الحدث الاقتصادي

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

وقائع طاولة المدى المستديرة .. توجهات التنمية البشرية في العراق
 

كانت جلسة طاولة المدى المستديرة التي التأمت يوم السبت 4 تشرين الثاني الجاري تغص بالمشاركين والمدعوين من المهتمين بالشؤون الاقتصادية حيث اعتمدت توجهات التنمية البشرية عنواناً للجلسة. وبعد أن تلت الدكتورة آمال شلاش رئيسة قسم الدراسات الاقتصادة في بيت الحكمة ورقة عملها عن مفهوم التنمية البشرية وتلاها الدكتور مهدي العلاق رئيس الجهاز المركزي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات ورقة عمل عن مؤشرات النخبة البشرية في العراق قدم الدكتور عدنان ياسين التدريسي في جامعة بغداد بحثاً بعنوان (الأمن الإنساني والتنمية البشرية) وقد جاء فيه:
 

الامن الانساني... والتنمية البشرية
 

بغداد/د.عدنان ياسين مصطفى
جامعة بغداد / كليه التربيه للبنات

أضطلع برنامج الأمم المتحدة الأنمائي UNDP، منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي، باصدار تقرير سنوي حول التنمية البشرية، وهو تقرير كان له الفضل في اعادة التأكيد على مقولة ان البشر هم صانعو التنمية ويجب ان يكونوا هدفها.
وإذا كان التقرير الأول لبرنامج الأمم المتحدة في عام 1990 قد ركز على ان التنمية البشرية تعنى بتكوين وتشكيل القدرات البشرية، كما تعنى بالأنتفاع بهذه القدرات، فضلا عن طرحه مؤشرا عمليا مركبا لقياس التنمية البشرية يستند في مكوناته إلى العمر المتوقع عند الولادة
Life Expectancy at Birth، والألمام بالقراءة والكتابة وكذلك الناتج المحلي الأجمالي. فإن التقرير الثاني للتنمية البشرية عام 1991 قد ركز على كيفية تمويل التنمية البشرية، ودعا إلى خفض الأنفاق العسكري، والحد من انخفاض كفاءةالقطاع العام ومن هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، واستئصال الفساد الأداري. وركز تقرير عام 1992 على الأبعاد الدولية للتنمية البشرية وعلى ظروف فتح الأسواق العالمية أمام منتجات دول العالم. وقد بلور هذا التقرير دليل الحرية البشرية بشكل واضح.
بينما عرف تقرير عام 1993، التنمية البشرية بأنها تنمية الناس من أجل الناس وبواسطة الناس. وتنمية الناس ترتبط بمفهوم تنمية الموارد البشرية من حيث توفير التعليم والصحة والتدريب. في حين ان التنمية من أجل الناس تركز على النمو الأقتصادي وضرورة توزيعه توزيعا عادلا على مختلف الفئات الأجتماعية، أما التنمية بواسطة الناس، التي شكلت محور التقرير، فهي تمثل المشاركة الشعبية على جميع الأصعدة الاقتصادية والأجتماعية والثقافية والسياسية. وقد أدخل هذا التقرير مفهوم الأمن الأنساني، بحيث أعاد تعريف الأمن ليكون "أمن البشر وليس أمن الأرض فقط". وقد شكل هذا الأخير، أي الأمن الأنساني محور التقرير الخامس الذي صدر عام 1994، وركز على أمن البشر في حياتهم وعملهم ودخلهم وصحتهم وبيئتهم. كما دعا إلى التحول من التركيز الحصري على أمن الارض إلى التركيز على ماتريده البشرية اليوم من حاجات تتعلق بالديمقراطية والمشاركة والصحة والبيئة. وقد أكد التقرير على ان جوهر اللاأمن يكمن في التعرضية
Vulnerability، وانه علينا ان نسأل انفسنا كيف يمكن حماية الناس بالإلحاح على أشراكهم وعلى الرابط الوثيق بين التنمية والأمن.
