا، ولكن لماذا يتعرض الفنانون فيما يبدو للعقاب لشيء ما هو خارج سيطرتهم؟
ان اللوم يقع جزئياً على التركيز المتزايد على الاستهلاك الجماهيري، فمعظم فن اليوم وأمس المشهور- لوحة (الليل المرصع بالنجوم) لفان كوخ المستنسخة تكراراً وسلسلة آندي ورهول عن مارلين مونرو- تتم إتاحته للجماهير في شكل صور بالطباعة الحجرية
lithographs وملصقات جدارية. ويمكنك ان تشتريها وتعيد بيعها في وقت فراغك. اما معظم الفن الاصلي للفنانين المعاصرين فغير منتج للجماهير، ولا موجه للكسب التجاري. وهكذا، يبعد الفنانون المعاصرون الى هامش المجتمع لعزوفهم و/ أو عجزهم عن إبداع عمل فني قابل للحياة على الصعيد التجاري.
وهناك مشكلة أخرى، وهي ان الفنانين قد تعرضوا، تاريخياً للحط من قيمتهم، وهناك سوابق قليلة، إضافة للتكليف بالعمل لمشجعين، حيث تم الدفع للفنانين بشكل كافٍ على ثمار جهدهم، فقد كان على الفنانين، في حالة عدم وجود تكليفات بالعمل، ان يجدوا لهم مهناً أخرى من اجل تمويل حرفهم الإبداعية. ولسوء الحظ، فان الكثير من هذه الأشغال تجعل الفنانين عاجزين عن انجاز امكانيتهم الإبداعية الكاملة.
وتلام الرأسمالية الى حدٍ ما للندرة الراهنة في المواقف الإبداعية لانها توفر المكافأة لأولئك المحفزين اقتصادياً أكثر من اولئك المحفزين فنياً، وهنا تبرز قضية إشكالية أخرى- ما هي مسؤولية المجتمع تجاه الفنانين؟ انه سؤال معقد ومشحون سياسياً، ففي الوقت الذي سيكون من المستحيل فيه مالياً على أي مجتمع ان يمول الفنانين جميعاً على نحوٍ كامل، فان هناك شيئاً ما ينقص المجتمع الذي يشاهد فيه المزيد والمزيد من الناس تليفزيون الواقع وأخبار الإثارة، ولا يمتلك فيه الا الأقل فالأقل من الناس معرفة عابرة بتاريخ الفن. وكما هي الحال مع الكثير من المشكلات التي تواجه مجتمعنا اليوم، فان التربية والتعليم
education فيما يبدو هي المفتاح هنا، ولسوء الحظ/ كما هي الحال مع بلاطات أوروبا التاريخية، فان حكومتنا الحالية تبدو أكثر انشغالاً بالجبروت العسكري والعظمة الشخصية من الانشغال بتحسين المجتمع عموماً، فما العمل، إذن؟
ان تغييراً سياسياً معيناً للحماية هو الترتيب الأول للعمل على هذا الصعيد، والى ان يكون هناك إدارة تثمن الحاجة الى تخصيص أموال من اجل
PBS، والوقف الوطني للفنون، ومراجع تعليمية فنية معتبرة أخرى، فان الفنانين سيواصلون الكفاح وسيظلون غير أسوياء في نظر البعض، كما ان التعليم ضروري للتعلم من أخطاء التاريخ ولتجنبها، وهو تاريخ تعرض فيه الفنانون للإهمال والأذى في زمنهم ليحتفى بهم فقط بعد قرون من ذلك. والمبدأ الأساس هنا هو الاحتفاء بالفن والفنانين في الوقت الحاضر وليس إحالة تثمين الإبداعية اما بصيغة الماضي أو الى الأجيال القادمة.
وأخيراً، فان على مجتمعنا ان يعترف بنزعاته المادية على نحوٍ مفرط وتأكيده على الاستهلاك الواسع، هل نريد حقاً ان يتذكرنا الناس في المستقبل فقط لعروض تلفزيون الواقع
reality وتغطية أخبار الإثارة، لموسيقى بريتني سيبرز وأفلام مثل Basic Enstinct2 ؟ ان الفن شيء يعيش، ويتنفس، نتاج الحاضر والماضي ايضاً.
