نقد
لكتاب: التطهير العرقي للفلسطينيين ..
الفــلسطينيـون - الامــم وحـكايــاتــها
ترجمة :فاروق السعد
تـالــيف: ايان
بابي
عن الايكونومست
يثير
احد الاكادميين الاسرائيليين الذي، يقول إن على اسرائيل ان
تعترف بحملتها المتعمدة لطرد ما يقارب 800000 فلسطيني في
عام 1948، جدلا حادا في الداخل. عليه ماذا ينبغي ان يكون
1967 او 1948؟ فبالنسبة الى المراقبين في الشرق الاوسط
يمثل هذا السؤال اختزالا بطريقتين للتفكير حول اصول وحلول
النزاع الطويل بين اسرائيل وعرب فلسطين.
ففي
عيون جمهور عام 1967، كان مطلوبا من اسرائيل ان تعود الى
الحدود التي كانت تقف عندها قبل توسعها المفاجيء في حرب
الايام الستة لذلك العام. ولاقامة السلام، تتمثل الحيلة
على هذا الاساس في خلق الظروف التي تقوم اسرائيل طبقا لها
بالتخلي عن القسم الاعظم او جميع تلك الاراضي والسماح
باقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية و قطاع غزة.
و هذه، كما اكتشفت اجيال من صناع السلام الفاشلين، مهمة
عسيرة. ومع ذلك، فان مجموعة عام 1948، تعد هذه الطريقة من
التفكير حول النزاع خطأ. فهم يجادلون بان السلام مستحيل ما
لم تعترف اسرائيل وتعوض عن الجرائم التي ارتكبتها قبل ما
يقارب 60 عاما، في حربها من اجل الاستقلال عام 1948. و هذه
الجرائم، كما يقولون، كانت تتمثل في التهجير المتعمد لاغلب
العرب من فلسطين، يبلغ عددهم تقريبا 800000 شخص، لضمان
الحصول على اغلبية يهودية للدولة اليهودية. و ما لم تكفر
اسرائيل بشكل ما عن تلك الكارثة المبكرة، التي يسميها
العرب "النكبة"، فان السلام مستحيل. ان ايان بابي، عالم
السياسة في جامعة حيفا، هو واحد من انقى المصادر
الاسرائيلية عن مشهد 1948. فهو يعرف ما مدى الاستفزاز الذي
يتولد من استخدام عبارة" التطهير العرقي" لعنوان كتابه
الاخير. و لكن التطهير العرقي، كما يصر، هو بالضبط ما حدث
في الحرب العربية- الاسرائيلية الاولى. فقد كانت، كما
يقول، جريمة نفذت بترو، وارتكبت بقسوة و من ثم جرى انكارها
بشكل منتظم. في عام 1948 لم يحدث ان يشن الصهاينة حربا
قادت بشكل ماساوي ولكنه حتمي الى طرد اجزاء من السكان
الساخطين. وان التطهر العرقي للفلسطينيين، كما يرى، كان
الهدف الرئيسي منذ البداية. المؤرخ لاحداث 1948 قد كان في
حالة من الاختمار لما يزيد عن 20 عاما. كانت اسرائيل و
مؤيديها في يوم ما قد تمسكت بوجهة نظر جمعية حول الظروف
التي ادت الى ولادة اسرائيل. في محاكمة مثيرة، قامت الامم
المتحدة بالتصويت على تقسيم الاراضي المتنازع عليها الى
دولة يهودية و دولة عربية. قبل اليهود الخطة، و لكن العرب
حاولوا خنق الدولة اليهودية في مهدها. و في خلال الحرب
التي اعقبت ذلك، تفوق اليهود، ضامنين بقائهم و موسعين
الارض التي خصصت لهم طبقا للخطة الاصلية. و في اثناء
القتال، هرب معظم السكان العرب.والجزء الاخير من هذا السرد
المبسط قد فضح زيفه الان بصورة تامة. ففي عام 1988 نشر
بيني موريس، مؤرخ اسرائيلي، " ولادة مشكلة اللاجئين
الفلسطينيين، 1947-1949" ، متحديا وجهة النظر التي تؤكد ان
معظم العرب قد هربوا حسب هواهم، في فزع او حسب اوامر الدول
العربية. في العديد من المدن والقرى كانوا قد دفعوا عن عمد
الى الهرب. يقول السيد موريس بانه لم يكن هنالك من خطة
رئيسة لاخلاء جميع العرب: فقد حدث العديد من حالات الطرد
في ذروة المعركة و غبار الحرب. و لكنه يقول ايضا بان فكرة
نقل السكان قد درست بعناية من قبل ديفيد بن غوريون و قادة
الصهاينة الاخرين، و كانت تحوم من خلف اعمالهم ومناقشاتهم.
لقد اطلق السيد موريس و "المؤرخون الجدد" في اسرائيل
مناقشة حامية. ولقد اتهم اساتذة آخرون السيد موريس بالطعن
ببن غوريون من خلال اقتباسات منتقاة. وفي نسخة جديدة من
"الولادة" في عام 2004، قدم السيد موريس دليلا جديدا عن
مدى توق القيادة الصهيونية الى مسالة نقل السكان، و عن
الخفة التي استغلوا بها احداث عام 1948 للتسبب في ذلك.
(قال السيد موريس ايضا ، في مقابلة صعقت مؤيديه، بان
لاسرائل الحق في اجتثاث "الطابور الخامس" الفلسطيني عند
مهاجمة العرب للدولة الفتية، وان عدد الذين قتلوا او
ذبحوا- ما يقارب 800، حسب احصائياته- كان "تافها" مقارنة،
بالمجازر، مثلا، في البوسنة في التسعينات.) يذهب السيد
باني، على اية حال، ابعد كثيرا من السيد موريس. فهو يصر
على انه كان هنالك خطة رئيسة. ففي 10 آذار 1948، كما يؤكد،
اجتمع 11 رجل في "البيت الاحمر" ، مقرات الجيش للدولة
الاسرائيلية قبل ولادتها بتل ابيب، الهاغانا، من اجل وضع
اللمسات الاخيرة على خطة "داليت" ،" وهي خطة تطهير عرقي
للفلسطينيين". وفي تلك الامسية، ارسلت الاوامر العسكرية
الى وحدات على الارض للتهيئة لطرد الفلسطينيين. يسمي السيد
بابي تلك المجموعة من الرجال "المستشارية"، وهي عصابة سرية
خاصة من القادة السياسيين و العسكريين مهيمن عليها من قبل
بن غوريون. و لم تكن مسالة نقل السكان تحوم في خلفية
تفكيرهم فحسب، كما يقول. بل انها كانت نقطة مركزية منذ
البداية. لا زلنا في الضباب
ربما تفترض بانه بعد ما يزيد على 60 عام قد تكون قصة 1948
اصبحت مكشوفة. يمتلك المرخون ، من الجانب الاسرائيلي على
الاقل، امكانية الوصول الى الارشيف العسكري، وقائع
الاجتماعات السياسية والمذكرات الشخصية. واحسرتاه، فالامر
ليس سهلا. فالمستشارية قلما كانت تترك وقائع اجتماعات.
وكان بن غوريون كاتب مذكرات استثنائي، و لكنه انتقائيي في
ما اراد تدوينه. يقر السيد بابي بانه لا يعرف في الحقيقة
ما قاله بن غوريون في الاجتماع المزعوم في "البيت الاحمر"
يوم 10 آذار. اما بصدد خطة داليت، فان ذلك لا يشكل اكتشافا
جديدا من قبل السيد بابي. فقد كانت الخطة قد نشرت قبل عقود
و لم ينظر لها بشكل لا لبس فيه على انها كانت خطة رئيسة
لتطهير عرقي شامل. فقد كان الهدف هو سحق المليشيات
الفلسطينية قبل ان تواجه الهاغانا الجيوش العربية الغازية.
فقد كانت تمنح القادة حرية التصرف في احتلال او تدمير و
طرد القرى المعادية او القرى التي من المرجح ان تكون
معادية؛ البعض قام بتدمير مجموعات من القرى و البعض الاخر
لم يفعل. وسوف يسال معارضو السيد بابي عن سبب اهماله
للاوامر التي ارسلت من قبل رئيس اركان الهاغانا، اسرائيل
غاليلي، في 24 آذار، التي يذكر فيها القادة بحماية الحاجات
"الصحيحة تماما" ، و الحرية للعرب في الدولة العبرية بدون
تمييز". بفضل تلك التضاربات، فان تاريخ 1948 سيبقى مثار
جدل. و مثل الكثير من "التاريخ المعاصر" ، فان هذا الكتاب
يعاني من خلل معاملة الفلسطينيين كضحايا فقط، و ليس
كلاعبين من اجل حقوقهم ذاتها. ولكن كم اتضح حقا امام
المؤرخين من هذا الجدل؟ يقول السيد بابي بان على الصهيونية
ان تعترف و ان تصلح خطيئتها الاصلية. و لكن ان كانت مسالة
نقل السكان عام 1948 او لم تكن مقصودة (كما يقول)، او
مسالة انتهاز للفرص(كما يقول السيد موريس)، فان المورخين
بالكاد يتمكنون من العودة الى نصف قرن. لقد اقر في الواقع
بعض السياسيين الاسرائيليين المتبصرين بان على بلدهم ان
يتحمل قسطا من اللوم. ففي مذكراته عام 2005" آثار الحرب،
جروح السلام"، اقر شالوم بن-امي، وزير خارجية سابق (ومؤرخ)
بانه في عام 1948 كانت الجالية العربية "في دولة الرعب" قد
دفعت الى القتال من قبل الجيش الاسرائيلي"الذي لا يرحم"
الذي ارتكب اعمالا وحشية ومجازر. كان ذلك قد ارتكب عن عمد
من اجل توسيع حدود الدولة الجديدة. و لكن مهما كانت القضية
الاخلاقية في اعادة اللاجئين، كما يقول بن-امي، بعد الحرب
كان ذلك " امرا غير مقبولا في السياقات التاريخية و
السياسية"، ليس اقلها بسبب المطالب غير المشروعة للدول
العربية، التي لم تقبل ابدا التقسيم و في الواقع اختطفت
لنفسها الكثير مما ينبغي ان يكون للدولة الفلسطينية.
وكوزير خارجية في عهد ايهود باراك، كان السيد بن-امي جزء
من الفريق الذي حاول في كامب ديفيد عام 2000 ان يصنع
السلام على حدود 1967 تقريبا. لم يفاجأ السيد بابي في ان
تفشل هذه المحاولة. فبالنسبة الى الفلسطينيين، كما يقول، "
ان 1948 تمثل قلب المشكلة و بمعالجة الاخطاء التي اقترفت
يمكن عندها فقط ان نقترب من نهاية النزاع." ولكن السيد
بابي يريد من اسرائيل ليس ان تعتذر فحسب بل ايضا السماح
لجميع اللاجئين العرب بالعودة، وبهذا التخلي عن فكرة
الدولة اليهودية ذات الاغلبية اليهودية. من الصعب تصور ان
هناك الكثير من الاسرائيليين يوافقون على هذا، ومهما كان
رايهم حول ما حدث حقا في عام 1948. |