لقد نقل تقرير التنمية البشرية لعام 1994 تركيز الأمن من حماية الدولة وحدودها بوسائل عسكرية، إلى حماية الافراد من تهديدات عديدة لوجودهم الأنساني وأمنهم، كما تشير إلى نطاق واسع من المقاييس والسياسات، على المستوى المحلي والمجتمعي وصولا إلى الميدان الوطني والعالمي. لقد عرف تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الأمن الأنساني بأنه يتضمن:"تحقيق الأمان من تهديدات الجوع والمرض والقمع، وحمايتهم من الأنهيار والتمزق المفاجئ والسريع في أنماط الحياة اليومية، في البيت أو العمل أو المجتمع المحلي".
أصل مفهوم الأمن الأنساني
ظهر هذا المفهوم كجزء من مصطلحات النموذج الكلي للتنمية
Holistic Paradigm الذي تبلور في أطار الأمم المتحدة من قبل السيد محبوب الحق وزير المالية الباكستاني الأسبق، وبدعم من قبل الأقتصادي المعروف أمارتيا صن (الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصادعام 1998). وقد كان تقرير التنمية البشرية لعام 1994 الوثيقة الرئيسية التي أعتمدت مفهوم الأمن الانساني ضمن الأطار المفاهيمي، مع مقترحات لسياسات وأجراءات معينة. تلك كانت نقطة البداية لأطلاق هذا المفهوم.

الأمن الأنساني والتنمية
لقد عرف المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة الأنمائي التنمية البشرية المستدامة بأنها"تنميةلاتكتفي بتوليد النمو وحسب، بل توزع عائداته بشكل عادل أيضا. وهي تجدد البيئة بدل تدميرها؛ وتمكن الناس بدل تهميشهم؛ وتوسع خياراتهم وفرصهم وتؤهلهم للمشاركة في القرارات التي تؤثر في حياتهم. ان التنمية البشرية المستدامة هي تنمية في صالح الفقراء، الطبيعة، وتوفير فرص عمل، وفي صالح المرأة. انها تشدد على النمو الذي يولد فرص عمل جديدة، ويحافظ على البيئة، تنمية تزيد من تمكين الناس وتحقق العدالة فيما بينهم".
من هنا نجد قوة العلاقة مابين الامن الانساني والتنمية. إذ ان نموذج التنمية البشرية يربط بين كل من الأمن الأنساني والتكافؤ والاستدامة والنمو والمشاركة، بما ان التنمية تتيح أجراء تقويم لمستوى الأمن الحياتي الذي يحرزه الناس في المجتمع. فمفهوم الأمن الأنساني يتطور إذا والنقاش المتولد يشكل فرصة ممتازة لأعادة تحديد مخططات الأمن السابقة المبنية على القوة العسكرية ولأعادة تحديد الحاجات في كل أنحاء الأرض بكل تنوعها ولاسيما المظاهر التي نادرا ما كانت تؤخذ بعين الاعتبار في السياسات العامة. وبحسب مفوضية الأمن الأنساني
Commission on Human Security يعني الأمن الأنساني حماية الحريات الحيوية وحماية الناس من الأوضاع والأخطار الحرجة والعامة وبناء قواهم وطموحاتهم، ويعني كذلك خلق النظم السياسية والأجتماعية والبيئية والأقتصادية والعسكرية والثقافية التي تمنح الناس لبنات ليبنوا حياتهم وبقاءهم وكرامتهم.
ان مفهوم الأمن الأنساني يمثل جهدا يستهدف إعادة بناء مفهوم الأمن بطريقة أساسية، لكي يصبح أداة تركز على امن الفرد وليس على أمن الدولة. انه-عمليا- يستهدف التخفيف من كل أثر لكل عامل يمكن ان يولد حالة اللاأمن، معبرا عن الحاجة إلى التركيز على بؤرة اللاأمن ضمن كل سياق محدد. وبالتالي فإن الأمن الأنساني بمعناه الأوسع، صار يشمل ماهو أبعد من غياب النزاع العنيف، فهو يضم حقوق الأنسان والحاكمية الرشيدة والوصول إلى التعليم والرعاية الصحية وضمان ان يكون في متناول كل فرد ذكرا كان أم أنثى الفرص والخيارات لتحقيق قدراته الكامنة. وكل خطوة في هذا الاتجاه هي خطوة نحو خفض الفقر وبلوغ النمو الأقتصادي والحيلولة دون نشوب النزاعات. كما ان التحرر من العوز والخوف وكذلك تحرر أجيال المستقبل حتى تتمكن من ان ترث بيئة طبيعية صحية، فهي كلها تشكل لبنات متداخلة لبناء الأمن الأنساني والأمن الوطني تاليا.
