كتب

الصفحة الرئيسة للاتصال بنا اعلانات واشتراكات عن المدى ارشيف المدى
 
 

عنوان الكتاب .. ستوارت : حياة باتجاه الماضي ..سيرة حياة في الشارع!

ترجمة: عادل العامل
ميتشيكو كاكوتاني

عن/ International Herald Tribune

كان ستوارت كليف شورتر، موضوع سيرة الحياة اللافتة للاهتمام هذه، أنساناً مشرداً التقاه الكاتب الكسندر ماسترز، وهو طالب فيزياء، عام 1998 في كامبرج بانكلترة. وكان "لصاً ، خطافاً، وحكواتي شوارع معتوها"، معروفاً لدى غيره من محتلي مرآب لوقوف السيارات( بدان السكين) وبانه "أبن زنا مجنون على المستوى

وعندما غلب على ستوارت "الضباب الاسود"، فانه أصبح مصاباً بجنون الاضطهاد وغاضباً وعنيفاً وفي مرحلة، هدد صديقته بسكين، ثم هدد بقتل طفلها إذا ما اقتحمت الشرطة البيت، وعلى مر السنين اثقلته لائحة تجريمات بسمك 20 صفحة واقترب مرات كثيرة من قتل نفسه، وصار مدمناً على مادة الغراء، والكحول والهيروين، ومر بنوبات متكررة من إيذاء النفس، وعاش كما قال "حياة بغيضة مليئة بالمنازعات".
ومع هذا، كان ستوارت، الموصوف في هذا الكتاب، ايضاً انساناً ذا إحساس شديد بالعدل والشرف
شخصاً صريحاً، وهزلياً وفصيحاً ومفكراً في الغالب، خلص نفسه في آخر الأمر من الشوارع ودخل في برنامج تنقية واصبح مدافعاً عن المشردين، وهو الناجي من سلسلة تشبه قصص تشارلز ديكنز في المحن، فلم يكن يعاني فقط وهو طفل، من سوء التغذية العضلي الذي جعله اضحوكة لنكات قاسية، بل واغتصبه أخوه الأكبر، وأساء معاملته معلم سيء السمعة في بيت للأطفال، فأصبحت المخدرات لديه طريقة لمحو الذكريات والمشاعر، تماماً مثلما أصبح العنف وسيلة للدفاع عن نفسه.
ويقول ماسترز انه لم يستطع ان يفسر حياة ستوارت، وهو يروي قصته من دون شيء من العاطفية أو الرياء، والكتاب الناشيء عن ذلك لا يبدو للحظةٍ على الاطلاق كإحدى الدرامات التلفزيونية المقدمة كفيلم الاسبوع عن شخصٍ ما يتغلب على بلوى أو صدمة مخيفة بل كصورة إنسانية موجبة لفردٍ استثنائي.
وقد آزدرى ستوارت المسودة الأولى من الكتاب باعتبارها مضجرة جداً وتوصل الى اقتراح ذكي: "اجعلها اشبه بسر جريمة قتل، واي ولد مقتول كنت أنا!" هذا ما قاله لماسترز، وبكلمات أخرى: اكتبها بطريقة استرجاعية من أيام ستوارت كمشرد الى مراهقته المضطربة الى شبابه الضائع، في مسعى لإظهار من الذي قتل "الولد الصغير النشط السعيد" الذي كأنه ستوارت وهو صبي فتي جداً.
وفي بحث المؤلف في حياة ستوارت، نجده يتحدث الى أمه وأخته، والعاملين في الحقل الاجتماعي والى أصحاب ستوارت في الشارع، ويتفحص السجلات المدرسية وملفات السجن، فقد تعلم ستوارت ان يفصل نفسه عن طفولته، وتمرن طويلاً على فن النسيان، ويلاحظ ماسترز أنه "غالباً ما يتحدث عن احداث سابقة وكأنه يدرس صورة مدمرة عنصراً عنصراً" فيبدو جزء من الصورة مفقوداً على الدوام بينما نتف آخرى منها مستذكرة في شدة عالية من التفصيل، مقطوعة عن كل السياق الآخر.
فعندما كان عمره 11 عاماً نطح احد المتميزين من رفقائه كان يهزأ منه على الدوام ويرى ماسترز ان ستوارت بهذا الفعل، اكتشف العنف، فاطلق (أو كون" جانباً جديداً من شخصيته، وقد صار هذا الجانب في نهاية الامر قوياً، اقوى من ان يتحكم به.
ويوفر ما سترز للقارئ فهماً حيوياً لما يعني ان يكون المرء مشرداً: فهو يستحضر مخاطر الحياة في الشارع وحسها الهش بالاخوة، على حدٍ سواء، ويذكر انه بينما يتطلب من المرء ما معدله تسع سنوات "بعد الحادث الذي اشاع فيها الاضطراب (إساءة معاملة، إفلاس، تحطم زواج، الى آخره) ليصبح مشرداً، فان الامر لا يأخذ منه سوى اربعة اسابيع او ما يقرب من ذلك "ليصبح محصناً، أي ليستقر في حياة الشارع ويبدأ بالتكيف بصورة نهائية".
ان ملاحظات سوسيولوجية كهذه هي أقل أهمية، في النهاية، من تصوير المؤلف لستوارت والعلاقة المفعمة بالعاطفة التي جمعت بينهما وتطورات على مدى سنوات عديدة.
فحين راح ماسترز يكافح لفهم حياة ستوارت تحول الاثنان الى صاحبين، وخصمين، وشريكين متجادلين، ثم زميلين.
وصار ماسترز ينظر الى ستوارت كشخص مشدود بين الفوضى والبحث عن سيطرة، بين الاشمئزاز الذاتي وكراهية النظام (المدرسة، السجن، المحاكم) الذي كان على الدوام يحاول ان يفرض الترتيب على حياته، بين التوق الى حياة اعتيادية- كان يحلم، كما قال، بان يشتري بيتاً في سوانسي بوليز
والتوق الى الجرعة المفرطة التي يمكن ان تمنح النسيان والتحرر من عفاريته وماضيه.
وفي يوم6 تموز 2002، حلت نهاية حياة ستوارت المؤلمة القصيرة حين صدمه قطار لندن- لين في موطنه قرية ووتربتش بالضبط.
ولم يكن واضحاً ان كان ذلك حادثاً ام انتحاراً. وكان ستوارت شورتر في الثالثة والثلاثين من عمره آنذاك.


