رأي فــــي الــعولمــــة -
تـــقاسم العـــالــم
بقلم: إماراتيا سين
ترجمة : عبد العزيز لازم
عن مجلة (ذي مغازين)
*
(أستاذ جامعة لامونت في علم الاقتصاد والفلسفه
–
جامعة هارفرد.)
التعاضد المتبادل والعدالة الكروية
إن العدالة، كما اتضح بالبرهان يجب أن لا تتم إقامتها فقط
بل يجب أن (تشاهد وهي تتحقق). أو بشكل اكثر وضوحا (كما ذهب
لورد هيوارت حين اصدر حكمه الشهير عام 1923) إن العدالة
(يجب أن تشاهد وهي تتحقق بشكل لا لبس فيه وعلى نحو
ظاهر).من المفيد أن ننعم النظر في شرط العدالة الأساسي هذا
عند تقييم الحجج المضادة للعولمة بشكلها العام والدور
الخاص للتعاضد المتبادل في تمكين العولمة من النجاح.وهناك
أسباب وجيهة للبرهنة على أن العولمة الاقتصادية هي هدف عام
ممتاز وأنها تحقق إسهاما إيجابيا جدا في العالم المعاصر.
في نفس الوقت، من الصعب إنكار أن هناك بعض المشقة في إقناع
عدد كبير من الناس
–
أي جعلهم "يشاهدون"
–
بأن العولمة هي نعمة
جلية تشمل الجميع ومن ضمنهم أولئك الأشد فقرا.إن وجود هذه
المجابهة لا يجعل العولمة هدفا رديئا، لكنها تقتضي منا فحص
الأسباب التي توجد بفضلها تلك المشقة في جعل كل إنسان يرى
إن العولمة هي شيء صالح (بشكل لا لبس فيه وعلى نحو ظاهر).
يتعين على التقييم النقدي للعولمه أن يسير جنباً الى جنب
مع محاولة فهم سبب الصعوبة التي تواجهها مدن كثيرة في قبول
حقيقة أن العولمة هي نعمة عظيمة بالنسبة للشعوب المحرومة
في العالم. وإذا كان العديد من الناس خاصة في البلدان
الأقل ثراء في العالم يواجهون صعوبة حقيقية في فهم كون
العولمة تخدم مصالحهم فهناك إذا شيء ينطوي على الارتياب
الخطر في ذلك التباعد في الآراء. إن التحدي الأساسي يقتضي
ضمنا وجود دور التفكير الشعبي والحاجة إلى ما يدعوه
الفيلسوف الكبير جون رولز بـ(الإطار الشعبي للتفكير) الذي
يوفر(وصفا للاتفاق في الحكم بين موظفين من ذوي التفكير
الصائب). إن تحليل رولز للتقييم النقدي كان محصورا بقضايا
العدالة داخل بلد ما، لكن ذلك يمكن توسيعه باتجاه
المناقشات الدائرة في الكرة الأرضية كذلك، ويتعين بالتأكيد
أن تكون المناقشات متسعة جدا إذا حاولنا تقييم الأهداف
وتقييم طرق ووسائل العولمة الملائمة كذلك. إن هدف العولمة
لا يمكن أن يكون مرتبطا فقط برواية أمور البضاعة مع
استبعاد رواية شؤون الآراء.
توزيع المنافع
حين طلبت الجمعية
العامة للأمم المتحدة قبل عام من الأمين العام للأمم
المتحدة إعداد تقرير(حول العولمة والتعاضد المتبادل) من
أجل (صياغة ترابط أكبر)، فانها بذلك كانت تفتح الباب ليس
أمام القضايا التقليدية الخاصة بالطرق والوسائل فقط، بل
أمام قضايا تتعامل مع شفافية التقييمات وبروز المنافع
للعيان. علينا ان نطلق السؤال بشكل خاص حول إمكان تقييم
العلاقات الاقتصادية بطريقة يكون فيها الفهم الناتج عن ذلك
فهما مشتركا بشكل واسع.
بما إنني قد بدأت هذه المقالة بمستوى يتسم بشيء من
العمومية، دعني الآن أقوم بعمل حاسم لمصلحة الإيجاز ضمن
حدود تمرين في التقييم. إن إنجازات العولمة هي إنجازات
مؤثرة بشكل منظور في العديد من أجزاء العالم.