ان تحقيق الأمن الأنساني بدرجة من الفاعلية والكفاية يتطلب في اعتقادنا:
- ان تتبلور مرجعية واضحة تنظر إلى أمن الأنسان وأمن ألمجتمع، وأمن الدولة، باعتبارها وجوها متعددة لحقيقة واحدة لايمكن فصل عناصرها الا لأغراض تحليلية.
- درجة عالية من المأسسة التي تستطيع ان تنجز وظائف تحقق الأمن للأنسان وللمجتمع وللدولة. فالمأسسة تعني درجة عالية من التواتر والانتظام التي تجعل التنبؤ بما سيكون عليه الغد من حديث مجريات احداثه واضحا وممكنا. ولذلك فان راتب الاعانة الذي يحصل عليه الفرد المستهدف بشبكة الحماية أكثر أهمية من حيث تحقيق الشعور بالأمن بالقياس إلى مساعدة طارئة أو احسان عاجل يحصل عليه اليوم ولايحصل عليه غدا.

الأمن الأنساني والنوع الأجتماعي
تؤكد الوقائع التأريخية ان تجربة فقدان الأمن الأنساني للمرأة أكثر وضوحا في المجتمعات البشرية من الرجل. وتتجلى مظاهر العنف على أساس النوع في العديد من المجتمعات، حيث تشكل العنصر الرئيسي للصراع. فالمرأة تشكل عموما أكثر الفئات تضررا وعرضة للعنف اثناء الحروب والازمات بسبب طبيعتها البايولوجية ومهامها التقليدية. فالاستهداف يهدد المراة بوصفها حالة تجسد مضامين القيم الثقافية وتتولى التنشئة الأجتماعية. انها تتعرض للاغتصاب والحمل القسري، والتجارة الجنسية واشكال أخرى من الأحتقار الأنساني الذي يأخذ أبعادا سياسية ورمزية. كما ان بقاء المرأة في أطار الأقتصاد المنزلي يجعلها أكثر عرضة للتمييز في ميدان العمل، والتهميش على مراى من القانون، إلى جانب الأطر الثقافية والتقليدية الصارمة التي تحد من حركتها وتوقع أدوارها المستقبلية.
ان الأخذ بنظر الأعتبار حالات اللا أمن على أساس النوع الأجتماعي يتطلب توسيع مفهوم الأمن والامن الانساني لكي تغطي هذه المهمة. فمن خلالهايكون أمن النوع متضمنا لتجارب العنف التي تواجه المرأة، ومحاولة ربطها بالعنف على الصعيد المحلي والوطني والدولي، والتخفيف من العنف الهيكلي بدلا من التركيز على العنف المباشر للحرب. لذا فإن منهج النوع الأجتماعي يركز بشكل اساسي على المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لتوزيع السلطة والضبط، مع أدراك واضح لمن يتأثرون بها وكيف، وماهي الانواع الخاصة بالحماية أو المساعدة المطلوبة ومن قبل من.
ومن خلال الاستفادة من منظور الأمن الأنساني، فإنه بالامكان تحديد السياسات الواقعية ذات الصلة بحالة اللاأمن للنوع الأجتماعي، وتكامل تلك الأهتمامات مع القضية الواسعة للتهديدات الأنسانية. لذا فإن النوع الأجتماعي يشكل عنصرا حيويا في أجندة الأمن الأنساني. من هنا فإن التقارير الدولية تحاول التصدي لعدد من القضايا الحيوية ذات الصلة بالنوع الأجتماعي وهي:
- العبء المستمر والمتزايد الذي يلقيه الفقر على كاهل النساء.
- العنف ضد النساء.
- آثار النزاعات المسلحة على النساء.
- اللامساواة بين الرجال والنساء في تقاسم القوة وصنع القرار.
- التوصيف النموذجي المتحيز ضد المراة.
- اللامساواة بين الجنسين في ادارة الموارد الطبيعية.
التحيز المستمر ضد البنات وانتهاك حقوقهن.