عنوان الكتاب .. الحرب الكبيرة من أجل الحضارة

ترجمة :نادية فارس
تأليف: روبرت فيسك

ع/ التايمز

بسبب شجاعة مجردة ونثر ساحر وثلاث مقابلات مع اسامة بن لادن ومجموعة من الجوائز حصل عليها عبر ثلاثة عقود من الزمن، لا يمكن لأي صحفي في بريطانيا التنافس مع روبرت فيسك، كتاب "الحرب الكبيرة من اجل الحضارة" هو شهادته وفيه يمزج ما بين "الريبورتاج" والتاريخ والسياسة والانطباعات الشخصية عن والده الجندي، وايضاً عن أكاذيب رسمية والطبيعة القاسية للحرب.
ويحكي فيسك كيف ان فارسا روسياً سلمه ذات يوم "رشاشة كلاشينكوف" وارغمه على مرافقة موكب عسكري في افغانستان، رأي فيسك الكثير من الحروب، وشاهد قنابل تلقي ظلالاً على البحر اثناء تساقطها على ميناء عبادان، وراقب ايضاً انوار طائرة عراقية وكان قادراً على تمييزها- اليوشن 25، وهي تقصف طهران ليلاً.
أسلوب فيسك في الكتابة مشوق ويتميز بحيوية في وصف الاحداث التي يشاهدها ويمتلك مقدرة فذة لا تجارى في الوصف والنقل والتوغل في التفاصيل التي ينساها أو يتجاهلها أي شخص آخر.
ولهذه الأسباب فان الامر يبدو مخيباً للآمال عندما تؤدي التفاصيل الى حالة من الارباك والتشويش، لنأخذ حكاية زيارة الى الجبهة الإيرانية بالقرب من البصرة عام 1989، وهي منطقة كانت خطرة جداً ومجرد الذهاب اليها يعتبر "بطولة" دونما مناقشة، ويكتب فيسك، قبل بضعة اشهر قاد احدهم مصور وكالة "رويترز" الى حقل متفجرات وقتل الاثنان في الحال.
وكتاب فيسك يخلط بين الأسماء فهو يخطئ في اسم صحفي يوغسلافي بارع وهو، زوران دوغرا مجيف، الذي ساعد العديد من الصحفيين في تغطية الحرب عام، 1980 في بغداد، وهناك خطأ آخر يخص محرر الفايننشيال تايمز، الذي اجتاز الصحراء من الكويت عام 1990 وخرج من مغامرته تلك بقصة عن القسوة والخوف، إذ ان ذلك الصحفي وهو، فيكتور ماليت، وليس توني ووكر.
وقد يسمى النقاد هذا الامر بمراوغة من شخص سريع التعنيف لصحيفة "نيويورك تايمز" متهماً اياها بالتخاذل وفقدان الحيوية في اسلوبها الصحفي، ومن شخص يملأ الصفحات ويصحح مدلولات الإرهاب أو يحسب النقاط ضد المحررين فيها، هذا الامر لن يؤثر بالتأكيد على مكانة فيسك أو عدد قرائه على الانترنيت أو صفحات الاندبندت التي يعمل فيها منذ
تركه العمل فيم مكتب "التايم" في بيروت.
الخط والاتجاه السياسي واضحان في الكتاب، وكلنا يتحمل الخطأ السياسي وليس هناك مجال واسع للاختيار بين بوش أو بلير أو شارون أو صدام، ومهما تكن وجهة نظر المرء حيال الامر، فان الشكوى العنيفة سيكون لها تأثير اقوى من سيل البلاغة، وتاريخ الشرق الاوسط الذي يقدمه كتاب "الحرب الكبيرة من اجل الحضارة"، يبين استفادة المؤلف من ادوارد سعيد ونعوم جومكسي، واللذين يناقشان جرائم إسرائيل التي يبررها الغرب المتعالي والطامع بالنفط.
والاتجاه نحو التاريخ ضمن هدف معين امر جيد بالتأكيد ولكن التطرق الى قضية القتل الجماعي الذي تعرض له الأرمن، كان اسراً في بادئ الامر، لانه موضوع يجدر التعليق عليه واتضح فيما بعد ان ما يقصده المؤلف من ذلك هو قصده في مقارنة ذلك بالمذابح الجماعية التي ترتكبها إسرائيل وبالنسبة لهذا يدخل فيسك في مجال لا يتهم بمنافسته فيه مراسلون صحفيون آخرون.
وكما يقول فيسك، ان الحرب هي معاناة وموت ولكن بامكان أدب الحرب ان يتحول الى " دعارة القسوة".
والموضوع الاساسي في الكتاب، ان موضوعات مثل تجارة السلاح وامراض الحرب وخليفات السياسة الخارجية، هي الحرب الكبيرة التي تخوضها الحضارة فعلاً، وهي امور تحتاج الى اجراء تحقيق مشدد حولها.


أســلــوب بـــوش فــي الـحــكـم
 

  • حروب واشنطن الاستخباراتية: الفصل الأول من كتاب "كيف يحكم بوش"