ونادرا ما نخفق
في رؤية الاقتصاد الكروي وهو يجلب الرفاه لمناطق مختلفة
غير قليلة في الكرة الأرضية. إن الفقر الشامل والحياة
(البغيضة والوحشية والجافة) قد هيمنت على العالم لقرون غير
قليلة ماضية على الرغم من وجود قدرات مالية غير قليلة وفرت
بحبوحة نادرة. وفي مجال السيطرة على هذا الفقر المدقع كانت
العلاقات الاقتصادية المتبادلة وكذلك انتشار التكنولوجيا
الحديثة مؤثرة ومنتجة جدا.
وليس من الصعب أيضا رؤية أن المأزق الاقتصادي للفقراء على
امتداد العالم لا يمكن أن يكون معكوسا عن طريق حبس
الأفضليات العظيمة للتكنولوجيا المعاصرة وحبس الفعالية
التي تم بناؤها جيدا التي تتسم بها التجارة والتبادل
العالميين وكذلك حبس الأفضليات الاقتصادية والاجتماعية
التي يوفرها العيش في المجتمعات المفتوحة على العكس من
المجتمعات المغلقة.إن الناس من سكان البلدان شديدة الحرمان
يطالبون بصخب بثمار التكنولوجيا الحديثة (كالاستفادة من
الأدوية المبتكرة حديثا، كأدوية معالجة الإيدز على سبيل
المثال)، فهم يسعون إلى الوصول إلى الأسواق في البلدان
الأكثر غنى من اجل الحصول على تشكيلة منوعة واسعة من
البضائع اعتبارا من السكر إلى المنسوجات، وهم يريدون صوتا
أعلى واهتماما اكبر من قبل سائر العالم. وإذا كان هناك نوع
من الشكوكية في ثمار العولمة، فالبشرية لا تريد الانسحاب
إلى داخل قوقعتها بسبب المعاناة.
في حقيقة الأمر، إن القضايا العملية البارزة السالفة تشمل
إمكانية الإفادة من المنافع الاستثنائية الناتجة عن
الروابط الاقتصادية والتقدم العلمي والفرصة السياسية
بطريقة تبرز الاهتمام الكافي بمصالح المحرومين وضحايا
الظلم. وهذا ما أستطيع البرهنة على متانة المسألة البناءة
المنبثقة عن الحركات المضادة للعولمة، وهي في النهاية ليست
مسألة رمي العلاقات الاقتصادية الكروية في سلة النفايات
لكنها قضية جعل منافع العولمة موزعة بشكل اكثر عدلا.
كيف تكون
المشاركة منصفة ؟
إن القضايا التوزيعية التي تبرز بشكل جلي في أدبيات كل من
المعترضين على معارضي العولمة والمدافعين عن مؤيديها في
حاجة إلى بعض الإيضاح. أستطيع أن أجزم أن هذه القضية
المركزية قد عانت الرغبة الملحة في جعلها من القضايا قليلة
الشأن على نحو ما.فعلى سبيل المثال يثار الجدل حول إن
الفقراء يزدادون فقرا. إن هذا في الحقيقة لا يمثل الحالة
القياسية على الإطلاق (بل على العكس تماما) حتى ان حدث ذلك
في بعض الحالات الخاصة. الكثير من ذلك يعتمد في كل الحالات
على مؤشر الرفاه الاقتصادي الذي يتم اختياره، فالإجابات
التي تنشأ عن ذلك لا تتحدث بصوت واحد. الأكثر من ذلك إن
مسؤولية حالات الفشل لا تقع فقط على عاتق طبيعة العلاقات
الكروية لكنها في الغالب تتصل على نحو اكبر بشكل مباشر
وقوي بطبيعة السياسات الاقتصادية والاجتماعية
المحلية.فالعلاقات الاقتصادية الكروية يمكن أن تنتعش مع
السياسات لمحلية المناسبة، على سبيل المثال اتساع التعليم
الأساسي والرعاية الصحية واستصلاح الأراضي وخدمات تيسير
الديون (من ضمنها الديون المحلية). إن تلك مواضيع طيبة
لأجل النقاش العام
–لغرض
تدريب العقول –
على اعتبار إن
الفهم الاقتصادي يمكن أن يتعرض للتشوش بشكل كبير عن طريق
الإسناد المتسرع وغير النقدي للمسؤولية المفترضة.
