المهرجان
الدولي الخمسون للافلام السينمائية في لندن ..
عروض تجريبية.. وأفلام كلاسيكية وندوات
سعدي
عبد اللطيف
لندن
افتتح يوم 18 من الشهر
المنصرم مهرجان لندن السينمائي الذي اتفق الجميع على وصفه
بانه " مهرجان المهرجانات".
ففي شهر تشرين الاول من عام1957 اعلن عن تدشين اول مهرجان
سينمائي في لندن وكان اول فيلم يعرض فيه هو (عرش الدم)
للمخرج الياباني الكبير اكيرا كيروساوا.
وحاول منظمو هذا المهرجان، بمناسبة مرور خمسين عاما على
بدايته، اضفاء علامة فارقة عليه، لذلك تقرر افتتاحه بفيلم
بريطاني مهم هو " آخر ملوك اسكتلندة " الذي يدورحول
الوقائع الحقيقية للنظام الوحشي للرئيس السابق لجمهورية
اوغندة عيدي أمين.
يحكي الفيلم قصة متخيلة لطبيب اسكتلندي شاب يذهب إلى
افريقيا هربا من حياة الضجر في اسكتلندة، وفي ذهنه فكرة
غامضة عن تقديم عمل مفيد ما للافارقة. وعندما يصل إلى
هناك، يتصادف وجوده مع صعود أمين إلى السلطة. ويعرض عليه،
وبمحض الصدفة، ان يعمل كطبيب شخصي لعيدي امين. ويوافق
الطبيب نيكولاس جاريكان على هذا العرض، ومما أغواه على
القبول سخاء السيد رئيس الجمهورية وخطابه الشعبوي، ليجد
نفسه، وبعد فترة جد قصيرة، المستشار الاول للرئيس على
طائفة من القضايا تبدأ من الهندسة المعمارية وتنتهي
بالشوؤن الخارجية. وفي البداية انتابته نشوة الاحساس
بالاهمية بحيث لم يعد يرغب بمعرفة ما يجري حوله، وحينما
اجبر اخيرا على مواجهة الممارسات الوحشية لعيدي امين كان
قد فات الآوان.
يمهد الفيلم القصة بارساء نغمة كوميدية جافة تتلاشى
تدريجيا عندما تبدأ اساليب حكم امين المرعبة تكشف عن
نفسها. وهكذا، فان حماسة عيدي امين الطفولية وعشقه لكل ما
هو اسكتلندي، بحيث عرض(كما هو معروف، على تأسيس جيش
لارساله إلى اسكتلندة لمحاربة الانجليز كي تحصل اسكتلندة
على استقلالها)، وولعه بالملابس الغريبة، وفرت مشاهد
كوميدية عظيمة. وساعدنا الفيلم على سبر أغوار شخصية أمين
الملتبسة وقادنا إلى فهم كيف ان شخصا مثل نيكولاس يتورط في
عالم عيدي امين الجهنمي.
ويمتاز فيلم " آخر ملوك اسكتلندة " باقامة توازن بين
اطلالته النفسية العميقة والحقائق التاريخية، وكذلك
حساسيته الشديدة وذكائه واصالته.
بنيت مادة الفيلم على رواية جايلز فودن واخرجه كيفن
ماكدونالد وقام بتمثيله فورست وتيكر وجيمس مكافوي.
لقد بدأ مهرجان لندن عام 1957 بداية متواضعة اذ اقتصرت
دعوات الحضور، حينها، على الصحافة ووسائل الاعلام وتجارة
الافلام، لكن الامر تطور بمرور السنوات وسمح للجمهور
العريض بحضور الافلام التي تعرض الان في اكثر من 50 قاعة
للسينما في لندن، وكان الهدف الاصلي للمهرجان عرض افلام
منتخبة من مهرجانات اوربا السينمائية مثل كان و فينيسيا،
غير انه توسع لعرض افلام منتخبة من جميع انحاء العالم،
ولهذا السبب يطلق عليه (مهرجان المهرجانات).
وتتنوع افلام المهرجان، فهناك العروض الخاصة و الافلام
البريطانية الجديدة. وخصصت للسينما الفرنسية مساحة
لافلامها تحت عنوان (الثورات الفرنسية). وغطت عروض الافلام
الاوربية اياما وقاعات عرض كثيرة. اما افلام العالم الاخرى
فقد شملت جميع القارات. ولم يبخل المهرجان بعرض افلام
تجريبية وكذلك عرض كنوز من الارشيف، أي عرض درر من الافلام
الكلاسيكية القديمة. ومنح المهرجان الفرصة لعرض الافلام
القصيرة والرسوم المتحركة. وتتخلل المهرجان امسيات وندوات
يتحدث فيها المخرجون والمنتجون عن اعمالهم امام جمهور
الصحافة والنقاد. ولايمنح المهرجان جوائزه على طريقة
المهرجانات الاخرى مثل الاوسكار أو كان، لكنه خصص جوائز
معينة مثل جائزة جون جريرسون في ذكرى المخرج الاسكتلندي
المبدع للافلام الوثائقية والذي توفي عام 1972 و جائزة
النقاد العالمية التي تمنحها المنظمة الدولية لنقاد
الافلام والتي تضم نقادا من جميع انحاء العالم والتي تأسست
قبل 70 سنة وهناك جائزة باسم المخرج الهندي الكبير ساتييجت
راي.... الخ.
واختتم المهرجان بفيلم عنوانه " بيبل " والذي يعني مدينة
بابل او اختلاط الاصوات.
يحاول مخرج الفيلم اليجاندرو غونزاليس اقامة رابطة بين
القصص الشخصية والسياسات الدولية. وينصب اهتمام الفلم على
نتائج الافعال العشوائية والاقدار. وعنوان الفيلم يصور
حيوات اناس منتشرين في أرجاء العالم ويتحدثون بلغات مختلفة
ولكنهم غير قادرين على التواصل. فعلى سفح تل مغبر في
المغرب يحاول صبيان اللعب ببندقية اعطيت لهما لحماية ماعز
العائلة. وحين محاولتهما تجريب مدى البندقية تطلق النار
على باص يقل سياحا، وفي تلك اللحظة تتصادم حيوات اربع
مجموعات من الغرباء تنتشر على ثلاث قارات.
فريتشارد (يمثله براد بت) و سوزان (كيت بلانشيت) امريكيان
جاءا لقضاء عطلتهما في المغرب ليتماثلا للشفاء اثر
فقدانهما طفلهما، واميليا، في المكسيك تقرر اخذ اطفالها
عبر الحدود لحضور حفل زواج ابنها، وفي طوكيو تحاول جايكو،
الطالبة الصماء البكماء المتمردة مجابهة احزان فقدان امها
واحباطات مراهقتها.
ويحاول المخرج وكاتب سيناريوالفيلم جوليرمو أرياغا نسج هذه
القصص الثلاث بشكل متواز، واستكشاف الشخصيات والعلاقات
بعمق. وقدم الممثلون اداء تعبيريا واقعيا مما اضاف إلى
الفيلم احساسا بالبداهة والموثوقية. ان فيلم (بيبل) الذي
يربط هذه القصص الحميمية بافق ملحمي، هو فيلم جريء بتأكيده
على ان الافتراضات والانحيازات تثير المشاكل والشقاق اكثر
من حواجز اللغة وحدود البلدان.
|