تأليف/ سيدني بلومنثال
ترجمة/ عبد علي سلمان

عن/ صحيفة النيويورك تايمز

في بغداد، تتصرف إدارة بوش كما لو انها تفاجأت بمذابح ما بعد الحرب.
وتظاهرها بالصدمة هو نتيجة لحروب الاستخبارات في واشنطن، وفي الحقيقية، فان الادارة قد تم تحذيرها من الصراع القادم، ثم تجاهلت تقرير وزارة الخارجية المعنون "مستقبل العراق" الذي كلف خمسة ملايين دولار، وبعدها فان الرئيس بوش وقع بنفسه وثيقة تتضمن معلومات مؤكدة (عما سيحدث بعد الحرب).
ووفقاً للتخويل الصادر من الكونغرس باستخدام القوة في العراق، فان الإدارة مطالبة بتسليم تقارير عن خطط ما بعد الحرب للكونغرس كل ستة اشهر، ويفيد التقرير الصادر بتاريخ 14 نيسان الذي يحمل امضاء الرئيس بوش "إننا قلقون بشكل خاص لكون بقايا نظام صدام حسين ستستمر باستخدام العراقيين المدنيين كدريئة في القتال النظامي وغير النظامي أو ان تقوم بمهاجمة السكان العراقيين في مسعى للحط من اهداف الائتلاف" ويستمر التقرير بالقول "ان واضعي خطط الائتلاف قد تحسبوا لمثل هذه الاحتمالات، وصمموا الحملة العسكرية لتقليل الخسائر المدنية، أو الحاق ضررٍ بالبنى التحتية المدنية".
ولغاية 25 آب عند اندلاع العنف في عراق ما بعد الحرب، فان وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ادعى ان مثل هذا الاحتمال لم يكن منظوراً حيث قال "الان توفر احتمال بان المعارك ستأخذ مكاناً في جنوب بغداد وبعدها سيكون اخفاقاً تاماً شاملاً، وسيكون هناك القليل جداً من القتل والاسر بين هؤلاء القوم لانهم سيختلطون بالريف ويخوضون حروبهم الخاصة".
وقد اخبرني مصدر مرتبط بسناتور " نحن نقرأ تقاريرهم المقدمة الينا، لكن السيء في الامر، انهم لا يقرأون تقاريرهم الخاصة".
وقبل الوقت المتوقع للحرب فان الرئيس بوش "ولنكن دقيقيين، فان ديك تشيني رئيس الوزراء الفعلي للملكة الفراشات المتشامخة" كان يرى، وببساطة، ان وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية وبقية وكالات الاستخبارات غير متعاونة بل انها غير موالية، لان هذه الجهات استمرت بتمحيص المعلومات للتوصل الى ما قد يكون صحيحاً منها، وهذه العملية هي جوهر الاحترافية للمهمة الاستخباراتية. ولذا فان الاصرار القوي على اختبار المعلومات كان يشكل خطراً على الايديولوجية، فالحقائق هي الخطر المحدق بالعقيدة (عندما تكون حقائق الواقع لا تطابق فرضيات العقيدة- المترجم).
وهكذا كان يجب اسكات هذه الحقائق، وبالمقابل يقوم الافراد بايجاد أدلة مناقضة تساهم في التهميش والتخويف وعدم الموثوقية، ولمرتين واثناء التهيئة المتعجلة للحرب، توجه ديك تشيني بموكب سيارته الى مركز جورج دبليو بوش الاستخباراتي الواقع في لانغلي في فيرجينيا حيث يحاول هو شخصياً اجبار المحللين المختصين بالموضوع على جعل عملهم يتناسب مع التفاصيل (التي تريدها الإدارة) واذا لم تقدم وكالة الاستخبارات المركزية خدماتها فانها ستسحق بالاقدام.
اما في وزارة الدفاع فشكل دونالد رامسفيلد مكتباً خاصاً لوضع الخطط والذي كان بمثابة وكالة استخبارية موازية وضعت تحت إدارة نائب وزير الدفاع المحافظ بول وولفتز كي تكون "انبوب موقد الطبخ" للطبعة الخاصة من الاستخبارات التي تذهب مباشرة الى البيت الابيض، وتنأى تقاريرها عن الاختلاط والتشارك مع تقارير وكالة الاستخبارات المركزية أو استخبارات وزارة الخارجية خوفاً من ان تفسد بسبب الشك بها، وبدلاً من ذلك فان السيد احمد الجلبي من المؤتمر الوطني العراقي مرشح وزارة الدفاع كقائد عراق المستقبل، حل محل وكالة الاستخبارات المركزية كمصدر دقيق للمعلومات التي ظهر ان القليل منها كان صادقاً، على الرغم من ان مخاتلته كانت مطابقة سجله، وكانت وكالة الاستخبارات المركزية تعتبر السيد احمد الجلبي مشعوذاً بعد ان اغوى الوكالة بدعم " هجومه" للعراق عام 1995.
وهي حادثة عرضية تراجيكوميدية لكنها الواحدة التي اثبطت همم رعاته الرسميين من المحافظين.
وفي بواكير السنة الاخيرة (قبل الهجوم على العراق) وقبل مباشرة هانزبليكس لمهمته كرئيس لفريق الأمم المتحدة لمراقبة اسلحة العراق للدمار الشامل، امر وولفتز وكالة الاستخبارات المركزية باعداد تقرير يفيد ان بليكس كان ليناً مع العراق في الماضي، ومن شأن ذلك ان يشوه سمعته حتى قبل ان يبدأ عمله، لكن الوكالة توصلت الى نتيجة مناقضة لذلك فان وولفتز قد "ضرب رأسه بالسقف" من شدة الغضب على حد قول مسؤول سابق في وزارة الخارجية لصحيفة الواشنطن بوست.
وحينما التقى هانز بليكس ديك تشيني في البيت الابيض، فان نائب الرئيس اخبره بما سيحصل اذا لم تدعم جهود التفتيش التي يقوم بها عن اسلحة الدمار الشامل، سياسة الرئيس بوش، وقال له "لن نتردد في نزع الثقة عنك" وما كان هذا يختلف عن تعامل الإدارة مع وكالة الاستخبارات المركزية.
وفي تصميمها للاستمرار في نهجها فقد طلبت إدارة بوش تلفيق الادلة لتجسيم الخطر الوشيك الحدوث، وذلك لتوفير الغائية لعقيدة بوش، فيتوجب عندها القيام بتصرف مسبق، ان سياسة دير الرهبان تملي اوراق اللعب على الاستخبارات.
وفي واشنطن الرئيس بوش فان السياسة هي متابعة الحرب ولكن بوسائل أخرى، وبدلاً من السعي لاصلاح أي استخدام خاطئ للاستخبارات فان إدارة بوش وعبر لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ التي يهيمن عليها الجمهوريون، تقوم باصدار تقارير من شانها اتهام وكالة المخابرات المركزية بتقديم معلومات خاطئة.


نقد لكتاب: التطهير العرقي للفلسطينيين .. الفــلسطينيـون - الامــم وحـكايــاتــها
 

ترجمة :فاروق السعد
تـالــيف: ايان بابي
عن الايكونومست

يثير احد الاكادميين الاسرائيليين الذي، يقول إن على اسرائيل ان تعترف بحملتها المتعمدة لطرد ما يقارب 800000 فلسطيني في عام 1948، جدلا حادا في الداخل. عليه ماذا ينبغي ان يكون 1967 او 1948؟ فبالنسبة الى المراقبين في الشرق الاوسط يمثل هذا السؤال اختزالا بطريقتين للتفكير حول اصول وحلول النزاع الطويل بين اسرائيل وعرب فلسطين.

ففي عيون جمهور عام 1967، كان مطلوبا من اسرائيل ان تعود الى الحدود التي كانت تقف عندها قبل توسعها المفاجيء في حرب الايام الستة لذلك العام. ولاقامة السلام، تتمثل الحيلة على هذا الاساس في خلق الظروف التي تقوم اسرائيل طبقا لها بالتخلي عن القسم الاعظم او جميع تلك الاراضي والسماح باقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية و قطاع غزة. و هذه، كما اكتشفت اجيال من صناع السلام الفاشلين، مهمة عسيرة. ومع ذلك، فان مجموعة عام 1948، تعد هذه الطريقة من التفكير حول النزاع خطأ. فهم يجادلون بان السلام مستحيل ما لم تعترف اسرائيل وتعوض عن الجرائم التي ارتكبتها قبل ما يقارب 60 عاما، في حربها من اجل الاستقلال عام 1948. و هذه الجرائم، كما يقولون، كانت تتمثل في التهجير المتعمد لاغلب العرب من فلسطين، يبلغ عددهم تقريبا 800000 شخص، لضمان الحصول على اغلبية يهودية للدولة اليهودية. و ما لم تكفر اسرائيل بشكل ما عن تلك الكارثة المبكرة، التي يسميها العرب "النكبة"، فان السلام مستحيل. ان ايان بابي، عالم السياسة في جامعة حيفا، هو واحد من انقى المصادر الاسرائيلية عن مشهد 1948. فهو يعرف ما مدى الاستفزاز الذي يتولد من استخدام عبارة" التطهير العرقي" لعنوان كتابه الاخير. و لكن التطهير العرقي، كما يصر، هو بالضبط ما حدث في الحرب العربية- الاسرائيلية الاولى. فقد كانت، كما يقول، جريمة نفذت بترو، وارتكبت بقسوة و من ثم جرى انكارها بشكل منتظم. في عام 1948 لم يحدث ان يشن الصهاينة حربا قادت بشكل ماساوي ولكنه حتمي الى طرد اجزاء من السكان الساخطين. وان التطهر العرقي للفلسطينيين، كما يرى، كان الهدف الرئيسي منذ البداية. المؤرخ لاحداث 1948 قد كان في حالة من الاختمار لما يزيد عن 20 عاما. كانت اسرائيل و مؤيديها في يوم ما قد تمسكت بوجهة نظر جمعية حول الظروف التي ادت الى ولادة اسرائيل. في محاكمة مثيرة، قامت الامم المتحدة بالتصويت على تقسيم الاراضي المتنازع عليها الى دولة يهودية و دولة عربية. قبل اليهود الخطة، و لكن العرب حاولوا خنق الدولة اليهودية في مهدها. و في خلال الحرب التي اعقبت ذلك، تفوق اليهود، ضامنين بقائهم و موسعين الارض التي خصصت لهم طبقا للخطة الاصلية. و في اثناء القتال، هرب معظم السكان العرب.والجزء الاخير من هذا السرد المبسط قد فضح زيفه الان بصورة تامة. ففي عام 1988 نشر بيني موريس، مؤرخ اسرائيلي، " ولادة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، 1947-1949" ، متحديا وجهة النظر التي تؤكد ان معظم العرب قد هربوا حسب هواهم، في فزع او حسب اوامر الدول العربية. في العديد من المدن والقرى كانوا قد دفعوا عن عمد الى الهرب. يقول السيد موريس بانه لم يكن هنالك من خطة رئيسة لاخلاء جميع العرب: فقد حدث العديد من حالات الطرد في ذروة المعركة و غبار الحرب. و لكنه يقول ايضا بان فكرة نقل السكان قد درست بعناية من قبل ديفيد بن غوريون و قادة الصهاينة الاخرين، و كانت تحوم من خلف اعمالهم ومناقشاتهم. لقد اطلق السيد موريس و "المؤرخون الجدد" في اسرائيل مناقشة حامية. ولقد اتهم اساتذة آخرون السيد موريس بالطعن ببن غوريون من خلال اقتباسات منتقاة. وفي نسخة جديدة من "الولادة" في عام 2004، قدم السيد موريس دليلا جديدا عن مدى توق القيادة الصهيونية الى مسالة نقل السكان، و عن الخفة التي استغلوا بها احداث عام 1948 للتسبب في ذلك. (قال السيد موريس ايضا ، في مقابلة صعقت مؤيديه، بان لاسرائل الحق في اجتثاث "الطابور الخامس" الفلسطيني عند مهاجمة العرب للدولة الفتية، وان عدد الذين قتلوا او ذبحوا- ما يقارب 800، حسب احصائياته- كان "تافها" مقارنة، بالمجازر، مثلا، في البوسنة في التسعينات.) يذهب السيد باني، على اية حال، ابعد كثيرا من السيد موريس. فهو يصر على انه كان هنالك خطة رئيسة. ففي 10 آذار 1948، كما يؤكد، اجتمع 11 رجل في "البيت الاحمر" ، مقرات الجيش للدولة الاسرائيلية قبل ولادتها بتل ابيب، الهاغانا، من اجل وضع اللمسات الاخيرة على خطة "داليت" ،" وهي خطة تطهير عرقي للفلسطينيين". وفي تلك الامسية، ارسلت الاوامر العسكرية الى وحدات على الارض للتهيئة لطرد الفلسطينيين. يسمي السيد بابي تلك المجموعة من الرجال "المستشارية"، وهي عصابة سرية خاصة من القادة السياسيين و العسكريين مهيمن عليها من قبل بن غوريون. و لم تكن مسالة نقل السكان تحوم في خلفية تفكيرهم فحسب، كما يقول. بل انها كانت نقطة مركزية منذ البداية. لا زلنا في الضباب
ربما تفترض بانه بعد ما يزيد على 60 عام قد تكون قصة 1948 اصبحت مكشوفة. يمتلك المرخون ، من الجانب الاسرائيلي على الاقل، امكانية الوصول الى الارشيف العسكري، وقائع الاجتماعات السياسية والمذكرات الشخصية. واحسرتاه، فالامر ليس سهلا. فالمستشارية قلما كانت تترك وقائع اجتماعات. وكان بن غوريون كاتب مذكرات استثنائي، و لكنه انتقائيي في ما اراد تدوينه. يقر السيد بابي بانه لا يعرف في الحقيقة ما قاله بن غوريون في الاجتماع المزعوم في "البيت الاحمر" يوم 10 آذار. اما بصدد خطة داليت، فان ذلك لا يشكل اكتشافا جديدا من قبل السيد بابي. فقد كانت الخطة قد نشرت قبل عقود و لم ينظر لها بشكل لا لبس فيه على انها كانت خطة رئيسة لتطهير عرقي شامل. فقد كان الهدف هو سحق المليشيات الفلسطينية قبل ان تواجه الهاغانا الجيوش العربية الغازية. فقد كانت تمنح القادة حرية التصرف في احتلال او تدمير و طرد القرى المعادية او القرى التي من المرجح ان تكون معادية؛ البعض قام بتدمير مجموعات من القرى و البعض الاخر لم يفعل. وسوف يسال معارضو السيد بابي عن سبب اهماله للاوامر التي ارسلت من قبل رئيس اركان الهاغانا، اسرائيل غاليلي، في 24 آذار، التي يذكر فيها القادة بحماية الحاجات "الصحيحة تماما" ، و الحرية للعرب في الدولة العبرية بدون تمييز". بفضل تلك التضاربات، فان تاريخ 1948 سيبقى مثار جدل. و مثل الكثير من "التاريخ المعاصر" ، فان هذا الكتاب يعاني من خلل معاملة الفلسطينيين كضحايا فقط، و ليس كلاعبين من اجل حقوقهم ذاتها. ولكن كم اتضح حقا امام المؤرخين من هذا الجدل؟ يقول السيد بابي بان على الصهيونية ان تعترف و ان تصلح خطيئتها الاصلية. و لكن ان كانت مسالة نقل السكان عام 1948 او لم تكن مقصودة (كما يقول)، او مسالة انتهاز للفرص(كما يقول السيد موريس)، فان المورخين بالكاد يتمكنون من العودة الى نصف قرن. لقد اقر في الواقع بعض السياسيين الاسرائيليين المتبصرين بان على بلدهم ان يتحمل قسطا من اللوم. ففي مذكراته عام 2005" آثار الحرب، جروح السلام"، اقر شالوم بن-امي، وزير خارجية سابق (ومؤرخ) بانه في عام 1948 كانت الجالية العربية "في دولة الرعب" قد دفعت الى القتال من قبل الجيش الاسرائيلي"الذي لا يرحم" الذي ارتكب اعمالا وحشية ومجازر. كان ذلك قد ارتكب عن عمد من اجل توسيع حدود الدولة الجديدة. و لكن مهما كانت القضية الاخلاقية في اعادة اللاجئين، كما يقول بن-امي، بعد الحرب كان ذلك " امرا غير مقبولا في السياقات التاريخية و السياسية"، ليس اقلها بسبب المطالب غير المشروعة للدول العربية، التي لم تقبل ابدا التقسيم و في الواقع اختطفت لنفسها الكثير مما ينبغي ان يكون للدولة الفلسطينية. وكوزير خارجية في عهد ايهود باراك، كان السيد بن-امي جزء من الفريق الذي حاول في كامب ديفيد عام 2000 ان يصنع السلام على حدود 1967 تقريبا. لم يفاجأ السيد بابي في ان تفشل هذه المحاولة. فبالنسبة الى الفلسطينيين، كما يقول، " ان 1948 تمثل قلب المشكلة و بمعالجة الاخطاء التي اقترفت يمكن عندها فقط ان نقترب من نهاية النزاع." ولكن السيد بابي يريد من اسرائيل ليس ان تعتذر فحسب بل ايضا السماح لجميع اللاجئين العرب بالعودة، وبهذا التخلي عن فكرة الدولة اليهودية ذات الاغلبية اليهودية. من الصعب تصور ان هناك الكثير من الاسرائيليين يوافقون على هذا، ومهما كان رايهم حول ما حدث حقا في عام 1948.

 

 

للاتصال بنا  -  عن المدى   -   الصفحة الرئيسة