لغرض التمرد ضد الفقر المروع والظلم الصاعق اللذين يميزان
العالم المعاصر أو لغرض الاحتجاج ضد التقاسم غير المنصف
لمنافع التعاون الكروي،لا مناص من تبيان إن هذا الظلم ليس
ظلما هائلا فقط بل انه يزداد هولا أيضا.
أما في الجانب الآخر فغالبا ما يقوم المتحمسون للعولمة في
شكلها المعاصر بتفعيل (ويقنعون بقوة) فهمهم بأن الفقراء في
هذا العالم يصيرون الآن اقل فقرا على نحو نموذجي وليس (كما
يزعم) اكثر فقرا. العولمة كما يثار لا يمكن أن تكون غير
منصفة بحق الفقراء : فهم أيضا يستفيدون
–
لذا فأين المشكلة ؟ فاذا
تم تقبل هذه الصلة الوثيقة بالقضية فأن هذا الجدل باكمله
يتحول إلى تقرير أي من الجانبين هو الصحيح في هذا النزاع
الذي هو نزاع تجريبي بشكل رئيسي : هل الفقراء يصيرون الآن
اكثر فقرا أم أكثر غنى ؟
ولكن هل هذا هو السؤال الصحيح ؟ أستطيع القول انه ليس كذلك
إطلاقا. فحتى لو تعين على الفقراء ان يصبحوا اكثر غنى
قليلا، فليس بالضرورة أن ينطوي ذلك على أن الفقراء يحصلون
على نصيب منصف من منافع العلاقات الاقتصادية المتبادلة ومن
القدرات الهائلة للعولمة.كما أنه ليس من المناسب طرح
السؤال حول فيما إذا كان انعدام التكافؤ في طريقه إلى إن
يكون اكبر أو اصغر. ولغرض التمرد ضد الفقر المروع والظلم
الصاعق اللذين يميزان العالم المعاصر أو لغرض الاحتجاج ضد
التقاسم غير المنصف لمنافع التعاون الكروي، لا حاجة لتبيان
أن هذا الظلم ليس فقط ظلما هائلا بل انه يزداد هولا أيضا.
لقد تعرضت القضايا المركزية إلى التعتيم في اغلب الحالات
بسبب تلك المناقشات مفرطة الحدة حول قضايا جانبية (اسهم
فيها كلا جانبي النزاع). وحين يكون هناك ثمة مكاسب من
التعاون، فيمكن أن يكون هناك العديد من الترتيبات البديلة
التي تعود بالنفع على كل طرف إذا ما قورنت بحالة انعدام
التعاون. لهذا السبب من الضروري السؤال عن ما إذا كان
توزيع المكاسب منصفا أو مقبولا وليس مجرد وجود بعض المكاسب
لجميع الأطراف (كما هو الحال في عدد كبير جدا من الترتيبات
البديلة). وكما بحث (جي. أف. ناش)عالم النظريات وواضع
النظريات في مجال المهنة لأكثر من نصف قرن مضى (في بحث نشر
في ايكونومتريكا 1950 استشهد به مع بحوث أخرى له من قبل
الأكاديمية الملكية السويدية لدى منحه جائزة نوبل في علم
الاقتصاد). إن القضية المركزية ليست فيما إذا كان ترتيب
معين هو افضل الجميع من اللاتعاون إلى الأبد (يمكن إن يكون
هناك مثل هذه الترتيبات) ولكن الأمر هو فيما إذا كانت
الاقتسامات التي تظهر للعيان هي اقتسامات منصفة قياسا على
الترتيبات البديلة التي يمكن أن تصنع. إن النقد القائل بأن
الترتيب التوزيعي الناتج عن التعاون هو ترتيب غير منصف لا
يمكن دحضه بمجرد ملاحظة إن جميع الأطراف هم افضل حالا مما
هم عليه في حالة غياب التعاون. يمكن أن يكون هناك الكثير
–
الكثير بشكل لامحدود حقا
–
إن مثل هذه الترتيبات مع
التطبيق الحقيقي هي الاختيار الممتاز (من بين) تلك
الترتيبات المتنوعة. |