- تعزيز ثقافة النوع.
اطار الأمن الأنساني والتقارير الوطنية
تقدم التقارير الوطنية سلسلة من البراهين والادلة والمؤشرات المتعلقة بالمشكلات والتحديات التي تضع الناس على محك الخطر في مختلف البلدان. وتظهر التقارير ان الأخطار والتحديات تتركز في سبع مجموعات هي: الأقتصادية، الغذائية، الصحية، الشخصية، المجتمعية، الثقافية(بما في ذلك البعد الجندري) والسياسي. ويشكل الفقر والأقتصادي وعدم التكافؤ الأجتماعي وعدم الأستقرار الغذائي أهم العقبات التي تقف بوجه الأمن الأنساني.
سنحاول وبعرض موجز أهم المتضمنات الأساسية لبعض التقارير الوطنية:
أفغانستان
لقد بني تقرير أفغانستان لعام 2004 على تحليل شامل لأوضاع الدولة الحالية من خلال منظور مفصل للأمن الأنساني. كما يظهر التقرير المذكور أن قضية الأمن الأنساني بسبب كونها تمس جميع مؤسسات المجتمع وبناه التحتية، فانها تحدد المسؤولية على الدولة لتقديم الضمانات للسكان بحيث لاينحدروا تحت خط المعيشة المقبول.
أرتكز التقرير على تحليل معمق لأبعاد الظاهرة من خلال الغوص تأريخيافي مستويات وجود الظاهرة تحت مايظهر على السطح، وابعد مما يبدو للعيان، وبما يرسم مسارات بناء الدولة المطلوبة. أنه مثال نموذجي لتحليل الأمن الأنساني بأبعاد مختلقة، مع أشارة خاصة إلى مرحلة اعادة الاعمار.

تقرير لاتفيا 2003
الصورة الأساسية لتقرير لاتفيا يستند على تطوير مفهوم الأمن-مجموعة العوامل الذاتية والموضوعية التي تؤثر في مشاعر الأمن عند الأنسان.وفي هذا الأطار، ركز التقرير على تقويم وضع الأمن الأنساني في لاتفيا، من خلال التعرض لمستويات مختلفة من التجارب التي تعكس حالة اللاأمن عند الأفراد، ومن خلال الأعتماد على نتائج الأستبيان لعينة من 1000 شخص من البالغين.
لقد تضمن التقرير تحليلا معمقا لمجموعة من العوامل المؤثرة في الأمن الأنساني، مع تركيز واضح على قضايا الأمن الأقتصادي، السياسي، الشخصي، الغذائي، والصحي. كما سلط التقرير الضوء ومن خلال تحليل معمق في جزء منه على الفئات المهمشة
Vulnerable groups في البلاد، بضمنها المرأة، الأطفال والجماعات ذات الدخل المنخفض.
تقرير مقدونيا2001
اللاأمن الأنساني والأستبعاد الأجتماعي كانا القضية الأساسية التي ركز عليها التقرير الوطني لمقدونيا. إذ ركز التقرير على ثلاث مجموعات من حالات اللاأمن: العوامل الأقتصادية، بضمنها الأنتقال نحو اقتصاد السوق، العلاقات الأجتماعية، والعلاقات في اطار المجتمع المحلي، فضلا عن العلاقات بين الأفراد أنفسهم، والعوامل السياسية والمؤسسية مثل قضية الحكم، وعلى وجه الخصوص تحليل حالة الأمن الشخصي.،أظهرت ان الأرتباط بين الأمن البيئي والصحة كان قويا جدا.
كما أظهرت المعطيات في التقرير ان المصدر الأقوى لحالة اللاأمن عند المقدونين هي البطالة، تتبعها حالات انخفاض الدخل في ميدان العمل. فضلا عن المعوقات التي تقف في مجال العناية الصحية والتعليم والاقصاء السياسي. لقد تضمن التقرير خاتمة تؤكد ان المعركة الشاملة لتحقيق التنمية المستدامة ربما تطرح حالات حرجة من اللاأمن التي تغزو مشاعر الناس.
تقرير الفلبين 2005
ركز التقرير الوطني للتنمية البشرية الفلبيني عام 2005 على حالات اللاأمن الأنساني الناجمة عن نموذجين من الصراع المسلح: الاول ناجم عن التهميش والأقصاء للمورويين والجماعات الأسلامية ذات الخصوصية (الأثنية-اللغوية)، الذين شكلوا جبهة تحرير مورو التي تكافح من أجل استعادة السيادة وبناء دولة مستقلة. والأخرى متمثلة بحالة الكفاح الشيوعي الذي يعود إلى عقد الستينات من القرن الماضي، الذي أستمد دعائمه من الثورة الثقافية في الصين وهي تسعى لازالة النظام الحالى وتحويل المجتمع إلى نظام ديمقراطي من منظور اشتراكي.
وبالنظر للاهمية العلمية والمعرفية التي تضمنها التقرير الأفغاني، وقرب التجربة الأفغانية من التجربة العراقية، سنحاول تسليط الضوء على أبرز متضمنات التقرير الأفغاني لعام 2004.
أفغانستان - تحليل شامل لحالة اللاأمن الأنساني
يعد التقرير الوطني للتنمية البشريةالأفغاني المثال الافضل من بين ثلاثه عشر تقريرا أو أكثر حللت في هذا السياق. إذ تناول التقرير وبشكل دقيق وبعناية ملحوظة مفهوم الأمن الأنساني والتنمية البشرية، وتحليل تلك المفاهيم من خلال عمليات التحليل والخلاصات والتوصيات.
لقد جاء التقرير الأفغاني شاملا، انتقل وبعبارات واضحة من الأطار المفاهيمي إلى تقويم مفصل لحالة التخلف البشري واللاأمن الأنساني في أفغانستان. يلي ذلك قلب التقرير الذي تضمن ثلاثة فصول ضمت العناوين الاتية:
- تحليل معمق لمهددات الأمن الأنساني (الخوف والعوز): تحليل لأسباب ونتائج حالات اللاأمن الأنساني، وتحليل وتقويم لعمليات اعادة الاعمار في أفغانستان من منظور الامن الأنساني. بعد ذلك احتوى التقرير على فصلين صيغا في ضوء التنمية والأمن الأنساني، كما تضمن أيضا تطوير للرؤية المستقبلية للمجتمع الأفغاني والأولويات بالنسبة للمجتمع الدولي لتقديم المساعدات ودعم مهمة حفظ السلام. الفصل الأخير تضمن خلاصة لأهم التوصيات والمقترحات.
ان المضامين التي جسدها التقرير، تظهر ان النموذج الأفغاني يقدم دراسة حالة مهمة في ميدان الأمن الأنساني. والتقرير يمثل أطارا مهما ذلك ان افغانستان اليوم تمثل مظهرا أساسيا يقع عند مفترق طرق تقع في دائرة الاهتمام الدولي، وهي تجربة غنية ومعقدة في ترابطاتها الداخلية وامتداداتها الأقليمية والدولية.

بعض الانتقادات حول استخدام مفهوم الأمن الأنساني
قدمت مجموعة من الأكاديميين والمختصين في العلاقات الدولية تحفظاتها حول مفهوم الأمن الأنساني، وقد تركزت شكوكهم حول خمس نقاط رئيسية هي:
1- أعتبار الأمن الأنساني ليس الا اعادة تسمية للعديد من المشكلات التي سبق ان تمت الأحاطة بمخاطرها وأبعادها في أطر وسياقات حظيت بتسميات دقيقة وجيدة. فما الجدوى والمكتسبات التي يمكن تحقيقها من إعادة طرحها تحت مسميات جديدة؟
2- الأمن الأنساني لايتضمن إطاراً واضحاً ومحدد المعالم، لذا فإن اية قضية أو مشكلة ربما تنضوي تحت قائمة المخاطر التي تهدد الأمن. ان ذلك يجعل مهمة صياغة ورسم السياسات في غاية الصعوبة والغموض.
3- ان توسيع الأمن الأنساني ليشمل قضايا مثل التغير المناخي؛ الارهاب؛ التهديدات الناجمة عن الأمراض، سوف يعقد الاليات الدولية في الوصول إلى قرارات، أو القيام بفعل لمواجهة التهديدات المحددة.
4- عند مواجهة المخاطر التي تهدد الأمن الأنساني، غالبا مايزج بالوسائل العسكرية في قضايا يمكن معالجتها بشكل أنجع بوسائل غير عسكرية.
5- مواجهة الأخطار التي تهدد الأمن الأنساني تحت مظلة الأمم المتحدة تبعث ببارقة أمل في مواجهة هذه التحديات. الاٌ انها في حقيقة الأمر غير قادرة على القيام بتلك المهام.
وبالاشارة إلى التقارير الوطنية التي تتناول موضوع الأمن الأنساني ثمة تساؤلات تطرح: هل ان تقارير التنمية البشرية تطرح القضايا المعنية بهذا الشان فعلا ؟ أم أنها مجرد اعادة تسمية لمشكلات اخرى تدخل في اطار الأمن الأنساني؟ان مما لاشك فيه ان المستويات العالية من التهديد والتحديات والتغيرات تضعها بشكل أكثر وضوحا. اليوم أكثر من أي وقت مضى، التهديدات تبدو متداخلة، وان التهديدات لبلد ما هو بمثابة تهديد للجميع. ان التهميش المتبادل
Mutual Vulnerabilityللضعف والقوة ليس واضحا بشكل تام. وعلى أية حال، التنمية هي الأساس الذي لايمكن الأستغناء عنه لنظام الأمن الجمعي الذي يتولى بجدية عمليات الردع.
لقد اظهرت تلك التقارير ان التنمية والأمن حلقتان مترابطتان لافكاك بينهما. فالعالم يكون أكثر أمنا عندما تمنح البلدان الفقيرة فرصة للتنمية. الفقر المدقع والأمراض بأنواعها تهدد الشعوب بشكل مباشر، ولكنها في الوقت نفسه توفر أرضا خصبة لتهديدات أخرى، منها الصراع المدني. وحتى الناس في البلدان الغنية سيكونون أكثر أمنا إذا تمكنت بلدانهم من تقديم المساعدة للبلدان الفقيرة للتغلب على الفقر والأمراض، وتلبية متطلبات الأهداف الأنمائية للألفية
Millennium Development Goals.
إلى جانب ماتقدم، توجه حالات رفض أخرى لهذا المفهوم من خلال التأكيد على ان هذا المفهوم لم يحدد بشكل دقيق وواضح، فليس هناك حدود ومقاييس ثابتة ومتفق عليها، فكل شيئ وأي شيئ يعد تهديدا للأمن. وبالنتيجة، يترك صانعو السياسات بلا توجهات واضحة ومحددة، والاكاديميون بلا أدوات تحليلية ومقارنة. هذا الرفض يؤكد وبشكل خاص مظاهر اللامرونة التي يمكن من خلالها تحليل واحتواء هذا المفهوم في اطار فهم العلاقات الدولية والمضامين الجوهرية التي يقدمها هذا المفهوم.
وعند الأخذ بنظر الاعتبار التهديدات المطروحة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، فإن نموذج الدولة المركزية يبدو انه يشكل خللا معيبا يجعلها غير قادرة على القيام بأي فعل.
ان تأثيرات الأرهاب، والأمراض، والأضطرابات، والعولمة والكوارث البيئية على النظام المركزي للدولة يدفعنا إلى الأخذ بنظر الأعتبار الجوانب البديلة للأمن.
ان الظروف والتحديات التي واجهت العالم خلال السنوات المنصرمة وخصوصا المناخية (حالة التوسونامي في اسيا، والجفاف في نيجيريا،والتغير في النظام البيئي لنهر الأمزون) تعزز التحليلات النقدية للأبعاد متعددة الجوانب التي تحيط بالمشكلة وفق منظور الأمن الأنساني.
إذ جعلت هذه ألاحداث (وبسبب ظروف المعيشة الهشة) الناس تحت رحمة التغيرات البيئية المحتملة.
ان ظروف معيشة الملايين التي لاتعد ولاتحصى، تحتم زيادة نسبة المهمشين في المجتمع. ومن خلال منهج الأمن الأنساني، فإن احتمالات وجود هذه الأنواع من المخاطر تكون واقعية، وبالتالي فإن هذا المنهج يهدف إلى حماية ظروف المعيشة، فضلا عن تعزيز الأستدامة البيئية.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة