مشكلة في
البيت اسمها أفلام الكارتون
خالد جمعة
في ظل
الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي (آنذاك) والولايات
المتحدة الاميركية كان هنالك صراع ذو أصول فكرية واقتصادية
محتدماً بين الدولتين، فكانت كل دولة تنأى بهويتها عن
الدولة الاخرى بكل ما أوتيت من قدرة ومهارة، حينها لن
تحتاج الى خبرة خاصة لمعرفة هل هذا المنتوج اشتراكي ام
رأسمالي؟ مجرد نظرة بسيطة واحدة تكفي، أن هذا النأي شمل كل
شيء حتى أفلام الكارتون، ففي دراسة نشرت آنذاك، تناولت
الشخصيات الكارتونية المنتجة في المعسكرين، وجد أن
الكارتون الاشتراكي ظل مخلصاً للنسب الطبيعية، فحافظ الجسد
على تناسقه من دون مبالغة أو تشوهات،
أما
الكارتون الرأسمالي فقد كانت خطوطه تعتمد التشويه في رسم
الشخصيات، كأن يكون مثلاً رأس الشخصية أكبر من جسدها، طبعا
تلك الدراسة تعزو أسباب ظهور هذين النوعين من الرسوم الى
الايديولوجيتين المتحاربتين.
انتهت الحرب الباردة بعد أن اختفى الاتحاد السوفيتي،
وتغيرت اساليب صناعة الكارتون وتنوعت الأفكار واتسعت
الفضاءات، لاسيما بعد دخول تقنيات الحاسوب، لكن مع ذلك ظل
هنالك على الدوام فريقان،وأن أختلفت الاسباب والنيات عن
تلك التي كانت يتبناها المعسكران، فريق مع هذا الكارتون
وآخر ضده، فعلى سبيل المثال لا الحصر: أن افلام كارتون
الحركة والعنف، يعدها بعض التربويين أفلاماً تعلم الطفل
العدوان، بينما فريق آخر يعدها وسيلة تنفيسية لتفريغ العنف
الكامن، تفريغه بطريقة سلمية من خلال اندماج الطفل
ومعايشته انفعال البطل، او أن كارتون الفضاء بعضهم يقول
انه يزيد من مدارك الطفل وخياله ، أما البعض الآخر فيقول
انه سيزيد من اغتراب الطفل، خاصة أذا كان يعيش في بيئة
متخلفة!.. وهكذا.
هذان الموقفان، مع أو ضد، دخلا في البيوت بأسباب تكاد تكون
متشابهة، وأصبحا في مرات كثيرة موضوعا مزعجاً لأغلب الأسر،
وهنا أستطيع أن أجزم في الاقل هنا في العراق، أن مشكلة
الكارتون لا يكاد يخلو منها بيت واحد يوجد فيه طفل، أن
صراع الأطفال واستبسالهم للاستحواذ على تلفزيون العائلة من
أجل مشاهدة الكارتون، لا يوازيه سوى صراع الانقلابيين
واستبسالهم من أجل السيطرة على التلفزيون لإذاعة البيان
رقم واحد!.
ومما عم المشكلة ، أن القنوات الفضائية الخاصة ببرامج
الاطفال لم يعد بثها مقتصراً على ساعات محددة بل اصبح
الكارتون في بعضها مستمراً طوال اليوم، خذ (ام بي سي 3 )
مثلاً، مما يعني ان الصراع مستمر على مدار اليوم كله.
أن الاطفال هنا غير ملزمين بتقديم تبريرات لتعلقهم
بالكارتون، سوى انهم يحبونها، اما الآباء ففي معرض تبريرهم
في الوقوف بالضد منها : لأنها تشغل الاطفال عن متابعة
الدروس ، وتعلمهم العنف .. وأشياء أخرى كثيرة.
السيدة أم علاء/ أم لأربعة اولاد، تقول:
ـ هذه مشكلة، أذا غيرنا القناة او أغلقنا التلفزيون
فسيتحول البيت الى ساحة " هرج ومرج"، وعندما يُعاد
الكارتون ثانية سيتحول الاطفال الى ملائكة من كثرة الوداعة
التي هبطت عليهم، لذلك ترانا نخضع لأرادتهم.
أم أخرى أضافت:
ـ لهم الحق في ذلك، فالطفل عندنا ليس له متنفس غير
الكارتون، فالشارع لم يعد آمناً، أنه خطر عليهم، كما أنه
ليس هنالك ملاعب يذهبون اليها ولا حدائق يرتادونها، كل شيء
خطر خارج البيت، أنا اشجع اطفالي على ملازمة البيت ومتابعة
الكارتون، برغم المشاكل الناجمة من ذلك. السيدة أحلام/ أم
لثلاثة الاولاد تقول:
ـ أن الكارتون أثر بشكل سلبي على اطفالي، انهم لا يؤدون
واجباتهم المدرسية بشكل كامل ، يدرسون ويأكلون وهم امام
شاشة التلفزيون، اعتقد ان تغذيتهم السيئة بسبب الكارتون.
اما حين اخبرت احدى السيدات ان الكهرباء الوطنية تولت مهمة
برمجة مشاهدة الكارتون من خلال برنامج القطع، ووفرت عليهم
هذه المهة، فقد اجابت:
ـ بالعكس ان هذه مشكلة اخرى، أحياناً نتعمد عدم تشغيل
المولدة الكهربائية، صدقني ان احد ابنائي يبرمج نومه مع
عودة الكهرباء الوطنية ليستيقظ حتى لو كانت الساعة متأخرة
ليلاً كي يشاهد الكارتون، هكذا يبرمج نومه،اشلون ما
ادري!؟.
اما عبد السلام محمد، فقد اضاف مشكلة اخرى لمشكلة الكارتون
حين قال:
ـ هنالك صناعات رديئة لحقائب ولًعب وملابس أطفال تباع
بأسعار عالية، بسبب وجود صورة أحدى الشخصيات الكارتونية
ملصقة عليها، مثل الرجل العنكبوت او الوطواط .. أو غيرهم،
الطفل يريد بطله معه ولا علاقة له بجودة المنتوج ونحن
الآباء ندفع الثمن.
حسين عبد الباقي/ اختصاص تربية، له وجهة نظر مغايرة في هذا
الموضوع، حيث قال :
ـأن أفلام الكارتون فرصة كبيرة ومهمة لتعليم أبنائنا
التنظيم واستثمار الأوقات، فمبدأ "العقاب والثواب" هنا
سيكون فعالاً، فالطفل الذي يرتكب خطأ ما يعاقب بحرمانه من
مشاهدة الكارتون، اما الطفل الذي ينجز واجباته على اكمل
وجه فسيسمح له بمشاهدة الكارتون، هذا من ناحية ومن ناحية
اخرى: انها فرصة لتعليم الابناء ان للآخرين حقوقاً يجب
عليهم احترامها، فالتلفزيون ليس حكراً له بل هو ملك افراد
الاسرة كلها، ومثلما هو يحب ان يشاهد كارتونه ،بقية
الافراد ايضاً يحبون برامج أخرى.
|