والى ان يثقف البشر أنفسهم بشأن الفن ويكفوا عن اعتباره مجرد زخارف دهرية لجدران المتاحف، الى ان نحترم جميعنا الفنانين لعملهم الشاق إضافة الى إبداعيتهم، والى ان نطفئ جهاز التلفزيون لنبدأ النظر داخل انفسنا والى العالم الذي حولنا، فان نصيب الفنانين لن يتحسن على الإطلاق، كما يبدو.


(من أدب الهجرة) .. الشاعر علي حنون العقابي :الهجرة مع القلب في قصيدة (وحدي ولم يكن معي سوى قلبي)
 

عبد العزيز لازم
يتمدد الشاعر في رؤياه عبر ثلاثة محاور تكوّن ميادين تجربته الروحية الخاصة، المحور الأول، هجرته الاضطرارية باعتبارها وسيلة قدرية لكشف جديد، تلقاها من قوة أخرى كعقاب على عصيانه المصيري، والمحور الثاني هو القضية التي من اجلها شد الرحال والتي تتضمن كشفا لمعدنه، أي هويته، أما المحور الثالث فهو طبيعة علاقته بموضوعه الذي حمله في قلبه وعينيه , أي البشر، بشره الذين من أجلهم وبهم اكتسب لونه الخاص، وارتجل حلمه.
في محور الهجرة القاهرة نفهم إن الشاعر قد تعرض للاستفزاز. قوة ما قد سددت نحوه طعنة ملوثه، فكان كقطرة الندى الصافي حين تداهمها حشره مغرضة، (تترجرج) ويتنادى إليها الندى كله بعد أن تطلق صيحة (الشكوى). قطرة الندى ليست وحدها لأن نداءها مسموع من أهلها. فبالرغم من إن الشاعر يدلي بشعوره بالوحدة، إلا انه يداري وحدته بتذكيرنا وتذكير نفسه بأن قلبه كان معه. القلب، ذلك المستودع الجبار، خازن الذكريات والأسرار، وكأنه بذلك حقق ردا محكم المضاء على ما تعرض له من عقاب جائر، لأن احتفاظه بقلبه شديدا ومعافى، يعني انه قد حّول ما تعرض له من قسوة الي طاقه من طاقات الكشف الوجداني يبث نتائجها إلى أحبائه المنتظرين. بذلك تتحول رحلته إلى سعي دائب لبلوغ جوهر حقائق الحياة وكأنه يستمد أنفاسه من رحلة (جلجامش) الخالدة رغم اختلاف الظروف والمرامي، يقول :
من يأخذني الي ارض
لا يجف النبع فيها- ولا تذبل في ريحها الغصون ؟
اقطف ثمار الوقت، وامضي دونما قلق
لكن هموم علي حنون لا تنتمي إلى عصور غابرة بل إنها تكتسب ألوانها من عصره المفعم بالأشواك والحصارات المصممة لاصطياده واصطياد قلبه تحديدا.
في المحور الثاني نرى الشاعر إذ يروي حكايته، يحرص بشده على تعريف نفسه بدقة تسير بخط متنام محققا الوضوح في بيانه ومؤسسا التوتر المطلوب لخلق القناعة في نفوسنا بعدالة دعواه وصوابها. انه وقبل كل شيء (العاشق) الذي (أنهكته الخطى)، وثانيا (المتشرد) (الرابض في الرنين)، ومن ثم هو (الغضب) المتأصل في الأشياء (في بوتقة الجذور). إن " العاشق والمتشرد والغاضب " هي صفات تؤسس مصادر غذائه في هجرته الأسطورية، وهي في الجانب الآخر صفات للقلب، بغيرها لا يستطيع أن يمنح الهجرة ذلك النوع من الحنكة والقدرة على الكشف.
إن الشاعر إذ يوضح المزيد من الحقائق حول هويته، يلجا إلى أسلوبين متوازيين، أحدهما اتخذ شكل الإعلان عن أهدافه ومهماته التي عليه أن يسعى إليها في هجرته، ونراه يتقدم الصفوف ويركز أيضا على (القصد) العظيم وهو (الثريات في كل قلب)، أي النور في كل ضمير، النور الحامي من كل حيف، ويركز أيضا على هدف آخر، الحب (ومن اجل أن يتفتح الغزل في كل العصور) أي من اجل أن يزدهر الحب في الحياة. ولنلاحظ إن كلا من النور (الثريات) والحب (الغزل) هما من مخزونات القلب، رغم انهما قد طرحتا كحافزين دافعين من دوافع الهجرة، وبهذا يحقق الشاعر الوحدة بين أهدافه في غربته الأضطرارية وبين قلبه الذي اصطحبه معه. وبذا يحقق التأصيل النشيط لهويته.
الأسلوب الآخر في هذا المسعى هو لجوء الشاعر إلى المحاججة في خطابه الشعري لأثبات ضخامة ما يعيش في كوامن نفسه وجدارته في حمل عبئه الفادح. فبعد أن يقدم نفسه (العاشق والمتشرد والغاضب) يقول :
ولسوف أدل عليكم ما تبقى من بريق
حتى أبرهن بأني لست من زبد
ولست ثرثرة تلم خشخاش الفراغ
يؤكد الشاعر في ذلك قدرته على حمل المعاني الكبرى لما تعرض له من غربة قسرية وهجرة خططت لها أقداره. لذلك نراه يسعى إلى إثبات عمق أيمانه واثبات ضخامة القضية التي يحملها على أكتافه (لست من زبد) بل هو يقوم باجتراح ما ينفع الناس، فالزبد (يذهب جفاء
القرآن الكريم) و(إن ما ينفع الناس يمكث في الأرض المصدر نفسه) أي إن ما يدعو إليه ويقوم به ويعاني من اجله هو ذو طبيعة دائمة وعميقة الجذور. كما أن ما يقوله في خطابه ليس ثرثرة فاقدة المعنى أو كلمات تقال لملء الفراغ. ويظل الشاعر مع ذلك ينشد المزيد والمزيد من الكلام الصاخب الغاضب المشحون بنور النبوءات. بل إن الروح حين ارتجاجها لا تجد نهاية لمتطلباتها.
أما المحور الثالث، الموضوع الذي احتواه في عمق وجدانه ومن اجله اغترب، أي البشر، أصحاب القضية، نرى الشاعر يؤكد على إن هجرته تساعده على تأصيل حبه للناس الذين يخاطبهم. انه يحقق درجة قصوى من الإندماج مع من يخاطبهم عبر إشارات محددة، فهو أولا يجعلهم عينه التي يستكشف بها طريقه ويسكنهم قلبه. وثانيا يعلن ان أزمته الدامية هي انعدام الجسور العيانية معهم، والجسور هنا بالمعنى المادي :
وكنت وحدي... وليس هنالك من جسور
وإذ ينهمر حزني، ويشدو على وتر غريب
أبقى أعاشر الطيف في عبث
نقول الجسور العيانية لأنه في الحقيقة لا يفقد الصلة بهم حتى وان كانت هذه الصلة من خلال معاشرة الطيف. لقد شكل الناس والى الأبد موضوعه الأصيل الذي استقر في وجدانه. إن هذا الاستقرار الوجداني الثابت قد حصّن الشاعر من الضياع الذي يمكن أن تسببه الغربة (فلأيما مصب اهتدي ؟) لكن (عطشه الذي لا يرتوي) يؤسس التوق المجنون إلى الأرض التي (ستعود يوما لتغسلني بالمطر). إن هذا التماهي الرفيع بين الشاعر وموضوعه يجعله يمارس طقسا شفافا يقوم على الحوار معهم , طقسا يتسامى فوق الهموم اليومية للناس وفوق تضاريس الحاجات المحددة التي تفرزها ظروفهم الحياتية.
في المحور ذاته يعود الشاعر إلى أسلوب المحاججة وكأنة في محراب من يحبه كوسيلة لتغذية جسوره الوجدانية مع ناسه ليمعن في إقامة الأدلة على صدق حبة. في هذا الإطار ولفرط حبه نراه يلجا إلى انسنة الظواهر، فيجعل من (الظمأ) الذي رافقه شاهدا على ما يدعيه :
فسوف يعلم هذا الظمأ
كيف أنى رفعت من أجلك أشرعتي
ان الشاعر رغم البيئة الدرامية وأجواء الفجيعة التي يطلق خطابه فيها، لا ينسى شيئين طاغيين في مجرى خطته، أولهما انه يمتلك هوية الشاعر، شاعر عميق الألم وعميق الحب وليس إنسانا طارئا على ما يطرح (المتشرد الرابض في الرنين). التشرد يعني الزهد الصوفي والرنين الذي يؤكد طبع الغناء لديه وهما صفتان لازمتان للشاعر. وثانيهما إن الروع المؤلم الموزع في جميع كلماته لا يستطيع أن يحجب تلك الومضات الباهرة الهادية التي تشير إلي الأيام القادمة التي تحتضن نور الخلاص وتجاوز الظلام الراهن :
فقد تشرب هذه الأرض من غير نبعي
تتسربل في نزف
لكنها ستعود يوما لتغسلني يوما بالمطر
تحت جدائل اليقطين
ويقول في نهاية قصيدته بعد أن يواصل المستوى نفسه من التوتر الذي بدأه في قصيدته:
ومازلت انسج الوعود بأنامل من حرير تستمد جملة الختام طاقتها الخاصة من قوة الوعد المنقذ بعد رحلة الشقاء المضني، أي تأسيس الأمل في قوة التعبير لصالح أيام اكثر إشراقا، ومن جمال الحرير الذي يكوّن الأنامل. فالجمال هنا يتسق مع الأمل في إمكانية الخلاص ليكوّنا ثنائيا مجنحا لصنع الحياة الجديدة.
ملاحظات للتأمل
الشعر في رأينا يمتلك عالمه المتحرك متأثرا بالعالم الداخلي الخاص بالشاعر من جهة، ومن جهة أخرى بالعالم الموضوعي الخارجي الذي يصنعه الناس في صراعهم الأبدي. لكن الشاعر هو الذي يملك زمام مخلوقاته الشعرية ويرسم طريقها نحو الفواصل الكائنة في ذهن وعصب المتلقي. ونرى إن الغناء الذي رافق الشعر منذ ولادته كضرورة أبدية لصيقة هو أحد الأجواء التي تمهد السبيل للكلمات والأفكار كي تنفذ إلى تجاويف الروح. لكن الغناء الشعري قد تشعبت وسائله وصار الشاعر اليوم يجول في أصقاع بعيدة كي يكتشف مصادر اللحن الخاص به وبقصيدته، وهو يسعى بذلك في معظم الأحوال إلى أن يسحب القارئ أو المستمع إلى حديقته كي يبلغه بمكتشفاته. غير أن هذا الأمر قد انتج إشكالية اقرب إلى الأزمة بين الشاعر والمتلقي. فالمتلقي غالبا ما يشكو من عزوف الشاعر عن الاهتمام في خلق المتعة التي يطلبها في القصيدة، متهما الشاعر بالإغراق في المكوث بين جدران شواغله الذهنية والحسية غير آبه بما تقدمه اللغة من مخزونات الرشاقة اللفظية التي يمكن أن تخلق الألفة الظليلة بين المتلقي والقصيدة.
إن القصيدة التي بين أيدينا تمتلك إيقاعها الخاص داخل رداء خطابي يتحتم على المتلقي إماطته لكشف عناصر الجمال المخزونة في طياته. هي لا تظهر هذا الجمال وفق منطق القوافي لكنها تدعو المتلقي للتدقيق في علاقة القرابة بين الكلمات وكيف إن هذه القرابة تمارس ضربا من مفاتيح النغم الداخلي. فالكلمة في القصيدة لا تمتلك جمالها الشعري وهي خارج النص، بل إنها إذ تساهم في إقامة النسيج الكلي وتطلق رنينها المحسوب كي يتناغم مع أجواء القصيدة النهائية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة